أين يختفي التعصب
يعجز كثير من البشر عن الفصل بين القيمة العلمية لموضوع و بين العاطفة المصاحبة لصاحبه،لأنه يرى نفسه من خلاله ،فيعجبه كلامه مرة ومرتين كأنه لقاءات مودة تتكرر حتى يستحكم منه حبه فيتعصب له و يبغض مخالفه.
وهنا تموت الموضوعية ويموت معها أولوية حب الحق و السعي خلفه، و يفقد العقل السيطرة على نفسه، ويصبح خادما للمشاعر عبداً ذليلا عندها، وقد يتحوَّل إلى عقل يقاتل عن النفس في كل معاركها، مرتزقا بدون أجرة..
إذا ما غالبته الحجج و سطعت في وجهه أنوار الحق و حاصرته البراهين أعطاها الإقرار مقبلا، و الإنكار مدبرا
عندما ينتقل إلى موضوع آخر...
يعطِّل الحب الأعمى كالبغض المنفلت العقل عن وظيفته، و ينهي دوره، نقل ابن حجر ـ رحمه الله ـ في (الدرر الكامنة)(1/215) عن سليمان صدر الدين الشافعي أنه قال: ((كنت إذا سمعت شخصاً يقول أخطأ النووي أعتقد أنه كفر)).
ونقل فيه ـ أيضا ـ أن أبا بكر القالوسي كان متعصّبا لسيبويه، وذكر قصته فقال : (( قال: ورد أبو بكر القالوسي على القاضي أبي عمرو، وكان شديد المهابة فتكلم في مسألة في العربية نقلها عن سيبويه فقال له القاضي: أخطأ سيبويه، فكاد يجن، ولم يقدر على جوابه، لمكان منصبه، فجعل يدور في المسجد ودموعه تنحدر، وهو يقول: أخطأ من خطّأه، ولا يزيد عليها)).
مما يعاب في النقاش وهو من علامات التعصب : تكرار الحجج التي أجيب عنها،الكلام بغير تأصيل واضح ، إيراد ما لا يلزم المخالف
الشيخ مختار الطيباوي.