زوجات النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم
الكاتب: حسن بوقليل (ليسانس في علوم الشريعة -الجزائر-) مجلة الإصلاح الجزائرية

قد أوجب الله –عز وجل- لنبينا صلى الله عليه وسلم على خلقه حقوقا زائدة على مجرد التصديق بنبوته، وحرم أمورا زائدة على مجرد التكذيب بنبوته [1]، فمن ذلك تعظيم نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وتعزِّروه وتوقِّروه ﴾[ الفتح:9][2].
وإن من تعظيمه صلى الله عليه وسلم تعظيم آل بيته، وزوجاته –رضي الله عنهن- وتوقيرهن، فهن سره صلى الله عليه وسلم، وعرضه وشرفه، ولا يطعن فيهنَّ إلا من زاغ قلبه –عياذاً بالله-، قال تعالى: ﴿إِنّ الّذِين يؤْذون اللّه ورسوله لعنهم اللّه فِي الدّنْيا والْآخِرةِ وأعدّ لهمْ عذابًا مهِينًا﴾[الأحزاب:57] .
وأوجب على الأمة لأجله احترام أزواجه، وجعلهن أمهات في التحريم والاحترام، فقال: ﴿وأزْواجه أمّهاتهمْ﴾[الأحزاب:57]، قال قتادة: "يعظم بذلك حقهن"[3]، وقال القرطبي –رحمه الله- " شرَّف الله تعالى أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم بأن جعلهن أمهات المؤمنين، أي في وجوب التعظيم والمبرَّة والإجلال، وحرمة النكاح على الرجال، وحجبهن –رضي الله عنهنَّ- بخلاف الأمَّهات[4].وهذه الآية ممَّا خصَّ به الله –عز وجل+ نبيَّه محمدَّا صلى الله عليه وسلم[5]".
- وتتعلق بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم مسائل، نذكر منها:
أمومتهن[6] :
قال الإمام الشافعي-رحمه الله- " فقوله﴿وأزْواجه أمّهاتهمْ﴾يعني في معنى دون معنى، وذلك أنه لا يحل لهم نكاحن بحال، ولا يحرم عليهم نكاح بنات لو كنَّ لهن، كما يحرم عليهم نكاح بنات أمهاتهم اللاتي ولدنهم أو أرضعنهم"[7]
قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-" وقد أجمع المسلمون على تحريم هؤلاء بعد موته على غيره، وعلى وجوب احترامهنَّ، فهنَّ أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم، ولسن أمهات المؤمنين في المحرمية، فلا يجوز لغير أقاربهنَّ الخلوة بهنَّ ولا السفر بهنَّ، كما يخرج الرجل المسافر بذوات محارمه [8]"
هل النبي صلى الله عليه وسلم أبو المؤمنين ؟
جاء في بعض القراءات: ﴿النّبِيّ أوْلىٰ بِالْمؤْمِنِين مِنْ أنْفسِهِمْ ۖوَهُوَ أَبٌ لَهُمْ﴾، وتنسب لأبي بن كعب وابن عباس رضي الله عنهما وغيرهما[9]، فالنبي صلى الله عليه وسلم أبٌ للمؤمنين، قال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله- : " والقراءة المشهورة تدل على ذلك، فإن نساءه كنَّ أمَّهات المؤمنين تبعاً له، فلولا أنه كالأب لم يكن نساؤه كالأمَّهات "[10].
وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- : " وهذا مقتضى القياس، إذا زوجاته أمهات فهو أبٌ، ولكن ليس أب النسب"[11].
وقال الإمام الشنقيطي –رحمه الله- : " وهذه الأبوَّة، أبوَّة دينية، وهو صلى الله عليه وسلم أرأف بأمته من الوالد الشفيق بأولاده "[12].
هل إخوة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم أخوال للمؤمنين؟
اختلف أهل العلم في هذه المسألة:
- فقيل: يقال لأحدهم خال المؤمنين، وعلى هذا لا يختص بمعاوية -رضي الله عنه- بل يدخل فيه كل اخوة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم .
- وقيل: لا يقال لأحدهم خال المؤمنين، فإنه لو أطلق ذلك لقيل لأخواتهن خالات المؤمنين، ويحرم على المؤمنين أن يتزوج أحدهم خالته، كما يحرم على المرأة أن تتزوج خالها.
والأولون قصدوا بذلك الإطلاق أن لأحدهم مصاهرة مع النبي صلى الله عليه وسلم واشتهر ذلك عن معاوية –رضي الله عنه- فهو من فضائله لا من خصائصه[13].
هل سراري النبي صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين؟
قال محمد بن محمد الحطاب المالكي –رحمه الله-: " وقع بين بعض طلبة العلم بحث في أم ولده إبراهيم صلى الله عليه وسلم هل هي من أمهات المؤمنين أم لا؟
والذي يظهر لي أنها ليست من أمَّهات المؤمنين لما في "صحيح البخاري" من كتاب الجهاد، وكتاب النكاح: " أنه صلى الله عليه وسلم لما بنى بصفية قال أصحابه: هل هي أحدى أمهات المؤمنين، أو مما ملكت يمينه؟ ثم قالوا: إن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فمما ملكت يمينه"[14].
قال شيخ الإسلام-رحمه الله-: "دلَّ على أن الحجاب كان مختصا بالحرائر، وفي الحديث دليل على أن أمومة المؤمنين لأزواجه دون سراريه، والقرآن ما يدل إلاَّ على ذلك، لأنه قال: ﴿وأزْواجه أمّهاتهمْ﴾[الأحزاب 6]، وقال: ﴿ولا أنْ تنْكِحوا أزْواجه مِنْ بعْدِهِ أبدًا﴾[الأحزاب 53]وهذا أيضا دليل ثالث من الآية، لأن الضمير في قوله: ﴿وإِذا سألْتموهنّ﴾عائد إلى أزواجه، فليس للمملوكات ذكر في الخطاب، لكن إباحة سراريه من بعده فيه نظر"[15].
أيهما أفضل خديجة أم عائشة؟
قال ابن القيم –رحمه الله-: " واُختُلِف في تفضيلها على عائشة رضي الله عنها على ثلاثة أقوال، ثالثها الوقف، وسألت شيخنا ابن تيمية –رحمه الله- فقال: اختص كل واحدة منهما بخاصةٍ، فخديجة كان تأثيرها في أول الإسلام، وكانت تسلي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتثبته وتسكنه، وتبذل دونه مالها، فأدركت عزة الإسلام، واحتملت الأذى في الله وفي رسوله، وكانت نصرتها للرسول صلى الله عليه وسلم في أعظم أوقات الحاجة، فلها من النصرة والبذل ما ليس لغيرها، وعائشة -رضي الله عنها- تأثيرها في آخر الإسلام، فلها من التفقه في الدين وتبليغه للأمة، وانتفاع نبيها بما أدت إليهم من العلم ما ليس لغيرها، هذا معنى كلامه"[16].