وماذا بعد الظلم ؟ أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية

قسم التاريخ، التراجم و الحضارة الاسلامية تعرض فيه تاريخ الأمم السابقة ( قصص الأنبياء ) و تاريخ أمتنا من عهد الرسول صلى الله عليه و سلم ... الوقوف على الحضارة الإسلامية، و كذا تراجم الدعاة، المشائخ و العلماء

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

وماذا بعد الظلم ؟ أحداث تاريخية هامة وقصص واقعية عن نهاية الظلم

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2014-12-07, 19:51   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
seifellah
عضو متألق
 
الصورة الرمزية seifellah
 

 

 
الأوسمة
العضو المميز مميزي الأقسام 
إحصائية العضو










افتراضي

نهايةُ الخليفة الأمويّ الوليد

بن يزيد بن عبد الملك


ترجمته:


هو الوليد بن يزيد عبد الملك بن مروان بن الحكم أبو العبَّاس الأمويّ الدمشقيّ؛ بويع له بالخلافة بعد عمِّه هشام بن عبد الملك يوم الأربعاء لستٍّ خَلَوْنَ من ربيع الآخر سنة 125هـ، وأمُّه أمُّ الحجَّاج بنت محمد بن يوسف الثَّقَفيّ، وكان مولدُه سنة تسعين، وقيل ثنتين وتسعين، وقيل سبع وثمانين، وقتل يوم الخميس لليلتين بقيتا في جمادى الآخرة سنةَ ستٍّ وعشرين ومائة، ووقعت بسبب ذلك فتنة عظيمة بين الناس بسبب قتله، ومع ذلك إنَّما قُتل لفسقه، وقيل: وزندقته.


وقد قال الإمامُ أحمد: حدَّثنا أبو المغيرة، ثنا ابن عيَّاش، حدَّثَني الأوزاعيُّ وغيرُه عن الزُّهريِّ عن سعيد بن المسيَّب عن عمرو بن الخطَّاب قال: ولد لأخي أم سلمة زوج النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم غلام فسمَّوه الوليد، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «سميتموه باسم فراعينكم، ليكونن في هذه الأمة رجل يقال له الوليد، لهو أشد فسادا لهذه الأمة من فرعون لقومه». قال الحافظ ابن عساكر: وقد رواه الوليد بن مسلم ومعقل بن زياد محمد بن كثير وبشر بن بكر عن الأوزاعيِّ فلم يذكروا عمر في إسناده وأرسلوه، ولم يذكر ابن كثير سعيد بن المسيَّب، ثم ساق طرقه هذه كلَّها بأسانيدها وألفاظها.


وحكي عن البيهقيِّ أنَّه قال: هو مرسَلٌ حسنٌ، ثم ساق من طريق محمد عن محمد بن عمر بن عطاء عن زينب بنت أمِّ سلمة عن أمِّها قالت: "دخل النبيُّ صلى الله عليه وسلم وعندي غلام من آل المغيرة اسمه الوليد، فقال: «من هذا يا أمَّ سلمة؟» قالت: هذا الوليد. فقال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم: «قد اتَّخذتم الوليد خناناً- حساناً- غَيِّروا اسمَه؛ فإنَّه سيكون في هذه الأمة فرعون يقال له الوليد». وروى ابنُ عساكر من حديث عبد الله بن محمد بن مسلم، ثنا محمد بن غالب الأنطاكيّ، ثنا محمد بن سليمان بن أبي داود، ثنا صدقة، عن هشام بن الغاز، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني، عن أبي عبيدة بن الجراح، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: «لا يزال هذا الأمر قائما بالقسط حتى يثلمه رجل من بني أمية».

نهايةُ وزوالُ دَوْلَته:


كان هذا الرجلُ مجاهراً بالفواحش مُصرًّا عليها، منتهكاً محارمَ الله– عزَّ وجلَّ- لا يتحاشى من معصية، وربَّما اتَّهمه بعضُهم بالزَّندقة والانحلال من الدِّين، فالله أعلم؛ لكن الذي يظهر أنَّه كان عاصياً شاعراً ماجناً متعاطياً للمعاصي، لا يتحاشاها من أحد، ولا يستحيي من أحد، قبل أن يلي الخلافة وبعد أن ولي.


وقد روي أنَّ أخاه سليمان كان من جملة مَن سعى في قتله، قال: أشهد أنَّه كان شروباً للخمر ماجناً فاسقاً، ولقد أرادني على نفسي الفاسق، وحكى المعافي بن زكريا عن ابن دريد عن أبي حاتم عن النَّبيِّ أنَّ الوليدَ بن يزيد نَظَرَ إلى نصرانيَّة من حسان نساء النَّصارى اسمها سفري فأحبَّها، فبعث يراودها عن نفسها فأبت عليه، فألحَّ عليها وعشقها فلم تطاوعه، فاتَّفق اجتماع النصارى في بعض كنائسهم لعيد لهم، فذهب الوليد إلى بستان هناك فتنكَّر وأظهر أنه مصاب، فخرج النساء من الكنيسة إلى ذلك البستان، فرأينه فأحدقن به، فجعل يكلِّم سفري ويحادثها وتضاحكه ولا تعرفه، حتى اشتفى من النظر إليها، فلما انصرفت قيل لها: ويحكم، أتدرين مَنْ هذا الرَّجل؟ فقالت: لا! فقيل لها: هو الوليد. فلما تحقَّقَتْ ذلك حنَّت عليه بعد ذلك، وكانت عليه أحرص منه عليها قبل أن تحنَّ عليه. فقال الوليد في ذلك أبياتاً:


أضحك فؤادك يا وليد عميدا




صبا قديما للحسان صيودا([1])



في حب واضحة العوارض طفلة([2])





برزت لنا نحو الكنيسة عيدا


عود الصليب فويح نفسي من رأى




منكم صليبا مثله معبودا


فسألت ربي أن أكون مكانه




وأكون في لهب الجحيم وقودا





وقال فيها أيضا لما ظهر أمره وعلم بحاله الناس. وقيل: إنَّ هذا وقع قبل أن يلي الخلافة:


ألا حبذا سفري وإن قيل إنني




كلفت بنصرانية تشرب الخمرا


يهون علينا أن تظل نهارنا




إلى الليل لا ظهرا تصلي ولا عصرا





قال القاضي أبو الفرج المعافي بن زكريا الجريري المعروف بابن طرار النهزواني بعد إيراده هذه الأشياء: للوليد في نحو هذا من الخلاعة والمجون وسخافة الدين ما يطول ذكره، وقد ناقضاه في أشياء من منظوم شعره المتضمِّن ركيكَ ضلاله وكفره.


وروى ابن عساكر بسنده أنَّ الوليد سمع بخمار صلف بالحيرة فقصده حتى شرب منه ثلاثة أرطال من الخمر، وهو راكب على فرسه، ومعه اثنان من أصحابه، فلما انصرف أمر للخمَّار بخمسمائة دينار، وقال القاضي أبو الفرج: أخبار الوليد كثيرة قد جمعها الأخباريُّون مجموعةً ومفردةً، وقد جمعت شيئاً من سيرته وأخباره، ومن شعره الذي ضمنه ما فجر به من جرأته وسفاهته وحمقه وهزله ومجونه وسخافة دينه، وما صرَّح به من الإلحاد في القرآن العزيز، والكفر بمن أنزله وأُنْزل عليه، وقد عارضتُ شعرَه السَّخيفَ بشعر حصيف([3])، وباطله بحق نبيه شريف، وترجيت رضاء الله عز وجل واستيجاب مغفرته.


وقال أبو بكر بن أبي خيثمة: ثنا سليمان بن أبي شيخ، ثنا صالح بن سليمان، قال: أراد الوليدُ بن يزيد الحجَّ وقال: أشرب فوقَ ظهر الكعبة الخمر. فهمُّوا أن يَفْتكوا به إذا خرج، فجاؤوا إلى خالد بن عبد الله القسريّ فسألوه أن يكون معهم فأبى، فقالوا له: فاكتم علينا، فقال: أما هذا فنعم. فجاء إلى الوليد فقال: لا تخرج؛ فإني أخاف عليك. فقال: ومن هؤلاء الذين تخافهم عليَّ؟ قال: لا أخبرك بهم. قال: إن لم تخبرني بهم بعثتُ بك إلى يوسف بن عمر. قال: وإن بعثتَ بي إلى يوسف بن عمر. فبعثه إلى يوسف فعاقبه حتى قتله.


وذكر ابنُ جرير أنَّه لما امتنع أن يعلمه بهم سجنه ثم سلَّمه إلى يوسف بن عمر يستخلص منه أموالَ العراق فقتله، وقد قيل: إنَّ يوسفَ لما وفد إلى الوليد اشترى منه خالد بن عبد الله القسري بخمسين ألف ألف يخلصها منه، فما زال يعاقبه ويستخلص منه حتى قتله، فغضب أهل اليمن من قتله، وخرجوا على الوليد.


قال الزُّبيرُ بن بكَّار: حدَّثنا مصعبُ بن عبد الله قال: سمعت أبي يقول: كنت عند المهدي، فذكر الوليد بن يزيد فقال رجل في المجلس: كان زنديقاً. فقال المهديُّ: خلافة الله عنده أجلُّ من أن يجعلها في زنديق. وقال أحمد بن عمير بن حوصاء الدِّمَشْقيّ: ثنا عبد الرحمن بن الحسن، ثنا الوليد بن مسلم، ثنا حصين بن الوليد عن الأزهريّ بن الوليد قال: سمعت أمَّ الدرداء تقول: إذا قتل الخليفة الشّاب من بني أمية بين الشّام والعراق مظلوماً لم يزل طاعة مستخفًّا بها ودماً مسفوكاً على وجه الأرض بغير حقٍّ.


قال الإمام أبو جعفر بن جرير الطَّبريّ:


قتل يزيد بن الوليد الناقص للوليد بن يزيد:


قد ذكرنا بعض أمر الوليد بن يزيد وخلاعته ومجانته وفسقه وما ذكر عن تهاونه بالصَّلوات واستخفافه بأمر دينه قبل خلافته وبعدها؛ فإنَّه لم يزدد في الخلافة إلَّا شرًّا ولهواً ولذة وركوباً للصَّيد وشرب المسكر ومنادمة الفُسَّاق؛ فما زادتْه الخلافةُ على ما كان قبلها إلا تمادياً وغروراً، فثقل ذلك على الأمراء والرَّعية والجند، وكرهوه كراهة شديدة، وكان من أعظم ما جنى على نفسه حتى أورثه ذلك هلاكه، إفساده على نفسه بني عميه هشام والوليد بن عبد الملك مع إفساد اليمانية، وهي أعظم جند خراسان؛ وذلك أنَّه لما قتل خالد بن عبد الله القسري وسلمه إلى غريمه يوسف بن عمر الذي هو نائب العراق إذ ذاك فلم يزل يعاقبه حتى هلك، انقلبوا عليه وتنكَّروا له وساءهم قتلُه، ثم روى ابن جرير بسنده أنَّ الوليدَ بن يزيد ضرب ابنَ عمِّه سليمان بن هشام مائة سوطاً وحلق رأسَه ولحيتَه وغرَّبه إلى عمان فحبسه بها، فلم يزل هناك حتى قتل الوليد، وأخذ جارية كانت لآل عمِّه الوليد بن عبد الملك، فكلَّمه فيها عمر بن الوليد فقال: لا أردُّها. فقال: إذًا تكثر الصَّواهل([4]) حول عَسكرك. وحبس الأفقم يزيد بن هشام، وبايع لولديه الحكم وعثمان، وكانا دون البلوغ، فشقَّ ذلك على النَّاس أيضاً ونصحوه فلم ينتصح، ونهوه فلم يرتدع ولم يقبل.


قال المدائنيُّ في روايته: ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هشام وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه، وباللُّواط وغيره، وقالوا: قد اتَّخذ مائة جامعة على كل جامعة اسم رجل من بني هاشم ليقتله بها، ورموه بالزَّندقة، وكان أشدهم فيه قولاً يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناسُ إلى قوله أميل؛ لأنَّه أظهر النُّسك والتَّواضع، ويقول: ما يسعنا الرِّضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به. قالوا: وانتدب للقيام عليه جماعة من قضاعة واليمانية وخلق من أعيان الأمراء وآل الوليد بن عبد الملك، وكان القائم بأعباء ذلك كلِّه والدَّاعي إليه يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وهو من سادات بني أمية، وكان ينسب إلى الصَّلاح والدِّين والوَرَع، فبايعه الناس على ذلك.


وقد نهاه أخوه العبَّاسُ بن الوليد فلم يقبل، فقال: والله لولا أنِّي أخاف عليك لقيَّدتُك وأرسلتُك إليه، واتَّفق خروج الناس من دمشق من وباء وقع بها، فكان ممَّن خرج الوليد بن يزيد أمير المؤمنين في طائفة من أصحابه نحو المائتين، إلى ناحية مشارف دمشق، فانتظم إلى يزيد بن الوليد أمره وجعل أخوه العباسُ ينهاه عن ذلك أشدَّ النَّهي، فلا يقبل، فقال العباس في ذلك:


إني أعيذكم بالله من فتن




مثل الجبار تسامى ثم تندفع


إن البرية قد ملت سياستكم




فاستمسكوا بعمود الدين وارتدعوا


لا تلحمن ذئاب الناس أنفسكم




إن الذئاب إذا ما ألحمت رتعوا([5])



لا تبقرن بأيدكم بطونكم




فثم لا حسرة تغني ولا جزع





فلما استوثق ليزيد بن الوليد أمرُه، وبايعه مَن بايعه من الناس، قصد دمشق فدخلها في غيبة الوليد، فبايعه أكثر أهلها في الليل، وبلغه أنَّ أهلَ المزة قد بايعوا كبيرهم معاوية بن مصاد، فمضى إليه يزيد ماشياً في نفر من أصحابه، فأصابهم في الطريق خطر شديد، فأتوه فطرقوا بابه ليلا ثم دخلوا، فكلمه يزيد في ذلك فبايعه معاوية بن مصاد، ثم رجع يزيد من ليلته إلى دمشق على طريق القناة وهو على حمار أسود، فحلف أصحابه أنه لا يدخل دمشق إلا في السلاح، فلبس سلاحا من تحت ثيابه فدخلها، وكان الوليد قد استناب على دمشق في غيبته عبد الملك بن محمد بن الحجَّاج بن يوسف الثَّقَفيّ، وعلى شرطتها أبا العاج كثير بن عبد الله السَّلَميّ، فلما كان ليلة الجمعة اجتمع أصحاب يزيد بين العشائين عند باب الفراديس، فلما أذن العشاء الآخرة دخلوا المسجد، فلما لم يبق في المسجد غيرهم، بعثوا إلى يزيد بن الوليد فجاءهم فقصدوا باب المقصورة ففتح لهم الخادم، فدخلوا فوجدوا أبا العاج وهو سكران، فأخذوا خزائن بيت المال وتسلَّموا الحواصل، وتقوَّوا بالأسلحة، وأمر يزيد بإغلاق أبواب البلد، وأن لا يفتح إلا لمن يعرف.


فلما أصبح الناس قدم أهل الحواضر من كل جانب فدخلوا من سائر أبواب البلد، كل أهل محلة من الباب الذي يليهم، فكثرت الجيوش حول يزيد بن الوليد بن عبد الملك في نصرته، وكلهم قد بايعه بالخلافة.


وقد قال فيه بعضُ الشعراء في ذلك:


فجاءتهم أنصارهم حين أصبحوا




سكاسكها أهل البيوت الصنادد([6])



وكلب فجاؤوهم بخيل وعدة




من البيض والأبدان ثم السواعد


فأكرم بها أحياء أنصار سنة




هم منعوا حرماتها كل جاحد


وجاءتهم شيبان والأزد شرعا




وعبس ولخم بين حام وذائد([7])



وغسان والحيان قيس وتغلب




وأحجم عنها كل وان([8]) وزاهد



فما أصبحوا إلا وهم أهل ملكها




قد استوثقوا من كل عات ومارد





وبعث يزيد بن الوليد عبد الرحمن بن مصاد في مائتي فارس إلى قطنا ليأتوه بعبد الملك بن محمَّد بن الحجَّاج نائب دمشق وله الأمان، وكان قد تحصَّن هناك، فدخلوا عليه فوجدوا عنده خرجين في كلِّ واحد منهما ثلاثون ألف دينارا، فلما مرُّوا بالمزة قال أصحاب ابن مصاد: خذ هذا المال؛ فهو خير من يزيد بن الوليد. فقال: لا والله لا تحدث العرب أني أول من خان. ثم أتوا به يزيد بن الوليد فاستخدم من ذلك المال جندا للقتال قريبا من ألفي فارس، وبعث به مع أخيه عبد العزيز بن الوليد بن عبد الملك خلف الوليد بن يزيد ليأتوا به، وركب بعض موالي الوليد فرسا سابقا فساق به حتى انتهى إلى مولاه من الليل، وقد نفق الفرس من السوق، فأخبره الخبر فلم يصدِّقه وأمر بضربه، ثم تواترت عليه الأخبار فأشار عليه بعض أصحابه أن يتحول من منـزله ذاك إلى حمص؛ فإنَّها حصينة.
وقال الأبرش سعيد بن الوليد الكلبي: أنزل على قومي بتدمر، فأبى أن يقبل شيئا من ذلك؛ بل ركب بمن معه، وهو في مائتي فارس، وقصد أصحاب يزيد فالتقوا بثقلة في أثناء الطريق فأخذوه، وجاء الوليد فنـزل حصن البخراء الذي كان للنعمان بن بشير، وجاءه رسول العبَّاس بن الوليد: إني آتيك– وكان من أنصاره- فأمر الوليد بإبراز سريره فجلس عليه وقال: أعليّ يتوثب الرِّجال وأنا أثب على الأسد وأتخصَّر الأفاعي؟


وقدم عبد العزيز بن الوليد بمن معه؛ وإنما كان قد خلص معه من الألفي فارس ثمانمائة فارس، فتصافُّوا فاقتتلوا قتالاً شديداً، فقتل من أصحاب العباس جماعة حملت رؤوسهم إلى الوليد، وقد كان جاء العباس بن الوليد لنصرة الوليد بن يزيد، فبعث إليه أخوه عبد العزيز فجيء به قهراً حتى بايع لأخيه يزيد بن الوليد، واجتمعوا على حرب الوليد بن يزيد، فلما رأى الناس اجتماعَهم فرُّوا من الوليد إليهم، وبقي الوليد في ذل وقل من الناس، فلجأ إلى الحصن فجاؤوا إليه وأحاطوا به من كلِّ جانب يحاصرونه، فدنا الوليد من باب الحصن فنادى: ليكلمني رجل شريف. فكلَّمه يزيد بن عنبسة السكسكي، فقال الوليد: ألم أدفع الموت عنكم؟ ألم أعط فقراءكم؟ ألم أخدم نساءكم؟ فقال يزيد: إنَّما تنقم عليك انتهاك المحارم وشرب الخمور ونكاح أمهات أولاد أبيك، واستخفافك بأمر الله عز وجل. فقال: حسبك يا أخا السكاسك؛ لقد أكثرت وأغرقت، وإن فيما أحل الله لي لسعة عما ذكرتَه. ثم قال: أما والله لئن قتلتموني لا ترتقن فتنتكم ولا يلم شعثكم([9]) ولا تجتمع كلمتكم.


ورجع إلى القصر فجلس ووضع بين يديه مصحفا فنشره وأقبل يقرأ فيه وقال: يوم كيوم عثمان. واستسلم، وتسور عليه أولئك الحائط، فكان أول من نزل إليه يزيد بن عنبسة، فتقدم إليه وإلى جانبه سيف فقال: نحه عنك. فقال الوليد: لو أردت القتال به لكان غير هذا، فأخذ بيده وهو يريد أن يحسبه حتى يبعث به إلى يزيد بن الوليد، فبادره عليه عشرة من الأمراء، فأقبلوا على الوليد يضربونه على رأسه ووجهه بالسيوف حتى قتلوه، ثم جروه برجله ليخرجوه، فصاحت النسوة فتركوه، واحتز أبو علاقة القضاعي رأسه، واحتاطوا على ما كان معه مما كان خرج به في وجهه ذلك، وبعثوا به إلى يزيد مع عشرة نفر، منهم منصور بن جمهور وروح بن مقبل وبشر مولى كنانة من بني كلب، وعبد الرحمن الملقب بوجه الفلس، فلما انتهوا إليه بشَّروه بقتل الوليد وسلَّموا عليه بالخلافة، فأطلق لكل رجل من العشرة عشرةَ آلاف، فقال له روح بن بشر بن مقبل: أبشر يا أمير المؤمنين بقتل الوليد الفاسق. فسجد شكراً لله ورجعت الجيوش إلى يزيد، فكان أول من أخذ يدَه للمبايعة يزيد بن عنبسة السكسكي فانتزع يده من يده وقال: اللهمَّ إن كان هذا رضى لك فأعنِّي عليه.


وكان قد جعل لمن جاءه برأس الوليد مائة ألف درهم، فلما جيء به –وكان ذلك ليلة الجمعة، وقيل يوم الأربعاء- لليلتين بقيتا من جمادى الآخرة سنة ست وعشرين ومائة. فأمر يزيد بنصب رأسه على رمح وأن يطاف به في البلد، فقيل له: إنما ينصب رأس الخارجي. فقال: والله لأنصبنه. فشهره في البلد على رمح ثم أودعه عند رجل شهرا ثم بعث به إلى أخيه سليمان بن يزيد، فقال أخوه: بعدا له، أشهد أنك كنت شروبا للخمر ماجنا فاسقا، ولقد أرادني على نفسي هذا الفاسق وأنا أخوه، لم يأنف من ذلك.


وقد قيل: إنَّ رأسَه لم يزل معلَّقاً بحائط جامع دمشق الشَّرقيِّ ممَّا يلي الصحن حتى انقضت دولة بني أمية. وقيل: إنما كان ذلك أثر دمه، وكان عمره يوم قتل ستًّا وثلاثين سنة، وقيل ثمانيا وثلاثين، وقيل إحدى وثلاثين، وقيل اثنتان، وقيل خمس، وقيل ست وأربعون سنة، ومدة ولايته سنة وستة أشهر على الأَشْهَر، وقيل ثلاثة أشهر.


قال ابن جرير: كان شديدَ البطش طويلَ أصابع الرجلين، كانت تضرب له سكة الحديد في الأرض ويربط فيها خيط إلى رجله ثم يثب على الفرس فيركبها ولا يمس الفرس، فتنقلع تلك السكة من الأرض مع وثبته.


([1]) صيودا: صياد.

([2]) طفلة: الناعمة الرقيقة.

([3]) حصيف: محكم لا خلل فيه.

([4]) الصواهل: الخيول.

([5]) رتعوا: أقاموا وأكلوا وشربوا في مكان فيه خصب وسعة.

([6]) الصنادد: الشجعان.

([7]) ذائد: حام ومدافع.

([8]) وان: ضعيف، خامل.

([9]) شعثكم: تفرقكم.








 


رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
أحداث, العلم, وماذا


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 20:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc