الأسباب والدوافع التي أدت إلى عداء ومناهضة دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب السلفية الإصلاحية
لعل من أبرز الأسباب التي أدت إلى تشنيع الخصوم على الشيخ محمد بن عبد الوهاب أثناء ظهور الدعوة السلفية - تأليفا وواقعا - هو ما كان عليه أولئك الخصوم وكثير من المنتسبين إلى الإسلام من الضلال والغي ، والبعد عن الصراط المستقيم .
ولقد وصل حال كثير من المسلمين - قبيل ظهور دعوة الشيخ الإمام - إلى أحط الدركات في الضلال وفساد الاعتقاد ؛ حيث عم الجهل وطغى ، فعبد غالب المسلمين ربهم بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير ، فظهرت البدع والشركيات بمختلف أنواعها ، وصارت هذه الأمور الشركية والمحدثات البدعية من العوائد والمألوفات التي هرم عليها الكبير وشب عليها الصغير ، فانعكست الموازين وانقلبت الحقائق وأصبح الحق باطلا والباطل حقا .
2 - وهناك سبب ثان لهذا التحامل والمعاداة للدعوة السلفية ؛ وهو ما ألصق بهذه الدعوة ومجددها وأنصارها من التهم الباطلة والأكاذيب والمفتريات ، فقد أصاب هذه الدعوة منذ بدء ظهورها حملة مكثفة شنيعة عمت البلاد والعباد ، فلقد ألصق بعض أدعياء العلم في هذه الدعوة السلفية ما ليس منها ! فزعموا أنها مذهب خامس ! وأنهم خوارج يستحلون دماء وأموال المسلمين ! وأن صاحبها يدعي النبوة وينتقد الرسول صلى الله عليه وسلم !!! إلى آخر تلك المفتريات .
ومما يؤسف له أن الكثير من العوام يتلقف هذا الإفك والبهتان عن أولئك المفترين والوضاعين دون أدنى تثبت أو تَحَرٍّ في النقل ، بل عمدته في ذلك مجرد التقليد الأعمى ! .
ومما يجدر ذكره - هاهنا - أن بعض الخصوم قد استغل ما وقع فيه شرذمة من الأعراب المتحمسين ، - وفي فترة محدودة - ممن تابع هذه الدعوة من التشدد والجفاء ، فحكموا بغيا وعدوانا على جميع أتباع هذه الدعوة ، وعلى مر الأزمان بهذا الحكم الجائر ، فرموهم أيضا بالتشدد والجفاء .
3 - وسبب ثالث أدى إلى عداء الدعوة السلفية هو النزعات السياسية والحروب التي قامت بين أتباع هذه الدعوة وبين الأتراك من جهة ، وبين أتباع هذه الدعوة وأمراء الحجاز (!) من جهة أخرى .
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله : إن سبب قذف الوهابية بالابتداع والكفر : سياسي محض كان لتنفير المسلمين منهم لاستيلائهم على الحجاز ، وخوف الترك من أن يقيموا دولة عربية ، ولذلك كان الناس يهيجون عليهم تبعا لسخط الدولة ، ويسكتون عنهم إذا سكنت ريح السياسة .
ويوضح الشيخ محمد رشيد رضا آثار العداء السياسي بين بعض كبار أهل مكة وساستها وأنصار هذه الدعوة ، فكان مما أشار إليه أن هؤلاء قد أصدروا عدة منشورات في جريدة القبلة سنة 1336 هـ وسنة 1337 هـ ، تضمنت رَمْي الوهابيين بالكفر وقذفهم بتكفير أهل السنة والطعن بالرسول وغير ذلك من الأكاذيب والافتراءات .
وكان بعض أهل دمشق وبيروت يتقربون إلى هؤلاء الكبار - وهم من العلمانيين والقوميين - بطبع الرسائل في تكفيرهم ورميهم بالأكاذيب - ثم سرى ذلك إلى مصر ، وظهر له أثر في بعض الجرائد .
4 - وهناك سبب رابع أدى إلى تراكم المؤلفات المعادية للدعوة السلفية ؛ وهو دفاع هؤلاء الخصوم - وبالأخص الصوفية والرافضة - عن معتقداتهم الفاسدة وآرائهم الباطلة ؛ فإنه لما غلب على حال كثير من المسلمين ظهور الشركيات ، وانتشار البدع ، واستفحال الخرافات ، والغلو في الأموات ، والاستغاثة بهم ، وظهور تشييد المشاهد ، وإقامة المزارات على القبور ، وزخرفتها وتزيينها وصرف الأموال الطائلة عليها : قامت ضد ذلك كله دعوة الشيخ رحمه الله .
ولقد وجد هؤلاء المتصوفة في هذه الواقع مرتعا خصبا لبث سمومهم العقدية ، فلما بدت أنوار هذه الدعوة تكشف غياهب الظلام ، وتزيل أدران الشرك ونجاسته ، وتدعو الناس إلى تحقيق التوحيد بصفائه ونقائه أدرك الخصوم أن ظهور هذه الدعوة السلفية نذير بزوال عقائدهم الباطلة ، فحشد أولئك الخصوم قواهم ، وانبروا في التشنيع بهذه الدعوة وأنصارها ، وهم أثناء تشنيعهم يذكرون معتقدهم الصوفي أو الرافضي وغيرهما ويزينونه للناس ويزعمون أنه الحق ! .
فنجد هؤلاء الصوفية أثناء ردهم على الدعوة السلفية يتبجحون بصوفيتهم ، ويفتخرون بانتسابهم إلى الطرق الصوفية . ويدافعون عن التصوف وأدعيائه .
والرافضة أثناء مناهضتهم للدعوة السلفية يدافعون بكل ما عرف عنهم من كذب وقلب للحقائق عن معتقدهم .