نقاهة، لهو وسفر

[الأستـ كريم ــاذ]

نعم، قد لهوت.. وكانت رغبتي في اللهـو من البواعث القوية التي حببت إليّ الذهاب إلى جوهرة المغرب العربي: "تلمسان"؛ وأنا لم أخف إعجابي يوما بلالة ستي وشواطئ الموسكاردا وكهف عين فزة ودروب ندرومـة الضيقة حيث "دار السبيطار"..
وأنا أعلم والناس جميعا يعلمون أن المسافر إلى تلمسان أو وهران أو العاصمة أو غيرهم من المدن الساحلية، إنما يتخذ اللهو غرضا من الأغراض الأساسية في برنامج رحلته.. وهل كان السفر نفسه إلا ضربا من اللهو وفنا من فنون العبث؛ يعمد إليه المتعبون والمرضى ليستريحوا، ويرغب فيه المستريحون ليتعبوا ويمرضوا؟؟
وإني كنت متعبا، ومريضا.. وكنت أريد أن أستريح.. وكنت أرى الراحة في أن ألهو عن هذه الأشياء التي قضيت فيها العام كله فأجهدتني، وبغضت إلي الحياة مع شرح الدروس وحل التمارين ورذاذ الطباشير ومقابلة الأولياء وغير ذلك مم يعاني منه غالب الأساتذة المبتدئين مثلي.
وكنت لا زلت أعتقد أن من الحق لي على نفسي، أن أعود إلى هذه الأشياء التي سئمتها وسئمتني، وأن أستأنف هذا العمل الذي أجهدني طوال العام (وكنت أحبذ أن يطول الإضراب لولا مصلحة التلميذ)، حتى نغص علي الحياة.. وكنت أعلم أني لن أسطع العودة إلى هذه الأشياء واستئناف العمل طبيعيا، إلا إذا استرحت ولهوت، بل يجب أن آخذ من الراحة واللهو بحظ عظيم.. وقد فعلت، وقد عدت إلى داري، واستأنفت اليوم ساعتين من هذا العمل الشاق، فإذا هو لين لا عسر فيه ولا مشقة.. ولكني أعلم أنه سيعسر، وأنه سيشق، وأني سأسأمه، وأنه سيسأمني، وأني سأنصرف عنه، وأنه سيزهد فيّ.. وأني سأحتاج إلى الراحة واللهو، وأني سوف أستريح (بإذن الله) وألهو، ثم أستأنف الكد والعمل والجد...
كذلك حياتنا: نتعب لنستريح، ونستريح لنتعب، حتى يأتي ذاك اليوم الذي لا تعب بعده ولا راحة..
سدد الله خطانا لما فيه الخير ورضاه وصلاحنا؛ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.. اللهم آمين.