ماذا لو كنت معلّما..؟
لو كنت معلّما لاسْتشعرتُ أن مهنة التعليم مهنة مقدّسة، لا ينبغي أن يشتغل بها من هبّ ودبّ أو من تقطّعت بهم السبل ولم يجدوا عملا غير التعليم، وأمانة عظيمة لا يقدر على حملها إلا من أحبّها وتعلّق بها، ولتذكّرتُ أن معلّم الأمس لم يكن يحصل إلا على القليل الذي لا يسدّ حتى الرمق، ورغم ذلك فقد تخرّج على يديه علماء وشيوخ أجلاء، وكان يكنُّ له الجميع احتراما كبيرا ويضعونه في منزلة عالية لا يمكن أن تمنحها كنوز الدنيا بأكملها.
لو كنتُ معلّما لأدركتُ أن مهنة التعليم على مر التاريخ والأزمنة وفي كل البقاع والأمكنة، كانت مرتبطة بقلة راتبها وشُح موردها،ولم يكن يلتحق بها سوى من كانوا يستشعرون فيها حلاوة مميزة تجلبهم إليها وعلاقة حميمية تربطهم بها، مهنة تُجسّد أمالهم وطموحاتهم،بعيدا عن الجوانب المادية على أهميتها، كشرط أساسي من شروط الاستمرار في الحياة.
لو كنت معلما لأدركتُ أن حقوقي المادية والمعنوية لا يمكن أن تمنحني إياها وزارة أو هيئة أو شخص،وإنما حقوقي آخذها من نتائج عملي ومن أبنائي الذين أدرّس لهم بأمانة وضمير، والذين سيتخرّج منهم الطبيب والمهندس والوزير، فإن بذرت زرعا سوف أجني زرعا وإن زرعت شوكا فسوف أجني بالتأكيد شوكا.
لوكنت معلّما لما قارنتُ مستواي المعيشي مع مستويات المقاولين وأصحاب مصانع الدجاج ،لأنه بإمكاني بكل بساطة أن أختار مهنتهم بدل مهنة التعليم، ولما قارنت طريقة عيشي مع طريقة عيش بعض المسؤولين الفاسدين والمختلسين ، لأني معلم فاضل يربي الأجيال على الأمانة والخير، ولأني اخترت، باختياري لمهنة التعليم، أن أنحاز إلى الطهارة والصفاء.
لو كنت معلّما لاستثمرتُ في تلامذتي،حتى إذا بلغوا مراتب عليا ، أصبح الأقوام يأتون إليّ ،مسؤولهم قبل بسيطهم، يطرقون باب ودّي ويبحثون عن طريق يُوصلهم إلى أبنائي الذين علّمتهم الوفاء فكانوا أوفياء، فأتحوّل بذلك من ضحية تستجدي زيادة في راتبها إلى رمز يأتيه الآخرون وليس هو من يذهب إليهم.