الرد على شبهات الأشاعرة * الجزء الثاني* - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد > أرشيف قسم العقيدة و التوحيد

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الرد على شبهات الأشاعرة * الجزء الثاني*

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-12-16, 19:14   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
مراد_2009
عضو نشيط
 
إحصائية العضو










Hot News1 الرد على شبهات الأشاعرة * الجزء الثاني*

الرد على شبهات الأشاعرة

الجزء الثاني



الشبهة(3) : تأويلهم صفة اليد


* قال ابن الجوزي في " دفع شبه التشبيه " (ص114)، على قول الله تعالى: ]لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ[ [ص: الآية 75]:
"اليد في اللغة بمعنى النعمة والإِحسان، قال الشاعر:
مَتَى تُناخِي عِنْدَ بابِ بَنِي هَاشِمٍ تُرِيْحِي فَتَلْقَيْ مِنْ فَواضِلِهِ يَدا
ومعنى قول اليهود: { يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: الآية 64]، أي: محبوسة عن النفقة، واليدُ: القوة، يقولون: ما لنا بهذا الأمر من يد.
وقوله تعالى: {بَلْ يَداهُ مَبْسوطَتانِ} [المائدة: الآية 64]، أي : نعمته وقدرته.
وقوله: {لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]، أي: بقُدْرتي ونعمتي.
وقال الحسن في قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فوقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: الآية10]: "أي: منته وإحسانه".
قلت: هذا كلام المحققين.
وقال القاضي أبو يعلى: "اليدان صفتان ذاتيتان تسميان بالدين" ا هـ.
قلت: وهذا تصرف بالرأي لا دليل عليه.
وقال ابن عقيل: "معنى الآية: لما خلقت أنا، فهو كقوله: { ذلِكَ بما قَدَّمَتْ يداكَ} [الحج: الآية10]، أي: بما قدمت أنت".
* أقول مستعينًا بالله تعالى لكشف هذه الأباطيل: الجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن الأصل في الكلام أن يحمل على حقيقته، فلا يجوز العدول عن ذلك، إلا إن كانت هناك قرينة تمنع الحمل على الحقيقة.
الوجه الثاني: أن حمل الكلام على ما يجوز في اللغة، وترك ظاهر الكلام، يؤدي إلى خلل ولبس في فهم المراد، ومن ثَمَّ لا يحصل ضبط كلام متكلم إلا بالاستفسار عن مراده ومقصده، وهذا خلاف ما عليه المسلمون قديمًا وحديثًا، وخلاف ما فطر الله عليه الخلق.
الوجه الثالث: أن حمل صفات الرب جل وعلا على المعاني اللغوية أو على المجاز دون الحقيقة يقتضي تعطيل الرب جل وعلا عن صفات الكمال، فلا يثبت له علم ولا حياة ولا سمع ولا بصر ولا غير ذلك مما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
الوجه الرابع: أن حمل الكلام على غير حقيقته يقتضي أن الله جل وعلا يخاطب العباد بما لا يفهمون، أو بما ظاهره غير مراد.
الوجه الخامس: أنه وإن جاز في اللغة إطلاق اليد على النعمة أو القوة في بعض المواضع، فلا يصح أن يجعل هذا الإطلاق عامًّا في كل شيء:
فقوله تعالى: {لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]: لا يصح أن يقال: لما خلقت بقدرتي أو بنعمتي؛ لأن نعم الله متعددة، وليست محصورة في نعمتين، فإن هذا لا يقوله عاقل، قال تعالى: {وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا} [إبراهيم: الآية34، النحل: الآية 18].
وأما حمل اليدين في قوله تعالى: {لما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75] على القدرة، فهذا أيضًا فاسد؛ لأن القدرة صفة واحدة، قال تعالى: {أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا} [البقرة: الآية 165].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "إن لفظ (اليدين) بصيغة التثنية لم يستعمل في النعمة ولا في القدرة؛ لأنَّ من لغة القوم استعمال الواحد في الجمع، كقوله: {إِنَّ الإِنسانَ لَفِي خُسْرٍ}[العصر: الآية 2]، ولفظ الجمع في الواحد، كقوله: {الَّذينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ...} [آل عمران: الآية 173]، ولفظ الجمع في الاثنين، كقوله: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: الآية4]، أمَّا استعمال لفظ الواحد في الاثنين، أو الاثنين في الواحد، فلا أصل له؛ لأن هذه الألفاظ عدد، وهي نصوص في معناها، لا يتجوز بها، ولا يجوز أن يقال: عندي رجل، ويعني: رجلين! ولا: عندي رجلان، ويعني به الجنس! لأن اسم الواحد يدل على الجنس والجنس فيه شياع، وكذلك اسم الجمع فيه معنى الجنس، والجنس يحصل بحصول الواحد، فقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَديَّ} [ص: الآية 75]: لا يجوز أن يراد به القدرة؛ لأن القدرة صفة واحدة، ولا يجوز أن يعبر بالاثنين عن الواحد...".
وممَّا يدل على فساد قول من زعم أن اليدين بمعنى القوَّة: قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المقسطين عند اللهِ، على منابرَ من نور، عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين..."، خرجه مسلم في "صحيحه" (رقم 1827) عند عبد الله بن عمرو.
قال ابن منده في "الرد على الجهمية" (ص 73): "هذا حديث ثابت باتفاق".
فهل يصح يا معطلة أن يقال: وكلتا قوتيه يمين؟!
فهل للقوة يمين؟!
فإن قلتم: نعم، خالفتم أهل العقول، وصرتم مع البله والجهال والحمقى والمغفلين!! وإن قلتم: لا، خصمتم، ووجب عليكم التسليم والانقياد وإثبات اليدين لله تعالى حقيقة، وليس بعد ذلك إلا العناد، وبئس الزاد ليوم المعاد.
الوجه السادس: أنَّ قول ابن الجوزي: "ومعنى قول اليهود: { يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} [المائدة: الآية 64]، أي: محبوسة عن النفقة، واليد القوة": قولٌ غيرُ صحيح، بل هو باطل، ويبطله قوله تعالى بعد ذلك: {بَلْ يداهُ مَبْسُوطتانِ} [المائدة: الآية 64]، فلا يصح أن يقال: نعمتاه مبسوطتان؛ لأن نعم الله تعالى ليست محصورة في نعمتين إجماعًا ضروريًّا، فثبت أن المراد: إثبات اليدين لله تعالى حقيقيتين، كما أجمع على ذلك أهل العلم والإيمان، ولا أعلم أحدًا نازع في ذلك إلا أهل البدع والضلال، الذين لم يستضيئوا بالكتاب ولا بالسنة على فهم السلف الصالح.
قال الإمام ابن خزيمة رحمه الله تعالى: "وزعمت الجهمية المعطلة أن معنى قوله: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتانِ} [المائدة: الآية 64]، أي: نعمتاه، وهذا تبديل لا تأويل.
والدليل على نقض دعواه هذه أنَّ نعم الله كثيرة لا يُحصيها إلا الخالق البارئ، ولله يدان لا أكثر منهما، كما قال لإبليس عليه لعنة الله: {ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]، فأعلمنا جل وعلا أنه خلق آدم بيديه، فمن زعم أنه خلق آدم بنعمته، كان مبدِّلاً لكلام الله.
وقال الله عز وجل:{والأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيامَةِ وَالسَّمَاواتُ مَطْوِيَّاتٌ بَيَمِينِهِ} [الزمر: الآية 67]
أفلا يعقل أهل الإيمان أن الأرض جميعًا لا تكون قبضة إحدى نعمتيه يوم القيامة، ولا أن السماوات مطويات بالنعمة الأخرى؟!
ألا يعقل ذوو الحجا من المؤمنين أن هذه الدعوى التي يدَّعيها الجهمية جهلٌ أو تجاهلٌ شر من الجهل؟!
بل الأرض جميعًا قبضة ربنا جلَّ وعلا بإحدى يديه يوم القيامة، والسماوات مطويات بيمينه، وهي اليدُ الأخرى، وكلتا يدي ربنا يمين، لا شمال فيهما، جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار، إذ كون إحدى اليدين يسارًا إنما يكون من علامات المخلوقين، جل ربنا وعز عن شبه خلقه.وافهم ما أقول من جهة اللغة، تفهم وتستيقن أنَّ الجهمية مبدِّلة لكتاب الله لا متأولة قوله: {بَلْ يداهُ مَبْسُوطَتانِ} [المائدة: الآية 64].
لو كان معنى اليد النعمة كما ادعت الجهمية، لقرئت: بل يداه مبسوطة، أو: منبسطة؛ لأن نعم الله أكثر من أن تحصى، ومحال أن تكون نعمه نعمتين لا أكثر، فلما قال الله عز وجل: {]بَلْ يداهُ مَبْسُوطتانِ} [المائدة: الآية 64]؛ كان العلم محيطًا أنه ثبت لنفسه يدين لا أكثر منهما، وأعلم أنهما مبسوطتان ينفق كيف يشاء.
والآية دالة أيضًا على أن ذكر اليد في هذه الآية ليس معناه النعمة:
حكى الله جل وعلا قول اليهود، فقال: {وَقَالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ}، فقال الله عز وجل ردًّا عليهم: {غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ}، وقال: {بَلْ يَداهُ مَبْسوطَتانِ} [المائدة: الآية 64]، وبيقين يعلم كل مؤمن أن الله لم يرد بقوله: {غُلَّتْ أَيْدِيْهِم}؛ أي: غُلَّت نعمهم، لا، ولا اليهود [أرادوا] أن نعم الله مغلولة، وإنما رد الله عليهم مقالتهم وكذبهم في قولهم: {يَدُ اللهِ مَغْلولَةٌ}، وأعلم المؤمنين أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء...".
الوجه السابع: أن قول ابن الجوزي على قول الله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]: "أي: بقدرتي ونعمتي": باطل من ثلاثة أوجه:
الوجه الأول: أن القوة والنعمة لم تردا بلفظ التثنية.
الوجه الثاني: أنه لو صح ورود القدرة أو النعمة بلفظ التثنية، ففي هذه الآية باطل اتفاقًا؛ لأنه لا يكون لآدم خصيصة على غيره من سائر المخلوقات، فالكل مخلوقون بقدرة الله تعالى، فلا يكون هناك مزية لآدم على غيره، وهذا باطل باتفاق المسلمين:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى عليهما السلام عند ربهما، فحج آدم موسى، قال موسى: أنت آدم الذي خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه...".
فائدة؛ لأن كل المخلوقات مخلوقة بقدرة الله سبحانه.
وكذلك حديث الشفاعة المخرج في "الصحيحين" من حديث أنس يدل على اختصاص آدم بكونه خلقه بيده، فإن فيه: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فيهتمون لذلك، فيقولون: لو استشفعنا على ربنا حتى يريحنا من مكاننا هذا!"، قال: "فيأتون آدم صلى الله عليه وسلم فيقولون: أنت آدم أبو الخلق، خلقك الله بيده...".
فحمل اليد هنا على القدرة أو النعمة من أعظم الإلحاد والتحريف لكلام النبي صلى الله عليه وسلم.
فكون المؤمنين يوم القيامة يأتون آدم ويقولون: "أنت أبو البشر، خلقك الله بيده...": دليل ظاهر وبرهان لا ينازع فيه إلا جهمي على اختصاص آدم عن غيره، وأن الله خصه بكونه خلقه بيديه.
الوجه الثالث: قال العلاَّمة ابن القيم رحمه الله: "إن نفس هذا التركيب المذكور في قوله: {خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]: يأبى حمل الكلام على القدرة؛ لأنه نسب الخلق إلى نفسه سبحانه، ثم عدَّى الفعل إلى اليد، ثم ثنَّاها، ثم أدخل عليها الباء التي تدخل على قولك: كتبت بالقلم، ومثل هذا نص صريح لا يحتمل المجاز بوجه.
بخلاف ما لو قال: عملت، كما قال تعالى:{بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: الآية 182]، و{بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: الآية 10]، فإنه نسب الفعل إلى اليد ابتداء، وخصَّها بالذكر؛ لأنها آلة الفعل في الغالب.
ولهذا؛ لما لم يكن خلقُ الأنعام مساويًا لخلق أبي الأنام، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيْنا أَنعاماً} [يس: الآية 71]، فأضاف الفعل إلى الأيدي، وجمعها، ولم يدخل عليها الباء، فهذه ثلاثة فروق تبطل إلحاق أحد الموضعين بالآخر.
ويتضمنُ التسوية بينهما عدم مزية أبينا آدم على الأنعام، وهذا من أبطل الباطل، وأعظم العقوق للأب، إذ ساوى المعطل بينه وبين إبليس والأنعام في الخلق بالدين..".
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (6/366): ".. أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل، وعدَّى الفعل إلى اليد بحرف الباء، كقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]، فإنه نصٌّ في أنه فعل الفعل بيديه؛ ولهذا لا يجوز لمن تكلَّم أو مشى أن يقال: فعلت هذا بيديك، ويقال: هذا فعلته يداك؛ لأن مجرد قوله: فعلت: كافٍ في الإضافة إلى الفاعل، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة، كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة.
ولستَ تجد في كلام العرب ولا العجم إن شاء الله تعالى أن فصيحًا يقول: فعلت هذا بيدي، أو: فلان فعل هذا بيديه، إلا ويكون فعله بيديه حقيقة، ولا يجوز أن يكون لا يد له، أو أن يكون له يد، والفعل وقع بغيرها".
الوجه الثامن: أن قول ابن الجوزي: "وقال الحسن في قوله تعالى: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: الآية 10]، أي: منته وإحسانه، قلت: وهذا كلام المحققين":
يجاب عنه فيقال: لو فرضنا أنَّ النقل عن الحسن صحيح - ولا أخاله يصح-، فلا يدل على نفي اليدين عن الله تعالى؛ لأن تفسيره هذه الآية باللازم لا يدل على نفيه الصفة عن الله تعالى مطلقًا في كل المواضع كما فعل النفاة من الجهمية والمعطلة والمعتزلة والأشاعرة.
وقول ابن الجوزي: "هذا كلام المحققين": غير صحيح، فالتحقيق أن هذه الآية تدل كغيرها من الآيات على إثبات صفة اليد الله تعالى حقيقة، وتأويلها بالمنة أو النعمة تأويل لا دليل عليه سوى الظن والتخمين، وكلام المحققين على خلافه.
قال أبو الحسن الأشعري في "الإبانة": "فإن سئلنا: أتقولون إن لله يدين؟ قيل: نقول ذلك، وقد دل عليه قوله عز وجل: {يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: الآية 10]، وقوله عز وجل: {لِمَا خَلَقْتُ بَيَدَيَّ} [ص: الآية 75]".وقال الإمام أبو بكر بن خزيمة رحمه الله في (باب ذكر إثبات اليد للخالق البارئ جل وعلا): "والبيان أن الله تعالى له يدان، كما أعلمنا في محكم تنزيله أنه خلق آدم عليه السلام بيديه، قال عز وجل لإبليس: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]، وقال جل وعلا تكذيبًا لليهود حين قالوا: {يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ}؛ فكذَّبهم في مقالتهم، وقال: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطتانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشاءُ} [المائدة: الآية 64]، وأعلمنا أن: {وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر: الآية 67]، و{يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح: الآية 10]....".
وقال رحمه الله تعالى في (باب ذكر سنة سابعة تثبت يد الله): "والبيان أن يد الله هي العليا، كما أخبر الله في محكم تنزيله: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح : الآية 10]، فخبر النبي صلى الله عليه وسلم أيضًا أن: "يد الله هي العليا"، أي: فوق يد المُعْطَى والمعطِي جميعًا".
وهذا الذي ذكره أبو الحسن الأشعري وابن خزيمة في إثبات صفة اليدين لله تعالى حقيقة، أخذًا من نصوص كثيرة من الكتاب والسنة، ومن ذلك قوله تعالى: {يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ} [الفتح : الآية 10]: هو الصواب، فإضافة اليد إلى الله في قوله: { يَدُ اللهِ}: لا تدل إلا على إثبات الصفة حقيقة، ويبطل ذلك تأويلها بالمنة أو الإحسان أو غير ذلك من التأويلات الباطلة.
الوجه التاسع: أن قول ابن الجوزي: "وقال القاضي أبو يعلى: "اليدان صفتان ذاتيتان تسميان باليدين" ا هـ، قلت: وهذا تصرف بالرأي لا دليل عليه":
يجاب عنه فيقال: إن ما ذكره أبو يعلى رحمه الله من إثبات اليدين لله تعالى هو قول جميع علماء السلف، فلا تثريب على أبي يعلى، فإنه لم ينفرد بهذا القول، ولم يقله برأيه، فقد دلَّ الكتاب والسنة على صحة هذا القول، وعلى فساد ما عداه.
وقد قال الإمام الآجري رحمه الله تعالى في كتاب "الشريعة" (ص323): "يقال للجهمي - الذي ينكر أن الله عزَّ وجل خلق آدم بيده -: كفرت بالقرآن، ورددت السنة، وخالفت الأمة..".
أقول: وقد تقدمت الأدلة من القرآن على إثبات اليدين لله تعالى حقيقة في مواضع متفرقة، وأجهزنا على تحريف من حرفها أو تأولها على غير التأويل المأثور عن السلف.
وأمَّا الأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم في إثبات اليدين لله تعالى حقيقة؛ فهي كثيرة جدًّا:
منها: ما رواه مسلم في "صحيحه" (رقم 2759) عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "إن الله عز وجل يبسط يَدَهُ بالليلِ ليتوب مُسِيءُ النهار، ويبسط يدَه بالنهار ليتوب مسيءُ الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها".
وروى الإمام البخاري في "صحيحه" (3/ 278) من طريق عبد الله بن دينار، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تصدَّق بعدل تمرة من كسب طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب -، فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فَلُوَّهُ، حتى تكون مِثْلَ الجبل".
ورواه الإمام مسلم رحمه الله في "صحيحه" (رقم 1014) من طريق سعيد بن أبي سعيد، عن سعيد بن يسار، أنه سمع أبا هريرة يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تصدَّق أحد بصدقة من طيب - ولا يقبل الله إلا الطيب-، إلا أخذها الرحمن بيمينه، وإن كانت تمرة، فتربو في كفِّ الرحمن، حتى تكون أعظم من الجبل؛ كما يربي أحدكم فَلُوَّه أو فصيله".
فقوله: "أخذها الرحمن بيمينه": ينفي ويبطل تأويل من تأول ذلك بالنعمة أو القدرة.
وفي هذا الحديث أيضًا إثبات الكف لله تعالى.
والحديث قال عنه ابن منده رحمه الله: "ثابت باتفاق، وله طرق عن أبي هريرة...".
وروى الإمام البخاري (8/551- فتح) ومسلم (رقم 2787) واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يقبض اللهُ الأرض، ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟".
وروى الإمام مسلم في "صحيحه" عن عبد الله بن عمر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقول: "يأخذ الجبَّار عزَّ وجل سماواته وأرَضيه بيدَيْهِ".
وروى البخاري (13/ 393- فتح) ومسلم (رقم 993) واللفظ للبخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدُ اللهِ ملأى، لا يغيضها نفقة، سحاء الليل والنهار"، وقال: "أرأيتم ما أنفق منذ خلق الله السماوات والأرض، فإنه لم يغض ما في يده؟"، وقال: "عرشه على الماء، وبيده الأخرى الميزان؛ يخفض ويرفع".
وهذه الأحاديث وما في معناها من الأحاديث الدالة على إثبات اليدين لله تعالى حقيقة ممَّا لم نذكره قد تلقاها أهل المشرق والمغرب بالقبول، وقابلوها بالتسليم، ولم ينكرها منكرٌ منهم، وأنكرها الجهمية وأشباههم، فخالفوا الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، فكذبوا بالحق، وصدقوا بالباطل.
قال الإمام السجزي في "رسالته لأهل زبيد" (ص 173): "وأهل السنة متفقون على أن لله سبحانه يدين، بذلك ورد النص في الكتاب والأثر، قال الله تعالى: { لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "وكلتا يدي الرحمن يمين...".
وتأويل من تأول اليدين بمعنى القدرة أو النعمة جهل وضلال.
قال الإمام الدارمي رحمه الله في "رده على بشر المريسي" (ص 33) بعد أن ذكر جملة من الأدلة على إثبات اليدين لله تعالى:
"وفي هذا الباب أحاديث كثيرة تركناها مخافة التطويل، وفيما ذكرنا من ذلك بيان بيِّن ودلالة ظاهرة في تثبيت يدي الله أنهما على خلاف ما تأوَّله هذا المريسي الضال، الذي خرج بتأويله هذا من جميع لغات العرب والعجم، فليعرض هذه الآثار رجلٌ على عقله: هل يجوز لعربي أو عجمي أن يتأول أنها أرزاقه وحلاله وحرامه؟!
وما أحسب هذا المريسي إلا وهو على يقين من نفسه أنها تأويل ضلال ودعوى محال، غير أنه مكذب الأصل، متلطف لتكذيبه بمحال التأويل، كيلا يفطن لتكذيبه أهل الجهل، ولئن كان أهل الجهل في غلط من أمره، إن أهل العلم منه لعلى يقين، فلا يظنن المنسلخ من دين الله أنه يغالط بتأويله هذا إلا من قد أضله الله، وجعل على قلبه وسمعه وبصره غشاوة.
ثم إنَّا ما عرفنا لآدم من ذريته ابنًا أعق ولا أحسد منه، إذ ينفي عنه أفضل فضائله وأشرف مناقبه، فيسوِّيه في ذلك بأخس خلق الله؛ لأنه ليس لآدم فضيلة أفضل من أن الله خلقه بيده من بين خلائقه، ففضَّله بها على جميع الأنبياء والرسل والملائكة، ألا ترون موسى حين التقى مع آدم في المحاورة، احتج عليه بأشرف مناقبه، فقال: "أنت الذي خلقك الله بيده"، ولو لم تكن هذه مخصوصة لآدم دون مَنْ سواه، ما كان يخصه بها فصيلة دون نفسه، إذ هو وآدم في خلق يدي الله سواء في دعوى المريسي، فلذلك قلنا: إنه لم يكن لآدم ابن أعق منه، إذ ينفي عنه ما فضَّله الله به على الأنبياء والرسل والملائكة المقربين..".
الوجه العاشر: أنَّ قول ابن الجوزي: "وقال ابن عقيل: معنى الآية: لما خلقتُ أنا، فهو كقوله: {ذلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: الآية 10]، أي: بما قدَّمتَ أنت": يجاب عنه بأن يقال:
لا إله إلا الله واللهُ أكبر! ما أعظم هذا التحريف وأقبحه وأبشعه! وواللهِ؛ ما يرضى الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا التحريف الباطل، ومعنى الآية ظاهر وواضحٌ كل الوضوح، لا خفاء به ولا لبس، ففيها إثبات اليدين لله تعالى حقيقة.
وزعم أن المعنى: "لما خلقت أنا": تكلفٌ وصرف للمعنى الصحيح بلا برهان، فدخول الباء في قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: الآية 75]: نص صريح في أن الله جلَّ وعلا خلق آدم بيديه حقيقة، واليدان من صفات الرب جل وعلا الذاتية، ولو كان المعنى على ما تقول المعطلة: لما خلقت أنا!! لما كان لآدم خصِّيصة على غيره، ولكان قول موسى لآدم: "أنت الذي خلقك الله بيده": لا معنى له، ومثلُ هذا ينزه عنه موسى كليم الرحمن.
وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الفتاوى" (6/ 366): "ولا يجوز أن يكون: لما خلقت أنا؛ لأنهم إذا أرادوا ذلك أضافوا الفعل إلى اليد، فتكون إضافته إلى اليد إضافة له إلى الفاعل، كقوله: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: الآية 10]، و{قَدَّمَتْ أَيْدِيْكُمْ} [آل عمران: الآية 183]، ومنه قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِيْنا أَنْعامًا} [يس: الآية 71]...".
( المرجع : " إتحاف أهل الفضل والإنصاف " للشيخ سليمان العلوان ، 145-159).








 


 

الكلمات الدلالية (Tags)
الأشاعرة, الثاني*, الجسم, الرد, شبهات


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 23:31

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc