بسم الله الرحمن الرحيم .
حكى قسورة ، قال :
لحق بي العيد ، وأنا عن أهلي بعيد ..هذا بعد أن أخذتني عادة الأسفار، و التغرب عن الديار ، و بُعدالمزار ..
و لأجلِ عملي ، فلطالما تغرّبتُ ، و شرّقتُ و غرّبت ُ ، و زرتُ مرابعَ بدوٍ وديارَ حضرٍ ، و كم قطعت من بر و من بحرٍ .كأن الشاعر يعْنِيـني :
المرءُ في كورته ضـائع**** و الليث في غيضته جائع.
فانهض تـــــرى الدنيا****و الموت لا يدفعه دافـع
و مع هذا ، فقد خنقتني العبرة ، و أخذتني الزفرة . حين تمثلت بقول الشاعر :
إذا ما ذكرتُ الدارَ فاضت مدامعي **** و صارفؤادي نهبـــة للهماهمِ.
حنينًا إلى أرضٍ بها إخضرّ شاربـي **** و حلّت بهاعني عقود التمــائم .
و انتابني الوجومُ و الدهولُ ، حتى صرت ُ لا أعي ما أقول ...
فإذا بشخصٍ صريح يتقدم مني ، و بلسان فصيح يحييني ...فوقفتُ مما أسمع ذاهلاً، وصار سحبانُ بياني باقلاً ..
لأنني قد أخترت من الكلام الصوم ، بعد أن ألفتُ القوم ، و عن لسانهم كنت بينهم كإبن الحمير ، لولا مخاطبتهم بلغة شكسبير ..
فابتدرني صاحبي بالسلام، بعد أن تكلم بأحسن الكلام ..و قال لي : أنا غريب مثلك ، و حالي كحالك .
ثم بادرني مجاملاً و أنشدني قائلا :
أجارتنا إنا غريبان ههنا **** وكل غريب للغريب نسيب
ثم سرّني بعذب الكلامِ من النثرِ و اتبعه بمعسولِ الشعرِ ...فكفكف مدامعي و التقط مجامعي ، حين ردد على مسامعي:
عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ**** بما مضى أم لأمر فيك تجديد؟
و بعد هذا ، بسط عنان الخطاب،و عن العيد مدّ أطناب الإطناب، وطلب الأمد في الإسهاب...حيث قال : إن في العيدِ يطرح فيها المسلمون همومهم، وينسون غمومهم، فتفرحُ قلوبهم، وتصفو نفوسهم، وتنشرح صدورهم، وتتهلّل وجوههم، وتنطلق ألسنتهم بأعذب الكلمات ، وتخرج من أفواههم ألطف العبارات، وأرق التحيات، فيتغافرون، ويتعانقون..
فعندما حان الأنتهاء ، تنفس صاحبي الصعداء . و قال :
لكنْ، أَينَ نحن مسلمي هذا الزمان من هذه المعاني النبيلة ، والذكريات الجليلة؟.. إننا ـ إلا من تداركه رحمة من ربه ـ أكثر الناس تنكّرًا وإعراضًا عن هذه الذكريات، وأبعد الناس عن هذه المعاني و هذه الصفات .
لذلك صرنا نعيش معيشة الحيوان البهيم، ونحيا حياة الذيل غير الكريم.
فقلتُ : أبيت اللعن ! ليتني أعرف ما بخاطرك يجول ، علّني أفهم ما تقول .
فنظر إليّ و عبس ، حتى ما نبس ..
و بعد هنيهة ، زمجر و صاح : ما الذي يمنعنا أن نكونَ كأوائلنا أعزة على الكافرين، أذلة على المؤمنين؟..
ما الذي يمنعنا أن نكونَ كأسلافنا أشداء على الكفار، رحماء بالأبرار؟..
آهٍ ! يمنعنا من ذلك ، أننا فرّطنا في حبل الله المتين ،وابتعادنا عن الدين ، واستبدالنا الذي هو أدنى بالذي هو خير و أعم ، وخيانتنا لله وللرسول ولآماناتنا ونحن نعلم.
أما الحديث عن العالم الإسلامي فحدث عن البحر ولاحرج ، فتجد نفسك أحفظ من حمادٍ وأجمع من أبي الفرج .
يا صاح ! ارنو ببصرك في الأوطان و الدوّلِ ؛ يرجع إليك البصر خاسئـــًا من الاول ، لأنك لن ترى ما يسرّ. حتى يصيبك العمى والعور.
ففي المغربِ هوىً متبعٌ .. والجزائر وتونس لا يزالان كما قال الشاعر:
بتونس أمة ُ الإسلام ظُلمت**** و في الجزائر دين الله يهتضم
وليبيا تعاني من "معمرها" أكثر مما عانته من مخرّبها و مستعمرها..
ومصر استخفّ قومها شخصٌ رجع بها القهقرى ،وقال كأخيه، ما أريكم إلا ما أرى.. و طفق في أرض الكنانة بالفساد يعيث ، ليجعلَ من ابنه " الأمير " للحكم الوريث .
وفلسطين عدوّها صار يُقبّل، وابنها بابنِها يُقتل..والأردنُ قطعة أنكرها التاريخ ، وأثبتتها الجغرافيا، لتكونَ شوكة ً دامية في الرجل السّاعية..
والعراق لا يزالُ كما وُصف بلد الشقاق.. وعاد إلى ما وصّفه به ابنه الرصافي:
وإن تسأل عمــا**** هو في بغداد كائن
فحكم مشرقي الضرْ**** ع،غربي المـلابن
وطنـي الإسم لكن**** انجليزي الشناشن.
ولبنانُ مسرح ٌ يمثل فيها الفُجّار ، ما يـُمليه عليهمُ الكبار.
وتركيا رفضت أن تكون رأسًا أولاً، وفضلت أن تصيرَ ذيلاً..
وسوريا يـُلبس فيها الحق بالباطل، فلا هي سالمت و لا هي تقاتل .
وإيران..
إيران ، لها وجهان، تحارب أمريكا في لبنان، وتُهادِنها في بغدان ، وتستأسد في الخليج على العربان.
والسودانُ كم مزّقه الطغيان، وأوهنه العصيان ؟ !.
واليمن..فإنّ بلقيسها أرشد من ذي يزن..
والسعودية ُ تُظهر الإسلام ، و"تستقسم بالأزلام"، تحذر القريب، وتأمن الغريب، تزخرف البيت، و "تصب على النار الزيت ".. و باقي الخليج منظره يهيج، وأمره مريج، ألهاه التكاثر في الأموال، وأنساه ما ينتظره من الأهوال..
أما باكستان،ومعناها أرض الأطهارِ، ركنتْ إلى الأشرارِ، وطاردت و نكّلت بالأخيار، و سلّمت الكثير من الأحرار.. وأفغانستان أرجعها سوء الإنسان إلى بداية الأزمان ..
أما أندونيسيا فقد خلقهاالله جنةً للإنسان، فصارت ملعبــًا للشيطان...
و بعد حيرة ، قال صاحبي في حسرة : وليس لنا من العيد إلا مظاهر تتمثل في خرافٍ تذبح، و أطفال ٍتمرح .
ثم ودعني على أمل اللقاء ، إن كان في العمر بقاء
ملاحظة : أرجو من الذي يريد الردّ ..فليرد ، مع الإتيان بالدليل و البرهان .. كما أنني لا أردّ على المداخلات التي تأتي بأنتقائية ، أو الدفاع عن دولة دون أخرى ..
تحياتي