التصوف - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > القسم الاسلامي العام > أرشيف القسم الاسلامي العام

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

التصوف

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2009-08-27, 08:52   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
حكيم عياض
عضو مشارك
 
إحصائية العضو










افتراضي

أركان الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية

للطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية أركان سبعة، تحدث عنها بالإجمال شيخنا العارف بالله الشيخ خير الدين الشريف كمنهج تربوي يومي للسالك. وفي التزام هذه الأركان اعتقاداً وتطبيقاً تتحقق السالك مراتب النفس التي تحدثنا عنها. ونقول في تفصيل هذه الأركان وبالله التوفيق:
الركن الأول: الحب:
اختار أشياخنا الحب ليكون الركن الأول من أركان الطريق، لأن أي مقام يُدرَك، ما هو إلا ثمرة من ثمار الحب، كمقام الشوق والرضا والتسليم. وأي مقام يسبق الحب ما هو إلا مقدمة من مقدماته، كمقام الإيمان والتوبة والتحمل والزهد. ونعني الحب الإلهي، الذي من ثماره ينبثق الحب النبوي، وحب أنبياء الله وأوليائه وأحبابه.
ومن أدرك مقام الحب أدرك حقيقة الإيمان لقوله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (165 البقرة). وأبلغ ما يقال في تعريف الحب ما قاله الإمام الجنيد رحمه الله عندما سئل عن علامات المحبة، فكان جوابه: "فيضان الدموع من عينيه وخفقان القلب بالهيام والشوق".
وقد افترى بعض المغرضين من الكفرة والملاحدة فريةً مفادها أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تقوم على الرهبة والبطش والعنف والتخويف. وأترك الجواب على هذه الفرية لكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فيهما من الأدلة في الرد على ذلك، وإثبات حقيقة الحب وفضله: قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} (54 المائدة).
قال تعالى {وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} (165 البقرة).
قال تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ} (31 آل عمران).
قال تعالى {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76 آل عمران)
قال تعالى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} (146 آل عمران).
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (42 المائدة).
قال تعالى {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (93 المائدة).
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159 آل عمران).
قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (222 البقرة).
أما الفرية التي افتراها من لا خلاق لهم، فهي على أمثالهم من الزنادقة والملاحدة، لا على المؤمنين الصادقين. ودليله:
قوله تعالى {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَادَ} (205 البقرة).
قوله تعالى {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (77 القصص).
قوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ}(32 الحديد).
قوله تعالى {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (141 الأنعام).
قوله تعالى {وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ} (57 آل عمران).
وقبل أن نورد الأحاديث النبوية المتعلقة بالحب، لا بد من الإشارة إلى لامعة لطيفة وهي أن علاقة الحب بين العبد وربه أمرٌ لا يكون إلا بمحبـة رسـول الله صلى الله عليه وسـلم، ومحبة أوليائه. وهي شرط من شرائط الإيمان. ودليل ذلك في الأحاديث التالية:
أخرج البخاري في صحيحه في كتاب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ثلاثٌ من كُن فيه وجد حلاوة الإيمان، أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلاّ لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار).
وروى البخاري، ومسلم في صحيحيهما في كتاب الإيمان عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
وروى البخاري في صحيحه في كتاب الرقاق باب التواضع عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب. وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه. ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، وإن استعاذني لأعيذنه).
وأخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب ذكر الملائكة عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (إذا أحب الله العبد نادى جبريل أن الله يحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل. فينادي جبريل في أهل السماء أن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض).
وقد ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم محبة الله ومحبة رسوله بوضوح، وبأمرٍ جازمٍ حيث قال فيما رواه الترمذي في كتاب المناقب (أحبوا الله لما يغذوكم من نعمه، وأحبوني بحب الله، وأحبوا آل بيتي بحبي).
ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم وعد المحبين بالحشر مع من أحبوا، فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب المناقب، ومسلم في كتاب البر، عن أنس رضي الله عنه قال (أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم متى الساعة يا رسول الله؟ قال ما أعددت لها؟ قال ما أعددت لها من كثير صلاة ولا صوم ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله. قال: أنت مع من أحببت. قال أنس: فقلنا ونحن كذلك؟ قال: نعم. ففرحنا بها فرحاً شديداً). والأحاديث في هذا الباب كثيرة.
فيا أيها السالك، إذا أردت أن تحظى بشرف الحب الإلهي وحب رسوله صلى الله عليه وسلم وحب أوليائه، وشعرت أن هذا الحب لم يتمكن في قلبك فأكثر من تلاوة القرآن الكريم، وتدبر معانيه، وأكثر من ذكر الله تعالى بكل أنواعه، وتقرب إلى مولاك بالنوافل وليكن هواك تبعاً لما جاء به رسول الله صلى اله عليه وسلم، وتأمل في صفات الله تعالى وأسمائه، وراقب آلاء الله ونعمه عليك، وليكن التواضع قرينك، وقم الليل بجد واجتهاد، واستغفر الله في الأسحار، وجالس الصالحين الصادقين من عباده وإياك ثم إياك أن تدعي المحبة ادعاءً ظاهراً، وإذا حصل لك أُنْس فاكتم حبك إجلالاً لمولاك، وتحول عن القواطع التي تبعدك عن كل ذلك. فإذا فعلت ذلك وجدت لهذه المحبة حلاوة في قلبك تغنيك عن ملذات الدنيا وشهواتها.

مراتب الحب:
ذكر العلماء للمحبة مراتب عشراً، ذكرها الشيخ عبد القادر عيسى في كتابه «حقائق عن التصوف»:
· أولها: العلاقة: وسميت بذلك لتعلق القلب بالمحبوب.
· الثانية: الإرادة: وهي ميل القلب إلى محبوبه وطلبه له.
· الثالثة: الصبابة: وهي انصباب القلب إلى المحبوب بحيث لا يملكه صاحبه، كانصباب الماء في المنحدر.
· الرابعة: الغرام: وهو الحب اللازم للقلب، لا يفارقه بل يلازمه كملازمة الغريـم لغريمـه.
· الخامسة: الوداد: وهو صفو المحبة وخالصها ولبها.
· السادسة: الشغف: وهو وصول الحب إلى شغاف القلب.
· السابعة: العشق: وهو الحب المفرط الذي يُخاف على صاحبه منه.
· الثامنة: التتيم: وهو التعبد والتلذذ. يقال تيّمه الحب أي أذله وعبّده.
· التاسعة: التعبد: وهو فوق التتيم، فإن العبد لم يـبق له شيء من نفسه.
· العاشرة: الخلة: انفرد بها الخليلان إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام، وهي المحبة التي تخللت روح المحب وقلبه حتى لم يبق موضع لغير المحبوب.
وأختم الموضوع بلطيفة ذكرت أن أحد الصوفية مر على رجلٍ يبكي على قبر فسأله عن سبب بكائه فقال: إن لي حبيباً قد مات. فقال لقد ظلمت نفسك بحبك لحبيب يموت، فلو أحببت حبيباً لا يموت لما تعذبت بفراقه.
الحب الصادق ينقل المريد إلى الركن الثاني من أركان الطريق وهو:
الركن الثاني: الامتثال:
فُطر الإنسان على طاعة من يحب. فكيف إذا كان المحبوب هو الله وكيف إذا كان المحبوب هو حبيب الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. فنعني بالامتثال من الناحية الشرعية: إتباع أوامر الله ورسوله وأولياء الأمور. قال تعالى{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُمْ} (59 النساء).
ذكر ابن كثير في تفسيره، المجلد الأول، صفحة 528 في تفسير هذه الآية قال: "أخرج الشيخان من حديث يحيى القطان قال: قال أبو داود حدثنا مسدد، حدثنا يحيى عن عبد الله حدثنا نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وفيما كره ما لم يؤمر بمعصية. فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)". فالأصل هو الشرع. والامتثال له هو الواجب. ولذلك جـاءت صيغة عهـد طريقتنا (أن طاعة الله والرسول تجمعنا، وأن معصية الله والرسول تفرقنا).
وأخرج الشيخان عن عبادة بن الصامت قال: (بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا، وأثرة علينا، وألاّ ننازع الأمر أهله. قال: إلاّ أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان). وروى مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من خلع يداً من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} يعني أهل الفقه والدين. وكذا قال مجاهد وعطاء والحسن البصري وأبو العالية {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} يعني العلماء. يقول ابن كثير بعد ذلك: "والظاهر والله أعلم أنها عامةٌ في كل أولي الأمر من الأمراء والعلماء".
وفي الحديث المتفق على صحته، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال (من أطاعني فقد أطاع الله. ومن عصاني فقد عصى الله. ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري فقد عصاني). فهذه أوامر بطاعة العلماء والأمراء، ولهذا قال تعالى {أَطِيعُوا اللَّهَ} أي اتبعوا كتابه. {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أي خذوا سنته. {وَأُولِي الأَمْرِ مِنكُم} أي فيما أمروكم به من طاعة الله في غير معصية. فإنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق لحديث (إنما الطاعة في المعروف). وقال تعالى{وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّنَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} (69 النساء). وقال أيضاً {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ} (52 النور). وفي هذا بشرى من الله لعباده بالفوز بالجنة وصحبة عباده المخلصين {وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} (71 الأحزاب).
ثم إن هناك أمراً مباشراً بالطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم، وأنها من طاعة الله تعالى. قال تعالى {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (80 النساء). ومن هنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله). وهناك وعيد من الله لعباده المخالفين لأمر رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك بقوله تعالى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (63 النور). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى!. قيل: ومن يأبى يا رسول الله؟ قال: من أطاعني دخل الجنة. ومن عصاني فقد أبى) رواه البخاري.
إن التحقق الصحيح من معاني هذا الركن (الامتثال) لا يتم إلا بمتابعة شيخ عارف وعهد على الطاعة وصحبة وأخوة. فعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (من فارق الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه)
وهنا لا بد من الإشارة إلى ضرورة إتباع أوامر الشرع الشريف، وإلى تحري الجماعة العاملة بأحكام الشرع، بعيداً عن أدعياء السلوك الذين ابتلي بهم أهل الله.
وفي هذا المعنى أنقل نص «الرسالة الخيرية» لحضرة سيدنا ومرشدنا العارف بالله تعالى الشيخ خير الدين الشريف، حيث قال: "الحمد لله ولي التوفيق، الهادي إلى أقوم طريق، والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله القائل (تخلقوا بأخلاق الله) وعلى آله وأصحابه ومن والاه، ومن اتبع سنته وعمل بشريعته إلى يوم يلقاه.
وبعد: فإني أعرض على مسامع إخواني بعض كُليمات لتكون سبباً لنجاحهم وفلاحهم إن شاء الله في الدارين إن قبلوها وعملوا بمقتضاها، وإلا فلا. والسلام على من اتبع الهدى.
من المعلوم لدى العموم أن سلوك طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية التي تلقيناها عن حضرة سيدنا المرشد المتصل سنده الطاهر بحضرة المرشد الأعظم صلى الله عليه وسلم، على نهج الشريعة المحمدية الغراء على خط مستقيم لا اعوجاج فيه. إذ قامت الآثار والأدلة القوية والبراهين القطعية العقلية والنقلية أن رجال السند جميعهم مرشدون. ومن علائم الإرشاد المتابعة لأمر الشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم. فإنه لا يمكن لوصول هذه الدرجة الرفيعة وارثٌ إلا بالعبادة. ولا تسمى عبادة إلا إذا كانت منطبقة على الكتاب والسنة. لأن شريعته صلى الله عليه وسلم ناسخة لجميع الشرائع. انظر قولـه تعالى {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (31 آل عمران). فإن اتِّباعه صلى الله عليه وسلم فيه الرقي الأعلى من محبٍ إلى محبوبٍ لما في ذلك من الدلالة على كيفية العبادة المخصوصة المطلوبة. ومن هنا تُعلم الشريعة والطريقة والحقيقة. فإن الشريعة هي الأقوال الواردة في الكتاب والسنة. والطريقة هي المتابعة لها بالفعل. ونتيجة الأفعال المشاهدة الحقيقية. فامتثال الأوامر والنواهي هو الركن الحقيقي إذن في الطريق. قال تعالى {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} (7 الحشر). وإن أركان الإسلام خمسة، جميعها داخـلة ضمن قوله {وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ} وكل أمر يخالف خط الشرع الشريف: أي الكتاب والسنة داخل ضمن قوله:{وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا}. وقد قال عليه الصلاة والسلام: (ما تركت مما أمركم الله به إلا وقد أمرتكم به، ولا تركت شيئاً مما نهاكم الله عنه إلا وقد نهيتكم عنه). فإن خطاب الله موجه إليه صلى الله عليه وسلم، وهو الآمر والناهي. وعلى ذلك فلا جدال ولا خلاف في أن الطريقة هي المتابعة للشريعة المحمدية. قال تعالى {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (153 الأنعام).
وقال سيدي العارف بالله الشيخ مصطفى البكري:
واتبع شريعة أحمدٍ خير الورى من حـاد عنها ربـنا أرداهُ

وإن سَيْر إخواننا وسلوكهم في سائر الأماكن على هذه الخطة المستقيمة، كما هو مُشاهَدٌ للعام والخاص، والحمد لله. ولا ريب في أن تلك الخطة مرتبةٌ عظيمةٌ قلَّ من يصل إليها إلا من سبقت له السعادة في الدارين. غير أني الآن أحيط إخواني علماً بأن قوماً في هذا الزمان ابتدعوا طرقاً مخالفةً لطريق القوم، ويزعمون أنها طريقة الرحمن، كلا بل هي طريقة أبيهم الشيطان: منها الخلوة بالنساء الأجنبيات، ومعهن ربما زاد بعضهم المعانقة والقبلة والملامسة. وسلك آخرون مع الشباب مثل ذلك. وهذه مما لا يخفى أنها من تحيّل الشيطان ومكايده، ومن حبائله ومصائده.
قال تعالى في حق نساء النبي صلى الله عليه وسلم مع علو مرتبتهن وكونهن أمهات المؤمنين في الحرمة والتحريم، بل أعظم منهن في الوقار والتعظيم. {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَسْئَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} (53 الأحزاب). فمن ادعى أنه أقوى من الصحابة وأن النساء اللاتي يخلو بهن أطهر قلوباً وأملك نفوساً من نساء الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أعظم الافتراء وأكبر الاجتراء. هذا في حديث الخلوة وحـدها، فكيف بمن زاد على ذلك؟ وفي الصـحيح (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان معتكفاً في رمضان فدخلت عليه حفصة بنت عمر رضي الله عنهما فتحدثت عنده ساعة ثم خرجت فرأى رجلين في الطريق. فقال صلى الله عليه وسلم: هي أمكما حفصة فقالا: سبحان الله يا رسول! فقال: إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، وإني خشيت أن يقذف في قلوبكما شيئاً). وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاف أن يوقع الشيطان في قلوب الناس أنه كان عنده امرأة أجنبية، فكيف نسلم لغيره أن لا يوقع الناس في ذلك. فقد روي عن رسول الله صلى اله عليه وسلم أنه قال (لا تخلون بامرأة أجنبية ولو أقرأتها القرآن). وقد ورد في الخبر عن سيد البشر (ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
وروي أن النساء اجتمعن عنده، وطلبن منه أن يعاهدنه باليد، فقال لا تمس يدي امرأة، ولكن قَوْلي لامرأة كقولي لمائة. فبايعهن بالكلام من غير ملامسة. وأنه لما طلبن منه البركة وضع يده في ماء ثم نُقل إليهن فوضعن أيديهن فيه. فإذا كان سيد الأولين والآخرين يجتنب هذه الأمور، وغيره يقتحمها، أهو أعظم منه؟ فكيف يخفى على عاقل قُبح ما يتعاطون؟ نسأل الله السلامة بمنه وكرمه.
لهذا أُعلن لعموم إخواني الكرام، أن يفروا من هؤلاء القوم فرارهم من الأسد أو الموت. وأن يجتنبوا كل ما يخالف الشرع الشريف. فإن مرضى القلوب أهل الغفلة يجب بترهم بتراً أزلياً من هذا المجمع الطاهر امتثالاً للأمر التشريعي. قال تعالى {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (199 الأعراف) {فأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا} (29 النجم) {وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا * وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} (28-29 الكهف).
وليكن معلوماً لدى العموم أنه ليس منا من يخالف الكتاب والسنة، وليس منا من يخالف نهج وخط أوامر الشارع الأعظم صلى الله عليه وسلم: {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} (103-104 الكهف).
فالحذر الحذر أيها الإخوان الكرام. وفي الختام اقبلوا مني فائق الاحترام، سائلاً منه تعالى أن يسلك بي وبكم طريق أهل الصفا، ويجملني وإياكم بجمال حضرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأن يجعلنا من أهل الاختصاص، ويحلنا من قيد الأقفاص، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين".
الركن الثالث: الذكر:
الذكر هو الركن الثالث من أركان الطريقة الخلوتية الجامعة الرحمانية. وكلمة الذكر في القرآن الكريم لها معان كثيرة. فعني بها في معظم النصوص التسبيح والتكبير والتهليل والذكر بالأسماء، والصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم وغير ذلك. كما جاء ذلك في قوله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاَةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ} (102 النساء). وفي قوله تعالى {وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً} (8 المزمل). وعني بها مرة القرآن الكريم نفسه في قوله تعالى {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (9 الحجر). وعني بها أخرى صلاة الجمعة بقوله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسَعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ} (9 الجمعة). وعني بها مرة أخرى العلم في قوله تعالى {فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} (7 الأنبياء).
وعندنا كما فهمنا من أشياخنا أن الذكر هو جميع ذلك. لكن المعتبر فيه ما غلب استعماله عرفاً. ولفظ الذكر قد غلب استعماله في ذكر الله حقيقة، وهو: الإكثار من ذكر الله تسبيحاً وتهليلاً وتكبيراً وغير ذلك من الصيغ. والذاكر عندنا لا يكون ذاكراً إلا إذا كان مكثراً في ذكره، لأن الإقلال من الذكر صفة المنافقين بدليل قوله تعالى {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلاً} (142 النساء).
فالأصل هو الإكثار من الذكر. وفي كثير من الآيات ورد الذكر مقروناً بكلمة كثيراً: قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً} (41-42 الأحزاب). وقـال تعالى {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (35 الأحزاب). وقال تعالى {وَاذْكُرْ رَّبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالإِبْكَارِ} (41 آل عمران). وقال تعالى {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاَةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (10 الجمعة).
قال مجاهد: "لا يكون من الذاكرين الله كثيراً والذاكرات، حتى يذكر الله تعالى قائماً وقاعداً ومضجعاً". وقال ابن عباس رضي الله عنهما "المراد يذكرون الله في أدبار الصلوات، وغدواً وعشياً، وكلما استيقظ من نومه، وكلما غدا أو راح من منـزله ذكر الله تعالى".
وعلى هذا فالذكر هو الدواء النافع لكل أمراض النفس، وهو الصاقل للقلوب، الدافع للبلاء والحزن والهم والغم، الجالب للسكينة والأنس والصبر والرضى والحب وغير ذلك. قال تعالى {الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (28 الرعد) ولأن وقع الذكر على قلوب المنافقين ثقيل، فكثيراً ما تجدهم ينكرون على الذاكرين ذكرهم. فلا يلتفت أحد إلى ما يقال من أهل الغفلة عن الذكر والذاكرين. ومصداق ذلك ما أخرجه مسلم في باب الذكر، والترمذي في كتاب الدعوات عن ابي هريرة رضي الله عنه قال (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة فمر على جبل يقال له جُمدان فقال: سيروا هذا جُمدان سبق المفَرِّدُون، قيل وما المفردون يا رسول الله؟ قال المُسْتَهتَرون بذكر الله، يضع الذكر عنهم أثقالهم فيأتون الله يوم القيامة خفافاً) والمستهتَرون هم المولعون بالذكر، المكثرون منه، ولا يبالون بما قيل فيهم، ولا بما فعل بهم.
وفي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم كثيرٌ من الأحاديث في فضل الذكر أذكر بعضها اختصاراً: أخرج الترمذي في كتاب الدعوات وحسّنه عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قيل وما رياض الجنة قال حِلَقُ الذكر). وروى الطبراني بإسناد حسن عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ليبعثن الله أقواماً يوم القيامة في وجوههم النور على منابر اللؤلؤ يغبطهم الناس ليسوا بأنبياء ولا شهداء. قال فجثا أعرابي على ركبتيه فقال: يا رسول الله حِلْهُم لنا نعرفهم (أي صفهم لنا) قال هم المتحابون في الله من قبائل شتى، وبلاد شتى، يجتمعون على ذكر الله يذكرونه).
وروى أحمد وأبو يعلى وابن حبان في صحيحه والبيهقي وغيرهم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله عز وجل يوم القيامة: سيعلم أهل الجمع من أهل الكرم. فقيل ومن هم أهل الكرم يا رسول الله؟ قال: أهل مجالس الذكر في المساجد). وأخرج الترمذي في كتاب فضائل القران وقال حديث حسن، والدارمي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم(يقول الرب تبارك وتعالى: من شغله قراءة القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين).
الجهر والإسرار بالذكر:
شرع الذكر سراً وجهراً، بأدلة كثيرة. إلا أن الذي عليه العلماء العاملون أن الجـهر بالذكر أفضل، إذا خـلا من إيذاء قارئ أو نائمٍ أو مصلٍ، وإذا خلا من حب الشهرة والرياء.
ومن الأدلة الشرعية النبوية التي تَرُدُّ على من ينكر الجهر بالذكر:
أخرج البخاري في صحيحه (باب التوحيد) والترمذي والنسائي وابن ماجة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقول الله: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه، إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي (وهذا دليل على ذكر السر)، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم (وهذا دليل على ذكر الجهر)). والذكر في الملأ لا يكون إلا جهرياً.
وروى البيهقي كما في الحاوي للفتاوي للسيوطي عن زيد بن أسلم رضي الله عنه قال: قال ابن الأدرع رضي الله عنه: (انطلقت مع النبي صلى الله عليه وسلم فمر برجل في المسجد يرفع صوته. قلت يا رسول الله عسى أن يكون مرائياً.قال: لا، ولكنه أوَّاه).
وأخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال ابن عباس كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته). وروى أحمد وأبو داود والترمذي وصححه السيوطي في كتابه «الحاوي للفتاوي» عن السـائب رضي الله عنـه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال (جاءني جبريل قال: مُر أصحابك يرفعوا أصواتهم بالتكبير).
أما الذين يستدلون بالآية الكريمة {وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ} (205 الأعراف) فللعلماء آراء واضحة في ذلك: منها ما أشار إليه ابن كثير في تفسيره أن هذه الآية مكية كآية الإسراء {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا} (110 الإسراء) وقد نزلت حين كان النبي صلى الله عليه وسلم يجهر بالقرآن فيسمعه المشركون فيسبون القرآن ومن أنزله، فأُمر بترك الجهر سداً للذريعة، كما نُهي عن سب الأصنام لذلك في قوله تعالى {وَلاَ تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} (108 الأنعام) وقد زال هذا المعنى، كما كان الحال في قصة الفاروق رضي الله عنه في توزيع الصدقات على المؤلفة قلوبهم، فقد أبى ذلك في المدينة عندما قويت شوكة الإسلام، وقال كنا نؤلف قلوبهم لما كان الإسلام طريداً.
ثم إن جماعة من المفسرين منهم عبد الرحمن بن زيد بن أسلم شيخ مالك، وابن جرير حملوا الآية على الذاكر حال قراءة القرآن، وأنه أمر بالذكر على هذه الصفة تعظيماً للقرآن أن ترفع عنه الأصوات.
وقد ذكر بعض العارفين في ذلك أن الأمر في الآية خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم الكامل المكمل، وأما غيره ممن هم محل الوساوس، فمأمورون بالجهر لأن الجهر أشد تأثيرًا في دفعها. ويؤيد ذلك هذه الرواية المدنية والله أعلم: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاثة من أصحابه مختلفي الأحوال، فمر على أبي بكر رضي الله عنه وهو يخافت فسأله عن ذلك فقال إن الذي أناجيه هو يسمعني. ومر على عمر رضي الله عنه وهو يجهر فسأله عن ذلك فقال أوقظ الوسنان وأزجر الشيطان. ومر على بلال وهو يتلو آياً من هذه السورة وآياً من هذه السورة، فسأله عن ذلك فقال: أخلط الطيب بالطيب. فقال صلى الله عليه وسلم كلكم أحسن وأصاب.
ويستدل البعض على كـراهية الـذكر بالجهـر بالآية الكريمة {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (55 الأعراف). ولم يتنبه هؤلاء إلى أن هذه الآية تتكلم عن الدعاء (ادعوا) لا عن الذكر. والإسرار في الدعاء أفضل لأنه أقرب للإجابة {إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا} (3 مريم).
وروى مسلم في صحيحه في كتاب المساجد ومواقع الصلاة، والترمذي في كتاب الصلاة عن ابن الزبير رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلّم من صلاته قال بصوته الأعلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ولا حول ولا قوة إلا بالله... الحديث).
وعلى هذا فلا بأس بأنواع الذكر وأشكاله كلها، سرها وجهرها. وقد تميزت طريقتنا الخلوتية الجامعة الرحمانية بحرصها على أداء الذكر بكل أشكاله وألوانه ضمن أورادها الصباحية والمسائية.








 


 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:16

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2025 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc