إذا نحن أردنا أن نلخص تاريخ الإنسان منذ نشأته إلى اليوم وإلى الغد في كلمة ، قلنا إن كل أعماله تنحصر في الهدم والبناء ، وإذا نحن أردنا مقياسا بسيطا سهلا نقيس به الأفراد والأمم فما علينا إلا أن نجمع عمل الفرد أو الأمة في البناء ونطرح منه عملهما في الهدم فباقي الطرح هو مقياسهما . وإذا أردنا أن نوازن بين شخصين أو أمتين نظرنا إلى مقدار باقي الطرح في كليهما فما زاد فهو أرقى ، وإذا أحببنا الدقة في التقدير لم نكتف بتقدير الكمية في البناء والهدم ، بل حسبنا في ذلك نوع ما يبني ومايهدم ، فإن قيم البناء وقيم الهدم ، تختلف اختلافا كبيرا بحسب نوعهما وصفاتهما وكيفيتهما ، كالذي نفعله في البناء الحسي ، فلسنا نقدر البناء بحجمه ومساحته فقط ، بل نقدره كذلك بنوع هندسته وما إلى ذلك من أمور لاتخفى . وقد أكثرت البشرية من القول في البناء ، فالوعاظ الدينيون ورجال الأخلاق المصلحون ونحوهم إنما يتكلمون في البناء ويحذرون من الهدم ، فمارأيكم لو أخذنا جانب الهدم فننيره ،فكثيرا مايكون الهدم مقدمة البناء ، بل ربما كان خير بناء ماسبقه الهدم التام .
- هل توافقوني الرأي أن الهدم التام يجعل من البناء تاما مكتملا ؟