بسمة هاربة.. ( قصة من واقع حلم حصل لي حقيقة.. )
تسمر هناك في مكانه طويلا يرقب الشمس وهي تودع الروابي والتلال البعيدة..
بدا له قرصها الأحمر يكبر شيئا فشيئا وكأنها تتسلق قمم الجبال محاولة إلقاء آخر لمحة على أسراب الطيور وقطعان الماشية العائدة والممزوجة بصيحات الأطفال وزغاريد النسوة بين الحقول.
عم الهدوء أخيرا المكان إلا من خرير مياه الجداول؛ خيل إليه أنه في حضرة إحدى جنان إرم أو عدن..
فجأة سمع صوت دراجة نارية يقترب منه عند منعرج غير بعيد؛ وما أن لاحت له حتى أشار بيده لراكبتها لتتوقف..
إنه يعرفها تمام المعرفة، وكيف لا وهما يلتقيان دوما وجها لوجه ويتبادلان التحية في الشارع أو على أدراج العمارة.
كم مرة حاول أن يطيل وقت التحية لثواني إضافية ليفصح لها عن إعجابه بابتسامتها وتميزها عن الأخريات لكنه كان يخشى أن تكون معجبة بغيره أو تتهمه بالمجاملة التي قد تعتقد أنه يطلقها على كل من التقى بهن.
كان يتوجس على الأرجح من أن تختفي تلك التحية بينهما للأبد نتيجة لجرأته، فلن يحظى بعدها بتلك الإبتسامة التي أسرت قلبه طويلا ..
إنه يدرك جيدا أن سبب سحرها ليس هو ابتسامتها فحسب، بل أيضا بساطتها، سمو روحها و سِعة قلبها .. لكن يحز في نفسه أن تكون تخفي وراء تلك الإبتسامة الدائمة حزنا دفينا لا تشكوه إلا لنفسها. كم يتمنى لو تبتسم حتى حينما تجلس إلى نفسها وألا تكون كالشمعة تحترق في صمت طوال الليل لتضيء وسط العتمة سبيل الآخرين..
لقد تشبث بالإقامة في تلك الشقة جوارها رغم ضيقها وغلائها خصوصا وأنه أتيحت له فرصة الإنتقال إلى مسكن أحسن، لكنه فضل أن يبقى بجنبها .. لا لشيء إلا ليراها صباحا ومساء..
لم تتوقف قربه جانب الطريق، بل تابعت السير متدحرجة نحو الأسفل تتأرجح بين الأحجار والحفر المتربة.
انطلق مسرعا نحوها مخافة أن تسقط، لكنها تمكنت من إيقاف دراجتها دون أن تقع. سلم عليها وقبل أن يسألها أخبرته أنها فقدت السيطرة على الفرامل.
أخذ منها الدراجة ولما أعادها إلى قارعة الطريق شكرته راسمة تلك الإبتسامة المشرقة على شفتيها وكأنها الشمس حينما ترسل أول أشعتها في يوم ربيعي جميل.
أحس بقلبه يكاد يقتلع من بين ضلوعه؛ اقترب منها وأزاح بيده شعيرات ذهبية داعبها ريح خفيف فغطت حاجبها وطرفا من خدها.
توردت وجنتاها خجلا، ولما اقترب منها أكثر وقد جف الريق في حلقه وسرت في جسده قشعريرة حارة سمع منبه الساعة يرن..
تقلب في فراشه يمينا ويسارا محاولا إيقاف جرس الهاتف وخيبة الأمل بادية عليه لعدم تمكنه من القبض بكلتا يديه على تلك البسمة الهاربة ..