تونس: معركة كسر العظم متواصلة بين اتحاد الشغل وحركة النهضة
تزداد الأوضاع في تونس تعقيدا بعد أحداث اليومين الماضيين التي شهدتها مدينة سليانة الواقعة في الشمال الغربي للبلاد، حيث طالب الأهالي بإقالة الوالي النهضوي الذي عجز عن حل المشاكل وتحقيق الوعود التنموية للحكومة، وغضّ الطرف عما تتداوله الألسن من صفع كاتبه العام لممثلة الإتحاد العام التونسي للشغل وعدم استماعه لمطالب النقابيين.
ولقيت احتجاجات الأهالي على والي الج رد فعل عنيف من أجهزة الأمن وقمعا وحشيا (استعملت فيه أسلحة غريبة تؤدي إلى تشوهات جسدية لا يعرفها التونسيون) الأمر الذي أثار استغراب الكثيرين من حكومة أتت من رحم ثورة كان من المفروض أن تتعامل بأكثر مرونة مع المطالب الإجتماعية للمحتجين.
زحف
ولعل الجديد في هذه الأزمة هو زحف أهالي ولاية سليانة على العاصمة سيرا على الأقدام، اذ خرج الأهالي أمس من مدينتهم، ومن المتوقع أن يصلوا غدا إلى ساحة الحكومة في القصبة في قلب المدينة العتيقة للعاصمة التونسية، وذلك احتجاجا على أوضاعهم المزرية ولعدم استجابة الحكومة لمطالبهم وللفت أنظار العالم لمعاناتهم التي تعود جذورها بحسب مؤرخين إلى ما قبل دولة الإستقلال.
فالفريق الحاكم اعتبر أن من يحرك هذه الإحتجاجات أشخاص من خارج المدينة أتوا إليها من المدن المجاورة، وبأنهم من غلاة اليسار وتحديدا الجبهة الشعبية التي تضم حزب العمال الشيوعي وأحزابا أخرى يتهمون بالسيطرة على القرار السيادي للإتحاد العام التونسي للشغل، في لغة شبيهة بما كان يردده بن علي حين وصف الثائرين على نظامه بأنهم ملثمون تحركهم أطراف خارجية متآمرة على البلاد.
غضب
هذه التصريحات - التي اعتبرها البعض تدخل في إطار سياسة الهروب إلى الأمام- زادت من تأزم الأوضاع وغضب أهالي سليانة خاصة بعد أن تزامنت تصريحات المسؤولين الحكوميين مع إعلان أطباء بعض المصابين (الذين تم نقلهم إلى العاصمة بعد عجز مستشفى سليانة عن استقبال الأعداد الكبيرة من الجرحى) عن إمكانية فقدان مرضاهم للبصر نتيجة لرصاص الرش الذي أطلقه الأمن التونسي على المتظاهرين.
كما أن إصرار رئيس الحكومة حمادي الجبالي على عدم إقالة الوالي الذي كان سببا رئيسيا في تأزم الوضع، زاد من الغضب العارم الذي انتاب أهالي سليانة وأهالي المدن والقرى المجاورة لها الذين صبوا غضبهم على الأملاك عمومية والمقرات الأمنية، وأيضا على مكاتب تابعة لحزب حركة النهضة من خلال حرقها، في مشهد شبيه بما حصل أيام الثورة حيث حرقت ونهبت الممتلكات العامة والخاصة ومقرات حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل.
تضامن
وعلى غرار ما حصل خلال الثورة عندما هبت المدن التونسية لنصرة أهالي سيدي بوزيد، شهدت مختلف مدن البلاد خروج المتظاهرين للتضامن مع أهالي سليانة جراء ما أصابهم بما في ذلك المدن الساحلية تصنف ضمن الأكثر حظا في مجال التنمية على غرار مدينة المهدية الساحلية السياحية وصفاقس عاصمة الجنوب التونسي التي لعبت دورا بارزا في الإطاحة بنظام بن علي.
كما شهدت تونس المدينة مظاهرات تضامنية مع أهالي سليانة جابت الشارع الرئيسي للعاصمة شارع الحبيب بورقيبة وتوقفت أمام وزارة الداخلية.
تواصل الإضراب
ويشار إلى أن الإتحاد العام التونسي للشغل - الذي ساهم بقسط وافر في إسقاط بن علي حين اختار يوم 14 يناير/ كانون الثاني 2011 يوما للإضراب العام في كامل البلاد التونسية ما أجبر بن علي على الفرار- هو الذي يقود ويؤطر هذه الإحتجاجات. وقد أعلن عن تواصل الإضراب الجهوي بولاية سليانة لليوم الرابع على التوالي حتى تلبي الحكومة طلبات المواطنين وعلى رأسها إقالة والي الجهة الذي يرفض بحسب النقابيين التحاور معهم ويصم آذانه على مطالبهم.
ويؤكد أكثر من مراقب أن الإتحاد العام التونسي للشغل هو الرقم الصعب في المعادلة التونسية. فكل من تصارع معه إلا وكانت نهايته أليمة ابتداء بالمستعمر الفرنسي وانتهاء بزين العابدين بن علي مرورا ببورقيبة الذي بدأت نهايته الفعلية حين دخل في معركة كسر عظم مع الإتحاد نتجت عنها أحداث الخميس الأسود سنة 1978 وأحداث الخبز سنة 1984 وعرفت هذه الأحداث سقوط القتلى والجرحى في صفوف التونسيين وعجلت بنهاية نظام بورقيبة.
وما على حركة النهضة - إذا أرادت أن تحكم تونس براحة بال- إلا أن تجد صيغة للتعايش مع هذا الإتحاد العمالي الأعرق في الوطن العربي الذي اضطرت فرنسا إلى اغتيال قادته إبان الفترة الإستعمارية لإتقاء "شره" وعلى رأس هؤلاء الزعيم فرحات حشاد، واضطر بن علي رغم جبروته إلى مهادنته وإغراق قادته بالهبات والعطايا طيلة عقدين من الزمن.
| 2012-12-01