[size="4"][/size]عُذراً أيُها الخوارج !!!
بواسطة
أبو صهيب وليد بن سعد
| 10-24-2012 07:43 am |
«الورقات - القاهرة»: الحمد لله ، و الصلاة و السلام على من لا نبي بعده ، و بعد:فإنه من نَكد العيش أن نحيا الى زمان تشتدُ فيه شوكة البدعة ، و يضعُف فيه نور السنة ، و يُفتي فيه الأصاغر ، و يُخونُ فيه الأكابر ، و تختلط فيه الأوراق ؛ فتفسد فيه عقائد الناس .. فيرون السنة بدعة، و البدعة سنة، و يُنكرون الصحيح ، و يقرون الضعيف، و ...ولكن .. ولله الحمد و المنة مازال في أهل الحق بقية، ينفون عن كتاب الله ، و عن سنة رسوله ـ صلى الله عليه و سلم ـ تحريف الغالين ، و إنتحال المُبطلين ، و تأويل الجاهلين الذين عقدوا ألوية البدعة ، و أطلقوا عنان الفتنة ، الذين يقولون على الله ، و في الله ، و في كتاب الله بغير علم ، و يكتمون الحق ، و يتكلمون بالمتشابه من الكلام ، يخدعون به جهال الناس بما يشبهون عليهم .
و مما إنخدع به أهل زماننا «بدع الخوارج» من الطعن في ولاة الأمور ، و التشهير بأخطائم على المنابر ، و التهييج بالتظاهر ، و الخروج عليهم في المجالس ، و إيهام العوام أن الخروج لا يكون إلا بالسيف فلا بأس فتكلموا فهذا أفضل الجهاد ، و غيرها ...و لما كان حال هؤلاء الخوارج كسائر المبتدعة يعلمون أنهم لن يسلموا من سهام أهل السنة من الطعن في منهجهم ، و بيان منهج السلف الذي يُخالفهم ، عمدوا الى حيلة قديمة علمهم إياها قائدهم الأعظم : ﴿وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَىٰ أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ﴾ [الأنعام: ١٢١]،وهي رمي أهل السنة بالبدع حتى يكفوا ألسنتهم عنهم ، و هي من طريقة من طرق الإرهاب الفكري تسمى: رمتني بدائها ... و إنسلت..
قال ابن القيم في "الصواعق المُرسلة"(1):
و لما أراد المتأولون المُعطلون تمام هذا الغرض إخترعوا لأهل السنة الألقاب القبيحة فسموهم حشوية ، و نوابت ، و نواصب ، و مُجّبْرة ، و مجسمة ، و مشبهة ، و نحو ذلك .
قلت : و ما ذكره الإمام الصابوني في كتابه " عقيدة السلف أصحاب الحديث " في هذا الباب أشهر من أن يُذكر .
و لكني وقفت على كلام لشيخ الإسلام ابن تيمية - عليه الرحمة - ذكر فيه النكتة في المسألة فقال(2):
وقد صنف أبو إسحاق إبراهيم بن عثمان بن درباس الشافعي جزءًا سماه : " تنزيه أئمة الشريعة عن الألقاب الشنيعة " ، ذكر فيه كلام السلف وغيرهم في معاني هذا الباب ، وذكر أن أهل البدع كل صنف منهم يلقب أهل السنة بلقب افتراه ـ يزعم أنه صحيح على رأيه الفاسد ـ كما أن المشركين كانوا يلقبون النبي بألقاب افتروها .
فالروافض تسميهم نواصب، والقدرية يسمونهم مجبرة، والمرجئة تسميهم شكاكا، والجهمية تسميهم مشبهة، وأهل الكلام يسمونهم حشوية، ونَوَابت [النَّوابت: الأغمار من الأحداث]. وغثاء، وغُثْرًا [الغُثْر: سَفِلَة الناس]، إلى أمثال ذلك، كما كانت قريش تسمي النبي صلى الله عليه وسلم تارة مجنونًا، وتارة شاعرًا، وتارة كاهنًا، وتارة مفتريًا ، قالوا : فهذه علامة الإرث الصحيح و المتابعة التامة فإن السنة هي ما كان عليه رسول الله صل الله عليه و سلم و أصحابه إعتقاداً و إقتصاداً و قولاً و عملاً ....... أ هـ
قُلت : و بالفعل إنبعث أشقاهم فأخرج من قاموس البدع كلمة " الإرجاء " يرمي بها كل من لا يوافقهم في تكفير الحكام بإطلاق ، أو تكفير تارك الصلاة بلا تفصيل ، أو غيرها من الأمور التي لأهل السنة فيها تأصيل معروف من " إقامة الحجة ، و نفي الشبهة ، ... " و لقد رأينا لهذا الفعل ثمرة عند العوام " و العوام كالهوام أتباع كل ناعق " ، فكل من جهر بعقيدة السلف في معاملة الحكام يرميه العوام بأنه من المرجئة أو المداخلة أو الجامية أو غيرها من الألقاب ، و الأمر كله ليس إلا :رمتني بدائها ... و إنسلت..
و لكن العجب العجيب ، و النبأ الغريب أن خوارج هذا العصر لم يكتفوا لأنفسهم بـ " البدعة " فقط ، بل أصروا على إستصحاب " الحماقة " معها، فلم يجدوا في قاموس البدع إلا بدعة الإرجاء ليرموا بها مخالفيهم ظناً منهم أن المرجئة لا يُكفرون الحكام ، و لا يرون الخروج عليهم و ربما جعلوا زنادقة الحكام أولياء .
و بما أنه للحماقة رجال ، و للحقيقة أبطال ، فالحق على خلاف ذلك،فإن المرجئة يرون الخروج على الحكام ولا يشترطون له كفر السلطان مثل الخوارج .
روى ابن شاهين عن سفيان الثوري : أنه قال : إتقوا هذه الأهواء المضلة ، قيل له : بين لنا - رحمك الله - فقال سفيان : أما المرجئة فيقولون ... و ذكر شيئاً من أقوالهم إلى ان قال : و هم يرون السيف على أهل القبلة(3).
وقيل لإبن المبارك - رحمه الله - : ترى رأي الإرجاء ؟ فقال : كيف أكون مرجئاً ، فأنا لا أرى السيف(4).
وروى عبد الله بن أحمد في " السنة " بإسناد صحيح عن أبي إسحاق الفزاري قال : سمعت سفيان و الأوزاعي يقولون : إن قول المرجئة يخرج الى السيف(5).- و روى الصابوني في " عقيدة السلف أصحاب الحديث " بإسناده الصحيح الى أحمد بن سعيد الرباطي أنه قال : قال لي عبد الله بن طاهر: يا أحمد إنكم تبغضون هؤلاء القوم - يعني المرجئة - جهلاً ، و أنا أبغضهم عن معرفة ، أولاً : أنهم لا يرون للسلطان طاعة(6).
قلت : لأنهم يرون الخروج على الأئمة بلا تكفير ، و لهذا قال فيهم إبراهيم النخعي :" الخوارج أعذر عندي من المرجئة"(7)، و ذلك لإن الخوارج لا تخرج إلا بعد أن تُكفر .
وقال إبراهيم النخعي - رحمه الله - : لفتنة المرجئة على هذه الأمة أخوف عندي من فتنة الأزارقة(8)
قلت : و الأزارقة هم ( فرقة من فرق الخوارج أصحاب نافع بن الأزرق و قولهم أخبث الأقاويل و أبعده من الإسلام و السنة ) .
وكان عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود مرجئاً ثم رجع فأنشد يقول :
لأول ما نُفارق غير شكٍ ... نفارق ما يقول المرجئونا
وقالوا : مؤمن و أهل جور... وليس المؤمنون بجائرينا
وقالوا : مؤمن دمه حلال... وقد حُرمت دماء المؤمنينا(9)
وقال إسحاق بن إبراهيم تعقيباً على حديث " خيار أئمتكم الذين تحبونهم و يحبونكم ... قالوا يا رسول الله أفلا ننابذهم بالسيف ؟ قال : لا ما أقاموا فيكم الصلاة ..."، قال إسحاق : ( و السنة عليه ، و فيها هلاك المرجئة )(10).
و قبل الختام فلكم هدية من إمام أهل السنة الإمام المبجل أحمد بن حنبل -رحمه الله-:فقد روى عنه أنه قال :"المرجئة هم الخوارج".
قال أبو الحسين بن أبي يعلى في " طبقات الحنابلة " ( 1 / 34 - 36 ) :و قد رأيت لأهل الأهواء و البدع و الخلاف أسماء شنيعة قبيحة يسمون بها أهل السنة يريدون بذلك عيبهم و الطعن عليهم ، و الوقيعة فيهم ، و الإزراء بهم عند السفهاء و الجهال؛ فأما المرجئة فأنهم يسمون أهل السنة شُكَّاكاً و كذبت المرجئة بل هم بالشك أولى ... الى أن قال : و أما الخوارج فإنهم يسمون أهل السنة و الجماعة مرجئة و كذبت الخوارج في قولهم بل هم المرجئة يزعمون أنهم على إيمان و حق دون الناس و من خالفهم كافر. أ هـ
قلت : و رحم الله من قال المبتدعة إختلفوا في الأسم ، و إجتمعوا على السيف .
فـ"عذراً أيها الخوارج" .. أنتم المرجئة،و نحن على ما نحن عليه من السنة،وهذا ما ندين الله به فعرفونا قولكم الذي به تقولون ، و ديانتكم التي بها تدينون.
و صلى الله على محمد و على آله و صحبه و سلم.
وكتب
أبو صهيب وليد بن سعد
القاهرة، الأحد 23/محرم/1433
18/ديسمبر/2011
الهوامش:
(1) الصواعق المرسلة لابن القيم ( 2 /440 )
(2) مجموع الفتاوى ( 5 /111 )
(3) رواه ابن شاهين في الكتاب اللطيف ( 15 ) ، الآجُري في الشريعة ( 2062 ) ، اللالكائي في شرح أصول الإعتقاد ( 1834 ) .
(4) رواه ابن شاهين في الكتاب اللطيف ( 17 ) ، و مختصر مستخرج الطوسي حديث رقم ( 17 ) تحقيق أنيس بن أحمد طاهر الأندونوسي.
(5) السنة لعبد الله بن أحمد بن حنبل ( 363 ) .
(6) عقيدة السلف أصحاب الحديث ( 109 ) للصابوني .
(7) السنة لعبد الله بن أحمد حديث ( 623 ) .
(8) رواه الخلال في السنة ( 963 )
(9) شرح أصول الإعتقاد لاللالكائي حديث ( 1501 ) .
(10) مستخرج أبي عوانة حديث ( 5774 ) .
ملاحظة:
عُذراً أيُها الخوارج !!! هي مقدمة في الرد على جماعة الأخوان المسلمين.