تشريف الإسلام للمرأة - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم الفقه و أصوله

قسم الفقه و أصوله تعرض فيه جميع ما يتعلق بالمسائل الفقهية أو الأصولية و تندرج تحتها المقاصد الاسلامية ..

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

تشريف الإسلام للمرأة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-10-10, 10:03   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
mahmoudb69
عضو مميّز
 
الصورة الرمزية mahmoudb69
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي


حياء الشرف والعزة
وحياء التلوم والشرف والعزة: فالنفوس الكبيرة إذا صدر منها ما هو أقل من قدرها تأنف، مثل رجل اعتاد أن يعطي لإخوانه مثلاً من (100 جنيه)، ثم مر على إخوانه فأعطى كل رجل منهم ذات يوم قرشاً فإنه يخجل؛ لأنه قد عودهم على الشيء الكبير العظيم، فكيف يعطيهم التافه؟ فيخجل وكأنه هو الآخذ لا المعطي، فتجده عندما يعطي إخوانه يستحيي منهم، ولا يستطيع أن يرفع نظره إلى إخوانه، فهذا حياء شرف النفس وعزتها.
(12/14)
الحياء من النفس
وحياء المرء من نفسه، فالرجل الشريف القدر العظيم النفس يجعل من نفسه نفسين: نفساً تفعل الشيء، ونفساً تحاسبها وتعاتبها وتراقبها: كأن رقيباً منك يرعى خواطري وآخر يرعى مهجتي وجناني فاجعل من نفسك رقيباً على نفسك، وقل لها: قومي يا مأوى كل سوء! وهل رضيتك لله طرفة عين؛ فاجعل من نفسك على نفسك مخبراً ورقيباً، وراقب الله عز وجل، مثل عمرو بن عبد قيس كان ينام في البرية، فقيل له: أما تخشى الأفعى وأنت نائم في الفلاة هكذا؟ قال: إني أستحي من الله أن أخشى شيئاً غيره وأنا في سلطانه، أي: هذا سلطان الله وملكه، وأنا عبده، والمخلوق لا يملك له ضراً ولا نفعاً.
ومثل عمرو بن عتبة بن فرقد كان يقوم الليل وهو في الجيش فلا يتحارس الجيش؛ لكثرة صلاة عمرو بن عتبة بالليل، فجاء السبع مرة فولى الجيش إلا عمرو فلم ينصرف من صلاته، فلما صلى قال للسبع: انصرف، فقالوا له: أما خفت الأسد؟ قال: إني أستحيي من الله عز وجل أن أخشى شيئاً غيره وأنا بين يديه.
وسقطت حديدة عند مسجد العزيز في جمعة الشيخ محمد حسان، وهذه الجمعة يحضرها اثنا عشر ألفاً أو عشرون ألفاً، فعندما سقطت ظنوا أنها قنبلة، فصاح الذين في المسجد وخرجوا منه، وسقطت الموبايلات، والمحافظ، وجرى من جرى وهرب من هرب، وخرج البعض من المسجد وطلب ماكنة حلاقة من أجل أن يتخلص من لحيته حتى لا يتهم، والشيخ محمد واقف يتعجب منهم، أهؤلاء خلاصة الخلاصة؟ فإذا كان حال هؤلاء هكذا فكيف بغيرهم؟! فالعملية تريد مراجعة كبيرة جداً، والإخوة الذين حضروا هذا لن ينسوه أبداً، والإخوة هم الذين صاحوا وهربوا، وأما الأخوات فلا أخت صاحت، فكانت النساء في هذا الموقف أشجع، وأما الرجال فخمس دقائق ولم يبق منهم أحد.
كان أبو الحسن بنان الحمال شيخ الإسلام عابداً، ذهب إلى ملك مصر أحمد بن طولون فأمره ونهاه، فجوع سبعاً وألقاه إليه، وبعد أيام فتحوا عليه فوجدوا السبع بجانبه يشمه، فقالوا له: أين كان قلبك والسبع يشمك؟ فقال: كنت أفكر في اختلاف العلماء في سؤر السباع، أهو نجس أو طاهر؟ وقد ينكر بعض الناس مثل هذه الحكايات؛ لأنها متعلقة بالأسود، والأسود جبلت على الوحشية، ولكن نقول: هي ثابتة مذكورة في تواريخ الإسلام، مثل: سير أعلام النبلاء للإمام الذهبي، ولها أثر من السلف عن سيدنا سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وخادمه.
وقد حسن الإمام الألباني عليه رحمة الله حديث جابر بن عبد الله من رواية محمد بن المنكدر: أن سفينة مولى النبي صلى الله عليه وسلم وقع في الأسر، ففر من الأسر، فبينما هو في الطريق إذ طلع عليه الأسد فتقدم منه، وقال له: يا أبا الحارث! -كنية الأسد- أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من أمري كيت وكيت فحكى للأسد الذي حصل له من أنه وقع في أسر الروم وفر منهم، فبصبص الأسد، يعني: حرك ذنبه يميناً ويساراً احتراماً له، وكأنه يقول: أنا أمام رجل كبير القدر، وسار معه حتى أوصله إلى مأمنه.
فإذا علمت أن الله قريب منك مطلع عليك عالم بحالك وأنك في سلطانه فلا تخش شيئاً غيره.
(12/15)
مقامات الحياء
إن مقامات الحياء مقامات عظيمة، ولذلك كان الحياء خلق الإسلام، والدرجة الأولى منه: أن تبغض إليك المعصية، فإذا علمت أن الله قريب منك فسيحملك هذا على استقباح الجناية، فتنظر إلى أدنى ذنب بأنه كبير في حق الله عز وجل؛ لأنك تعلم أن الله ناظر إليك في كل لحظة، وأنت مقيم على معصيته وعلى مخالفة أمره دق أو جل، صغر أم كبر، فقل: يا رب! أتراك ترحم من لم تقر عيناه بالمعاصي حتى علم أن لا عين تراه غيرك! فلا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته بها.
فالدرجة الأولى من الحياء تبغض إليك المعصية، وتحملك على استقباح الجناية، وتمنعك عن الشكوى لغير الله عز وجل، إلى درجة أن إحدى العابدات عندما جاءت إلى الإمام أحمد تسأله الأسئلة التي لا يسأل عنها العلماء اليوم، فقالت له: يا إمام! أنين المريض شكوى؟ قال: ما سمعت مثل هذا السؤال من قبل، ونرجو ألا يكون كذلك، قالت: يا إمام! إذا مرت الظاهرية -وهم أناس من الأمراء الظلمة- غزلنا غزلنا على ضوئها، فهل نبينه للناس، قال: افعلي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله: تتبعها إلى أي البيوت تدخل، فقال له: دخلت في بيت بشر، قال: من بيتهم خرج الورع.
فالإمام أحمد غابت عنه هذه المسألة، حتى كان في مرض الموت، فقيل له: إن طاوساً يقول: أنين المريض شكوى، وفي البداية كان الإمام أحمد يقول: نرجو ألا يكون كذلك، فغابت عنه هذه المسألة، ثم فهمها الإمام عند الموت، فما أنَّ ابن حنبل حتى مات، ولذلك تجد العباد يقولون: تفقهوا في مذاهب الإخلاص.
وأشرف العلوم علم الأسماء الحسنى، فتعرف على كل اسم، وكيف تتعبد لله عز وجل بهذا الاسم والصفة، وانظر الصفات في المخلوقات، فتجد نفسك في وادٍ والناس في وادٍ آخر، فعندما تعرف مثلاً اسم المقيت من أسماء الله عز وجل، وتعرف أن المقيت هو الذي يعطي كل مخلوق قوته الضروري، وتعرف مثلاً أن عدد أنواع النمل 12000 نوع، وتحت كل نوع آلاف الملايين، وهذا صنف واحد، ثم الحشرات أكثر من ألف نوع، والطيور والأسماك كذلك، والنجوم لا يحصى عددها؟ والمجرات مائة ألف مليون مجرة، هذا في الجزء المرئي من السماء فقط، وعدد النجوم في كل مجرة ما يقرب من مائة ألف مليون نجم، وهذه تحتوي على نواة ونوية، وكل شيء حي يحتوي على خلايا حيه، والخلايا فيها سيتوبلازم وجدار للخلية ونواة ونوية، فمن الذي يعطي لكل مخلوق من هذه المخلوقات قوته الضروري في وقت واحد؟ وكم أمات وأحيا في وقت واحد؟ فإذا علمت هذا استحييت أن يراك الله راكناً إلى بعض خلقه، وهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن له ملك الدنيا والآخرة، وملك السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى: ورب عليم بذات الصدور يدين لعزته الكابر يدين له النجم في أفقه يدين له الفلك الدائر تدين البحار وحيتانها وماء سحاباتها القاطر تدين النجاد تدين الوهاد يدين له الزاحف الناشر فكل عبيد له، وكل له قانتون، قهرهم بحكمه وبملكه، وأمره ومشيئته نافذة في خلقه.
إذا علمت أنه قريب منك فيقبح بك الشكوى إلى غيره: وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، والشكوى إلى الله ليست بشكوى.
الدرجة الثانية: علمك بقرب الله عز وجل فتبغض إليك كثرة المخالطة.
الدرجة الثالثة: وهي التي يقول عنها الإمام ابن القيم: شهود الحضرة وانجذاب القلب والروح من الكائنات وعكوفه على رب البريات.
وهناك درجات في القرب من الله عز وجل لا تحيط بها الأفهام، فتطير القلوب إلى الله عز وجل وتسجد تحت العرش، فمثلاً: بالله عليك هل حال قلبك هذا اليوم كحاله وأنت في أيام الاعتكاف وعكوف القلب وجمعيته على الله عز وجل في العشر الأواخر من رمضان؟ وأنت تريد أن تختم المصحف كل يوم؟ ويجوز لك العلماء الوصال إلى قبل أكلة السحور بقليل، فتجمع ما بين السحور والإفطار وأنت في أيام جمعية القلب وعكوفه على رب البريات.
فعندما يكون القلب عاكف على رب البريات في كل لحظه، في رمضان وشوال، وكل الأيام عنده ليلة القدر كيف يكون هذا الراجل! ولو أن شخصاً سمع سيدنا الشيخ المنشاوي يقرأ الزمر أو آل عمران أنه يريد أن يطير طيراناً، فما ظنك إذا كنت كل لحظات حياتك هكذا، فإنك تجد معاني في القرب لا تكيفها الأفهام ولا تحيط بها العقول، وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) فهذه لا تحيط بها الأفهام: ما زلت أنزل من ودادك منزلاً تتحير الألباب كيف نزوله تضيق بنا الدنيا إذا غبتمُ عنا وتزهق بالأشواق أرواحنا منا فكيف بالله عز وجل! بعادكم موت وقربكم حياة ولو غبتمُ عنا ولو نفساً متنا يقول القائل: أما تبصر الطير المقصص يا فتى إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى ففرج بالتغريد ما في فؤاده وهيج أرباب القلوب إذا غنى كذلك أروح المحبين يا فتى تهدهدها الأشواق للعالم الأسنى وهل يسجد القلب لله عز وجل؟ قال الإمام ابن القيم: يسجد تحت العرش سجدة لا يقوم منها إلا يوم القيامة، فهذه درجات الحياء الثلاث.
(12/16)
من يستحيا منهم
إن مقامات الحياء مقامات عظيمة، ولذلك كان الحياء خلق الإسلام، والدرجة الأولى منه: أن تبغض إليك المعصية، فإذا علمت أن الله قريب منك فسيحملك هذا على استقباح الجناية، فتنظر إلى أدنى ذنب بأنه كبير في حق الله عز وجل؛ لأنك تعلم أن الله ناظر إليك في كل لحظة، وأنت مقيم على معصيته وعلى مخالفة أمره دق أو جل، صغر أم كبر، فقل: يا رب! أتراك ترحم من لم تقر عيناه بالمعاصي حتى علم أن لا عين تراه غيرك! فلا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته بها.
فالدرجة الأولى من الحياء تبغض إليك المعصية، وتحملك على استقباح الجناية، وتمنعك عن الشكوى لغير الله عز وجل، إلى درجة أن إحدى العابدات عندما جاءت إلى الإمام أحمد تسأله الأسئلة التي لا يسأل عنها العلماء اليوم، فقالت له: يا إمام! أنين المريض شكوى؟ قال: ما سمعت مثل هذا السؤال من قبل، ونرجو ألا يكون كذلك، قالت: يا إمام! إذا مرت الظاهرية -وهم أناس من الأمراء الظلمة- غزلنا غزلنا على ضوئها، فهل نبينه للناس، قال: افعلي ما استطعت إلى ذلك سبيلاً، ثم قال لابنه عبد الله: تتبعها إلى أي البيوت تدخل، فقال له: دخلت في بيت بشر، قال: من بيتهم خرج الورع.
فالإمام أحمد غابت عنه هذه المسألة، حتى كان في مرض الموت، فقيل له: إن طاوساً يقول: أنين المريض شكوى، وفي البداية كان الإمام أحمد يقول: نرجو ألا يكون كذلك، فغابت عنه هذه المسألة، ثم فهمها الإمام عند الموت، فما أنَّ ابن حنبل حتى مات، ولذلك تجد العباد يقولون: تفقهوا في مذاهب الإخلاص.
وأشرف العلوم علم الأسماء الحسنى، فتعرف على كل اسم، وكيف تتعبد لله عز وجل بهذا الاسم والصفة، وانظر الصفات في المخلوقات، فتجد نفسك في وادٍ والناس في وادٍ آخر، فعندما تعرف مثلاً اسم المقيت من أسماء الله عز وجل، وتعرف أن المقيت هو الذي يعطي كل مخلوق قوته الضروري، وتعرف مثلاً أن عدد أنواع النمل 12000 نوع، وتحت كل نوع آلاف الملايين، وهذا صنف واحد، ثم الحشرات أكثر من ألف نوع، والطيور والأسماك كذلك، والنجوم لا يحصى عددها؟ والمجرات مائة ألف مليون مجرة، هذا في الجزء المرئي من السماء فقط، وعدد النجوم في كل مجرة ما يقرب من مائة ألف مليون نجم، وهذه تحتوي على نواة ونوية، وكل شيء حي يحتوي على خلايا حيه، والخلايا فيها سيتوبلازم وجدار للخلية ونواة ونوية، فمن الذي يعطي لكل مخلوق من هذه المخلوقات قوته الضروري في وقت واحد؟ وكم أمات وأحيا في وقت واحد؟ فإذا علمت هذا استحييت أن يراك الله راكناً إلى بعض خلقه، وهو ملك الملوك، وجبار السماوات والأرض، ومن له ملك الدنيا والآخرة، وملك السماوات السبع والأرضين السبع وما بينهما وما تحت الثرى: ورب عليم بذات الصدور يدين لعزته الكابر يدين له النجم في أفقه يدين له الفلك الدائر تدين البحار وحيتانها وماء سحاباتها القاطر تدين النجاد تدين الوهاد يدين له الزاحف الناشر فكل عبيد له، وكل له قانتون، قهرهم بحكمه وبملكه، وأمره ومشيئته نافذة في خلقه.
إذا علمت أنه قريب منك فيقبح بك الشكوى إلى غيره: وإذا شكوت إلى ابن آدم إنما تشكو الرحيم إلى الذي لا يرحم قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83]، والشكوى إلى الله ليست بشكوى.
الدرجة الثانية: علمك بقرب الله عز وجل فتبغض إليك كثرة المخالطة.
الدرجة الثالثة: وهي التي يقول عنها الإمام ابن القيم: شهود الحضرة وانجذاب القلب والروح من الكائنات وعكوفه على رب البريات.
وهناك درجات في القرب من الله عز وجل لا تحيط بها الأفهام، فتطير القلوب إلى الله عز وجل وتسجد تحت العرش، فمثلاً: بالله عليك هل حال قلبك هذا اليوم كحاله وأنت في أيام الاعتكاف وعكوف القلب وجمعيته على الله عز وجل في العشر الأواخر من رمضان؟ وأنت تريد أن تختم المصحف كل يوم؟ ويجوز لك العلماء الوصال إلى قبل أكلة السحور بقليل، فتجمع ما بين السحور والإفطار وأنت في أيام جمعية القلب وعكوفه على رب البريات.
فعندما يكون القلب عاكف على رب البريات في كل لحظه، في رمضان وشوال، وكل الأيام عنده ليلة القدر كيف يكون هذا الراجل! ولو أن شخصاً سمع سيدنا الشيخ المنشاوي يقرأ الزمر أو آل عمران أنه يريد أن يطير طيراناً، فما ظنك إذا كنت كل لحظات حياتك هكذا، فإنك تجد معاني في القرب لا تكيفها الأفهام ولا تحيط بها العقول، وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن تقرب مني شبراً تقربت منه ذراعاً، وإن تقرب مني ذراعاً تقربت إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة) فهذه لا تحيط بها الأفهام: ما زلت أنزل من ودادك منزلاً تتحير الألباب كيف نزوله تضيق بنا الدنيا إذا غبتمُ عنا وتزهق بالأشواق أرواحنا منا فكيف بالله عز وجل! بعادكم موت وقربكم حياة ولو غبتمُ عنا ولو نفساً متنا يقول القائل: أما تبصر الطير المقصص يا فتى إذا ذكر الأوطان حن إلى المغنى ففرج بالتغريد ما في فؤاده وهيج أرباب القلوب إذا غنى كذلك أروح المحبين يا فتى تهدهدها الأشواق للعالم الأسنى وهل يسجد القلب لله عز وجل؟ قال الإمام ابن القيم: يسجد تحت العرش سجدة لا يقوم منها إلا يوم القيامة، فهذه درجات الحياء الثلاث.
(12/17)
الحياء من الله تعالى
والاستحياء يكون من الله عز وجل ومن الناس ومن الملائكة ومن النفس.
فأما الاستحياء من الله تبارك وتعالى، فكما جاء في حديث عبد الله بن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أيها الناس! استحيوا من الله عز وجل، قالوا: يا رسول الله! إنا لنستحيي من الله عز وجل، قال: ليس ذاكم، ولكن من استحيا من الله عز وجل فليحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، وليذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا).
وأركان الحياء من الله تبارك وتعالى: (فليحفظ الرأس وما وعى)، فالرأس وما فيه من جوارح تحفظها لله عز وجل، حتى الخطرات وحديث النفس تحفظه لله عز وجل، وأول خيانة الصديقين حديثهم مع أنفسهم، فاحفظ حديث النفس لله عز وجل، يقول بعضهم: ظللت عشرين سنة حارساً لنفسي من الخطرات، أي: يحاسب نفسه على الخطرات.
فيا أخي! إذا مرت بك الوساوس والخطرات فاضبطها بضابطين من الكتاب والسنة.
فيحفظ الرأس وما وعى، فلا يتأثر بأفكار الصحف الصفراء التي هي من ضمن الثقافات الضرار.
(والبطن وما حوى) يعني: لا يدخل في بطنه وفي جوفه إلا الحلال، فيبحث عن الحلال ويدقق في هذه المسألة.
(وأن يذكر الموت والبلى)، فمن ذكر الموت هانت عليه شهواته.
(ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا)، فيستحي من الله عز وجل أن يراه مرابطاً على مفسدة، مقيماً على جيفة، عاكفاً على دنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضه، فيستحي من الله عز وجل أن يراه ملتفتاً إلى الدنيا، والدنيا لعب ولهو، واللعب واللهو لا يليق بمن شبوا عن الطوق وتركوا دنيا اللعب للصغار، فيعلم أن الملك يدعوه إلى جواره في أرض غرس غراسها الرحمن بيده، فكيف يراه منشغلاً بالدنيا وقد عكف قلبه على محبتها؟ ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره).
قبل سنة (1981م) كنت تجد الأخ يساوي 1000 أخ من هذا الوقت، كنت تجد عشرة فقط في مدينة أو في محافظة أقاموا دعوة، لكن في هذا الوقت نقول: الله المستعان على ضعف الهمم وموت القلوب، فابك على موت قلبك.
فاستح أن يسبقك غيرك إلى الله عز وجل، وأن يدعوك الملك إلى جواره وأنت بعيد بهمك عن مولاك: يا من يشير إليهم المتكلم وإليهمُ يتوجه المتظلم وشغلتم قلبي بكم وجوارحي وجوانحي أبداً تحن إليكم وإذا نظرت فلست أنظر غيركم وإذا سمعت فمنكم أو عنكم وإذا نطقت ففي صفات جمالكم وإذا سألت الكائنات فعنكم وإذا رويت فمن طهور شرابكم وبذكركم في خلوتي أترنم يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي عامر الألهاني: (يأتي أناس بأعمال مثل جبال تهامة بيضاء يجعلها الله هباء منثوراً، فقالوا: يا نبي الله! جلهم لنا، صفهم لنا ألا نكون منهم ولا نعرف، قال: أناس من جلدتكم لهم حظ من الليل، ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها)، فاحذر أن تكون ولياً لله في العلانية عدواً له في السر، وأن تكون حالك مثل حال كنيف مزين بالسراميك وباطنه وحشوه القاذورات، فلا تتجمل للناس وتطلع الله على القبيح من أمرك، فلم جعلت الله أهون الناظرين إلك؟ أفكان الله عز وجل أهون عليك من بعض خلقه؟ لا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر إلى كبرياء من واجهته به.
وموقف لك لا تنساه أبداً وإن نسيت نفسك، وهو موقفك بين يدي الله عز وجل، كما جاء في حديث عدي بن حاتم الطائي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما منكم أحد إلا سيخلو بربه ليس بينه وبينه ترجمان).
فهذا الموقف لن تنساه أبداً، فليكن ولاؤك المطلق وخوفك المطلق وحياؤك المطلق من الله عز وجل، فاعمل لهذا اليوم حتى لا يموت القلب، وحتى لا يموت الورع، يقول الجراح قائد الجيوش الأموية: تركت الذنوب أربعين سنة حياء من الله عز وجل، ثم أدركني الورع.
أي: بعد أربعين سنة من علي بالورع في النظر، وفي الشم، وفي الكلام.
فهذا المقام إن ذكرته وجعلته منك على بال فلن تقرب المعصية أبداً، ومثلما تميت الذنوب الحياء فكذلك الحياء لا يأتي إلى فاسق أو فاجر أبداً.
يقول ابن دقيق العيد: والله ما تكلمت كلمة ولا فعلت فعلاً منذ أربعين سنة إلا وأعددت له جواباً بين يدي الله عز وجل.
ولذلك كان من مقام المراقبة أن تقول: الله ناظر وشاهد ومطلع علي، وهذا درجة من درجات الحياء، وهذا مثل المرأة التي راودها رجل على الفاحشة، فقالت: انظر هل يرانا من أحد؟ فقال لها: ما يرانا إلا الكواكب، قالت له: فأين مكوكبها؟ ورجل خلا بامرأة بعد أن نام أهل القافلة وكانت في طريقها إلى الحج، وقال لها: ما أتيت في هذه القافلة من أجل حج ولا غيره، وإنما أتيت فيها لتخرجي فيها فأخلو بك، فقالت: انظر هل نام أهل القافلة جميعاً؟ فقال لها: نعم، قالت: انظر فهل نام الله؟ ثم صعقت المرأة وغشي عليها، فولى الرجل هارباً.
(12/18)
الحياء من الملائكة
ثم بعد ذلك الاستحياء من الملائكة ومن أخلاقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم عن سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ألا أستحيي من رجل تستحيي منه الملائكة).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحيا أمتي عثمان) رضي الله عنه.
وانظروا إلى التنويريين من اليساريين والشيوعيين، فهذا عبد الرحمن الشرقاوي كتب عن الخلفاء الأربعة، فكتب في سيرة سيدنا عثمان أنه لما تزوج نائلة بنت الأحوص بن الفرافصة الكلبية تكلم مع الصحابة بما كان بينه وبينها يوم البناء بعد أن خلعت تكة سروالها! فيا رجل! خل عندك دم، ومثل ما يقال: الناس تكذب كذباً معقولاً، وأنت كذبك غير معقول، فهلا كنت تقول هذا عن غير سيدنا عثمان؟ فسيدنا عثمان كان يغتسل في ثيابه حياء من الله عز وجل، وما يقيم صلبه إلا وثوبه عليه.
فانظروا مقام الصحابة ومقامنا، فنحن مطالبون أن نستحيي من الملائكة، قال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ} [الانفطار:10] أي: فاستحيوا منهم.
{كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار:11] يعني: لا ألأم ممن لا يستحي من الكرام.
وقد تلقى رجلاً كبيراً عظيم القدر من الصالحين لا يقدر العاصي أن يعمل عيبه أمامه، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (أوصيك أن تستحي من الله كما تستحي من الرجل الصالح من قومك).
وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار:10 - 11].
ويقول ابن أبي ليلى: ما على أحدكم إذا خلا بنفسه أن يقول: أهلاً بملائكة ربي، والله لا أعدمكم اليوم خيراً، خذوا على بركة الله، سبحان الله والحمد الله ولا إله إلا الله والله أكبر.
وكان الرجل يستشعر إذا خلا بنفسه أن معه الملائكة، فيقول: يا ملكاي! ادعوا الله لي، فأنتما أطوع لله مني.
وهؤلاء السلف كان عندهم رقة، يعرفها من قرأ كتب التراجم، وأما نحن فخشب مسندة، لا ذوق ولا أدب ولا رقة شعور ولا علم ولا جهاد ولا شجاعة ولا أي شيء.
ذهب الرجال الصالحون وأخرت نتن الرجال لذا الزمان المنتن وكان يقول مالك بن دينار: ذهب الذين يعاش في أكنافهم وبقيت في خلف كجلد الأجرب فنريد أن نرتفع إلى مقام الاستحياء من الملائكة، وما ظنك بالرجل الذي تستحيي منه الملائكة؟! وما ظنك بأناس تشتاق إليهم الجنة؟! فإذا قيل لك: إن الجنة تشتاق لناس، وناس يشتاقون إلى الجنة، فإن بينهما درجات كبيرة، وفي الحديث: (إن الجنة لتشتاق إلى علي وعمار وسلمان) وهو حديث صحيح حسنه الشيخ الألباني.
وهناك أناس يشتاقون للجنة، وأناس لا يشتاقون لها بالمرة.
(12/19)
الحياء من الناس
والموقف الآخر الذي لن تنساه إن نسيت نفسك وقوفك بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أمام حوضه يسألك عن ميراثه، هل حفظت شيئاً منه أم ضيعته؟ فلا يعقل أن تكون حافظاً لاحتياطي فريق الكروم وناسياً لأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تحرم عليهم النار وأول من يدخلون الجنة، ودرجات القرب من الله عز وجل، والعشرة المبشرين بالجنة، وغافلاً عن كل شيء في حياتك وفي تاريخ الإسلام، وأهم المعارك التي خاضها المسلمون، طالما أن كل حياتنا كرب وانكسار وخيبة أمل، ولم يبق إلا رحمة الله عز وجل.
فاقرأ أيام الرجال العظام مثل معركة الزلاقة وقائدها ابن تاشفين الذي صنع هرماً من رءوس الكفرة، ثم أذن المؤذن من فوقه، واعرف فتوحات المسلمين في أوروبا إلى حدود بودابست في شرق آسيا، واعرف الرجال العظام الذين فجروا معركة ذات الصواري، وفتح الفتوح نهاوند، وكيف أن المسلمين سيطروا على العالم وكيف ضيعوه، وهل يعيد التاريخ نفسه أم لا؟ فهذه أمور كثيرة لابد أن تعرفها، وقف مع نفسك واعرف ما هي علوم القلب، فربما تلطخت بكبيرة أشد عليك من الزنا والسرقة وأنت لا تعرف، واعرف العجب والكبر والفرق بينهما؛ لئلا يكون قلبك متلطخاً بالعجب أو بالكبر وأنت لا تدري.
وتعرف علوم القرب من الله عز وجل، وعلوم القلب من الإخلاص والخشية والرجاء والتبتل والثقة بالله عز وجل والتفويض والتوكل؛ لعل القلب يشيح بصيصاً من نورها.
فاستحي من الرسول صلى الله عليه وسلم إن كنت سادراً في غيك في الدنيا، هملاً مع الرعاع لا تعرف شيئاً، أينما برز إليك بارز من الدنيا طرت إليه زرافات ووحداناً.
فتعرف على رسولك صلى الله عليه وسلم وعلى سنته وسيرته، وتجنب البدع؛ حتى لا يعاتبك النبي صلى الله عليه وسلم عتاباً يقطع نياط القلوب الطاهرة.
وكان السلف ربما رأى أحدهم رؤيا في المنام فتجبه عن المعاصي، فقد كان رجل جاراً للإمام أحمد وكان يفعل السيئات والكبائر، ثم أتى يوماً إلى الإمام أحمد فرآه معرضاً عنه، فقال: لم تعرض عني يا إمام! وقد تركت ما كنت فيه من المعاصي لرؤيا رأيتها؟ قال: وأي شيء رأيت؟ قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم كأنه على علو من الأرض وحوله ناس كثير أسفل منه جلوس، فيقوم الرجل منهم إليه، فيسأله ادع لي، فيدعو له حتى لم يبق في القوم غيري، فأردت أن أقوم فاستحييت من قبيح ما كنت أصنع، وخجلت من أن أقوم بين يدي رسول الله أسأله وأنا قد فعلت ما فعلت، قال: فقال لي: يا فلان! لم لا تقوم إلي فتسألني مثلما سألني الناس فأدعو لك؟ فقلت: يا رسول الله! يقطعني الحياء منك، لا أستطيع أن أقوم؛ لقبيح ما أنا عليه، قال: فإن كان يقطعك الحياء فقم، فسلني أدعو لك، فإنك لا تسب أحداً من أصحابي، قال: فقمت فدعا لي، فانتبهت وقد بغض الله إلي ما كنت عليه، فقال الإمام أحمد: يا جعفر! يا فلان حدثوا بهذا واحفظوه؛ فإنه ينفع.
وربما استحيا الرجل منهم من الصالحين حتى يموت من الحياء، قال أبو الفتح بن مخرق: تعلق رجل بامرأة من أهل الشام فتعرض لها وبيده سكين، ولم يستطع أحد أن يقرب منه، وكلما اقترب منه رجل عقره، والمرأة تصيح ولا يستطيع رجل أن يقرب منها، فتقدم منه رجل شيخ، فحك كتفه بكتفه، فسقط الرجل وهو يتصبب عرقاً مغشياً عليه، وولت المرأة هاربة، ثم لما أفاق الرجل قالوا: ما الذي جعلك تسقط مغشياً عليك؟ قال: اقترب مني رجل فقال: اتق الله! فإن الله ناظر إليك، فخررت من كلمته، فقالوا: أما تعرف هذا الرجل؟ قال: من هو؟ قالوا: بشر بن الحارث الحافي، قال: أوقد رآني بشر على المعصية، فحم من وقته، ومات في اليوم السابع.
فقراءة التراجم تؤدبك في وقت غاب فيه المؤدب والقدوة، ومن أهم وسائل التربية أن تقرأ سير أعلام النبلاء، فتتأدب وتتربى وتعرف مقامك جيداً، وتعرف أين أنت من علوم الناس ودرجاتهم، وكم من العلوم حصلوا وفاتتك، وكم من الآداب تجملوا به وفاتتك، فتعرف قدرك.
(12/20)
أفضل الحياء وأكمله
ونهاية الحياء وكماله ألا تستحيي من الحق، وقدم الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه أو شهده أو سمعه) فيؤثر الحياء من الله عز وجل على الحياء من الناس.
فالحياء الشرعي لا يمنعك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإنما الذي يمنعك شيء آخر غير الحياء، وهو الجبن والخوف والهلع، فتركك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حياء من الناس ليس من الحياء في شيء، بل هو من الخور والهلع والجبن.
(12/21)
نماذج من الحياء
وانظروا إلى فهم أبي أيوب الأنصاري للحياء، عندما أعرس سالم بن عبد الله بن عمر فصنع أبوه وليمة ودعا الناس، قال: وكان فيمن دعا أبو أيوب الأنصاري، فأتى ورأى بيتنا قد سترناه بنجاد أخضر، أي: جعلنا فيه ستائر وبسطاً، فنادى أبي وقال: يا عبد الله! أتسترون الجدر؟ يعني: المفروض أن تقولوا: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ستر الجدران) فلا تستر إلا على قدر النافذة فقط، وليس مثل الإيتكيت الذي تغطى فيه الجدران الأربعة بالستائر، فستر الجدران منهي عنه شرعاً.
وانظر إلى حياء كليم الرحمن سيدنا موسى عليه السلام، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن موسى كان رجلاً حيياً ستيراً لا يرى من جلده شيء).
وانظر إلى حياء النبي صلى الله عليه وسلم فقد جاء عن بعض الصحابة: (كان النبي صلى الله عليه وسلم أشد حياء من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئاً كرهه عرفناه في وجهه).
وقد استحيا من ربه بعد أن سأله التخفيف أكثر من مرة، فقال له موسى عليه السلام: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فقال: (لقد استحييت من ربي، ولكني أرضى وأسلم).
ومن حياء الصحابة: حياء سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فقد قال: أيها الناس! استحيوا من الله، فوالله ما خرجت لحاجة -يعني: لقضاء حاجة- منذ أسلمت إلا وأنا مقنع رأسي حياء من الله عز وجل.
فانظر إلى نفسك وأنت في هذه الحال، تحمل أمعاءك الغليظة ودورة المياه، فأنت كنيف متحرك، أفلا تستحي من الله عز وجل أن تعصيه، فقد خلقك من ماء مهين فاستحي منه، فما زال يخرج منك الغائط وأنت تأنف من رائحته، هذا حياء سيدنا أبو بكر الصديق.
وانظر إلى حياء محمد بن سيرين قال: ما غشيت امرأة قط في يقظة ولا نوم حتى في المنام غير أم عبد الله، وإني لأرى المرأة في المنام، فأعلم أنها لا تحل لي فأصرف بصري.
فهو متحكم في نفسه في المنام.
فيا ليتنا في يقظتنا كـ ابن سيرين في المنام، فهو في منامه إذا رأى المرأة لا تحل له يصرف بصره، وأنت في يقظتك أتصرف بصرك؟ وسفيان الثوري كان يبكي وهو في النوم، أفلم يكفه البكاء وهو في اليقظة حتى يبكي وهو نائم؟ فأي حال غلب على هؤلاء الرجال حتى تحكموا في لحظات نومهم؟ وانظر إلى حياء المرأة في قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص:25] وكأن الأرض حياء وهي تمشي عليها.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس للنساء وسط الطريق) فالنساء يمشين على جنب.
وحياء سيدتنا فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيها، حين جاءت تسأله خادماً فاستحيت، فقال: (ما جاء بك يا بنية؟! قالت: جئت أسلم عليك، فاستحيت من أبيها مرة واثنتين وثلاثاً، وربما أتاها وهي في مخدعها وعلي وقد أوشكا على النوم، فتدخل رأسها في المتاع حياء من أبيها رضي الله عنها).
وأما حياء الصديقة بنت الصديق أم المؤمنين فكان كمال الحياء في النساء، تقول: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعة ثوبي، وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فكانت تتخفف من بعض ثيابها، قالت: فلما دفن عمر رضي الله عنه كنت أدخل مجموعة معدودة علي الثياب حياء من عمر رضي الله عنه بعد موته.
فهذا هو الحياء في أكمل صوره.
فلا والله ما في المرء خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء أنا العبد الذي كسب الذنوبا وصدته الخطايا أن يتوبا أنا العبد الذي أضحى حزيناً على زلاته قلقاً كئيبا أنا العبد الذي سطرت عليه صحائف لم يخف فيها الرقيبا أنا الغدار كم عاهدت عهداً وكنت على الوفاء به كذوبا أنا العبد المخلف عن أناس حووا من كل معروف نصيبا أنا العبد المفرط ضاع عمري ولم أرع الشبيبة والمشيبا أنا العبد الغريق بلج بحر أصيح لربما ألقى مجيبا أنا العبد السقيم من الخطايا وجئت الآن ألتمس الطبيبا أنا العبد الشريد ظلمت نفسي وقد وافيت بابكم منيبا أنا المضطر أرجو منك عفواً ومن يرجو رضاك فلن يخيبا أنا العبد الفقير مددت كفي إليكم فادفعوا عني الخطوبا فوا أسفى على عمر تقضى ولم أكسب به إلا الذنوبا وأحذر أن يعاجلني ممات يحير هول مطلعه اللبيبا ويا ذلاه من حشري ونشري بيوم يجعل الولدان شيبا تفطرت السماء به ومارت وأصبحت الجبال به كثيبا ويا ذلاه من قبح اكتسابي إذا ما أبدت الصحف العيوبا وذلة موقف وحساب عدل أكون به على نفسي حسيبا ويا خوفاه من نار تلظى إذا زفرت أقلقت القلوبا تكاد إذا بدت تنشق غيظاً على من كان ظلاماً مريبا فيا من مد في كسب الخطايا أما آن الأوان لأن تتوبا وكن للصالحين أخاً وخلاً وكن في هذه الدنيا غريبا إذا ما قال لي ربي أما استحييت تعصيني وتخفي الذنب من خلقي وبالعصيان تأتيني فما قولي له لما يعاتبني ويقصيني يا من تمتع بالدنيا وزينتها ولا تنام عن اللذات عيناه أفنيت عمرك فيما لست تدركه تقول لله ماذا حين تلقاه؟ بارك الله في أيامكم وفي أموالكم وفي مسجدكم هذا وفي جلستكم.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، ومعذرة إن كنت قد أطلت عليكم.
والسلام عليكم ورحمة وبركاته.
(12/22)









رد مع اقتباس
 

الكلمات الدلالية (Tags)
tags


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 03:34

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc