ومن علامة حبّ النبي - صلى الله عليه وسلم - المداومة على الصلاة عليه، وشدّة الشوق إليه. ومن هنا فإنّ أهل المحبّة لا يخفون؛ لأنّ وجوهَهم الزاهرة قد أشرقتْ بأنوار قلوبِهم العامرة، كما قيل: إنّ المُحِبِّين قومٌ بين أعْيُنِهم وَسْمٌ من الحبِّ لا يخفى على أحَدِ.
وقد صرّح بذلك القاضي عياض رحمه الله في قوله: "من علامة محبّة النبي - صلى الله عليه وسلم - كثرة ذكره؛ فمن أحبّ شيئاً أكثر ذكره، ومنها كثرة شوقه إلى لقائه؛ فكل حبيبٍ يحبّ لقاء حبيبه، وفي حديث الأشعريين لما قدموا المدينة أنهم كانوا يرتجزون: غداً نلقى الأحبّهْ *** محمَّداً وصحبَهْ "
ورضي الله عن أبي طلحة رضي الله عنه صاحب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد احتبس عن الخروج مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ضرب زوجتَه المخاضُ، وقال: إنك لتعلم يا ربّ أنه يُعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج وأدخل معه إذا دخل؛ وقد احتُبسْتُ بما ترى.
ولهذا المعنى كان صحابة النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يرضون أن يتخلّفوا عنه: كما قال عليّ - رضي الله عنه - يوم خيبر: (أنا أتخلّف عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟)ويكفيك دلالةً على شدّة حبّ الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - جوابُ أنس لمن سأله عن حضور حُنين مع النبي - صلى الله عليه وسلم -؛ فقال - رضي الله عنه -: (وأين أغيب عنه؟).
ورحم الله من قال: لا سكَّن اللهُ قلباً عَنَّ ذكرُكُمُ *** فلم يَطِرْ بجناحِ الشوق خفّاقا
لو شاء حَمْلِي نسيمُ الرِّيح حين هفا *** وافاكُمُ بفتًى أضناهُ ما لاقى
فالآنَ أحْمَدَ ما كُنّا لعهدِكُمُ *** سَلَوْتُمُ وبَقِينا نحنُ عُشّاقا