مرسي مع حماس … مَن مع عباس ؟
بقلم : عصام نعمان
جميع العرب، بجدية متفاوتة، كانوا مع فلسطين يوم كانت قضية العرب المركزية.
اليوم ليسوا كذلك. ثمة قضايا «مركزية» عدّة. كل قضية قطرية أصبحت، في الواقع، قضية مركزية للقطر ذي الصلة. مصر قضيتها الازمة الاقتصادية. السودان قضيته جنوب السودان. اليمن قضيته عبدالله صالح وفلوله، ناهيك عن»الانفصاليين» في الجنوب. البحرين قضيتها المعارضة التي لا تستكين. تونس قضيتها الصراع على الهوية السياسية والسلطة. ليبيا قضيتها تعددية الثائرين على القذافي والمتنافسين على ارث سلطته. الاردن والعراق ولبنان قضاياهم متعددة الوجوه، لكن قاسماً مشتركاً يحكمها جميعاً هو تعددية سياسية وقبلية وطائفية ومذهبية واثنية مرهقة.
حتى فلسطين ذاتها تضج باختلافات وخلافات ومفارقات وأزمات اقتصادية واجتماعية تشد الأنظار بعيداً من القضية المركزية للتركيز على مشاكل محلية.
غير ان العامل الافعل في تعطيل مركزية القضية الفلسطينية هو الفلسطينيون انفسهم. فقد عجزوا، حتى الآن، عن تحقيق المصالحة الوطنية في ما بينهم. وهل ثمة أمل في تفعيل الكفاح الشعبي الفلسطيني وفرض متطلبات دعمه على شعوب العرب والعالم من دون وحدة وطنية صلبة وحارة داخل الشعب الفلسطيني المشطور الوجود بين الضفة وغزة والمشرد تحت كل كوكب؟
القادمون من الضفة الغربية يتحدثون، بحزن وقلق، عن شعب يغلي وقد يفور بثورة ليس ضد المحتل «الإسرائيلي» بل ضد السلطة الفلسطينية. ما عاد ينقص الوضع الداخلي المتفجر إلاّ «بوعزيزي» فلسطيني يحرق نفسه امام شعبه والعالم. في الواقع، حاول مواطن فلسطيني في رام الله قبل ايام ان ينتحر على طريقة البوعزيزي التونسي لولا ان الشرطة تدخلت وانقذته من نفسه.
الاوضاع المعيشية لا تطاق : فقر مدقع، غلاء فاحش، ارتفاع اسعار الوقود، بطالة، انتهاكات المستوطنين،عدم اجراء انتخابات وغياب الديمقراطية… الخ.
رئيس السلطة محمود عباس اعترف بتدهور الاوضاع المعيشية وبمشروعية مطالب الحراك الاجتماعي. فعل ذلك خلال اجتماعه في القاهرة الى الرئيس محمد مرسي. قال إنه مسؤول بالكامل عن حكومة سلام فياض التي قام بتعيينها. بذلك وضع نفسه في مرمى المتظاهرين والمحتجين في الضفة الغربية الذين يهددون بتفجير إنتفاضة ثالثة ضد…السلطة !
الوضع في غزة ليس افضل من الضفة بل أسوأ. فبالإضافة الى الاعتداءات الاسرائيلية اليومية على القطاع، بشراً وشجراً وحجراً، يزداد الوضع الاجتماعي سوءاً بسبب الغلاء وارتفاع اسعار الوقود والبطالة والنقص في بعض السلع والحاجيات نتيجةَ تدمير عشرات الأنفاق والتهديد بتعطيل المزيد منها.
صحيح ان السلطات المصرية دمرت نحو 150 نفقاً حتى الآن، قالت إنها عشوائية، من اصل 1200 نفق تربط قطاع غزة بسيناء، إلاّ ان احتمال تدمير او إغلاق المزيد منها ما زال قائماً. حكومة اسماعيل هنية تحاول تهدئة مخاوف الغزيين بالقول إن نجاحها في فتح المعابر فوق الارض سيغني عن استعمال الأنفاق تحتها. لكن، هل سينجح هنية في مسعاه؟ وهل يمكن تأمين جميع السلع والحاجات، بما في ذلك الاسلحة والعتاد، من طريق المعابر الرسمية فوق الارض؟
القرار، في هذا الشأن، سياسي بالدرجة الاولى، وهو يتوقف على الجانب المصري. لذلك يبدو هنية حريصاً على إرضاء النظام المصري الجديد المعقود اللواء للاخوان المسلمين. فـ»حماس» ولدت من رحم «الاخوان»، وثمة عطف ودعم لها يصلان الى حد التبني والالتزام من طرف مؤيديها في صفوف الجماعة. في هذا الإطار تظاهر مئات «الاخوان» وأنصارهم يوم الجمعة الماضي امام السفارة السورية في القاهرة تأييداً لـِ «إخوانهم» المعارضين في سورية. ربما بسبب هــــــذا النفـــــــوذ الكبير لـِ «الاخوان» حرص هنية على عدم تلبية الدعوة الشخصية التي كان وجهها اليه الرئيس احمدي نجاد لحضور مؤتمر عدم الانحياز الاخير في طهران. اجل، لا إشراك في الولاء بين مصر وايران!
غير ان لـِ «المعارضة» الحمساوية رأياً آخر. هي ترى أن لا مصلحة للحركة في وضع بيضها في سلة مصر وحدها. لذلك لم يتأخر قائد المعارضة محمود الزهار عن تعويض غياب هنية بزيارة خاطفة الى طهران. رئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني قدّر للزهار مبادرته فأعرب عن دعم بلاده لحركة «حماس» بما هي «رمز لمقاومة الشعب الفلسطيني، ولا ينبغي السماح بإضعاف دورها ومكانتها».
الزهار لم يكتفِ بزيارة طهران. شد رحاله الى لبنان ايضا لتبديد انطباع قادة حزب الله حول تراجع خيار المقاومة لدى «حماس» بعد «نزوح» ابرز قيادييها من دمشق. بعد زيارته مَعْلَم مليتا العسكري السياحي اكد الزهار «التمسك بخيار المقاومة في وجه الاعتداءات الصهيونية».
من الواضح ان «حماس» اختارت مصر في مشهد الاصطفافات العربية، من دون التخلي عن صداقة ايران او الاعلان عن مقاطعة سورية. لكنها مضطرة الى ان تحسب حساباً لإخوان آخرين لها في دنيا العرب. فقد حذّر حزب جبهة العمل الاسلامي، الجناح السياسي لجماعة الاخوان المسلمين في الاردن، الرئيس مرسي من الالتقاء بـِ «قادة صهاينة» خلال زيارته المرتقبة الى الولايات المتحدة. صدر التحذير عن الامين العام للحزب حمزة منصور في رسالة بعث بها الى مرسي قال فيها إن «واجب النصيحة الذي عبرّ عنه رسول الله (ص) بقوله «الدين النصيحة» يدفعنا الى تذكير سيادتكم بضرورة توخي الحيطة والحذر من هذا الشرك (الالتقاء بقادة صهاينة) لئلا يستغله الشانئون والمتربصون».
هذا عن «حماس» و»الاخوان» في غزة ومصر والاردن. ماذا عن محمود عباس وسلطته الفلسطينية التي تعاني من تظاهرات واحتجاجات واسعة في الضفة بسبب تردي الاوضاع الإقتصادية والسياسية، والعجز عن تحقيق اي مكسب سياسي في الصراع مع «اسرائيل؟
صحيح ان السلطة في رام الله خسرت «صديقا» بسقوط حسني مبارك، لكن محمد مرسي ليس خصماً لمجرد انه صديق لـ «حماس». فهو «ورث» عن مبارك ملف المصالحة الفلسطينية وابدى استعداداً كاملاً للسير به نحو خواتيمه الايجابية. الى ذلك، اكد مرسي لعباس استعداد بلاده لدعم تحرك السلطة للحصول على عضوية الامم المتحدة بصفة مراقب. وهل ينتظر ابو مازن، في هذه الظروف العربية والفلسطينية الحالكة، من مصر وغيرها اكثر مما هي قادرة على تقديمه فعلاً في مجالي المصالحة والامم المتحدة ؟
مهما يكن الامر، فقد بات واضحاً ان»حماس»، كما السلطة، محكومتان بالتعاون مع مصر في ظل حكم مرسي والاخوان المسلمين، وان ما يمكن الحصول عليه من دعم سياسي ولوجيستي يتوقف على قدرة القاهرة على توفيره وسط ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية غير مريحة تمر بها في الوقت الحاضر والمستقبل المنظور.
اما استعادة مركزية القضية في الحياة العربية فطموح، ولا اقول حلماً، ما زال بعيد المنال.
بقلم : عصام نعمان