عجيب يعترضكَ في الشارع و في المقهي ويزورك في مَقَرِّ عملِكَ ،ويتصل بِك بعدَ انتصافِ الليلِ عارِضاعليك الخدماتِ كأنّما هووصي عليكَ. فإذا حاولتَ التملُّصَ منه لأسبابِكَ شدّكَ إلى الأرضِ بأسبابِه، وراح يشكو إليك همومَه وهمومَ عائلتِه وجيرانِه وسكّانِ حيِّه ومجتمعِ مدينتِه وجمهورِ وطنِه والمضطهدينَ في الأرضِ. يفعلَ هذا وغيرَه دون حياءٍ بل بحماسةٍ يتصبب جبينُه عَرَقًا يشتهي إطالةِ الحديثِ معكَ ليَسُبَّ بحضورِكَ المعارِضينَ والمُوَافِقينَ والأغنياءَ والفقراءَ ...
انه مِنَ الرِّجالِ الذين بلغوا سنّ اليأسِ، مِنَ المنتسبينَ إلى فئتََيْ المتسيِّسين ، والغالبُ انه من الذين لم يستوعِبوا دورانَ الأرضِ، بحيثُ يرى نفسَه محوَرَ الكونِ: فهو الوحيد الذي يُجيدُ التحليلاتِ السياسيّة، والأقدرُ على توصيفِ المشاهدِ الإبداعيّةِ.
هوينتقد كلّ شيءٍ ولا يَرَىسوى اعوجاجاتِ الآخرينَ، وعنده رِغبةٌ ملحةفي تجاوُزِ المسلمات والقوانينِ...
يخرجُ من بيتِه مليئًا بالأحزانِ. ولأنّه يرى فيك عَدُوًّا محتَمَلاً، فإنّه يسعى إلى تحميلِك هزائمَه، وأحيانًا يتشفّى منك بأنْ يَشْحَنَك بأحزانِه، كأنْ يحدِّثَك عن خصوماتِه مع زوجَتِه وتعاطُفِ الأبناءِ معها، ويؤكِّدُ لك أنّه لو لَمْ يكنْ لهاراتِبًا شهريًّا لطلَّقَها منذُ حصار غزة، و يؤكدَ لك بأن المسؤول الفلاني يسعى إلى خدماته، وهو لا يُريدُ أن يكونَ خاتمًا في يد كائن من كان، فإذا لم يستهوِك كلامُه ، عادَ إلى نفسِه يسبُّها على تواجدِها في غيرِ زَمنِها...
هذه شخصية ليست من الخيال ..هي أنا وأنت وكل متفيقه...