![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
الرد على شبهة:خروج عائشة وطلحة والزبير ومعاوية
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد: ◘الشبهة: قال ممدوح جابر في كتابه: «ثورة الخامس والعشرين من يناير رؤية شرعية» (ص54):«قال الشيخ حاتم العوني: فقد سبق السلف من الصحابة الكرام إلى عمل مظاهرة بصورتها العصرية؛ فإن من خرج من الصحابة يوم الجمل للمطالبة بدم عثمان وعلى رأسهم الزبير بن العوام وطلحة ابن عبيد الله وعائشة رضي الله عن الجميع، وكانوا ألوفًا مؤلفة خرجوا من الحجاز للعراق ولم يخرجوا لقتال ابتداءً كما يقرره أهل السنة في عرضهم لهذا الحديث، وإذا لم تخرج تلك الألوف للقتال فلم يبق إلا أنهم خرجوا للتعبير عن الاعتراض على عدم القصاص من قَتَلة عثمان، وللضغط على أمير المؤمنين وخليفة المسلمين الراشد علي بن أبي طالب لكي يبادر بالقصاص من قَتَلة عثمان، وهذه مظاهرة سلفية بكل معنى الكلمة وقعت في محضر الرعيل الأول من الصحابة الكرام، ولا أُنكِر عليهم على أصل عملهم ولا حرمه العلماء ولا وصفوه بأنه خروج على الحاكم، مع ما ترتب على هذا الحدث من مفسدة؛ لأن مفسدته كانت طارئة، على أصل العمل ودخيلة عليه، والمهم هو موقف علي فهو من كانت المظاهرة ضده، ومع ذلك فما شنع على الذين تجمعوا بدعوى حرمة مجرد التجمع والمجيء للعراق، ولو كان تجمعهم وتوجههم للعراق، منكرًا لأنكره عليهم علي، بل حتى لو أنكره عليهم فيكفي أن يخالفه الزبير وطلحة وعائشة ومن معهم من الصحابة أجمعين لبيان أن مسألة مظاهرتهم مسألة خلافية». الرد على هذه الشبهة(1 ): أن هذا النقل من هذا الثوري المتعالم عن هذا النكرة البهات مليء بالكذب والافتراء على صحابة النبي ﷺ الكريم وعلى دين الإسلام العظيم.◄والرد من ستة أوجه: ◄ الوجه الأول:![]() أن مذهب أهل السنة والجماعة المحافظة على مكانة الصحابة المتقاتلين وإبقاء منزلتهم بعد القتال، كما كانت قبل الشجار والقتال، لقيام المانع من تفسيقهم وتبديعهم والقدح فيهم، فإنهم لم يتقاتلوا من أجل الملك ولا المال ولا التعصب للهوى والأشخاص، بل كانت معركة الجمل مدبرة من قبل المندسين في صفوفهم، وكانت معركة صفين بسبب فتنة قتل عثمان، وما جلبه المشتركون في قتل عثمان من فتن بعد قتله، وحسب الصحابة أنهم اجتهدوا وهم أهل لذلك؛ فالمصيب منهم له أجران والمخطئ له أجر واحد، بل من توفيق الله لهم أنهم لم يبدعوا ولم يفسقوا بعضهم بعضًا مع أنهم قد تقاتلوا، وقد شهد لهم النبي ﷺ بأن دعوتهم واحدة كما هو معلوم، وأيضًا فإن خطأ المخطئ منهم في هذا القتال مغمور في كثرة حسناتهم. قال أبو سعيد الخدري: «مثل أصحاب رسول الله ﷺ مثل العيون، ودواء العيون ترك مسها»( ). سئل عمر بن عبد العزيز عن علي وعثمان والجمل وصفين وما كان بينهم فقال:«تلك دماء كف الله يدي عنها، وأنا أكره أن أغمس لساني فيها»( ). قال النووي رحمه الله:«واعلم أن الدماء التي جرت بين الصحابة رضي الله عنهم ليست بداخلة في هذا الوعيد، ومذهب أهل السنة والحق إحسان الظن بهم، والإمساك عما شجر بينهم، وتأويل قتالهم، وأنهم مجتهدون متأولون لم يقصدوا معصية ولا محض الدنيا، بل اعتقد كل فريق أنه المحق، ومخالفه باغ، فوجب عليه قتاله ليرجع إلى أمر الله، وكان بعضهم مصيبًا، وبعضهم مخطئًا معذورًا في الخطأ؛ لأنه اجتهاد، والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه»( ). قال ابن حجر رحمه الله:«واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ما وقع لهم من ذلك، ولو عرف المحق منهم؛ لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد، بل ثبت أنه يؤجر أجرًا واحدًا وأن المصيب يؤجر أجرين»( ). قال شيخ الإسلام رحمه الله:«فمن جزم في واحد من هؤلاء بأن له ذنبًا يدخل به النار قطعًا فهو كاذب مفتر؛ فإنه لو قال ما لا علم له به لكان مبطلًا؛ فكيف إذا قال ما دلت الدلائل الكثيرة على نقيضه فمن تكلم فيما شجر بينهم، وقد نهى الله عنه من ذمهم أو التعصب لبعضهم بالباطل فهو ظالم معتد»( ). ![]() قال ابن المبارك رحمه الله:«السيف الذي وقع بين الصحابة فتنة، ولا أقول لأحد منهم هو مفتون»( ). قال أبو سعيد الخدري لما سُئل عما وقع بين علي وطلحة والزبير:«أقوام سبقت لهم سوابق وأصابتهم فتنة فردوا أمرهم إلى الله»( ). قال أبو الحسن الأشعري رحمه الله:«فأما ما جرى من عليّ والزبير وعائشة -رضي الله عنهم أجمعين- فإنما كان على تأويل واجتهاد، وعليٌّ الإمام وكلهم من أهل الاجتهاد، وقد شهد لهم النبي ﷺ بالجنة والشهادة، فدل على أنهم كلهم كانوا على حق في اجتهادهم، وكذلك ما جرى بين سيدنا علي ومعاوية رضي الله عنهما، فدل على تأويل واجتهاد، وكل الصحابة أئمة مأمونون غير متهمين في الدين، وقد أثنى الله ورسوله على جميعهم، وتعبَّدنا بتوقيرهم وتعظيمهم وموالاتهم، والتبري من كل من ينتقص أحدًا منهم -رضي الله عنهم أجمعين-»( ). قال ابن حجر رحمه الله:«وكلهم -أي الصحابة- متأول مأجور إن شاء الله بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا»( ). قال شيخ الإسلام رحمه الله:«وعليٌّ رضي الله عنه لم يقاتل أحدًا على إمامة من قاتله، ولا قاتله أحد على إمامته نفسه، ولا ادعى أحد قط في زمن خلافته أنه أحق بالإمامة منه، لا عائشة ولا طلحة ولا الزبير ولا معاوية وأصحابه ولا الخوارج، بل كل الأُمة كانوا معترفين بفضل علي وسابقته بعد قتل عثمان»( ). فعن شأن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما: قال أبو مسلم الخولاني وأناس معه لمعاوية : أنت تنازع عليا أم أنت مثله ,فقال معاوية: لا والله إني لأعلم أن عليا أفضل مني وإنه لأحق بالأمر مني ولكن ألستم تعلمون أن عثمان قتل مظلوما وأنا ابن عمه وإنما أطلب بدم عثمان فائتوه فقولوا له فليدفع إلي قتلة عثمان وأسلم له, فأتوا عليا فكلموه بذلك فلم يدفعهم إليه( ) وعن أبي بردة قال : قال معاوية : ما قاتلت عليا إلا في أمر عثمان. ( ) قال شيخ الإسلام رحمه الله:و معاوية لم يدع الخلافة ولم يبايع له بها حين قاتل عليا ولم يقاتل علي أنه خليفة ولا أنه يستحق الخلافة ويقرون له بذلك وقد كان معاوية يقر بذلك لمن سأله عنه ولا كان معاوية وأصحابه يرون أن يبتدؤا عليا وأصحابه بالقتال ولا يعلوا ( ) قال ابن كثيرعند تفسير قول الله تعالى: ﴿ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ﴾ [الإسراء: 33] : ((وقد أخذ الإمام الحبر ابن عباس من عموم هذه الآية الكريمة ولاية معاوية السلطنة، وأنه سيملك؛ لأنه كان ولي عثمان، وقد قتل عثمان مظلومًا رضي الله عنه، وكان معاوية يطالب عليًّا رضي الله عنه أن يسلمه قتلته حتى يقتص منهم؛ لأنه أموي، وكان علي رضي الله عنه يستمهله في الأمر حتى يتمكن ويفعل ذلك، ويطلب علي من معاوية أن يسلمه الشام فيأبى معاوية ذلك حتى يسلمه القتلة، وأبى أن يبايع عليًّا هو وأهل الشام، ثم مع المطاولة تمكن معاوية وصار الأمر إليه، كما تفاءل ابن عباس واستنبط من هذه الآية الكريمة، وهذا من الأمر العجب، وقد روى ذلك الطبراني في «معجمه»)( ). وأما شأن طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام رضي الله عنهما: فيقول شيخ الإسلام رحمه الله:«وأما الحرب التي كانت بين طلحة والزبير وبين علي فكان كل منهما يقاتل عن نفسه ظانًّا أنه يدفع صول غيره عليه، لم يكن لعلي غرض في قتالهم، ولا لهم غرض في قتاله، بل كانوا قبل قدوم علي يطلبون قتلة عثمان، وكان للقتلة من قبائلهم من يدفع عنهم، فلم يتمكنوا منهم، فلما قدم علي وعرفوه مقصودهم عرفهم أن هذا أيضًا رأيه، لكن لا يتمكن حتى ينتظم الأمر، فلما علم بعض القتلة ذلك حمل على أحد العسكرين فظن الآخرون أنهم بدءوا بالقتال فوقع القتال بقصد أهل الفتنة لا بقصد السابقين الأولين»( ). وأما شأن عائشة رضي الله عنها: فقد سألها عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي بعدما قتل عثمان وقال لها: ما تأمرين؟ قالت: «الزم عليًّا»( ). وعائشة خرجت للإصلاح ولم تخرج لقتال علي كما جاء في الحديث أن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله: «عسى الله أن يصلح بك بين الناس»، ولم تنزع يدًا من طاعة. وقال محمد بن طلحة لها: «مريني بأمرك يا أماه. قالت: «آمرك أن تكون كخير ابني آدم»( ). فمما سبق يتضح أن القتال الذي وقع بين الصحابة قتال فتنة, فكيف يستدل بقتال فتنة على مشروعية هذه المظاهرات والثورات؛ فهذا من أبطل الباطل، فالمستدل بقتال الفتنة على مشروعية المظاهرات رجل فتَّان مفتون. ![]() «فقد قيل لسعد بن أبي وقاص: ألا تقاتل فإنك من أهل الشورى وأنت أحق بهذا الأمر من غيرك؟ فقال سعد بن أبي وقاص: لا أقاتل حتى تأتوني بسيف له عينان ولسان وشفتان، يعرف المؤمن من الكافر، إن ضربتُ به مسلمًا نبأ عنه، وإن ضربتُ كافرًا قتله، فقد جاهدتُ وأنا أعرف الجهاد. وَضَرَبَ لهم مَثَلًا فَقَالَ: مثلنُا ومثلكم كمثلِ قومٍ كانوا على محجة بيضاء، فبينا هم كذلك يسيرون هاجتْ ريحٌ عجاجةٌ، فضلوا الطريق، والتبس عليهم فقال بعضهم: الطريق ذات اليمين؛ فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: الطريق ذات الشمال؛ فأخذوا فيها فتاهوا وضلوا، وقال آخرون: كنا في الطريق حيثُ هاجت الريح فنيخ؛ فأناخوا فأصبحوا فذهب الريح، وتبين الطريق فهؤلاء هم الجماعة قالوا: نلزم ما فارقنا عليه رسول الله حتى نلقاه ولا ندخل في شيء من الفتن»( ). قال محمد بن سيرين رحمه الله:«هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله ﷺ عشرة آلاف، فما حضر فيها مائة، بل لم يبلغوا ثلاثين»( ). قال الشعبي رحمه الله:«من حدثك أنه شهد الجمل من أهل بدر غير أربعة أو إن جاءوا بخامس كان علي وعمار ناحية وطلحة والزبير ناحية»( ). قال الحسن البصري رحمه الله:«لما كانت الفتن جعل رجل يسأل عن أفضل أصحاب رسول الله ﷺ في أنفسهم لا يسأل أحدًا إلا قالوا له سعد بن مالك... هذا علي يدعو الناس وهذا معاوية يدعو الناس وقد جلس عنهما عامة أصحاب رسول الله ﷺ...»( ). قال بكير بن الأشج رحمه الله:«إن رجالًا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم»( ). قال ميمون بن مهران فيما اختلف الناس فيه في أمر عثمان وعلي وطلحة والزبير ومعاوية وعن قول العامة في ذلك:«وأما من لزم الجماعة فمنهم سعد بن أبي وقاص وأبو أيوب الأنصاري وعبد الله بن عمر وأسامة بن زيد وحبيب بن مسلمة الفهري وصهيب بن سنان ومحمد بن مسلمة في أكثر من عشرة آلاف من أصحاب رسول الله ﷺ والتابعين لهم بإحسان قالوا جميعًا: نتولى عثمان وعليًّا لا نتبرأ منهما، ونشهد عليهما وعلى شيعتهما بالإيمان، ونرجو لهم ونخاف عليهم»( ). قال الخطابي رحمه الله:«وممن اعتزل تلك الفتنة فلم يكن مع واحد من الفريقين حتى انجلت محمد بن مسلمة الأنصاري وعبد الله بن عمر في عدة كثيرة من الصحابة»( ). قال شيخ الإسلام رحمه الله:«وأما الصحابة فجمهورهم وجمهور أفاضلهم ما دخلوا في فتنة. قال عبد الله ابن الإمام أحمد: حدثنا أبي حدثنا إسماعيل -يعني: ابن علية- حدثنا أيوب -يعني: السختياني- عن محمد بن سيرين قال: «هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله ﷺ عشرة آلاف فما حضرها منهم مائة بل لم يبلغوا ثلاثين» هذا الإسناد من أصح إسناد على وجه الأرض، ومحمد بن سيرين من أورع الناس في منطقه، ومراسيله من أصح المراسيل. وقال عبد الله: حدثنا أبي حدثنا إسماعيل حدثنا منصور بن عبد الرحمن قال: قال الشعبي: «لم يشهد الجمل من أصحاب رسول الله ﷺ غير علي وعمار وطلحة والزبير فإن جاءوا بخامس فأنا كذاب». وقال عبد الله بن أحمد: حدثنا أبي حدثنا أمية بن خالد قال: «قيل لشعبة: إن أبا شيبة روى عن الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: شهد صفين من أهل بدر سبعون رجلًا فقال: كذب والله لقد ذاكرت الحكم بذلك وذاكرناه في بيته فما وجدناه شهد صفين من أهل بدر غير خزيمة بن ثابت». قلت: هذا النفي يدل على قلة من حضرها، وقد قيل: إنه حضرها سهل بن حنيف وأبو أيوب، وكلام ابن سيرين مقارب، فما يكاد يذكر مائة واحد. وقد روى ابن بطة عن بكير بن الأشج قال: «أما إن رجالًا من أهل بدر لزموا بيوتهم بعد قتل عثمان فلم يخرجوا إلا إلى قبورهم» اهـ( ). وقال أيضا رحمه الله:«وأكثر أكابر الصحابة لم يقاتلوا لا من هذا الجانب ولا من هذا الجانب، واستدل التاركون للقتال بالنصوص الكثيرة عن النبي ﷺ في ترك القتال في الفتنة، وبينوا أن هذا قتال فتنة»( ). وقال أيضًا رحمه الله:«والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدوُّه قتال فتنة، وعلى هذا جمهور أهل الحديث وجمهور أئمة الفقهاء»( ). فهذه النقولات كافية في الدلالة على أن أكثر الصحابة اعتزلوا القتال في معركتي الجمل وصفين فكيف يستدل بما حدث بين بعض الصحابة، وقد اعتزله أكثر الصحابة باعتباره قتال فتنة. ![]() فعن قيس قال: «لما بلغت عائشة بعض مياه بني عامر ليلًا نبحت الكلاب عليها، فقالت: أي ماء هذا؟ قالوا: ماء الحوأب، فوقفت فقالت: ما أظنني إلا راجعة، فقال لها طلحة والزبير: مهلًا رحمك الله، بل تقدمين فيراك المسلمون فيصلح الله ذات بينهم، قالت: ما أظنني إلا راجعة، إني سمعت رسول الله ﷺ قال لنا ذات يوم: «كيف بإحداكن تنبح عليها كلاب الحوأب»( ). وعن ابن عباس قال: قال رسول الله ﷺ: «أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، يقتل حولها قتلى كثيرة تنجو بعدما كادت»( ). قال الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله:«ولا نشك أن خروج أم المؤمنين كان خطأً من أصله، ولذلك همت بالرجوع حين علمت بتحقق نبوءة النبي ﷺ عند الحوأب، ولكن الزبير رضي الله عنه أقنعها بترك الرجوع بقوله: «عسى الله أن يصلح بك بين الناس» ولا نشك أنه كان مخطئًا في ذلك أيضًا»( ). والصحابة كذلك أنكروا مسير عائشة وخروجها في تلك الفتنة. ولهذا كانت أم سلمة تقول: «لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي ﷺ»( ). فكان مذهبها هي وأمهات المؤمنين لزوم بيوتهن ومجانبة الفتن. وقال ابن حجر رحمه الله:«وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن أبي يزيد المديني قال: «قال عمار بن ياسر لعائشة لما فرغوا من الجمل: ما أبعد هذا المسير من العهد الذي عهد إليكم» يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]، فقالت: أبو اليقظان؟ قال: نعم. قالت: والله إنك ما علمت لقوَّالٌ بالحق. قال: الحمد لله الذي قضى لي على لسانك»( ). وعن أبي مريم عبد الله بن زياد الأسدي قال:«لما سار طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة بعث علي عمار بن ياسر وحسن بن علي، فقدما علينا الكوفة فصعدا المنبر، فكان الحسن بن علي فوق المنبر في أعلاه، وقام عمار أسفل من الحسن، فاجتمعنا إليه فسمعت عمارًا يقول: إن عائشة قد سارت إلى البصرة، ووالله إنها لزوجة نبيكم ﷺ في الدنيا والآخرة، ولكن الله تبارك وتعالى ابتلاكم ليعلم إياه تطيعون أم هي»( ). قال ابن حجر رحمه الله:«قيل: الضمير لعلي؛ لأنه الذي كان عمار يدعو إليه، والذي يظهر أنه (الله) والمراد باتباع الله: اتباع حكمه الشرعي في طاعة الإمام وعدم الخروج عليه، ولعله أشار إلى قوله تعالى: ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ ﴾ [الأحزاب: 33]؛ فإنه أمر حقيقي خوطب به أزواج النبي ﷺ، ولهذا كانت أم سلمة تقول: «لا يحركني ظهر بعير حتى ألقى النبي ﷺ». والعذر في ذلك عن عائشة أنها كانت متأولة هي وطلحة والزبير، وكان مرادهم إيقاع الإصلاح بين الناس، وأخذ القصاص من قتلة عثمان -رضي الله عنهم أجمعين-، وكان رأي علي الاجتماع على الطاعة وطلب أولياء المقتول القصاص ممن يثبت عليه القتل بشروطه»( ). وعن أبي بكرة قال:«لقد نفعني الله بكلمة سمعتها من رسول الله ﷺ أيام الجمل، بعد ما كدت أن ألحق بأصحاب الجمل فأقاتل معهم قال: لما بلغ رسول الله ﷺ أن أهل فارس قد ملَّكوا عليهم بنت كسرى قال: «لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة»( ). وعن ابن أبي عتيق قال:قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبد الرحمن ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلًا قد غلب عليك، وظننت أنك لا تخالفينه -يعني: ابن الزبير-. قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت»( ). والنبي ﷺ قد أخبر الزبير بأنه سيقاتل عليًّا ويكون له ظالمًا فخطأه النبي ﷺ من أجل قتاله لعليٍّ. فقد روى الحاكم في «المستدرك» بإسناده عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي، قال:شهدت عليًّا والزبير، لما رجع الزبير على دابته يشق الصفوف، فعرض له ابنه عبد الله، فقال: ما لك؟ فقال: ذكر لي علي حديثًا سمعته من رسول الله ﷺ يقول: «لتقاتلنه وأنت ظالم له» فلا أقاتله، قال: وللقتال جئت؟ إنما جئت لتصلح بين الناس ويصلح الله هذا الأمر بك، قال: قد حلفت ألا أقاتل، قال: فاعتق غلامك جرجس وقفْ حتى تصلح بين الناس، قال: فأعتق غلامه جرجس ووقف فاختلف أمر الناس، فذهب على فرسه»( ). قال الحاكم رحمه الله:«وقد روي إقرار الزبير لعلي رضي الله عنهما بذلك من غير هذه الوجوه والروايات»( ). ![]() ◄ الوجه الخامس:أن الصحابة الذين شاركوا في هذه الفتنة استدركوا على أنفسهم بعد ذلك وندموا نَدامة عظيمة على ما حدث منهم وتابوا من ذلك. علي بن أبي طالب رضي الله عنه: قال سليمان بن صرد الخزاعي للحسن بن علي:«اعذرني عند أمير المؤمنين، فإنما منعني من يوم الجمل كذا وكذا، قال: فقال الحسن: لقد رأيته حين اشتد القتال يلوذ بي ويقول: يا حسن، لوددت أني مت قبل هذا بعشرين حجة»( ). وعن قيس بن عباد قال: قال علي لابنه الحسن يوم الجمل: يا حسن يا حسن، ليت أباك مات من عشرين سنة. قال فقال الحسن: يا أبتِ قد كنت أنهاك عن هذا. قال: يا بني، لم أر الأمر يبلغ هذا»( ). قال شيخ الإسلام رحمه الله:«وعليّ رضي الله عنه في آخر الأمر تبين له أن المصلحة في ترك القتال أعظم منها في فعله»( ). وقال أيضًا رحمه الله:«وأصحابه كانوا أفضل قرون الأُمة فهم أعرف القرون بالله وأشدهم له خشية، وكانوا أقوم الناس بالتوبة في حياته وبعد مماته؛ فمن ذكر ما عيب عليهم ولم يذكر توبتهم التي بها رفع الله درجتهم كان ظالمًا لهم... وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه ندم على أمور فعلها من القتال وغيره. وكان يقول: لقد عجزت عجزة لا أعتذر سوف أكيس بعدها وأستمر وأجمع الرأي الشتيت المنتشر وكان يقول ليالي صفين: لله در مقام قامه عبد الله بن عمر وسعد بن مالك، إن كان برًّا، إن أجره لعظيم، وإن كان إثمًا إن خَطَره ليسير! وكان يقول: يا حسن يا حسن، ما ظن أبوك أن الأمر يبلغ إلى هذا، ود أبوك لو مات قبل هذا بعشرين سنة. ولما رجع من صفين تغير كلامه وكان يقول: لا تكرهوا إمارة معاوية فلو قد فقدتموه لرأيتم الرءوس تتطاير عن كواهلها. وقد روي هذا عن علي رضي الله عنه من وجهين أو ثلاثة، وتواترت الآثار بكراهته الأحوال في آخر الأمر، ورؤيته اختلاف الناس وتفرقهم وكثرة الشر الذي أوجب أنه لو استقبل من أمره ما استدبر ما فعل ما فعل»( ). عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: عن بن أبي مليكة قال: «قال عبد الله بن عمرو: ما لي ولصفين، ما لي ولقتال المسلمين، لوددت أني مت قبله بعشر سنين، أما والله على ذلك ما ضربت بسيف ولا طعنت برمح ولا رميت بسهم»( ). عائشة رضي الله عنها: قالت عائشة: «لوددت أني لم أسر مسيري الذي سرت وأن لي عشرة أولاد من رسول الله ﷺ ثكلتهم كلهم مثل عبد الرحمن بن الحارث بن هشام» وكان رجلًا شريفًا سخيًّا مريًّا»( ). وعن ابن أبي عتيق قال قالت عائشة: إذا مر ابن عمر فأرونيه فلما مر ابن عمر قالوا: هذا ابن عمر، فقالت: يا أبا عبد الرحمن، ما منعك أن تنهاني عن مسيري؟ قال: رأيت رجلًا قد غلب عليك، وظننت أنك لا تخالفينه -يعني ابن الزبير-. قالت: أما إنك لو نهيتني ما خرجت»( ). قال الزيلعي رحمه الله:«وقد أظهرت عائشة الندم»( ). وعن قيس بن أبي حازم، قال:«قالت عائشة رضي الله عنها وكانت تحدث نفسها أن تدفن في بيتها مع رسول الله ﷺ وأبي بكر، فقالت: إني أحدثت بعد رسول الله ﷺ حدثًا ادفنوني مع أزواجه. فدفنت بالبقيع»( ). قال الذهبي رحمه الله:«تعني بالحدث: مسيرها يوم الجمل، فإنها ندمت ندامة كلية، وتابت من ذلك على أنها ما فعلت ذلك إلا متأولة قاصدة للخير، كما اجتهد طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وجماعة من الكبار -رضي الله عن الجميع-»( ). قال شيخ الإسلام رحمه الله:«وأصحابه كانوا أفضل قرون الأُمة فهم أعرف القرون بالله وأشدهم له خشية، وكانوا أقوم الناس بالتوبة في حياته وبعد مماته؛ فمن ذكر ما عيب عليهم ولم يذكر توبتهم التي بها رفع الله درجتهم كان ظالمًا لهم... وكذلك عائشة رضي الله عنها ندمت على مسيرها إلى البصرة وكانت إذا ذكرته تبكي حتى تبل خمارها»( ). قال الشيخ الألباني رحمه الله:«لا شك أن عائشة رضي الله عنها المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة، ومنها ندمها على خروجها، وذلك هو اللائق بفضلها وكمالها، وذلك مما يدل على أن خطأها من الخطأ المغفور بل المأجور»( ). طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وعمار بن ياسر رضي الله عنهم جميعا: قال الحسن بن علي:«لود علي أنه لم يعمل ما عمل, ولود عمار أنه لم يعمل ما عمل, ولود طلحه أنه لم يعمل ما عمل, ولود الزبير أنه لم يعمل ما عمل, هبطوا على قوم متوشحي مصاحفهم أهل آخرة فسيفوا بينهم»( ). قال شيخ الإسلام رحمه الله:«وأصحابه كانوا أفضل قرون الأُمة فهم أعرف القرون بالله وأشدهم له خشية، وكانوا أقوم الناس بالتوبة في حياته وبعد مماته؛ فمن ذكر ما عيب عليهم ولم يذكر توبتهم التي بها رفع الله درجتهم كان ظالمًا لهم... والزبير ندم على مسيره يوم الجمل»( ). فالصحابة الذين شاركوا في هذه الفتنة لم يحمدوا ما فعلوه من القتال وندموا عليه، ومعلوم أن الندامة شرط من شروط التوبة، والتوبة لا تكون إلا من معصية فكيف يحتج هؤلاء بأمور قد تاب منها أصحابها وأظهروا الندامة عليها فهذا من الإفلاس والضلال. قال شيخ الإسلام رحمه الله:«وبالجملة، ليس علينا أن نعرف كل واحد تاب، ولكن نحن نعلم أن التوبة مشروعة لكل عبد. للأنبياء ولمن دونهم، وأن الله سبحانه يرفع عبده بالتوبة، وإذا ابتلاه بما يتوب منه فالمقصود كمال النهاية لا نقص البداية؛ فإنه تعالى يحب التوابين ويحب المتطهرين وهو يبدل بالتوبة السيئات حسنات»( ). ![]() أنه من المعلوم أن علي بن أبي طالب كان هو صاحب الحق، وأن الذين قاتلوا عليًّا لم يكن معهم الحق وإنما تأولوه، وهذا ما عليه أهل العلم أن الحق كان مع علي وأصحابه وأنه كان أقرب الطائفتين إليه. ففي الصحيحين عن أبي سعيد: «أن النبي ﷺ ذكر قومًا يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحليق، قال: «هم شر الناس -أو: من شر الخلق- يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق». قال: فضرب رسول الله ﷺ لهم مثلًا - أو قال: قولًا -: «الرجل يرمي الرمية، -أو قال: الغرض-، فينظر في النصل، فلا يرى بصيرة، وينظر في النضيِِّ فلا يرى بصيرة، وينظر في الفُوقِ فلا يرى بصيرة»( ). وفي لفظ آخر عنه في هذا الحديث: «يكون في أمتي فرقتان، فتخرج بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق»( ). وفي أخرى: «تمرق مارقة في فرقة من الناس، يلي قتلهم أولى الطائفتين بالحق»( ). وفي أخرى: «يخرجون على فرقة مختلفة، يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق»( ). وقوله ﷺ لعمار: «ويح عمار تقتله الفئة الباغية، عمار يدعوهم إلى الله ويدعونه إلى النار»( ). قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:«فمثل هذا الحديث الصحيح عن أبي سعيد بين فيه أن عليًّا وأصحابه أولى بالحق من معاوية وأصحابه؛ فكيف لا يروى عنه مثل هذا لو كان صحيحًا؟»( ). قال الشيخ الألباني رحمه الله:«والعقل يقطع بأنه لا مناص من القول بتخطئة إحدى الطائفتين المتقاتلتين اللتين وقع فيهما مئات القتلى، ولا شك أن عائشة رضي الله عنها المخطئة لأسباب كثيرة وأدلة واضحة»( ).
|
||||
![]() |
الكلمات الدلالية (Tags) |
الرد, شبهة:خروج, عائشة, ومعاوية, والستير, وطلحة |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc