السلفية أنتحار أم هروب من الواقع أم معتقد خاطئ

[syrus]

السلفية موجودة في كل الأديان و الثقافات و لكن بأشكال و درجات متفاوتة، و هي باختصار النظر إلى الماضي البعيد عبر مرأة الأمثلة و الأسطرة بوصفه نموذجا للاقتداء و أن مشكلات العصر ناجمة عن قطيعتنا مع هذا الماضي "الزاهر" ... لكن السلفية لها عدة أبعاد و تنقسم إلى تيارات عديدة كلها يدعي أنه يسير على خطى "السلف الصالح"و هناك تداخل كبير بينها بين المصالح السياسية للنخب الحاكمة، و لهذا يتم توظيفها سياسيا و تضخ الملايير في سبيل نشر الفكر السلفي الناعم الذي يروج لقيم الخضوع و الطاعة، و هذا يفسر جزئيا انتشارها الكبير، بسبب الدعم المادي و السياسي... فالسلفية دعوة دينية في خدمة دولة آل سعود، فكما كان للفاطميين و الموحدين و الصفويين دعوة و دعاة قبل و أثناء و بعد التأسيس ، فللسعوديين (الحكام و ليس الشعب، فمن العيب تسمية دولة و شعب باسم أسرة تحكمهم) كذلك دعوة.

أما دوافع تبني السلفية على المستوى الشخصي فلا يمكن حصرها في أمر واحد... ربما يكون اعتناق السلفية رد فعل سلبي تجاه تحديات العصر و ضغوطه، أي انسحابا من الإنخراط في الحياة المعاصرة، أو انتحارا اجتماعيا، لكن هذا لا يفسر كل الحالات و ينطبق أكثر على النزعات التنسكية التي ليست شائعة بين سلفيي اليوم... الكثير يتبع السلفية ببساطة لكونها أول مدرسة فكرية تعرض عليه، و لكونها تقدم كبديل بسيط و قابل للفهم فالسلفية هي إيديولوجية تدعي ككل الإيديولوجيات امتلاك الحقيقة و هي نظام فكري له العديد من آليات الاستدراج و التأثير و الإقناع و التجنيد و التعبئة. و عموما من السهل أن تكون سلفيا فالإنتماء للسلفية لا يتطلب الكثير كما أن ليست حزبا ذو هيكل تنظيمي و تراتبي لذا الانخراط فيها أبسط. كما أنها لا تتطلب الكثير من الفهم و التفكير بل تقوم أكثر على الإتباع ... هناك أيضا من يلتحق بالسلفية لأنها تمنحه فضاء للتعبير عن نفسه ، أو لأنها تشبع رغبة الإنسان في الإنتماء و التجمهر. البعض يلتحق عن قناعة تامة و تصبح السلفية جزء من هويته الشخصية، و البعض تكون السلفية مجرد مرحلة في حياته. لهذا يصعب حصر دوافع التوجه نحو السلفية...

لكن مشكلة السلفية أنها نموذج مغلق يتطلع إلى الخلف و لا يستوعب روح العصر ، و أي محاولة لها للإنفتاح على الأفكار الأخرى سيفكك مفاهيمها و سيعري تناقضاتها بسهولة، و لهذا يحرص السلفيون على التقوقع و تحذير الأتباع من الإحتكاك بثقافات و مرجعيات مخالفة لأنها ستسمم عقل السلفي التابع و المطيع. و لبناء جدران ذهنية تمنع السلفي من التأثر بالفكر الفاسد لغيرهم يتم غرس مجموعة من المسلمات في ذهنه تجعل السلفية الفرقة الناجية و تؤسس لعلاقة عداء مع كل فكر مخالف . و لهذا يجب أن يكون السلفي متميزا شكلا و سلوكا و تعبيرا عن صلته بالماضي الجميل و قطيعته مع الحاضر الفاسد .... مثل هذه النزعة "التطهرية" Puritanism قد تكون أمرا عاديا في المجتمع السعودي القبلي و البدوي و خصوصا في نجد مركز دولة آل سعود و أحد قلاع التشدد الحنبلي، لذلك لا يظهر السلفي في السعودية كصورة نشاز في المشهد العام الخليجي، لكن عندما يتم استيراد السلفية النجدية للجزائر مثلا فهي تعطي لنا شخصية لا تحمل أي جذور محلية، لذلك فهي تبدو في نظر الغير حالة شاذة و سلوك لاإجتماعي...

السلفية لها حظور قوي في الإعلام و تسيطر على جزء واسع من قنوات التنشئة الدينية (قنوات فضائية، مطبوعات، خطباء و أئمة، مواقع...) و خير دليل القسم الإسلامي لهذا المنتدى.

عموما نحن نعيش في زمن تخلف و تراجع يشهد فشلا للنخب الحاكمة و الفاسدة في بناء دول تتحقق فيها العدالة و الازدهار الاقتصادي... و في مثل هذه الأجواء يكون الناس أكثر استعدادا لتقبل الأيديولوجيات الماضوية و يتصورون أنهم في آخر الزمان، تماما مثلما كان الأوروبيون في القرون الوسطى...