ذكرت وكالات الأنباء أن مطار بغداد منع هبوط طائرة كانت قادمة من لبنان و اضطرها للعودة من حيث جاءت، و السبب هو أن ابن وزير النقل العراقي الذي تأخر عن موعد ركوب الطائرة استشاط غضبا بسبب عدم انتظاره و أقسم أن الطائرة ستعود إلى مطار بيروت دون أن تحط في بغداد...
يذكرني هذا بعدي صدام حسين ، الإبن المدلل للديكتاتور السابق، و سلوكاته الطائشة، و يؤكد لي مرة أخرى أن الاستبداد لا يموت بموت المستبد، كل ما في الأمر هو تغير الأسماء... فبذور الفساد و الطغيان و التسلط لازالت موجودة في ثقافتنا، لذلك هي تستمر في تفريخ نسخ أخرى للطغاة السابقين. لكن هذة المرة بنسخة شيعية من تيار سياسي ديني.
إن عراق اليوم يعطينا فرصة و مثالا جيدا لدراسة ظاهرة الفساد و الانحطاط الأخلاقي داخل التيارات السياسية الدينية بمختلف ألوانها، حيث الكل يتغنى بالأخلاق و القيم الدينية و الإنسانية و الكل يدوس عليها...
تلك التيارات الدينية التي تحمل شعار "نصرة" طائفتها المظلومة لتتحول بعد ذلك لمعاول هدم و إفساد في الأرض... مما يدفع الكثيرين للتساؤل : لماذا يتحول المظلوم إلى جلاد، و المناضل ضد الفساد إلى رمز له؟ و بالخصوص وسط تيارات الإسلام السياسي بمختلف مذاهبها...
في نظري أن أحد أسباب هذا التناقض و الانحطاط الأخلاقي لهذه التيارات الدينية يكمن في فشلها في تشرب قيمة المساواة التي تجعل الأنسان يحترم أخوه الإنسان بغض النظر عن مذهبه و قوميته، و هذا يجعل الإنسان يدخل في حالة فصام شديد ، حيث يحس بالظلم الواقع على أبناء طائفته أو قوميته في حين يمارس هو الظلم اللفظي و المعنوي و المادي ضد غيره، ثم هو بعد ذلك يتحول لممارسة الظلم ضد أي كان، لأنه ببساطة لا يملك بوصلة أخلاقية تحدد له بدقة مجال تشغيل عواطفه الإنسانية.
فعندما يتحول الدين إلى آلة إيديولوحية لتوزيع مشاعر التعاطف و الكراهية بما يخدم النخب الحاكمة فإن هذا يحطم الأتباع أخلاقيا و يقتل فيهم الضمير الإنساني بسبب ما يزرعه فيهم من تعاطف انتقائي. و هكذا يتحول الدين في صورته المذهبية المتعصبة إلى عامل فساد و انحطاط أخلاقي بدل أن يكون عاملا لزرع قيم الرحمة و التعاون و التسامح و التعايش...
ليس غريبا إذن أن يتحول بأسنا شديدا بيننا و نحن ندعو على غيرنا في المساجد بالزلازل و النكبات و الأمراض و باليتم و الترمل ، لأننا نصنف كل من يختلف معنا ضمن دائرة الأعداء ، بل نحن نؤسس لأنفسنا هوية تقوم على التضاد و الصراع مع العدو، لهذا نحن نصنع بسهولة من الأخ و الجار و الصديق عدوا إذا لم تكن لنا القدرة على محاربة العدو البعيد، نبرر بذلك ممارسة نزعاتنا العدوانية و السادية ضده...
مشكلتنا أن العقول و الضمائر مخدرة باسم الدين و المذهبية حيث تحولت المنابر إلى أدوات للتحريض الديني و المذهبي، و المعضلة أن من يدعو إلى تحرير هذه العقول و الضمائر من تلاعب الكهنوت و شيوخ و ملالي التوظيف السياسي للدين يصبح هو الآخر هدفا لسهام هؤلاء ...