في ضحايا الطائرة
لقد علمنا ربنا وخالقنا كيف نستقبل البلايا والمحن ، فقال الله سبحانه وتعالى : " وبشر الصابرين الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ" البقرة156
كلمة" : إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " تدعو إلى التفاؤل والتسلية عن المصاب ، وتهدف إلى رفع الروح المعنوية ، واستقرار الحالة النفسية ، فهي حصن للمسلم من الوقوع في عدم الرضا بقضاء الله وقدره .
كلمة : "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ " كلمة اعتراف وإقرار من المصاب بأنّه هو وما أُصيب فيه وما فقده من مال أو أهل أو نحوه .. لله سبحانه وتعالى ، وما دام الأمر كذلك ، وما دام أننا وما نملك وما نحب: ملك لله ، فليفعل الله بنا ما يشاء وليأخذ منا ما يشاء ، ولترضى النفس ولتطمئن الروح " فإنّا إليه راجعون".
كلمة : "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "كلمة جالبة لعظيم الثواب في العاجلة والآجلة ، وقد بشر الله أصحابها فقال : " وبشر الصابرين .....". وروى مسلم ، في " صحيحه " ، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ما من عبد تصيبه مصيبة ، فيقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم اؤجرني في مصيبتي ، واخلف لي خيرا منها . إلا أجره الله في مصيبته ، وأخلف له خيرا منها".
و بكلمة: "إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ "نستقبل اليوم وتستقبل امتنا كلها هذه المصيبة العظيمة التي حلت بوطننا وأمتنا ، على إثر تحطم طائرتنا العسكرية ، بأعالي جبل فرطاس بعين امليلة - أم البواقي - ولقد مات في هذا الحادث 100 أو يزيدون أبنائنا وبناتنا ، إنه لحادث مؤلم حقا ، ولكننا لا نملك أن نقول كما عمنا ربنا : " إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ".
ومن الإيمان: أن نشعر بآلام إخواننا المصابين ؛ وفي الحديث : " " مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى."
ومن الإيمان :أيضا أن نحسن العهد والوفاء لضحايانا من قواتنا المسلحة ، المرابطة على الثغور ، الحافظة لأمن هدا الوطن ندمن شرقه إلى غربه ، ومن جنوبه إلى شماله .
وقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنًّ امرأةً سوداءَ كانت تَقُمُّ المسجدَ ففقدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فسأل عنها ؟ فقالوا: ماتت ، قال: (أفلا كنتم آذنتموني؟!) قال: فكأنهم صغَّرُوا أمرَها ، فقال: (دُلُّوني على قبرها) فدَلُّوه، فصلى عليها، ثم قال: (إن هذه القبور مملوءةٌ ظُلمةً على أهلِها، وإن الله -عز وجل- ينَوِّرُها لهم بصلاتي عليهم".
هكذا كان وفاؤه صلى الله عليه وسلم – لامرأة كانت تقوم بهمة بسيطة [ وهي نظافة المسجد ] ، فكيف لا نكون نحن أوفياء لمن كانوا يقومون بجلائل المهمات ، ويتحملون عظم المسؤوليات ، من حماية ثغور الوطن وحمائة الأمة من كيد الخائنين والماكرين .
ولقد أفتى الفقهاء بان العسكريين لهم أجر المرابطين منذ أن تسجل أسماؤهم في الديوان العسكري العام ، ولو كانوا عسكريين احتياطيين ؛ لأن العسكري الاحتياطي إنما جيء به للترب على فنون القتال ؛ ليكون على أهبة الاستعداد لرد ألأخطار عن وطنه وأمته .
وإذا ثبت هذا فإن المرابط إدا مات فهو عداد الشهداء إن شاء الله ، وهكذا نتحسب ضحايا حبل فرطاس، هذا ظننا وهو رجاؤنا و لا نتألأ الله على الله جل في علاه .
اللهم اغفر لهؤلاء الضحايا جميعا ، وارحمهم بواسع رحمتك ، وأسكنهم فسيح جناتك ، واجعل قبورهم رياضا من رياض الجنة ، وألهم ذويهم الصبر وأعظم أجرهم وأحسن عزاءهم وقو إيمانهم واربط على قلوبهم ، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا ونبينا ومولانا محمد وعلى اله وصحبه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .