من المهم جدا أن ندرك أن التحول الثقافي و اللغوي لا يعني بالضرورة حدوث انقلاب سكاني، فالمجر و تركيا مثلا عرفتا تحول لغوي كبير بسبب الهيمنة السياسية للعثمانيين و الماجيار في المنطقتين، لكن نسبة الأتراك و الماجيار ذويي الأصول السكانية الوسط اسيوية لا تتجاوز العشرة بالمئة في كلا البلدين... و على افتراض أن الآمازيغية لغة جرمانية هندوأوروبية فإن هذا لا يستلزم أن الأمازيغ أنفسهم من الجرمان، و لو أن الفرض نفسه متهافت جدا، أولا لأنه يقوم على تصور خاطئ و مضخم عن الفترة القصيرة التي مر فيها الوندال بالشمال الإفريقي ، فلو كان لأحد الشعوب الهندو أوروبية أن تلعب هذا الدور في تكوين الشعب الأمازيغي لكان الرومان أحق بذلك ... و ثانيا لأنه يوجد إجماع لدى المختصين أن الأمازيغية ليست لغة هندوأوروبية... و التصور بأن الثقافة و اللغة المشتركة تستلزم الأصل الجيني المشترك هو تصور بسيط و سطحي و ساذج للغاية ، و هو الذي يجعل أحدهم يعتقد ان البنغلاداشيين شعوب جرمانية خالصة...
من المهم القراءة عن النظريات المختلفة المتعلقة بانتشار اللغات و الثقافات و تشكل الهويات ، فهذا سيسمح للباحث بإدراك أن الهوية كمفهوم ثقافي لا تعكس الحقيقة الصرفة بل تقوم دائما على الاختزال و الإضافة و الحذف، أي أن الهوية صناعة ثقافية/سياسية، أي إيديولوجية... في حين أن الحقيقة أكثر اتصافا بالتعقيد و التداخل و التشابك...
و الإنحياز الإيديولوجي هو الذي يجعلنا نسارع إلى تصديق فرضيات تتوافق مع رغباتنا ثم العمل على انتقاء و تلفيق الأدلة التي تؤكدها و استبعاد كل الأدلة التي تلغيها...