قال الإمام المجدد السيد محمد ماضي أبو العزائم رضي الله عنه في كتابه النفيس (الطهور المدار على قلوب الأبرار) :
من هو السالك ؟ :
هو إنسان مسلم منحه الله النور الذي يقبل به الخير, والنور في اصطلاحنا هو القابل وحفظه سبحانه وتعالى من فعل ما يخالف ما أنزل الله على نبيه ﴿ ص وآله﴾ وإن قبله في بدايته من غير المرشد الكامل ألهمه الله الفرار إليه سبحانه ودله على المرشد ، فكان من خيرة أصحابه ، لأن ما يجعله الله من النور في قلب السالك إليه جل جلاله يستبين به الحق والباطل ، فيجذبه الله إلى الحق بدليل قوله تعالى : اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ البقرة: ٢٥٧ وقوله ﴿ص وآله﴾ : ( يد المؤمن في يمين الله كلما وقع أقامه ) .
والسالك يشتاق إلى الحق ، والمشتاق إلى الحق قوي المسارعة إلى الحكمة ، ولشوقه إلى الحق إذا سمع كلمة حكمة تلقاها ولو من عدو الله ، قال رسول الله ﴿ ص وآله﴾ : " الحكمة ضالة المؤمن يلتقطها أنى وجدها ".
وسماع الحكمة يجعل النفوس تعظم حاملها ، ولكن قد يكون حامل الحكمة غير الحكيم يحفظها ولا يفقهها ، قال تعالى : مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا الجمعة: ٥ ، فإذا نطق الناطق بالحكمة قبلها السالك منه ، ثم وزن أحواله بهذا النور المجعول له من الله ، قال الله تعالى : وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ النور: ٤٠. فإذا اطمأن لها قلبه ، وشهد من الحكمة العمل بها أحبه واقتدى بعلمه ، وعمله ، وحاله . وإذا لم يطمئن قلبه ولم يشهد عمله بالحكمة أخذ منه الحكمة وفارقه . فليس كل محصل للعلم عالما ، ولا كل مبين للأحكام بدلا من أبدال الرسل ، قال الله تعالى وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آَتَيْنَاهُ آَيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا الأعراف: ١٧٥ وقال ﴿ ص وآله﴾ : " قراء آمتى فساقها ".
إذا فهمت ياولدي هذا ؛ فلا يعتبر السالك سالكا في طريقنا إلا إذا جمله الله بكل تلك المعاني ، وأنت تعلم يابني أن أصحاب رسول الله ﴿ ص وآله﴾ كان بينهم المنافق ، والشاك ، والمتردد في دينه ، والمظهر الإيمان لغرض من الأغراض ، وكلهم يرون من رسول الله الميل والتأليف ، مع إعلام الله إياه بحقيقة ما انطوت عليه قلوبهم ، قال ﴿ ص وآله﴾ : " أمرت بمدارة الناس " وقد أمرنا ﴿ ص وآله﴾ أن نحكم بالظاهر والله يتولى السرائر .
فالسالك حقا من منحه الله التسليم وقدر له صحبة المرشد الكامل ، فأفرده بالقصد دون غيره من الخلق، حبا في أن يفوز بمعية رسول الله ﴿ ص وآله﴾ بنيل صحبة أشبه الناس به شوقا إليه عليه الصلاة والسلام ، ويكون في الحقيقة في معية النبي عليه الصلاة والسلام ، بمعنى أنه لا يعتبر للمرشد وجودا فيعظم أمره ونهيه ، وإنما يكون وجوده في معية الحبيب المصطفى ، فيقبل من المرشد ما يعلم أنه من السنة ، ويرد ما لا يفقهه قلبه من القول والعمل ، معتقدا أن السلوك هو العمل بصريح السنة والكتاب ، حتى يمنحه الله تعالى المراقبة أو المشاهدة ، فهو لا ينكر على المرشد الكامل ما لا يفقهه قلبه مما يعتقد أنه حق في مرتبة المرشد ما دام المرشد لا يفعل محرما ولا يقول بضلال.
مثال ذلك : أن المرشد إذا ترك الأسباب أو عمل عملا يقتضي مهانة من تغيير هيئة ، أو فرار إلى الغابات ، أو فارق النساء والمشتهيات ، أو مالت نفسه إلى السماع ، أو زار الملوك والأمراء ، مما حصل للأفراد المرشدين ، فلا يقلده السالك في ذلك ولا ينكر عليه. أما إذا فعل محرما ، أو أمر به ، أو ترك فريضة وجب على السالك مفارقته بسرعة ولو كان المرشد يريد امتحان السالك في طاعته أو يريد امتحانه في يقينه برسول الله ﴿ ص وآله﴾ وعلى السالك في مثل هذه الحال أن يستبين الأمر منه جليا مع التمنع عن الوقوع فيما يأمره به .
أما السالك الذي لا بصيرة له إذا قلد المرشد في عمله المتقدم ، أو سلم له فيما يعلم حرمته فلا يعتبر عندنا فقيرا من فقراء الطريق ، فإن المراد بالسلوك تجاوز عقبة الإلحاد والانتشال من وحلة التوحيد والتخلي عن نظر النفس ونزوعها ، حتى يكون السالك إنسانا مسلما مقبلا على الله بكليته .
وأهم صفات السالك إلى الله تعالى :
1- إيثاره إخوانه على نفسه .
2 - الزهد فيما في أيدي الناس إلا لضرورة مقتضية .
3 - المسارعة إلى أن يكون نافعا لإخوانه بقدر استطاعته .
4 - السمع والطاعة لله ولرسوله ﴿ ص وآله﴾ وللمرشد ما دام آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر .
ومن أخص علاماته :
قبول ما لا يلائم نفسه بانشراح صدر وفرح ، والوقوف عند أدبه مع المرشد مهما أثنى عليه ورفعه ، وعدم الغرور بنفسه ولو أقبل عليه العالم أجمع ، ما دامت شمس المرشد مشرقة في أفقه حتى يبلغ اليقين الحق .
السالك المصاحب للمرشد: لم يبلغ درجة المرشد من العرفان . والمعرفة بها كمال التحقق في العبودية ، وقد ترى بعض السالكين يعمل ما يخالف الشريعة مظهرا أنها من المعرفة ، ولو أن المعرفة تبيح مخالفة الشريعة لكان أولى بذلك الخلفاء الراشدون ، والمرشدون الكاملون ، ومعرفة تبيح مخالفة الشريعة معرفة ولكنها معرفة الشيطان وإلهام ولكنه من إبليس ومخالفة المرشد دليل على الخيبة.
ما هي المعرفة ؟
المعرفة أن تعرف نفسك ، فتعرف بمعرفتها ربك ، وهل المعرفة التي تفقد العبد حقيقته حتى يكون إلها أو مخالفا لأحكام الإله معرفة ؟ هي ظلومية وجهولية ، إنما المعرفة حفظ الأدب في الطلب ، وكشف الحقيقة للحفظ من العطب ، ومتى كان العبد المقهور يصير ربا قادرا ؟
والسالك يقف موقف الأدب مع المرشد فيعادي شهوده إن خالف عبارة المرشد ، ويكره إلهامه إن أخرجه عن الأدب مع المرشد ، وإنما السالك في طريقنا هذا ميت أحياه الله وجعل له نورا يمشي به في الناس من غير شك ولا إلباس ، وإشارات المرشد كأشعة أنوار الشمس تظهر ما حسن ، وما قبح ، فتستبين النفوس الإبليسية من النفوس الملكوتية مع المرشد ، وقد قال الله تعالى : يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ البقرة: ٢٦ .
وللسالك أخلاق روحانية وآداب إحسانية ، فهو في الحقيقة عين المرشد وإن كان مريدا , ومرادا لله تعالى وإن كان بعيدا , فإن السالك ليست له إرادة ولكنه مراد من الأزل .
حفظني الله وإخوتي المؤمنين جميعا من صحبة المضلين ، ومن الإصغاء إلى الجاهلين
وبين لنا كتابه وسنة نبيه بلسان وعمل أفراده المحصنين بحصون أمنه ، إنه مجيب الدعاء.