على عكس ما كان يخطط المخزن عند شنه للحملة الإعلامية والدبلوماسية الأخيرة ضد الجزائر، والتي حاول من خلالها صرف أنظار العالم عن قضية انتهاكاته اليومية لحقوق الشعب الصحراوي على مدار عقود، فقد ساهم تصعيده على مستوى الإعلام والدبلوماسية في إعادة إحياء النقاش حول حقوق الإنسان في الصحراء الغربية على الصعيد العالمي، فقد كشف الصحفي والناشط الأمريكي في مجال حقوق الإنسان “هولي تارن” الأسباب الكامنة خلف التصرف المغربي الأخير، والذي كان مؤشرا على الحرج الكبير الذي تقع فيه الرباط مع أي فضح لتصرفاتها القمعية، مثلما فعلت الجزائر مؤخرا من خلال الرسالة التي بعثها رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إلى القمة التي جرت في العاصمة النيجيرية أبوجا.
وأكد “تارن” عبر مقاله الأخير بصحيفة “الهافينغتون بوست” الأمريكية، أنه لا يوجد سبب مقنع في بقاء الأراضي الصحراوية محتلة فيما تمكنت كل الدول الإفريقية المستعمرة من نيل استقلالها، مشيرا إلى أن العالم تعامل بتساهل “متواطىء” مع المغرب، ولم يضغط عليه من أجل تطبيق قرار الأمم المتحدة الذي يقضي بإجراء استفتاء حر لتقرير المصير. وذكر الكاتب كل من اسبانيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي دعمت الاحتلال المغربي للصحراء الغربية منذ بدايته، وهذا من أجل تحقيق مصالحها المتعددة في المنطقة من خلال جعل المغرب الحليف الأساسي لها فيها، الأمر الذي جعل دور الأمم المتحدة يبدو ضعيفا أمام قوة هذه الدول وتأثيرها مما أسقط كل الجهود من أجل تطبيق القانون الدولي، وأكبر فشل أممي في هذا الموضوع هو العجز عن إصدار قرار لإرسال بعثة مراقبة حقوق الإنسان تاركة الاحتلال المغربي يواصل جرائمه بكل حرية.
واعتبر “هولي تارن” أنه لم يعد من الناحية الأخلاقية السكوت عن الانتهاكات الكبيرة لحقوق الإنسان في الصحراء الغربية مع التقارير المدوية التي تنشرها منظمات حقوق الإنسان العالمية الغير الحكومية، وعلى رأسها “هيومن رايتس ووتش” ، التي كشفت أن المغرب يكتم أنفاس الشعب الصحراوي ويمنعه من التعبير عن آرائه بكل الوسائل، حتى السلمية منها، حيث يتعرض المتظاهرون والمشتبه فيهم إلى الاعتقال التعسفي الذي غالبا ما يتبعه تعذيب والإرغام على الاعتراف بأفعال لم يقوموا بها، وحتى المحاكمات التي يحاول الاحتلال المغربي إظهار نفسه من خلالها أنه يطبق القانون ويحترم إجراءات المحاكمة العادلة، كشفت المنظمة أنها أبعد ما تكون عن العدالة.
أما الجانب الثاني الذي اعتبره الكاتب الأمريكي أنه يمثل الإستراتيجية الثانية التي يلجأ إليها “المخزن” في حربه ضد الشعب الصحراوي والتعتيم على جرائمه إعلاميا لتفادي أي ردة فعل للرأي العام العالمي ضد أفعاله، عبر استعمال آلة دعائية كبيرة، تتمثل أدواتها في الإعلام المغربي، الذي يرتبط بالسلطة ارتباطا وثيقا مع رقابة مشددة على كل ما ينشر ويذاع خشية حصول مبادرات تفضح الجرائم المرتكبة، وكذلك في وسائل الإعلام العالمية الكبرى التي اتهم معظمها بالارتباط مع المخزن في علاقة فساد، راح ضحيتها حقيقة ما يحصل في الصحراء الغربية، والتي يتم التعتيم عليها. وأكد الكاتب أن من أهم الوسائل التي تؤدي إلى حرية الشعب الصحراوي هي كشف الحقيقة حول القمع الذي يتعرض له، كي يعرف العالم ما يحصل هناك ويقوم بمسؤولياته في سبيل إنهاء الاحتلال، والمغرب يعلم مدى خطورة هذه الخطوة ضده، لذلك يتملكه رعب مع أي فضح لجرائمه في المحافل الدولية، وهو ما يفسر إلى حد كبير تصرفه الأخير ضد الجزائر.