(104) وسئل حفظه الله تعالى: عن مذهب السلف في رؤية الله عز وجل؟ وعمن يزعم " أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين"؟
فأجاب قائلاً: يقول : الله عز وجل في القرآن الكريم حين ذكر القيامة: )وجوه يومئذ ناضرة. إلى ربها ناظرة ( (1). فأضاف النظر إلى الوجوه والذي يمكن به النظر في الوجوه العين، ففي الآية دليل على أن الله سبحانه وتعالى يرى بالعين، ولكن رؤيتنا لله عز وجل لا تقتضي الإحاطة به لأن الله تعالى يقول : ) ولا يحيطون به علماً ( (2). فإذا كنا لا يمكن أن نحيط بالله علماً والإحاطة العلمية أوسع وأشمل من الإحاطة البصرية دل ذلك على أنه لا يمكن أن نحيط به إحاطة بصرية ويدل لذلك قوله تعالى: ) لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار ( (3). فالأبصار وإن رأته لا يمكن أن تدركه، فالله عز وجل يرى بالعين رؤية حقيقية، ولكنه لا يدرك بهذه الرؤية، لأنه، عز وجل، أعظم من أن يحاط به، وهذا هو الذي ذهب إليه السلف ويرون أن أكمل نعيم ينعم به الإنسان أن ينظر إلى وجه الله عز وجل ولهذا كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : " أسألك لذة النظر إلى وجهك " . قال : " لذة النظر "، لأن لهذا النظر لذة عظيمة لا يدركها إلا من أدركها بنعمة من الله وفضل منه، وأرجو الله تعالى أن يجعلني وإياكم منهم. هذه هي حقيقة الرؤية التي أجمع عليها السلف.
أما من زعم أن الله لا يرى بالعين وأن الرؤية عبارة عن كمال اليقين فإن قوله هذا باطل مخالف للأدلة ويكذبه الواقع، لأن كمال اليقين موجود في الدنيا أيضاً قال النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير الإحسان: " الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك" . وعبادتك لله كأنك تراه هذا هو كمال اليقين، فدعوى أن النصوص الواردة في الرؤية تعني كمال اليقين، لأن المتيقن يقيناً كاملاً كالذي يشاهد بالعين دعوى باطلة وتحريف للنصوص، وليس بتأويل بل هو تحريف باطل يجب رده على من قال به، والله المستعان.
(105) وسئل الشيخ : هل ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى الله عز وجل فى اليقظة وفي المنام؟
فأجاب بقوله: رؤية الله عز وجل في اليقظة لم تثبت،حتىما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه بعينه. ولا يمكن لأحد أن يرى الله تعالى في الدنيا بعينه يقظة لأن موسى لما قال: ) رب أرني أنظر إليك( (4) قال الله له: ) لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ( (5).
أما في المنام فقد ورد حديث في السنن صححه كثير من الحفاظ أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى ربه في المنام وقد شرح ابن رجب هذا الحديث في رسالة مختصرة فأحيل السائل عليها.
(106) سئل فضيلة الشيخ: عما جاء في شرح لمعة الاعتقاد من قول فضيلته: " رؤية الله في الدنيا مستحيلة". وقد ذكر الشنقيطي رحمه الله أن رؤية الله عز وجل بالأبصار جائزة عقلاً في الدنيا والآخرة، وأما شرعاً فهي جائزة وواقعة في الآخرة، وأما في الدنيا فممنوعة شرعاً. وما نقله النووي عن بعض أهل العلم من أن رؤية الله تعالى في الدنيا جائزة، فنرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟
فأجاب بقوله : ما ذكرته في شرح لمعة الاعتقاد لا ينافي ما ذكره الشيخ الشنقيطي وغيره من أن رؤية الله تعالى في الدنيا ممكنة، فإن قولي: " إنه مستحيل" أي بحسب خبر الله عز وجل بأنه لن يراه، إذ لا يمكن أن يتخلف مدلول خبره تعالى ، وقد جاءت بمثل ذلك السنة ، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتحدث عن الدجال : " واعلموا أنكم لن تروا ربكمحتىتموتوا " . أخرجه مسلم.
ثم اعلم أن المستحيل في حق الله تعالى نوعان:
أحدهما: مستحيل لكونه لا يليق بجلاله كالجهل والعجز ونحوهما، فهذا لا يمكن لمن عرف الله تعالى وقدره حق قدره أن يخطر بباله جوازه أو ينطق لسانه بسؤاله.
الثاني: مستحيل بالنسبة لغيره لكمال صفات الله تعالى، كرؤية الإنسان ربه في الدنيا، فإن هذا مستحيل لكون البشر لا يطيق أن يرى الله تعالى في الدنيا لنقص حياة البشر حينئذ. ولذلك تكون الرؤية ممكنة يوم القيامة لأن حياة البشر حينذاك أكمل.
وعلى كل حال فقد دلت النصوص وإجماع السلف على أن الله تعالى لم يره أحد في الدنيا يقظة، وإن كان قد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما ما ظاهره أن نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم رأى الله تعالى، فالله أعلم.
(1) سورة القيامة، الآيتان " 22-23 " .
(2) سورة طه، الآية " 110 " .
(3) سورة الأنعام، الآية " 103 " .
(4) سورة الأعراف، الآية " 143 " .
(5) سورة الأعراف، الآية " 143 ".