حدثنا عباس النموشي قال : أرسلتْ في طلبي زوجتي ، و أنا بمكتبي أرتب خزانتي و أعد مخطط عملي في ساعتي ، فتطيرتُ للأمر و قلت : اللهم اجعله فيه الخير ، و لمّا وصلت ، على بابي طرقت ، وجدتها واقفة تنتظر ، كأنها لبؤة تزمجر ، و القلق باد على وجها ، و قد نفث شعرها ، واضعة يديها في خصرها ، و رائحة البصل و التوابل تفوح منها ، فاستعذت بالله من منظرها ، و من ريحها ، وقلت لها : هات من الآخر ، و لا تطيلين عليّ بكلامك الساخر ، وراحت تطلب حاجتها ، التي أرسلت لي من أجلها ، و أكدت عليّ ، أن الأمر جليّ ، و قالت : إن أمي زارتني منذ قليل ، و كما تعلم ما أصابني من مرض عليل ، و قد أوصيتها من قبل في هذا القبيل ، على دواء أعشاب فيه الشفاء ، من هذا السقم و الابتلاء ، و كانت أشارت عليّ بطبيب أعشاب حذق ، ذاع صيته و قوله الحق . فأمرتني زوجتي بالذهاب إليه في الحين ، ليصف لي الوصفة بالتبيين ، فما كان مني إلا أن أطلقت ساقيّ للريح ، و من صخبها أستريح ، و سرت أبحث عنه من مكان إلى مكان ، و لي عنه كل البيان ، حتى دلوني عليه ، و أسرعت في الدخول إليه ، فوجدته منكبا على كتاب ، كأن على رأسه الطير أو السحاب ، و لما هممت بالسلام عليه ، فاجأني الغلام خادمه ، و قالي لي : خذ ورقة الإنتظار ، و ارقب دورك حتى آخر النهار ، ثم أدخلي إلى قاعة مليئة بالزوار ، فيها الصغار و الكبار ، كأن الفرد منهم على موقد نار ، و أنا على مضض ، من سوء تضييعي للسنة و الفرض ، لاعنا زوجتي و ما أصابها من مرض ، فلما حان دوري دخلت على صاحبنا أجري ، فخاطبني وهو منشغل بالكتاب ، و قال : أجزل في الخطاب ، و لا تطل علينا في الأسباب ، فقلت : يا سيدي أنت أملي في الدواء و منجدي ، إن لي زوجة دوما تستجدي ، في العلاج و بروحها تفتدي ، فقد أصابها مرض بسيط ، و أحالته كاليم المحيط ، هي دوما تشتكي من الوجع ، و قلبت حالي فجعا على فجع ، فصرت أتمنى الرحيل و الهرب منها مع أول نجع ، إنها والله تشتكي من ألم في الركبة ، وصار لي أنا بمثابة النكبة ، و عندها عرق اللسا ، و علة النساء ، فبالله عليك أرحني منها ، و لك ما تطلب وسأفتديك ، بكل ما تريد و أنا بين يديك ، فقال لي : عليك بروث البهائم ، وخرق العمائم ، و جلد التمائم ، و غبار الهباء ، و كوز ماء ، و ريش ببغاء ، و جلد عظاية ، و تراب الثنايا ، و شمع الزوايا ، و بساط الملوك ، و درع المملوك ، و إبر الشوك ، يجمع و يدق في هرّاس على زوج متراس ، و يوضع في كاغد فاس ، و يخلط كله بريق الثيران ، و ماء وادي غيسران ، و عسل القيروان ، ثم تتركه يجف ثلاثة أيام ، و تخرج و الناس نيام ، لتحرقه أمام حائط الجيران ، عندها ستبرأ بإذن الله ، و لن تفغر بعدها الفاه ، فقلت : بالله عليك يا سيدي ، كيف لي بجمع هذه الوصفة عندي ، أ من فاس إلى القيروان ، و أعشاب تصيب المرء بالهذيان ، و الله إن هذا لأمر عصيب ، و في طلبك شيء مريب ، و قولك عجيب ، إكشف لي عن وجهك ، لعلي أعرفك ، و ما إن رفع رأسه ، ونحى البرقع عنه ، حتى عرفته ، فما وجدته والله إلا شيخنا أبو عبد الرحمن الموسوي ، فقلت : أي قدر رماك بحرفة العطارة ، أعشّاب أنت أم صاحب مزارة ؟ من العجم أنت أم من فزارة ؟ فأنشأ يقول :
بسط المـولى الأرض ****** و جعل للــناس أرزاقا
تراني للدينـار أجري ****** و أغيّــر الســم ترياقا
هو مهجتي ما حييت ****** لـــن أبغــي لـــه إنفاقا
حتى لو دفنـت أرضا ****** أو ووريـت بـه أنفاقا
و إن جفـاني الدرهم ****** ما حييت بعــده إشفاقا
و لا تطـل معـي قولا ****** ولـك إن تبغــي فراقا
فخرجت و أنا في حيرة من أمري ، كيف لشيخنا السمح البدري ، أن يصدر منه هذا الجفاء و الكدر ، و ما حيلتي أمام زوجتي فلست و الله أدري .