فتاوى مهمّة حول مال المرأة
د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان
السؤال الأول:
إذا كانت المرأة مقتدرة ماديّاً أو غنيّة هل يعفى الزوج من مسؤوليّاته تجاهها وتجاه بيته وأولاده ؟
الجواب:
نفقة الزوجة واجبة على زوجها، وهي حقّ من آكد حقوقها عليه، فيلزمه توفير كلّ ما تحتاج إليه من طعام، وكساء، ودواء، ومأوى، وأدوات تنظيف، ومتاع بيت، ونحو ذلك ممّا تحتاجه المرأة وجرت به العادة وتعارف عليه الناس.
والنفقة لازمة للزوج على كلّ حال، سواء كان موسراً أو معسراً، وسواء كانت زوجته غنيّة أو فقيرة؛ لأنّ نفقته عليها من باب المعاوضة، فهي محبوسة عليه لمصلحته ومصلحة بيته وعياله، فتجب عليه نفقتها ولو كانت تملك الملايين.
وهذا من أهمّ الفروق بين نفقة الزوجات، ونفقة القرابة كالوالدين والأولاد وغيرهم، لأنّ النفقة عليهم من باب الإحسان والمواساة، فيشترط لوجوب النفقة لهم أن يكون المنفِق غنيّاً قادراً على الإنفاق، وأن يكونوا فقراء لا مال لهم ولا كسب يستغنون به، فإن كان أحدهم موسراً أو قادراً على التكسّب فلا نفقة له، لأنّها تجب له على سبيل المواساة، والموسر مستغنٍ عن المواساة.
أمّا الزوجة فتجب لها النفقة مطلقاً، موسرة كانت أو معسرة، لأنّ وجوب تلك النفقة ليس لوجود الحاجة، وإنّما على سبيل المعاوضة، فيستوي فيها المعسرة والموسرة، كالمهر.
وقد دلّ على ذلك الكتاب والسنّة والإجماع والمعقول. قال الله ـ تعالى - (الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم) فدلّت الآية على وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وأنّ إلزامه بهذا الواجب من أسباب جعل القوامة له عليها وقال ـ عزّ وجلّ - ( لينفق ذوسعة من سعته، ومن قدر عليه رزقه فلينفق ممّا آتاه الله لايكلّف الله نفساً إلا ماآتاها )
وقد جاءت هذه الآية في سياق أحكام الزوجات، والخطاب فيها للأزواج، أن ينفقوا على زوجاتهم بقدر استطاعتهم، والأمر للوجوب.
قال القرطبيّ في الآية:" أي: لينفق الزوج على زوجته، وعلى ولده الصغير على قدر وسعه، حتى يوسع عليهما إذا كان موسّعاً عليه. ومن كان فقيراً فعلى قدر ذلك "
وقال - عزّ وجلّ -: ( والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين لمن أراد أن يتمّ الرضاعة وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف لاتكلّف نفس إلا وسعها )
فالضمير في قوله: ( رزقهنّ وكسوتهنّ ) راجع إلى الوالدات المذكورات في أوّل الآية، فدلّت الآية على أنّه يجب على والد الطفل نفقة الوالدات وكسوتهنّ بالمعروف.
وعن عائشة - رضي الله عنها - قالت:" دخلت هند بنت عتبة، امرأة أبي سفيان على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم -، فقالت: يارسول الله، إنّ أبا سفيان رجل شحيح، لايعطيني من النفقة مايكفيني، ويكفي بنيّ، إلا ماأخذت من ماله بغير علمه، فهل عليّ في ذلك من جناح؟ فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - " خذي من ماله بالمعروف، ما يكفيك ويكفي بنيك "[1]
فهذا الحديث صريح في وجوب نفقة الزوجة على زوجها، وأنّ ذلك مقدّر بكفايتها، ولو لم تكن نفقتها واجبة عليه، لم يأذن لها بالأخذ من ماله بغير إذنه.
إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث، وهي كثيرة. وعلى ذلك أجمعت الأمّة، قال ابن قدامة: " اتفق أهل العلم على وجوب نفقات الزوجات على أزواجهنّ، إذا كانوا بالغين، إلا الناشز منهنّ. "[2]
كما يدلّ على ذلك: المعقول الصحيح، حيث إنّ المرأة محبوسة على زوجها، لمنفعته ورعاية حقّه. فكانت نفقتها عليه، لأنّ نفع حبسها عائد إليه.
فالنفقة جزاء الاحتباس. وكلّ من كان محبوساً لمنفعة تعود إلى غيره، كانت نفقته عليه. وذلك كالوالي والقاضي والمفتي، والمضارب، والعامل على الصدقات، ونحوهم.
ولهذا فلا يجوز للزوج الامتناع عن النفقة أو المماطلة فيها، وقد بيّن النبيّ - صلّى الله عليه وسلّم – إثم من يفعل ذلك فقال: " كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يعول "[3] "" كفى بالمرء إثماً أن يحبس عمن يملك قوته "[4] والمعنى : يكفيه من الإثم أن يضيع من يلزمه قوته من الزوجات والأقارب.
ولم يكتف الإسلام بتحريم منع النفقة الواجبة، بل ألزم مانعها بدفعها لمستحقّيها، ولو أدّى ذلك إلى حبسه، أو أخذ النفقة من ماله كرهاً.
فقد قال العلماء: إذا امتنع شخص من دفع النفقة الواجبة عليه، رُفع أمره إلى الحاكم، فيأمره بالإنفاق، ويجبره عليه، فإن أبى حَبَسه، وضربه، فإن لم يُجد ذلك معه، أخذ الحاكم النفقة من ماله ودفعها لمستحقّها من الزوجات أو القرابات. وهذه قاعدة عامّة في كلّ من امتنع من أداء حقّ واجب عليه، مع قدرته على أدائه.
فإن كان الزوج فقيراً عاجزاً عن النفقة، فيحقّ للزوجة رفع أمرها إلى القاضي لكي يفسخها منه.
////////////////////////////////////////////////////
السؤال الثاني:
كون المرأة موظّفة " تخرج من بيتها لأجل الوظيفة " هل هذا مسوغ للزوج لطلب الزوجة وإلزامها بالصرف على البيت والأولاد أو إعطائه مبلغاً من المال؟
الجواب :
نفقة الزوجة واجبة على زوجها ـ كما سبق ـ سواء كانت غنيّة أو فقيرة، وسواء كان زوجها موسراً أو معسراً؛ لأنّها محبوسة على مصلحته ومصلحة بيته وعياله.
فإن كانت تخرج للعمل، فإنّ خروجها يترتّب عليه إهمال شيء من مصالح زوجها والقيام بشؤون بيته، كما أنّ ذلك قد يضطره لإحضار خادمة أو حاضنة يلتزم بدفع تكاليف إحضارها ورواتبها، بالإضافة إلى المصاريف المترتّبة على إيصالها لمقرّ عملها وإرجاعها إلى بيتها.
فهذه نفقات كثيرة لم تكن لازمة للزوج لو أنّ زوجته تفرّغت لشؤون زوجها وبيتها، ولم تخرج للوظيفة، ولهذا فإنّ الواجب على الزوجة أن تراعي ذلك، وتحرص على التفاهم مع زوجها، وألا يكون راتبها سبباً لحصول الشقاق بينها وبينه، وأن يسود بينهما التعاون والتسامح، كما لا يجوز لها الإدلال عليه بما تعطيه، والتمنّن عليه، وكثرة التمدّح به. ولو أنّ زوجها استعف عن راتبها، واستغنى عنها، ولم يأخذ منها شيئاً، أو يكلّفها بشيء من مصاريف البيت، لكان ذلك أفضل، وهو من حسن المعاشرة وكرم الطبع.
فإن لم يتّفقا ويتراضيا، واختلفا ولم يتطاوعا، فللزوج مطالبة زوجته بمقدار ما يتحمّله من تكاليف لإيصالها لعملها وإرجاعها منه، وما يقابل خروجها من تكاليف الخادمة ورواتبها، كما أنّ له منع زوجته من الخروج للعمل، إلا إذا كانت اشترطت عليه بقاءها في عملها واحتفاظها براتبها، فيلزمه الوفاء بشرطها، ولا يستحقّ من راتبها شيئاً إلا ما أعطته إياه برضاها وطيبة من نفسها.
////////////////////////////////////////////////////
السؤال الثالث:
إذا اشترطت الزوجة عند القران بقاءها في وظيفتها واحتفاظها برواتبها، ولكن بعد الزواج صار الزوج يضيّق عليها الخناق لتشارك في مصروفات البيت، فإذا أبت هدّدها بالطلاق .. هل يجوز له ذلك؟
الجواب :
يقول النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : " إنّ أحقّ الشروط أن توفوا بها ما استحللتم به الفروج "[5]، ويقول عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : "مقاطع الحقوق عند معاقد الشروط"
فإذا اشترطت عليه حين العقد بقاءها في وظيفتها، واحتفاظها برواتبها، ورضي بذلك، وجب عليه الوفاء بهذا الشرط ، ولم يجز له مضايقتها أو تهديدها بالطلاق ليحملها على ترك وظيفتها، أو أن تعطيه شيئاً من مالها بغير طيبة من نفسها.
أمّا إن رضيت أن تعطيه راتبها أو شيئاً منه من دون إكراهها على ذلك جاز له أخذه، لقوله تعالى: }فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً { ولقول النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ : " لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفس منه "[6]
لكنّه مع ذلك ينبغي للزوجة إذا رأت زوجها بحاجة إلى شيء من مالها ألا تبخل عليه بما يحتاجه ولا يضرّ بها؛ لأنّ هذا من حسن المعاشرة بين الزوجين، ومن أسباب حصول الوئام والوفاق بينهما، وبه يشعر الزوج بإخلاص زوجته ومحبّتها له، ومشاركتها له في آماله وآلامه، كما أنّ الزوج أحقّ بصدقتها إذا كان محتاجاً من الأجانب، لما ثبت في الصحيحين عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه وعنها ـ قالت:" قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- " تصدقن يا معشر النساء ولو من حليكنّ " قالت فرجعت إلى عبد الله فقلت إنّك رجل خفيف ذات اليد، وإنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- قد أمرنا بالصدقة، فأته فاسأله، فإن كان ذلك يجزي عني وإلا صرفتها إلى غيركم، قالت فقال لي عبد الله بل ائتيه أنت، قالت فانطلقت، فإذا امرأة من الأنصار بباب رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- حاجتي حاجتها، قالت وكان رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- قد ألقيت عليه المهابة، قالت فخرج علينا بلال، فقلنا له ائت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- فأخبره أنّ امرأتين بالباب تسألانك أتجزي الصدقة عنهما على أزواجهما وعلى أيتام في حجورهما؟ ولا تخبره من نحن. قالت فدخل بلال على رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- فسأله فقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: من هما؟ فقال: امرأة من الأنصار وزينب. فقال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم-: أي الزيانب؟ قال: امرأة عبد الله. فقال له رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-:" لهما أجران أجر القرابة وأجر الصدقة ".
////////////////////////////////////////////////////
السؤال الرابع:
قد تقع بين بعض الأزواج مشكلات بسبب الديون، فالرجل يطلب مشافهة من الزوجة ديناً وتعطيه إياه، وفيما بعد يرفض إعادته أو ينكره، فما الآداب الشرعيّة الواجب مراعاتها عندما يريد الزوج أن يستلف من زوجته؟
الجواب :
لمّا كانت الديون عرضة للنسيان أو التجاحد أو الضياع بسبب الموت وعدم التوثيق شرع الله –تعالى- لتوثيقها وحفظها أموراً عديدة منها ما يأتي:
1ـ الكتابة، كما قال تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه وليكتب بينكم كاتب بالعدل ) إلى قوله( ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا)
فينبغي للزوجين إذا حصل بينهما مداينة أو قرض أن يوثّقا ذلك بالكتابة ويشهدا عليه ويوقّعاه، والإنسان لا يدري ما يعرض له، فقد يموت أو ينسى، فيضيع حقّ الدائن وتبقى ذمّته مشغولة بهذا الدين.
2ـ الشهادة، كما قال –تعالى- في آية المداينة السابقة: ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضلّ إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى )، وينبغي الجمع بين الكتابة والإشهاد، زيادة في التوثيق، ولأنّ الشاهد قد ينسى أو يموت، ولهذا أمر الله بهما معاً في هذه الآية، حيث قال عقب الأمر بالإشهاد: ( ولا يأب الشهداء إذا مادعوا ولا تسأموا أن تكتبوه صغيراً أو كبيراً إلى أجله ذلكم أقسط عند الله وأقوم للشهادة وأدنى ألا ترتابوا إلا أن تكون تجارة حاضرة تديرونا بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها وأشهدوا إذا تبايعتم ولا يضار كاتب ولا شهيد ...)
3ـ الرهن ، كما قال تعالى: ( وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتباً فرهان مقبوضة [7]) فتطلب منه أن يرهنها سيارته، أو بيته، أو أرضاً له، أو غير ذلك مما له قيمة، بحيث تستوفي حقّها من قيمته إذا امتنع عن السداد أو عجز عنه.
ولا يجوز للزوج أن يتساهل في الدين الذي عليه لزوجته أو غيرها، فقد أخبر النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- :" أنّ الشهيد تغفر له ذنوبه عند أول قطرة من دمه إلا الدين "[8] وكان ـ عليه الصلاة والسلام ـ إذا قدمت له جنازة ليصلي عليها سأل هل عليه دين؟ فإن قيل نعم، امتنع من الصلاة عليه وقال: " صلوا على صاحبكم "[9]
فإن كان عازماً حين أخذه على إنكاره وجحده؛ فإن ذلك أعظم إثماً وأشد جرماً، لأنّه خيانة للأمانة، وغشّ للرعية، وأكل للمال بالباطل، وهو سبب لإتلاف ماله وبدنه، وهدم صحّته وعافيته، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم- :" من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدّى الله عنه، ومن أخذ أموال الناس يريد إتلافها أتلفه الله "[10]
قال ابن حجر:" نطق الحديث بأنّ الله يؤدي عنه، إمّا بأن يفتح عليه في الدنيا، وإمّا بأن يتكفّل عنه في الآخرة. وقوله " أتلفه الله " ظاهره أنّ الإتلاف يقع له في الدنيا، وذلك في معاشه أو في نفسه، وهو علم من أعلام النبوّة لما نراه بالمشاهدة ممّن يتعاطى شيئاً من الأمرين، وقيل: المراد بالإتلاف عذاب الآخرة ".
د. عبدالعزيز بن فوزان الفوزان
------------------------------------------------
[1]متفق عليه)
[2] ذكره ابن المنذر وغيره
[3] (رواه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم والذهبي)
[4] (رواه مسلم)
[5] (متفق عليه)
[6] (رواه البيهقي والدارقطني وأبو يعلى)
[7] (البقرة/ 283)
[8] (رواه مسلم)
[9] (الحديث في الصحيحين وغيرهما)
[10] (رواه البخاري)
المهر حق للمرأة لا يجوز لأبيها ولا لغيره أن يأخذه إلا إذا طابت نفسها بذلك وعن أبي صالح : كان الرجل إذ زوج بنته أخذ صداقها دونها فنهاهم الله عن ذلك ونزل وآتوا النساء صدقاتهن نحلة . تفسير ابن كثير
وقال تعالى : ( وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا(20) وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا(21) سورة النساء
قال ابن كثير رحمه الله : أي إذا أراد أحدكم أن يُفارق امرأة ويستبدل مكانها غيرها فلا يأخذَنَّ مما كان أصدق الأولى شيئا ولو كان قنطارا من مال ( أي : المال الكثير ) .. فالصّداق في مقابلة البُضع ( أي بما استحلّ من فرجها ) ولهذا قال تعالى : ( وكيف تأخذونه وقد أفضى بعضكم إلى بعض ) .والميثاق الغليظ هو العقد .
...
وللتوضيح عن مال الزوجـة وحقها فيه وما لها ما عليها ..
السؤال:
هل يجب على المسلم أن يرسل زوجته للحج إذا كان يملك من المال ما يكفي لذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجب على الزوج أن يتحمل عن زوجته نفقة الحج ولو كان غنياً ، وإنما ذلك مستحب يؤجر عليه ولا يأثم بتركه .
إذ لم يوجب ذلك كتاب ولا سنة ، والزوجة جعل الإسلام لها المهر حقّاً خالصاً لها ، وأباح لها التصرف في مالها .
وإنما أوجب الشرع على الزوج أن ينفق على زوجته بالمعروف ، ولم يوجب عليه قضاء ديْنها ، ولا دفع الزكاة عنها ، ولا دفع ما تتكلفه في الحج وغيره .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين : هل يؤجر الزوج إذا وكل من يحج عن زوجته وقد توفيت ولم تحج …….. ؟ .
فقال : الأفضل أن يقوم هو بالحج عنها من أجل أن يقوم بالنسك على الوجه الأكمل الذي يحب ….. ثم قال : أما الوجوب فلا يجب عليه .
" اللقاء الشهري " ( 34 ) رقم السؤال ( 579 ) .
فما دام أنه لا يجب القضاء عنها بعد موتها فكذلك لا يجب عليه حجها في حياتها .
هذا من حيث الوجوب ، أما من حيث البر بها والعشرة بالمعروف : فإنه إن فعل فإن الله لا يضيع أجر المحسنين ، ويكتب الله تعالى له أجر حجها .
وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أنه يجب على الزوج نفقة زوجته في حالة أن يتعمد إفساد حجها كمن أكرهها على الجماع قبل التحلل الأول – مثلاً - .
قال الشيخ عبد الكريم زيدان :
وليس من حقوق الزوجة على زوجها أن يتحمل نفقة حجها ، أو يشاركها في هذه النفقة .
" المفصل في أحكام المرأة " ( 2 / 177 ) .
وقد سئل الشيخ الألباني رحمه الله عن هذه المسألة بعينها فأجاب : أنه لا يجب على الزوج دفع نفقات حج زوجته . هذا بالنسبة للرجل أما المرأة فإن كان عندها من الأموال ما يكفيها للحج وجب عليها الحج ، وإن لم يكن عندها لم يجب عليها الحج .
والله أعلم .
....
ونأتي للسؤال الثاني :
السؤال:
أريد أن أساعد أهلي أبي وأمي وإخوتي بالمال ، فأنا أعمل وعندي أموال كثيرة والحمد لله وأستطيع أن أساعدهم ، ولكن زوجي يمنعني من ذلك بشدة ، فماذا أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إذا كان أهلك فقراء (أبوك وأمك وإخوتك) وتستطيعين أن تنفقي عليهم فيجب عليك ذلك ، ولا يجوز لك أن تطيعي زوجك في ترك النفقة عليهم .
انظر السؤال رقم (44995) .
ثانياً :
إذا كانت نفقتك على أهلك من باب التبرع أي أنهم غير محتاجين لهذه الأموال منك وإنما تريدين أنت الإحسان إليهم وصلتهم بهذه الأموال ، فقد اختلف أهل العلم في حكم تبرع المرأة بشيء من مالها بدون إذن زوجها .
فذهب جمهور العلماء إلى أنه لا تمنع الزوجة من التبرع من مالها ، فلها أن تتصرف فيه كما شاءت دون إذن زوجها . واستدلوا بعدة أدلة ، منها :
1- ما ثبت أَنَّ أم المؤمنين مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَعْتَقَتْ وَلِيدَةً (أي جارية) وَلَمْ تَسْتَأْذِنْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُهَا الَّذِي يَدُورُ عَلَيْهَا فِيهِ قَالَتْ : أَشَعَرْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنِّي أَعْتَقْتُ وَلِيدَتِي ؟ قَالَ : أَوَفَعَلْتِ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ. قَالَ : أَمَا إِنَّكِ لَوْ أَعْطَيْتِهَا أَخْوَالَكِ كَانَ أَعْظَمَ لأَجْرِكِ . رواه البخاري (2592) ومسلم (999) .
قال النووي :
فِيهِ : جَوَاز تَبَرُّع الْمَرْأَة بِمَالِهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا اهـ .
2- وروى البخاري (978) ومسلم (885)
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهُوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلالٍ وَبِلالٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ . وفي رواية : ( قَالَ : فَجَعَلْنَ يَتَصَدَّقْنَ مِنْ حُلِيِّهِنَّ ) .
قال الحافظ :
فِي هَذَا الْحَدِيث صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا اهـ .
وقال النووي :
فِي هَذَا الْحَدِيث جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة مِنْ مَالهَا بِغَيْرِ إِذْن زَوْجهَا وَلا يَتَوَقَّف ذَلِكَ عَلَى ثُلُث مَالهَا , هَذَا مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور
وَقَالَ مَالِك : لا يَجُوز الزِّيَادَة عَلَى ثُلُث مَالهَا إِلا بِرِضَاءِ زَوْجهَا . وَدَلِيلنَا مِنْ الْحَدِيث أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْأَلهُنَّ أَسْتَأْذَنَّ أَزْوَاجهنَّ فِي ذَلِكَ أَمْ لا ؟ وَهَلْ هُوَ خَارِج مِنْ الثُّلُث أَمْ لا ؟ وَلَوْ اِخْتَلَفَ الْحُكْم بِذَلِكَ لَسَأَلَ اهـ .
وذهب بعض العلماء إلى أن الزوجة لا تتبرع بشيء من مالها إلا بإذن زوجها واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم :
( لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها ) رواه الإمام أحمد في مسنده (6643) وأبو داود (3547) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وحمل جمهور العلماء هذا الحديث إما على السفيهة التي لا تحسن التصرف في المال ، أو أن استئذان المرأة زوجها في ذلك على سبيل الاستحباب لا الوجوب وهو من حسن العشرة .
قَالَ الْخَطَّابِيُّ :
عِنْد أَكْثَرِ الْفُقَهَاء هَذَا عَلَى مَعْنَى حُسْن الْعِشْرَة وَاسْتِطَابَة نَفْس الزَّوْج بِذَلِكَ , إِلا أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي غَيْر الرَّشِيدَة . وَقَدْ ثَبَتَ عَنْ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلنِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ , فَجَعَلَتْ الْمَرْأَة تُلْقِي الْقُرْط وَالْخَاتَم وَبِلال يَتَلَقَّاهَا بِكِسَائِهِ , وَهَذِهِ عَطِيَّة بِغَيْرِ إِذْن أَزْوَاجهنَّ اهـ .
وقال الشوكاني في "نيل الأوطار" (3/414) :
"وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي عطية من مالها بغير إذن زوجها ، ولو كانت رشيدة . وقد اختلف في ذلك ، فقال الليث : لا يجوز ذلك مطلقا ، لا في الثلث ولا فيما دونه ، إلا في الشيء التافه ، وقال طاوس ومالك : إنه يجوز لها أن تعطي مالها بغير إذنه في الثلث ، لا فيما فوقه ، فلا يجوز إلا بإذنه ، وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير إذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة ، فإن كانت سفيهة لم يجز . قال في الفتح : وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة" اهـ .
وعلى هذا فلا تمنع المرأة من التصدق بشيء من مالها ولو لم يرض زوجها .
والأحسن في هذا أن تستأذنه تطييبا لخاطره ، ودفعا لما قد يحدث في نفسه من كراهة لتصرف زوجته ، وعليه أن يأذن لها ولا يكون مانعاً لزوجته من فعل الخير والإحسان إلى الناس .
والله تعالى أعلم .
انظر السؤال رقم (21684) .