السلام عليكم أرجو أن أفيدك في مانقلت لك ولكن أكمل قراءته حتى الأخير علك تستفيد عذرا على الإطالة
الإمام البخاري رحمه الله تعالى: (باب) الحياء من الإيمان.
عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر على رجل من الأنصار وهو يعظ أخاه في الحياء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: دعه فإن الحياء من الإيمان) (1) .
معنى الحديث: أن الرسول صلى الله عليه وسلم مرّ على رجل يؤنب أخاه في الحياء، ويقول: قد أضر بك الحياء، وقد استحييت حتى تركت حقوقك، وتركت ما ينبغي لك، وقد بالغت في الحياء كثيراً.
وهو قد يُفْهم على وجه آخر خاطئ، أي: أنه يعظه ليستحيي، أي يقول له: استحي من الله عزّ وجل.
وهذا فهم مقلوب، بل الفهم الذي صَرّح به أهل العلم أنه يقول: إنك أصبحت تستحي حتى أضر بك الحياء.
والإمام البخاري رحمه الله، أتى بهذا الحديث ليدلك على أن أعمال القلوب تدخل في مسمى الإيمان.
فهو يشن حرباً ضروساً على المرجئة الذين أخرجوا ذلك من الإيمان.
أما شرح الحديث فأقول: الحياء قسمان:
1- قسم ممدوح.
2- وقسم مذموم.
فأما الممدوح فهو ما حملك على الجميل من الأقوال والأفعال والأعمال، وما ردك عن المنكر.
لأن بعض الناس يحمله إيمانه وحياؤه، ألا يخل بالفريضة حياء من الله عزّ وجلّ.
وبعضهم يستحي من الله، ثم من الناس أن يخل بالسنن، كالنوافل وكالسنن الرواتب.
وبعض الناس يرتقي فيه إيمانه إلى أن يستحي من الله عزّ وجلّ، ثم من الناس، بعد أداء الفرائض والنوافل، فيحافظ على آداب المروءة.
فلا تراه مثلاً يأكل واقفاً في السوق، ولا يمازح الناس في السوق، ولا يأكل وهو يمشي، ولا يرفع صوته ولا يمزح بمزح لا يليق بالمسلم، فهذا حياء، ولو أنه ليس بواجب عليه؛ لكنه من الفضائل.
أما الحياء المذموم: فإنه ما رد صاحبه عن الخير كالعلم وجلسات الصالحين.
يقول مجاهد رحمه الله: لا يَطلبُ العلم مستحٍ ولا مستكبر.
[كان علي بن الحسين زين العابدين رضي الله عنه وأرضاه يأتي إلى زيد بن أسلم وهو مولى، فيجلس بين يديه يطلب العلم دون حياء.
فقال له التابعون: يا علي ! كيف تجلس إلى هذا المولى وأنت سيد من السادات؟
قال: السيد: من اتقى الله، وإنما يجلس الإنسان إلى من يستفيد منه أو يفيده] .
والحياء المذموم، كذلك: إذا منعك من الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فهذا قد يأثم بسبب ذلك.
أما تعريفات الحياء عند أهل السنة والجماعة ، فهي تعريفات كثيرة، أبسط بعضها وبعضها أتركه اختصاراً.
قيل: الحياء: أن تذكر الذل والانكسار من عدم القيام بالحق، وتذكر آلاء الله سبحانه وتعالى عليك فتقول: من أنا حتى أعْطي هذا.
ولذلك يؤثر أن رجلاً أتى إلى مالك بن دينار رحمه الله، فقال: [يا مالك إنني تبت من المعاصي إلا معصية واحدة؟
قال: وما هي؟
قال: كبيرة من الكبائر.
قال: تب إلى الله واتركها.
قال: لا أستطيع.
قال: حاول.
قال: لا أستطيع.
قال: فسوف أعرض عليك أموراً.
قال: وما هي؟
قال: إذا أردت أن تفعل هذه المعصية، فلا تعص الله في أرضه سبحانه وتعالى.
فقال العاصي: إلى أين أخرج؟
الأرض أرض الله سبحانه وتعالى.
فقال: كيف تعصي الله على أرضه تبارك وتعالى، أيدخلك داره ثم تعصيه في داره؟
قال: ولا تأكل من طعامه، ولا من شرابه ولا من رزقه.
قال: ومن أين آكل وأشرب، والأكل من رزق الله، والشراب من رزقه سبحانه وتعالى؟
قال: كيف تستعين بنعمه على معاصيه؟
قال: وإذا عصيته فلا تلقاه يوم القيامة.
فقال: لا أستطيع.
ثم قال: وإذا أردت أن تعصيه، فاختبئ في مكان لا يراك فيه.
فقال الرجل: أشهد أن لا إله إلا الله، وأتوب إلى الله].
فتَذّكر الآلاء يجلب الحياء.
وقالوا: هو انقباض النفس خشية المكروه.
فبعض الناس يترك أعمال الشر لا ديناً منه، ولكن حياءً من الناس وهذا محمود، ولو أن من تركها مخافة من الله أحمد منه وأفضل.
ولذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) (1) .
قال أهل العلم: حديث (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) يُحْمل على معنيين:
1- أي إذا لم تستح من الله عزّ وجلّ وتخجل من مراقبته، فما عليك أن تفعل الأشياء المخجلة؛ لأنك ميت القلب.
2- أو إذا لم تستح من الشيء وعلمتَ أنه حلال وأنه مباح فافعله، فإنه لا حرج عليك، أما الأمر الذي يُستحيا منه فلا تفعله.
وقيل في تعريف الحياء أنه: حفظ الجميل بترك القبيح.
وقيل: بل الحياء مراقبة القهار مخافة من النار وبعداً عن العار.
فإن لم يراقب الواحد القهار فهو لا يستحي منه سبحانه.
فإن لم يفعل ذلك فعليه أن يخاف من النار.
فإن لم يخف من النار، فليحذر من العار في الدنيا؛ لأن المعاصي تُكسب صاحبها ذلة ووصمة لا يعلمها إلا الله.
ولذلك يقول سعيد بن المسيب رضي الله عنه وأرضاه: [الناس في كنف الله وفي ستر الله، فإذا شاء أن يفضح أحدهم أخرجه من كنفه ومن ستره].
والمفضوح: من فضحه الله وهو الذي يُصَاب بالخذلان لعدم إخلاص القصد والتوجه إلى الله عزّ وجلّ، نسأل الله العافية.
حياء الرسول صلى الله عليه وسلم:
والرسول صلى الله عليه وسلم هو قدوتنا وأسوتنا، وقد جاء بالحياء المحمود في أحواله وأقواله وأفعاله.
فواجب علينا: أن نحذوا حذوه كما قال سبحانه: ((لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)).
يقول أبو سعيد رضي الله عنه: (كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها) (1) .
ولا يظن بعض الناس أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد يرى منكراً، أو يرى حقاً لله يضيع فيستحي ويحجم عن النهي.
لا... فالرسول صلى الله عليه وسلم إذا رأى حدود الله تنتهك غضب غضباً، لا يقوم له أحد صلى الله عليه وسلم.
لكن حياءه صلى الله عليه وسلم، هو: الحياء المحمود الممدوح، فمثلاً يستحي أن يذكر بعض الألفاظ الصريحة في أمورٍ يتحدث فيها الناس دون أن يحسبوا لكلماتهم وزناً، كأمور الجماع وقضاء الحاجة ونحو ذلك، فلذلك كانت ألفاظه شريفة منتقاة.
وكان صلى الله عليه وسلم ينكس رأسه بعد الصلاة، ولا ينظر كثيراً إلى أصحابه وربما نظر إلى بعضهم.
قال البراء بن عازب رضي الله عنه: [كنا نصلي على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم لعله أن ينظر إلينا، فيبتسم إلينا ونبتسم إليه].
ويقول أنس : [كان صلى الله عليه وسلم يبقى في بيته إلى قرب إقامة صلاة العشاء] أو كما قال.
فهو لا يخرج صلى الله عليه وسلم إلا وقت الإقامة، فإذا اجتمع الناس خرج صلى الله عليه وسلم.
قال أنس : [وكان عِلْية القوم في الصف الأول: أبو بكر ، وعمر ، فينظر إليهم صلى الله عليه وسلم، وينظرون إليه وهو مقبل، فيبتسم إليهم ويبتسمون إليه، ثم تقام الصلاة] .
وكان صلى الله عليه وسلم إذا فعل الإنسان خطأ ما.. لا يقوم على المنبر ويقول: أنت يا فلان فعلت كذا وكذا.. يشهّر به أو يعلن توبيخه على الناس.
لا.. بل كان يقول صلى الله عليه وسلم: (ما بال أُناس يفعلون كذا وكذا) (1) فيعرف المخطئ أنه أخطأ، ويعرف العاصي أنه عصى فيعود بإذن الله، ويتوب إلى الله عزّ وجلّ.
وورد عنه صلى الله عليه وسلم من حديث يعلى بن أمية قال: (إن الله عزّ وجلّ حيي ستير يحب الحياء والستر) (1) وهذه الصفات نؤمن بها كما جاءت دون تأويل أو تشبيه، أو تمثيل، أو تكييف.
وإنما شاهدنا في هذه المسألة: أن الله سبحانه وتعالى يُحب الستر ولا يحب التشهير بالناس، حتى إنه سبحانه وتعالى يكره من الإنسان العاصي أن يجاهر بالمعصية، يعصي بالليل، ثم يخرج بالنهار فيخبر بها الناس.
وقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) (1) أي: الذين يجاهرون بالخطأ.
ولذلك من استصلاح القلوب أن لا يشهر بالعاصي، بل يأخذه على انفراد وينصحه.
يقول الشافعي :
المهم أنه صلى الله عليه وسلم حيي؛ لكنه لا يستحي صلى الله عليه وسلم من الحق، بل تقول
عائشة : [
كان إذا غضب صلى الله عليه وسلم لا يقوم لغضبه أحد].
الخلاصة: أن
البخاري رحمه الله أتى بهذا الحديث ليبين -كما سبق ذكره- أن أعمال القلوب
تدخل في مسمّى الإيمان لا كما يزعم
المرجئة .. فناسب الحديث عن الحياء وتفصيلاته.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.