مدى تأثير مجازر 8 ماي 1945:
كانت أحداث 8 ماي 1945 منعرجا جديدا في تاريخ الأحزاب السياسية الجزائرية إذ رسخت في عقول الجزائريين فكرة لا جدال فيها أن الإستعمار لا يفهم إلا لغة واحدة وهي لغة الحديد والنار[1].
ففي 8 ماي كان العالم في غيبوبة النصر فكانت الإحتفالات والأفراح بنصر الحلفاء، فخرج الشعب الجزائري في يوم 8 ماي 1945 وعبر عن المشاعر الوطنية وعن تعلقه بالحرية كغيره من الشعوب في العالم.
وقد كتب السيد فرحات عباس عن هذه الأحداث يقول: "الثامن ماي 1945 كان يوم ثلاثاء وهو يوم سوق أسبوعية، تستقبل مدينة سطيف في مثل هذا اليوم ما بين 5 و15 ألف شخص من الفلاحين والتجار القادمين من المناطق المجاورة".
ولم تمر الساعات الأولى من الثامن ماي حتى حدث الإصطدام إثر إطلاق محافظ الشرطة الفرنسة في مدينة سطيف أشياري على الكشاف الشاب سعال بوزيد الذي كان يحمل العلم الجزائري ويتقدم المظاهرة فأرداه قتيلا، مما أدى إلى إنفجار الجماهير الجزائرية التي لم تجد أمامها من وسيلة للدفاع عن نفسها إلا الإلتجاء إلى العصي والشواقير والخناجر.. وإلى أي سلاح عثروا عليه[2].
ولم تقتصر الإستفزازات على مدينة سطيف وحدها، بل إمتدت إلى أكثر مدن وقرى ودواوير القطر خاصة في قالمة ونواحيها وخراطة ودواويرها. وقد إشترك في عمليات التقتيل والقمع كل الفرنسيين بدون إستثناء، بما في ذلك العناصر اليسارية التي تجند بعضها في مليشيات تقوم بإلقاء القبض واغتيال العناصر الوطنية بدون محاكمة ولا مراقبة. وأسفرت العمليات على إستشهاد ما يزيد عن 45000 من الجزائريين وإقتياد عشرات الآلاف إلى السجون والمحتشدات وإعدام العشرات عن طريق المحاكم.
أعلنت فرنسا القانون العرفي وفي الريف كان الجنود السنغاليون وجنود اللفيف الأجنبي ينهبون ويحرقون ويغتصبون النساء. ودمرت الطائرات 44 مشتى وهي مجموعة من المساكن تعد من 50 إلى 100 ساكن.
إن مجازر الثامن ماي التي مست بصورة أساسية مناطق قالمة وسطيف وخراطة لم تجعل الشعب الجزائري يتقهقر إلى الوراء، وإنما كانت درسا جديدا مليئا بالعبر ومدعاة للتفكير الجاد. بل كانت بداية مرحلة جديدة تتطلب إعادة النظر في الإستراتيجية وفي وسائل العمل والكفاح للمرحلة القادمة، بعد أن تم الإقتناع أن إنهاء الوجود الإستعماري لن يتحقق بالطرق السياسية بل من خلال أسلوب الكفاح المسلح الذي يتلاءم مع طبيعة المستعمر الفرنسي المتعنت. ومنذ ذلك بدأ التفكير الجاد في التخطيط للثورة بتكوين التنظيمات السرية[3].
[1]محمد الطبب العلوي، مظاهر المقاومة الجزائرية من عام 1830حتى ثورة نفمبر 1954، ط.1، دار البعث، الجزائر 1958، ص.217
[2]احسن بومالي، "انتفاظة 8 ماي 1945 تضحيات شعب وإرهاصات ثورة"، مجلة المجاهد، ع: 1448، 1988، ص. 11
[3] عمار بوحوش، المرجع السابق، ص. 320