يحكى أن !
يحكى أنه كانت توجد هناك في الماضي مدينة كبيرة تعيش حياة الرفاه الاجتماعي و الدعة و الطمأنينة و الامان, وكان يأتيها رزقها رغداً, اذ يتعاون الناس فيما بينهم , تضللهم رعاية الله حيث يتعاملون فيما بينهم بالحسنى و بسماحة الدين الحنيف. 
وعلى حين غرة غزى هذه المدينة جيش جرار قادماً اليها من خارج حدودها , فسقطت كل المدينة في قبضت هذا الجيش. وكان قائد هذا الجيش رجلاً ذا حنكة و دهاء , وله باع و تجربة في ممارسة حكم البلدان التي تسقط في امرتة , و بعد مرور وقت ليس بالقصير على حكمه لهذه البلدة , لم يصادف الحاكم ان يأتي اليه احد ليشتكي من جاره او شريكه او صاحبه. ولم تحدث اية منازعات او خصومات لتطرح عليه. 
عندها ارسل هذا الحاكم الى وجوه القوم و زعماء القبائل يطلبهم وحين حضروا سألهم : 
كيف لهم ان يتدبروا كل شؤون مدينتهم الكبيرة هكذا و يعيشوا هذا الرغد و الدعة والامان فيما بينهم بحيث لا توجد شكاوات و لا خصومه و لا عداوات فيما بينهم ؟ 
فأجابوه بلسان واحد : نحن قوم اذا جاع فينا احد اشبعناه , 
واذا افتقر احد فينا اغنيناه , 
واذا ترمل احدنا او كان اعزباً زوجناه ..... يرحم كبيرنا صغيرنا , ويوقّر صغيرنا كبيرنا !!! 
فسألهم : مالي ارى ابوابكم مفتوحة حتى الصباح و بدون حراسة ( حتى اني لا اجد عندكم من يمتهن مهنة الحراسة ) ؟ اما تخافون السرقة ؟ 
فأجابوه : لا يوجد فينا من هو بحاجة الى السرقة او اكل المال الحرام , واذا صادف ان وجد مثل هكذا معتوه او ناقص عقل فنحن نحرس بعضنا بعضاً ! 
فسألهم : مالي ارى قبوركم امام بيوتكم ؟ 
فأجابوه : لنتذكّر الموت بمشاهدتها فنزهد في الدنيا !!! 
فقال لهم : لقد جئت لمساعدتكم و انقاذكم و تنظيم اموركم وهذا قصري و مضافتي و أبوابي مشرعة لخدمتكم في كل الاوقات. 
فاجابوه : لنا قادتنا و زعمائنا و علمائنا و لا حاجة لنا بك ! 
من كل ذلك حز في نفس هذا الحاكم واراد ان يلقن هؤلاء القوم درساً يجعلهم يحتاجون اليه و يرضخون لسطوته , فقال لهم : انكم قوم من الله عليكم بالخير و البركة وفي حال وجود مناطق فقيرة و محرومة جواركم فالواجب المساعدة منكم , وابلغهم أن لديه مشروعاً خيرياً لمساعدة دولة تجاورهم فقيره , و اقترح عليهم ان يساهم الجميع بهذه المساعدات وان يجلب كل واحد منهم بيضة وكف طحين . 
واصبح الصباح التالي فاتي كل واحد منهم ومعه بيضة وكف طحين الى مكان التجميع . 
و بعد فترة من التجميع قام باستدعائهم ليقول لهم : لقد انتنفت الحاجه الى بيضكم و طحينكم , فقد سبقكم الى نجدت جاركم قوماً غيركم , فهلمّوا ارجعوا بيضكم وطحينكم فلا حاجة لهم به أو لنا به . 
و بالفعل رجع كل واحدمنهم ليسترجع بيضته من البيض الذي جلبوه و كفّاً من الطحين الذي جلبه . 
ولكن الذي حصل بعد ايام من ارجاعهم للبيض و الطحين ان بدأت المشاحنات و العداوات تنخر بمجتمعهم .
اتدري لماذا حصل ذلك يا عزيزي القارئ الكريم : 
ذلك لان الحرام وسوء النوايا دخلت الى مجتمعهم , فذلك ان الذي اتى ببيضة كبيرة اذا استرجع لنفسه اصغر منها فقد ظلم نفسه, واذا استرجع اكبر منها فقد ظلم غيره , و كذلك الحال في كفّ الطحين .
( حاسبوا انفسكم قبل ان تحاسبوا ... وزنوها قبل ان توزنوا ... فليس منا من بات و لم يحاسب نفسه ) .
أتمنى أن يفهما الجميع