![]() |
|
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() الأشاعرة وموقف أهل السنة منهم
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() جزاكم الله خيرا أخانا الكريم -------------------------------------- مختصر في معتقد الأشاعرة وسبب إخراجهم من الفرقة الناجية (من كتاب تأكيد المسلمات السلفية في نقض الفتوى الجماعية بأن الأشاعرة من الفرقة المرضية للشيخ عبد العزيز الريس عن موقع الإسلام العتيق)إليك شيئاً من معتقد الأشاعرة مفقراً على وجه الاختصار : 1- أن الإيمان هو التصديق فلا يرون عمل الجوارح من الإيمان ولا يرون كفراً يكون بالجوارح . 2- أنهم جبرية في باب القدر فلا يثبتون إلا الإرادة الكونية دون الإرادة الشرعية ، فليس للعبد عندهم قدرة ولا يثبتون إلا الاستطاعة والقدرة المقارنة للعمل دون ما قبله . 3- لا يثبتون لأفعال الله علة ولا حكمة والعياذ بالله . 4- لا يثبتون شيئاً من الصفات الفعلية . 5- الأشاعرة الذين هم من بعد أبي المعالي الجويني أنكروا علو الله على خلقه بذاته . 6- لا يثبتون من صفات المعاني إلا سبعاً أو أكثر وعمدتهم في الإثبات العقل ثم هم في الصفات السبع نفسها لا يثبتونها كما يثبتها أهل السنة . 7- معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله راجع إلى توحيد الربوبية فلا يعرفون توحيد الألوهية كما فسر الباقلاني كلمة التوحيد بمعنى الربوبية . 8- مآل قولهم في كلام الله أن القرآن مخلوق كما أفاده أحد أئمة الأشاعرة المتأخرين الرازي . 9- يتوسعون في الكرامة فيجعلون كرامة الأنبياء ممكنة للأولياء . 10- يقررون رؤية الله إلى غير جهة ومآل قولهم إنكار الرؤية . 11- أن العقل لا يحسن ولا يقبح . 12- أنه لا يصح إسلام أحد بعد التكليف إلا أن يشك ثم أول واجب عليه النظر كما قال أبو المعالي الجويني . إلى آخر ما عندهم من اعتقادات بدعية . إذا تبين شيء من معتقد الأشاعرة فالواحدة مما تقدم تكفي في تبديعهم وإخراجهم من أهل السنة والفرقة الناجية إلى عموم الاثنتين والسبعين فرقة المسلمة الضالة لأن ما ذكرت من المؤاخذات العقدية هي مؤاخذات كلية . وتخرج الطائفة والفرقة من طائفة أهل السنة إلى أهل البدعة إذا خالفت أهل السنة في أمر كلي ولو واحداً كما أفاد ذلك الشاطبي في الاعتصام (2/712) فقال : وذلك أن هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنى كلي في الدين وقاعدة من قواعد الشريعة لا في جزئي من الجزئيات إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية لأن الكليات نص من الجزئيات غير قليل وشأنها في الغالب أن لا تختص بمحل دون محل ولا بباب دون باب واعتبر ذلك بمسألة التحسين العقلي فإن المخالفة فيها أنشأت بين المخالفين خلافاً في الفروع لا تنحصر ما بين فروع عقائد وفروع أعمال . ويجرى مجرى القاعدة الكلية كثرة الجزئيات فإن المبتدع إذا أكثر من إنشاء الفروع المخترعة عاد ذلك على كثير من الشريعة بالمعارضة كما تصير القاعدة الكلية معارضة أيضاً وأما الجزئي فبخلاف ذلك بل يعد وقوع ذلك من المبتدع له كالزلة والفلتة وإن كانت زلة العالم مما يهدم الدين حيث قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه : ثلاث يهدمن الدين: زلة العالم وجدال المنافق بالقرآن وأئمة مضلون ولكن إذا قرب موقع الزلة لم يحصل بسببها تفرق في الغالب ولا هدم للدين بخلاف الكليات ا.هـ فكيف بمن يخالف أهل السنة في عدة كليات كالأشاعرة . أو إذا خالفت أهل السنة فيما اشتهر خلاف أهل السنة فيه لأهل البدع كما أفاده ابن تيمية إذ قال (35/414) : والبدعة التي يعد بها الرجل من أهل الأهواء ما اشتهر عند أهل العلم بالسنة مخالفتها للكتاب والسنة كبدعة الخوارج والروافض والقدرية والمرجئة ا.هـ وقال ابن بطة -رحمه الله-: (ونحن الآن ذاكرون شرح السنة ووصفها، وما هي في نفسها، وما الذي إذا تمسك به العبد ودان الله به سمى بها واستحق الدخول في جملة أهلها، وما إن خالفه أو شيئاً منه دخل في جملة من عبناه وذكرناه وحذر منه من أهل البدع والزيغ مما أجمع على شرحنا له أهل الإسلام وسائر الأمة منذ بعث نبيه الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم - إلى وقتنا هذا . ثم ذكر أمور الاعتقاد -...) الشرح والإبانة على أصول السنة والديانة (175-176) |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() السلام عليكم ورحمة الله و بركاته
بارك الله فيكما و في جهدكما القيم و نفع بكما |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() والاشاعرة في اثبات الصفات لايثبتون الا سبعا وهي : السمع والبصر والارادة والكلام والحياة والعلم والقدرة ومشكلتهم هل اثبتوها بالكتاب والسنة |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 5 | |||
|
![]() أهل السنة والجماعة مصطلح ظهر للدلالة على من كان على منهج السلف الصالح من التمسك بالقرآن والسنن والآثار المروية عن رسول الله ‘ وعن أصحابه رضوان الله تعالى عليهم، ليتميز عن مذاهب المبتدعة وأهل الأهواء. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 6 | |||
|
![]() وقال العـلامة ابن الشطي الحنبلي - رحمه الله تعالى - في شرحـه على العقيـدة السفارينية (تبصير القانع في الجمع بين شرحي ابن شطي وابن مانع على العقيدة السفارينية، الصفحة / 73): |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 7 | |||
|
![]() أقوالالأعلام المعاصرين فى الأشاعرة قال الشيخ الداعية حسن أيوب - حفظه الله تعالى - (تبسيط العقائد الإسلامية 299): (أهل السنة هم أبو الحسن الأشعري وأبو منصور الماتريدي ومن سلك طريقهما، وكانوا يسيرون على طريق السلف الصالح في فهم العقائد، وقد جعلوا القرآن الكريم المنهل العذب الذي يلجأون إليه في تعرف عقائدهم فكانوا يفهمون من الآيات القرآنية مسائل العقائد، وما أشبه عليهم منه حاولوا فهمه بما توحيه أساليب اللغة ولا تنكره العقول، فإن تعذر عليهم توقفوا وفوضوا، وقد سمي أتباع أبي الحسن الأشعري بالأشاعرة، وأبي منصور الماتريدي بالماتريدية) اهـ. وقال الأستاذ الداعية سعيد حوى - رحمه الله تعالى - (جولات في الفقهين الكبير والأكبر ص / 22): (إن للمسلمين خلال العصور أئمتهم في الاعتقاد وأئمتهم في الفقه وأئمتهم في التصوف والسلوك إلى الله عز وجل، فأئمتهم في الاعتقاد كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي... وهؤلاء وأمثالهم كلٌّ في اختصاصه حيث ثبت النقل عنهم قدَّمَ أصفى فهمٍ للكتاب والسنة، ومن ثم أجمعت الأمة على اعتماد أقوالهم وقبولها في خضم اتجاهات لا تعد ولا تحصى من الاتجاهات الباطلة الزائفة، منها الذي مات ومنها الذي لازال حياً) اهـ. والشيخ سعيد حوى - رحمه الله تعالى - هنا وفي معظم ما كتب إنما ينقل خلاصة رأي الإمام الشهيد حسن البنا رحمه الله تعالى، وهو موافق لما عليه السلف والخلف من تنزيه الله تعالى عن كل ما لا يليق به سبحانه. وقال الشيخ سعيد - رحمه الله تعالى - أيضاً (المصدر السابق ص/8): (وكما وجد في الفقه مؤلفون وكتب، وكما وجد في الفقه أئمة أجمعت الأمة على قبولهم، فكذلك في باب العقائد وجد أئمة أجمعت الأمة على إمامتهم في هذا الشأن كأبي الحسن الأشعري وأبي منصور الماتريدي) اهـ. وممن أشاد بفضل الأشاعرة من المعاصرين الشيخ الداعية الأستاذ أبو الحسن الندوي (رجال الفكر والدعوة في الإسلام، ص / 137) فقال - رحمه الله تعالى - منوهاً بذكرهم: (خضع لعلمهم ونفوذهم العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه... وبفضلهم انتقلت قيادة العالم الإسلامي الفكرية وتوجيهه من المعتزلة إلى أهل السنة) اهـ. وقال أيضا (ص / 133): (وقد سار الأشعري في طريقه مجاهداً مناضلاً منتجاً.... لا يعبأ بما يقال فيه مؤمناً بأنه هو الطريق الذي ينفع الدين في عصره ويرد إلى الشريعة مهابتها وكرامتها ويحرس للناشئة دينها وعقيدتها، حتى استطاع بعمله المتواصل وشخصيته القوية وعقله الكبير وإخلاصه النادر أن يرد سيل الاعتزال والتفلسف الجارف الذي كان يتهدد الدين، ويثبّت كثيراً من الذين تزلزلت أقدامهم واضطربت عقولهم وعقائدهم، وأن يوجد في أهل السنة ثقة جديدة بعقيدتهم) اهـ. وقال الشيخ وهبي سليمان غاوجي - حفظه الله تعالى - (أركان الإيمان ص / 7): (وقد كان أول من كتب في أصول الدين ورد شبهات أهل الزيغ في الاعتقاد الإمام الأعظم أبو حنيفة - رحمه الله تعالى - بطريقي النقل أو العقل، وتتابع الكاتبون في أصول الدين إلى أن استقرت قواعدها على يدي الإمامين العظيمين أبي منصور الماتريدي وأبي الحسن الأشعري رحمهما الله تعالى) اهـ. هذا هو شأن الأشاعرة وقدرهم عند المتقدمين والمتأخرين، وهذه هي مكانتهم في التاريخ، فلا ينكر فضلهم وجهادهم إلا مكابر، ومهما بالغ البعض بالانتقاص منهم، وجَحَدَ فضلهم بلسانه، فإنه لا محالة مضطرٌّ إلى علومهم، إذ ما من متعلم أو معلم إلا وهو عالة على ما أثمرته وأنتجته قرائحهم، وسطرته أيديهم، وهل يستغني عالم أو طالب علم عن كتاب فتح الباري - مثلاً - للإمام الحافظ ابن حجر، أو شرح صحيح مسلم للإمام النووي رحمه الله تعالى؟! بهذه النصوص التي نقلناها عن العلماء والأئمة المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين أصبح جلياّ من المقصود بأهل السنة والجماعة، ومن هي الفرقة الناجية المعنية بالنصوص الشرعية والمخصوصة بالهداية والنجاة، فكيف يسوغ لمنصف بعد كل ذلك إخراج الأشاعرة والماتريدية من أهل السنة والجماعة؟! * * * * * المتشابه عند السلف والخلف قال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - مبيناً المذاهب في المتشابه (البرهان في علوم القرآن 2 / 207): (... والثالث أنها مؤولة، وأولـوها على ما يليق به، والأول – يعني مذهب الأخذ بالظاهر – باطل، والأخيران منقولان عن الصحابة... وممن نقل عنه التأويل علي وابن مسعود وابن عباس وغيرهم) اهـ. وقال الإمام النووي – رحمه الله تعالى – عن مذهب التأويل: (مذهـب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف، وهو محكي عن مالك والأوزاعي) اهـ. (شرح صحيح مسلم 6 / 36). |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 8 | |||
|
![]() مفهوم المتشابه المتشابه في الأصل كل ما لا يهتدي إليه الإنسان، والمراد به هنا ما جاء في القرآن والسنة الصحيحة المشهورة من النصوص التي يوهم ظاهرها مشابهة الله تعالى لخلقه. قال الراغب الأصفهاني - رحمه الله تعالى - (مفردات القرآن مادة " شبه "): (والمتشابه من جهة المعنى أوصاف الله تعالى وأوصاف يوم القيامة، فإن تلك الصفات لا تتصور لنـا، إذ كـان لا يحصل في نفوسـنا صورة مـا لا نحسه، أو لم يكن من جنس ما نحسه) اهـ. ومثـال المتشابه من القرآن قوله تعالى: ( الرحمن على العرش استوى) وقوله عز وجل: ( يد الله فوق أيديهم ) وقوله سبحانه: ( فإنك بأعيننا ) ، ( ولتصنع على عينى ) ، ( لما خلقت بيدىّ ) ومثـاله من السنة قوله ‘: (ينزل ربنا في الثلث الأخير من الليل...) وقوله ‘: (ضحك الله الليلة من فعالكما) (إن الله خلق آدم على صورته) ونحو ذلك مما يوهم ظاهره مشابهة الله تعالى لخلقه. وحكم المتشابه من هذه النصوص هو الإيمان به على الوجه الذي أراد الله تعالى، والقطع بأن له معنىً عظيماً شريفاً عند الله تعالى، بعد أن ننزه الله تعالى عن الظاهر المستحيل في حقه سبحانه. هذا هو القدر المشترك بين العلماء في حكمهم على المتشابه، ثم اختلفوا في ما وراء ذلك، ومنشأ الاختلاف جاء من فهمهم لآية المتشابهات واختلافهم في محل الوقوف في قوله تعالى: ( وما يعلم تأويله إلا الله ، والراسخون فى العلم يقولون كلٌّ من عند ربنا). قال جمهـور السلف إن الوقـوف في الآيـة على لفـظ الجلالـة لازم، وعليه، قوله تعـالى ( والراسخون ) الواو فيه استئنافية والجملة بعده مستأنفة، وبناء على ذلك يكون المعنى أنه لا يعلم تأويل المتشابه إلا الله تعالى، ويفوّض العلم بتأويله إليه سبحانه إذ هو تعالى أعلم بمراده، ولا نشتغل بتأويل شيء من ذلك، هذا بعد قطعهم بأن الظاهر المستحيل في حق الله تعالى غير مراد له سبحانه ولا لرسوله ‘. أما الخلف فقالوا إن الواو في قوله تعالى ( والراسخون ) عاطفة وما بعدها معطوف على لفظ الجلالة، وعليه يكون معنى الآية، أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه. وعلى أية حال فإن كلاّ ًمن الفريقين لا يضلل الآخر، كيف وقد نُقِلَ كلٌّ من المذهبين عن سلف الأمة من الصحابة والتابعين وتابعيهم. ولقد أجمل حجة الإسلام الغزالي - رحمه الله تعالى - ما يجب على المسلم عند سماعه لهذه النصوص بقوله (إلجام العوام عن علم الكلام ص/4 من الطبعة الأزهرية للتراث سنة 1418هـ): (اعلم أن الحق الصريح الذي لا مراء فيه عند أهل البصائر هو مذهب السلف، أعني مذهب الصحابة والتابعين. وها أنا أورد بيانه وبيان برهانه، فأقول: حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور، التقديس ثم التصديق ثم الاعتراف بالعجز ثم السكوت ثم الإمساك ثم الكف ثم التسليم لأهل المعرفة. أما التقديس: فأعني به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها. وأما التصديق: فهو الإيمان بما قاله‘، وأن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق، وأنه حق على الوجه الذي قاله وأراده. وأما الاعتراف بالعجز: فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته، وأن ذلك ليس من شأنه وحرفته. وأما السكوت: فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه، ويعلم أن سؤاله عنه بدعة، وأنه في خوضه فيه مخاطر بدينه، وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر. وأما الإمساك: فأن لا يتصرف في تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى، والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق، بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه من الإيراد والإعراب والتصريف والصيغة. وأما الكف: فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه. وأما التسليم لأهلـه: فأن لا يعتقد أن ذلـك إن خفي عليـه لعجـزه فقد خفي على رسول الله ‘ أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياء. فهذه سبع وظائف اعتقد كافة السلف وجوبها على كل العوام، لا ينبغي أن يظن بالسلف الخلاف في شي منها) اهـ. وقال الشيخ العلامة محمود خطاب السبكي - رحمه الله تعالى - (إتحاف الكائنات ببيان مذهب السلف والخلف في المتشابهات ص/ 167): (المراد به - يعني المتشابه - هنا كل ما ورد في الكتاب أو السنة الصحيحة موهماً مماثلته تعالى للحوادث في شيء ما،وقامت الدلائل القاطعة على امتناع ظاهره في حق الله تعالى، ولذا أجمع السلف والخلف على تأويله تأويلاً إجمالياً بصرف اللفظ عن ظاهره المحال على الله تعالى، لقيام الأدلة القاطعة على أنه تعالى ليس كمثله شيء، ثم إن السلف لا يعينون المعنى المراد من ذلك النص بل يفوضون علمه إلى الله تعـالى بناء على أن الوقف على قوله تعالى : ( وما يعلم تأويله إلا الله ) والخلف يؤولونه تأويلاً تفصيلياً بتعيين المعنى المراد منه لاضطرارهم إلى ذلك ردّاً على المبتدعين الذين كثروا في زمانهم، بناء على أن الوقف على قوله تعالى : ( والراسخون فى العلم ) اهـ. وقال الشيخ علي الطنطاوي - رحمه الله تعالى - (تعريف عام بدين الإسلام ص/84): (بيّن الله في القرآن أن فيه آيات محكمات واضحة المعنى، صريحة اللفظ، وآيات وردت متشابهات، ولا يَضِحُ ـ الفعل المضارع من (وضح) ـ المعنى المراد منها تماماً، وإن على المؤمن ألا يطيل الغوص في معناها، ولا يتتبعها فيجمعها ليفتن الناس بالبحث فيها، ومن المتشابه آيات الصفات) وعلّق - رحمه الله - على هذا في الهامش قائلاً: (ومن جمعها كلها وألقاها إلى التلاميذ فقد جانب طريقة السلف، لا سيما إذا ضمّ إليها أحاديث الآحاد المروية في مثلها، والتي لا تعتبر دليلاً قطعياً في أمور العقائد) اهـ. ثم بين - رحمه الله تعالى - موقف المسلمين منها فقال: (المسلمون الأولون وهم سلف هذه الأمة وخيرها وأفضلها لم يتكلموا فيها، ولم يخوضوا في شرحها، بل آمنوا بها كما جاءت من عند الله على مراد الله، فلما انتشر علم الكلام، وأوردت الشبه على عقائد الإسلام، وظهرت طبقة جديدة من العلماء انبرت لِرَدِّ هذه الشبه، تكلم هؤلاء العلماء في آيات الصفات، وفهموها على طريقة العرب في مجاوزة المعنى الأصلي للكلمة إذا لم يمكن فهمها به إلى معنى آخر، وهذا ما يسمى المجاز أو التأويل، وقيل في هذا: طريقة السلف أسلم، وطريقة الخلف أحكم، وكلهم متفقون على أن هذه الآيات نزلت من عند الله، من أنكر شيئاً منها كفر، وأن من عطلها تماماً فجعلها لفظاً بلا معنى كفر، ومن فهمها بالمعنى البشري وطبقه على الله فجعل الخالق كالمخلوق كفر، والمسلك خطر، والمفازة مهلكة، والنجاة منها باجتناب الخوض فيها) اهـ. ولقد أجاد رحمه الله تعالى وأحسن، فالمسلك خطر جدّاً، والنجاة باجتناب الخوض جملة، وليس من الحكمة في شيء إلقاء مثل هذه النصوص على العامة وتعريضهم بهـذا الصنيع للفتنة، وقد تواردت الأخبار في النهي عن ذلك، منها ما خرّجه مسلم في مقدمة الصحيح عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: (ما أنت بمحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة)، وعند البخاري في " كتاب العلـم " باب (من خصَّ بالعلم قوماً دون قوم كراهية أن لا يفهموا) عـن عليّ موقوفــاً (حدثوا الناس بما يعرفون، أتحبون أن يُكذَّب الله ورسوله؟). قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - (الفتح 1/272) في شرحه للحديث: (فيه دليل على أن المتشابه لا ينبغي أن يذكر عند العامة... وضابط ذلك أن يكون الحديث يقوي البدعة، وظاهره في الأصل غير مراد، فالإمساك عنه عند من يُخشى عليه الأخذ بظاهره مطلوب) اهـ. ولقد نهى الإمام مالك أن يُحَدَّث بما قد يلتبس على الناس كما نقل عنه الإمام ابن أبي زيد رحمه الله تعالى (النوادر والزيادات 14/ 553) (ولا ينبغي لأحد أن يصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه، ولا يشبهه كذلك بشيء، وليقل: له - تعالى - يدان كما وصف به نفسه، وله وجه كما وصف به نفسه. تقف عند ما في الكتاب، لأن الله سبحانه لا مثل له ولا شبيه له ولا نظير له، ولا يروي أحدٌ مثلَ هذه الأحاديث، مثلُ " إن الله خلق آدم على صورته " ونحوُ ذلك مـن الأحاديث. وأعظمَ مالكٌ أن يتحدث أحدٌ بمثل هذه الأحاديث أو يُردِّدَها). (وانظر أيضاً في هذا البيان والتحصيل 18/504، والسيـر 8/104، الموافـقات 4/549، فتح الباري 1/272). هذه نصوص واضحة في النهي عن التحديث بالمتشابهات، منها تعلم مجازفة من يخوض في هذه النصوص، ويلقيها على الناس على أنها مما لا يجوز الجهل به، بل ويزيد على هذا بحملها على ما يعهده الناس من هذه الظواهر، ويضلل من يصرفها عن ظاهرها المحال، الذي هو قطعاً ليس مراد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا ما فهمه أصحابه رضوان الله تعالى عليهم من خطابه الشريف!! |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 9 | |||
|
![]() قال الأستاذ الدكتور الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالى (كبرى اليقينيات الكونية ص/137) موضحاً شأن هذه المتشابهات: * * * * * |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 10 | |||
|
![]() الخلاف في العقيدة وهل وقع بين الصحابة وعلماء السلف الطيب خلاف في العقائد؟ وهل وقع بينهم رضي الله عنهم على إثر ذلك الخلاف تضليل لبعضهم أو تفسيق؟ عند الإجابة على هذه الأسئلة يتضح خطأ الذين يجازفون بتضليل الأشاعرة والماتريدية وعلماء الأمة وأعلامها وكل من خالفهم بغير علم ولا روية. وكان الأجدر بهم - وحال الأمة من التفكك والتشرذم يدمى له قلب كل غيور - أن يُحمل الخلاف إذا وجد على محامل حسنة تتفق مع صدر ديننا الرحب، ويُلتمس العذر قدر المستطاع كي لا يزيدوا في فرقة الأمة وتشتتها، ويعينوا عليها أعداءها، كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثاً. ولبيان قضية الخلاف في العقيدة نقول: إن العقيدة تنقسم إلى أصول وفروع، والأصول تنقسم كذلك إلى أصول الدين وأصول مذهب أهل السنة والجماعة، أما أصول الدين، مثل: وجود الله تعالى ووحدانيته وبقاؤه وقدمه، وحدوث العالم، وهو كل ما سوى الله تعالى من الموجودات، وصدق الرسل والأنبياء، ونحو ذلك من القضايا، فحكم المخالف فيها الخروج من الملة بلا خلاف لكونها أعمدة الدين وأسسه التي ينبني عليها، ومثال المخالفين فيها أصحاب الديانات والنحل الأخرى كاليهودية والنصرانية والمجوسية والبوذية..إلخ نقل الإمام النووي - رحمه الله تعالى - عن الإمام المتولي قوله (روضة الطالبين 10 / 64): (من اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو نفى ما هو ثابت للقديم بالإجماع، ككونه عالماً قادراً، أو أثبت ما هو منفي عنه بالإجماع، كالألوان، أو أثبت له الاتصال والانفصال، كان كافراً، وكذا من جحد جواز بعثة الرسل، أو أنكر نبوة نبي من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، أو كذبه، أو جحد آية من القرآن مجمعاً عليها، أو زاد في القرآن كلمة واعتقد أنها منه، أو سبَّ نبياً أو استخف به، أو استحل محرماً بالإجماع، كالخمر والزنى واللواط، أو حرم حلالاً بالإجماع، أو نفى وجوب مجمع على وجوبه، كركعة من الصلوات الخمس، أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب بالإجماع، كصلاة سادسة وصوم شوال، أو نسب عائشة رضي الله عنها إلى الفاحشة، أو ادعى النبوة بعد نبينا ‘، أو صدق مدّعياً لها، أو عظم صنماً بالسجود له، أو تقرب إليه بالذبح باسمه فكل هذا كفر) اهـ. وهنا قضية هامة وخطرة لابد من التعريج عليها قبل الانتقال إلى الخلاف في أصول أهل السنة والجماعة بشيء من البسط حسب ما يقتضيه المقام، وهي قول الإمام المتولي (أو أثبت له الاتصال أو الانفصال) فجعل إثبات الاتصال والانفصال لله تعالى من الأمور المكفرة ووافقه على ذلك الإمام النووي، وسيأتي معنا أقوال العلماء التي تنزه الله تعالى عن الاتصال والانفصال والمكان والحيز والجهة وكل ما لا يليق به من صفات المخلوقين. والاتصال والانفصال هو الدخول والخروج الذي ينزه أهل السنة الله تعالى عن الاتصاف بأحدهما. هذه القضية من الأهمية والخطورة بمكان، ولولا عدم الفهم لها فهماً صحيحاً من قبل هؤلاء الذين ينكرون على الأشاعرة لأجلها ما أدرجناها هنا لدقتها، بيد أننا سنحاول أن لا ندخل في تفاصيلها وسنكتفي بالبيان الإجمالي وبنقل أقوال العلماء المحذرة من وصف الله تعالى بأي شيء من ذلك، ومن أراد الاستزادة والتفصيل فليراجع المسألة في مظانها من كتب العقائد. كثيرا ما نقرأ أو نسمع من البعض التصريح بوصف الله تعالى بأنه (بائن من خلقه بذاته!!) وهذا القول هو ما حذر العلماء منه، لأن البينونة بالذات هي الانفصال الذي حكم العلماء بحرمة وصف الله تعالى به كما مر من قول المتولي وإقرار النووي رحمهما الله، وكما سيأتي من نصوص غيرهما من العلماء، فهذا القول - وهو قولهم بائن بذاته – فضلا عن كونه قولاً ممتنعاً عقلاً فهو أيضاً قولٌ مبتدع لم يرد في كتاب ولا سنة ولا على لسان أحد من الصحابة أو التابعين. وإليك أقوال العلماء في إنكار لفظة (بذاته): قال الحافظ الذهبي أثناء ترجمة ابن الزاغوني (سير أعلام النبلاء19/607): (قد ذكرنا أن لفظة بذاته لا حاجة إليها، وهي تشغب النفوس، وتركها أولى، والله أعـلــم) اهـ. وقال الحافظ ابن حجر العسقلاني عند شرحه لحديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة..." الحديث، قال ![]() وقال الحافظ الذهبي في كتاب(العلو / ص263)بعد أن نقل قول يحيى بن عمار: (بل نقول هو بذاته على العرش وعلمه محيط بكل شيء) قال الذهبي (قولك "بذاته"من كيسك) اهـ. وقال أيضاً في ترجمة الحافظ أبي القاسم إسماعيل بن محمد التيمي (سير أعلام النبلاء 20/86): (قلت: الصواب الكف عن إطلاق ذلك،إذ لم يأت فيه نص، ولو فرضنا أن المعنى صحيح فليس لنا أن نتفوه بشيء لم يأذن به الله خوفاً من أن يدخل القلب شيء من البدعة. اللهم احفظ علينا إيماننا) اهـ. وافتراض الذهبي لصحة المعنى محمول على ما ذكره صاحب الترجمة من المعاني الصحيحة للفظة (بذاته) لا على المعنى الظاهر المتبادرإلى الذهن منها. وقال الإمام بدر الدين بن جماعة رحمه الله تعالى في كتابه (إيضاح الدليل ص/107): (فمن جعل الاستواء في حقه تعالى ما يفهم من صفات المحدثين وقال: استـوى بذاته، أو قال: استوى حقيقة فقد ابتدع بهذه الزيادة التي لم تثبت في السنة ولا عن أحد من الأئمة المقتدى بهم) اهـ. وقال الحافظ الذهبي في (العلو/ ص 256): (وقد نقموا عليه ـ يعني ابن أبي زيد القيرواني ـ في قوله بذاته. فليته تركها) اهـ. هذا مع اليقين بأن الإمام ابن أبي زيد القيرواني لم يُرِدْ بهذه اللفظة - إذا صحَّت عنه([9])- المعنى الذي يريده البعض من ذكرها، كما هو بيّن وجليّ من أقوال شراح رسالته، وهو أشعري محب للإمام أبي الحسن كما هو واضح من جوابه لمن لامه في حُبِّه، قال: (ما الأشعري إلا رجل مشهور بالردِّ على أهل البدع وعلى القدرية والجهمية متمسك بالسنن) اهـ، وقد ذكره التاج السبكي ضمن الطبقة الثانية من الأشاعرة الذين فات الحافظ ابن عساكر ذكرهم في كتابه " التبيين " (تبيين كذب المفتري ص/123، طبقات الشافعية الكبرى 3/ 368، 372). وقال الإمام ابن عبدالبر رحمه الله (الاستذكار 8 /153): (وقد قالت فرقة منتسبة إلى السنة: إنه - تعالى - ينزل بذاته! وهذا قول مهجور، لأنه تعالى ذِكْرُه ليس بمحل للحركات ولا فيه شيء من علامات المخلوقات.) اهـ. وقال الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى (السير 20/331، في ترجمة كوتاه): (وكذا قوله( وجاء ربك ) ونحوه، فنقول: جاء، وينزل، وننهى عن القول: ينزل بذاته، كما لا نقول: ينزل بعلمه، بل نسكت ولا نتفاصح على الرسول صلى الله عليه وسلم بعبارات مبتدعة، والله أعلم) اهـ. وبهذا يتضح أن لفظة بذاته غير ثابتة عن سلف الأمة الطيب ويأباها العقل والنقل. فأي حجة أقوى من هذه الحجة ونصوص الأئمة لا تحتمل معها أي معنى آخر، ونحن إذ نثبت هذا لا نحتم على مخالفينا اتباع ما نقول، كلاَّ، وإنما حسبنا أن يكفُّوا عن إساءتهم لعلماء الأمة وأئمة الهدى الذين لا يفتأون يُجرِّحونهم ويقعون في أعراضهم!! قـال أبـو الحسيـن ابن المنـادي - رحمـه الله - كمــا نقله ابن الجـوزي مـن خطّه (دفع شبه التشبيه 192): (ولسنا نختلف أن الجبار لا يعلوه شيء من خلقه بحال، وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه، ولا يزول عنها، لأنه لو حل بها لكان منها، ولو زال عنها لنأى عنها..) اهـ. وقول ابن المنادي (وأنه لا يحلّ بالأشياء بنفسه ولا يزول عنها) هو عين ما يعنيه العلماء بقولهم: إن الله تعالى لا يوصف بالاتصال والانفصال والدخول والخروج. وابن المنـادي هو الإمام أحمد بن جعفر المقرئ الحافظ كما وصفه الذهبي(السير 15 / 361)قال: (قال عنه الدانيّ: مقرئ جليل غاية في الإتقان، فصيح اللسان، عالم بالآثار، نهاية في علم العربية، صاحب سنة ثقة مأمون.) اهـ. قال العلامة ابن خلدون رحمه الله تعالى (المقدمة ص/868): (يقع كثيراً في كلام أهل العقائد من علماء الحديث والفقه أن الله تعالى مباين لمخلوقاته، ويقع للمتكلمين أنه لا مباين ولا متصل، ويقع للفلاسفة أنه لا داخل العالم ولا خارجه... فلنبينْ تفصيل هذه المذاهب ونشرحْ حقيقة كلِّ واحد منها حتى تتضح معانيها، فنقول: إن المباينة تقال لمعنيين أحدهما: المباينة في الحيز والجهة، ويقابلها [أي المباينة بهذا المعنى] الاتصال، وتُشعِر هذه المقابلة على هذه التقيدَ بالمكان إمّا صريحاً وهو تجسيم، أو لزوماً وهو تشبيه من قبيل القول بالجهة، وقد نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بهذه المباينة، فيحتمل غير هذا المعنى، ومن أجل ذلك أنكر المتكلمون هذه المباينة، وقالوا: لا يقال في البارئ أنه مباينٌ مخلوقاتَه ولا متصل بها، لأن ذلك إنما يكون للمتحيزات، وما يقال من أن المحلَّ لا يخلو عن الاتصاف بالمعنى وضدّه [أي نقيضه] فهو مشروط بصحة الاتصاف أولاً، وأمّا مع امتناعه فلا، بل يجوز الخلوُّ عن المعنى وضدِّه كما يقال في الجماد لا عالم ولا جاهل ولا قادر ولا عاجز ولا كاتب ولا أمّي، وصحة الاتصاف بهـذه المباينـة [أي المباينة في الحيز والجهة] مشروط بالحصول في الجهة، على ما تقرر من مدلولها، والبارئ منزه عن ذلك، ذكره ابن التلمساني في شرح اللمع لإمام الحرمين، وقال: " ولا يقال في البارئ مباين للعالم ولا متصل به، ولا داخل فيه ولا خارج عنه. "..... وأما المعنى الآخر للمباينة فهو المغايرة والمخالفة، فيقال: البارئ مباين لمخلوقاته في ذاته وهويته ووجوده وصفاته، ويقابله الاتحاد والامتزاج والاختلاط، وهذه المباينة هي مذهب أهل الحق كلهم من جمهور السلف وعلماء الشرائع والمتكلمين والمتصوفة الأقدمين كأهـل الرسالـة [أي من جاء ذكرهم في رسالة القشيري] ومن نحا منحاهم) اهـ. وقال ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه ص 130): (فإن التجاور والتباين من لوازم المتحيز في المتحيزات، وقد ثبت أن الاجتماع والافتراق من لوازم المتحيز، والحق سبحانه وتعالى لا يوصف بالتحيز... وكذا ينبغي أن يقال: ليس بداخل العالم وليس بخارج منه، لأن الدخول والخروج من لوازم المتحيزات وهما كالحركة والسكون وسائر الأعراض التي تختص بالأجرام.... وكلام هؤلاء كله مبني على الحس، وقد حملهم الحس على التشبيه والتخليط) اهـ. ولقد فرعوا على القول بأن الله تعالى بائن بذاته من خلقه ـ وهي بينونة حسية ـ وعلى إثبات الحد له سبحانه وتعالى، فرعوا على ذلك القول بالجهة لله تعالى أي أنه تعالى بجهة الفوق حساً ويشار إليه بالإشارة الحسية، ونسبوا لله تعالى المكان. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 11 | |||
|
![]() وهذه أقوال الأئمة الثقات بنفي الجهة عن الله تعالى وتنزيهه عن المكان: ذكر الإمام قاضي القضاة ناصر الدين بن المنير الإسكندري المالكي في كتابه" المنتقى في شرف المصطفى "لما تكلم على الجهة وقرر نفيها قال: (ولهذا أشار مالك رحمه الله تعالى في قوله " لا تفضلوني على يونس بن متى " فقال مالك: إنما خص يونس للتنبيه على التنزيه لأنه،رفع إلى العرش ويونس عليه السلام هبط إلى قاموس البحر ونسبتهما مع ذلك من حيث الجهة إلى الحق جل جلاله نسبة واحدة ولو كان الفضل بالمكان لكان عليه السلام أقرب من يونس بن متى وأفـضـل، ولَمَا نهى عن ذلك) اهـ. ثم أخذ الإمام ناصر الدين يبين أن الفضل بالمكانة لا بالمكان لأن العرش في الرفيق الأعلى فهو أفضل من السفلى. (إتحاف السادة المتقين 2/ 105). وقال الإمام مالك رضي الله عنه في تأويله للنزول في الحديث (ينزل أمره كل سحر، فأما هو عز وجل فإنه دائم لا يزول ولا ينتقل، سبحانه لا إله إلا هو) اهـ. (التمهيد 7 / 143،شرح صحيح مسلم للنووي 6/ 37، سير أعلام النبلاء 8 / 105، الإنصاف لابن السيد البطليوسي ص / 81) قال الإمام ابن عبد البر بعد نقله لقول مالك: (وقد يحتمل أن يكون كما قال مالك رحمه الله على معنى أنه تتنزل رحمته وقضاؤه بالعفو والاستجابة) ثم قال بعد أن ذكر قول الذين يقولون: ينزل بذاته. قال رحمه الله تعالى: (ليس هذا بشيء عند أهل الفهم من أهل السنة، لأن هذا كيفية، وهم يفزعون منها لأنها لا تصلح إلا فيما يحاط به عياناً وقد جل الله وتعالى عن ذلك). * قول الإمام الطبري في نفي العلو الحسي: قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله عز وجل ( وه القاهر فوق عباده ) (7 / 103) قال (فهو فوقهم بقهره إياهم وهم دونه) فجعل - رحمه الله - فوقية الله على عباده فوقية القهر، وعباده دونه أي تحته من هذه الحيثية. وقال أيضاً مؤولاً علو الله تعالى على عرشه ونافياً للاستقرار والتحيز (1 / 192): (علا عليه علو ملك وسلطان لا علو انتقال وزوال) اهـ. * قول القاضي عياض في صرف ألفاظ المتشابه عن ظاهرها ونقله اتفاق الأمة على ذلك: قال - رحمه الله تعالى - (إكمال المعلم 2/465، شرح صحيح مسلم للنووي 5 / 24): (لا خلاف بين المسلمين قاطبة فقيههم ومحدثهم ومتكلمهم ونظارهم ومقلدهم أن الظواهر الواردة بذكر الله تعالى في السمـاء كقوله تعالى( ءَأَمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض ) ونحوه ليست على ظاهرها بل متأولة عند جميعهم) اهـ. * قول الإمام النووي: قال ـ رحمه الله تعالى ـ (روضة الطالبين 10 / 85): (ولو قال – يعني الكافر – لا إله إلا ساكن السماء، لم يكن مؤمناً، وكذا لو قال لا إله إلا الله ساكن السماء، لأن السكون محال على الله) اهـ. وقال أيضاً ـ رحمه الله تعالى ـ في شرح حديث الجارية(شرح مسلم 5 / 24): (هذا حديث من أحاديث الصفات وفيها مذهبان، أحدهما الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء وتنزيهه عن سمات المخلوقات. والثاني: تأويله بما يليق. فمن قال بهذا قال: كأن المراد امتحان الجارية هل هي موحدة تُقرّ بأن الخالق المدبر الفعال هو الله وحده وهو الذي إذا دعاه الداعي استقبل السماء، كما إذا صلّى المصلّي استقبل الكعبة، وليس ذلك لأنه منحصر في السماء كما أنه ليس منحصراً في جهة الكعبة، بل ذلك لأن السماء قبلة الداعين كما أن الكعبة قبلة المصلّين، أو هي من عبدة الأوثـان التي بين أيديهم، فلما قـالت: في السمـاء عُلم أنها موحـدة وليست عابـدة للأوثان) اهـ. * قول الحافظ ابن حجر العسقلاني: قال - رحمه الله تعالى - (الفتح 6 / 158): (ولا يلزم من كون جهتي العلو والسفل محال على الله أن لا يوصف بالعلو، لأن وصفه بالعلو، من جهة المعنى، والمستحيل كون ذلك من جهة الحس) اهـ. وقال - أيضاً - معلقاً على حديث "إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ": (وفيه رد على من زعم أنه - تعالى - على العرش بذاته) اهـ (الفتح 1 /508). وقال أيضاً منزهاً لله تعالى عن الجهة والمكان عند كلامه على حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 413): (وكأن لفظ الشخص أطلق مبالغة في إثبات إيمان من يتعذر على فهمه موجود لا يشبه شيئاً من الموجـودات، لئلا يفضي به إلى النفي والتعطيـل، وهو نحو قولـه ‘ للجارية " أين الله " قالت: " في السماء "، فحكم بإيمانها مخافة أن تقع في التعطيل لقصور فهمها عمّا ينبغي له من تنزيهـه مما يقتضـي التشبيـه تعـالى الله عن ذلك علوّا كبيراً) اهـ. وقال أيضاً ناقلاً قول ابن بطال مؤيداً له (الفتح 13/397): (والله منزه عن الحلول في المواضع، لأن الحلول عرض يفنى، وهو حادث، والحادث لا يليق بالله.) اهـ. وقال في شرحه لحديث النزول (الفتح 3 / 37): (استدل به من أثبت الجهة وقال: هي جهة العلوّ، وأنكر ذلك الجمهور، لأن القول بذلك يفضي إلى التحيز تعالى الله عن ذلك. وقد اختلف في معنى النزول على أقوال: فمنهم من حمله على ظاهره وحقيقته وهم المشبهة، تعالى الله عن قولهم. ومنهم من أنكر صحة الأحاديث الواردة في ذلك جملة، وهم الخوارج والمعتزلة، وهو مكابرة... ومنهم من أجراه على ما ورد مؤمناً به على طريق الإجمال منزهاً الله تعالى عن الكيفية والتشبيه وهم جمهور السلف، ونقله البيهقي وغيره عن الأئمة الأربعة والسفيانين والحمّادين والأوزاعي والليث وغيرهم. ومنهم من أوّله على وجه يليق مستعمل في كلام العرب... ومنهم من فصل بين ما يكون تأويله قريباً مستعملاً في كلام العرب وبين ما يكون بعيداً مهجوراً، فأوّل في بعض وفوّض في بعض، وهو منقول عن مالك وجزم به من المتأخرين ابن دقيق العيد)’اهـ. * قول الإمام ابن الجوزي: قال - رحمه الله تعالى - (دفع شبه التشبيه. ص / 136): (اعلم أن كل من يَتصور وجود الحق سبحانه وجوداً مكانياً طَلَبَ له جهة، كما أن من تخيل أن وجوده وجود زماني طلب له مدة في تقدمه على العالم بأزمنة، وكلا التخيلين باطل. وقد ثبت أن جميع الجهات تتساوى بالإضافة إلى القائل بالجهة، فاختصاصه ببعضها ليس بواجب لذاته، بل هو جائز فيحتاج إلى مخصص يخصصه ويكون الاختصاص بذلك المعنى زائداً على ذاته وما تطرق الجواز إليه استحال قدمه، لأن القديم هو الواجب الوجود من جميع الجهات، ثم إن كل من هو في جهة يكون مقدّراً محدوداً وهو يتعالى عن ذلك، وإنما الجهات للجواهر والأجسام لأنها أجرام تحتاج إلى جهة، والجهة ليست في جهة، وإذا ثبت بطلان الجهة ثبت بطلان المكان، ويوضحه أن المكان يحيط بمن فيه والخالق لا يحويه شيء ولا تحدث له صفة) اهـ. وقوله رحمه الله تعالى (والجهة ليست في جهة) أراد أن يردّ فيه زعم الزاعم: لا يُتَعقَّل موجود ليس في جهة. توصّلاً بهذا إلى إثبات الجهة لله تعالى، إذ الجهة موجودة عند هذا الزاعم وهي ليست في جهة من نفسها، إذ لو كانت كذلك لتسلسل الأمر إلى غير نهاية، وهذا باطل، فثبت أن الجهة موجودة بلا جهة، وبه ينتقض زعمهم: لا يُتَعقَّل موجود ليس في جهة من الجهات. وقال القاضي أبو يعلى (دفع شبه التشبيه 137): (إن الله عزّ وجلّ لا يوصف بالمكان) اهـ. قال الإمام ابن الجوزي بعد نقله لقول أبي يعلى الفراء (دفع شبه التشبيه 138): (فإن قيل: نفي الجهات يحيل وجوده. قلنا: إن كان الموجود يقبل الاتصال والانفصال فقد صدقت، فأمّا إذا لم يقبلهما فليس خلوّه من طرف النقيض بمحال. فإن قيل: أنتم تلزموننا أن نقرّ بما لا يدخل تحت الفهم. قلنا: إن أردت بالفهم التخيل والتصور فإن الخالق لا يدخل تحت ذلك، إذ ليس يحس ولا يدخل تحت ذلك إلا جسم له لون وقدر، فإن الخيال قد أنس بالمبصرات فهو لا يتوهم شيئاً إلا على وفق ما رآه لأن الوهم من نتائج الحس، وإن أردت أنه لا يعلم بالعقل فقد دللنا أنه ثابت بالعقل، لأن العقل مضطر إلى التصديق بموجب الدليل. واعلم أنك لمّا لم تجد إلا حسّاً أو عرضاً وعلمت تنزيه الخالق عن ذلك بدليل العقل الذي صرفك عن ذلك، فينبغي أن يصرفك عن كونه متحيزاً أو متحركاً أو منتقلاً. ولمّا كان مثل هذا الكلام لا يفهمه العامّي قلنا: لا تسمعوه ما لا يفهمه ودعوا اعتقاده لا تحركوه، ويقال إن الله تعالى استوى على عرشه كما يليق به) اهـ. وهذا واضح في أن الأصل في النصوص المتشابهة التفويض ما لم تدْعُ حاجة إلى التأويل، وهو ما كان عليه جمهور السلف الصالح كما سيأتي من أقوال العلماء التي تفيد ذلك، وأنهم ـ نعني السلف ـ لو وُجد في أزمانهم ما حدث بعد ذلك لجهروا بالتأويل، كيف وقد ثبت التأويل عن جماعات منهم؟! * قول الإمام القشيري: قال الإمام القشيري - رحمه الله تعالى - (إتحاف السادة المتقين 2 / 108): (فالرب موصـوف بالعلو وفوقيـة الرتبة والعظمة منزه عن الكون في المكـان وعن المحاذاة) اهـ. * قول قاضي القضاة ابن المنير: نقل الحـافظ ابن حجر عن ابن المنيـر مؤيّداً له في تنزيـه الله تعــالى عن المكان والجهة (فتح الباري 13 / 429): (قال ابن المنير... قوله " رب العرش "... نبّه [يعني البخاري] على بطلان قول من أثبت الجهة أخذاً من قوله " ذي المعارج " ففَـهِمَ - أي مثبت الجهة - أن العلوّ الفوقي مضاف إلى الله تعالى، فبين المصنف [يعني البخاري] أن الجهة التي يصدق عليها أنها سماء والجهة التي يصدق عليها أنها عرش كل منهما مخلوق مربوب محدث، وقد كان الله قبل ذلك وغيره، فحدثت هذه الأمكنة، وقدمه - تعالى - يحيل وصفه بالتحيز فيها والله أعلم) اهـ. وبهذا تتفق كلمة البخاري وابن المنير والحافظ ابن حجر رحمهم الله تعالى في هذا النص على تنزيه الله تعالى عن المكان والجهة، وهذا قول جميع المنزهين. * قول الإمام البيضاوي: وقال الإمام البيضاوي - رحمه الله تعالى - (فتح الباري 3 / 37): (ولما ثبت بالقواطع أنه سبحانه منزه عن الجسمية والتحيز امتنع عليه النزول على معنى الانتقال من موضع إلى موضع أخفض منه، فالمراد نور رحمته، أي ينتقل من مقتضى صفة الجـلال التي تقتضي الغضب والانتقـام إلى مقتضى صفة الإكرام التي تقتضي الرأفة والرحمة) اهـ. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 12 | |||
|
![]() التفويض والتأويل التفويض: مأخوذ من قولهم فوض إليه الأمر. أي ردّه إليه. والمعنى الشرعي لا يخرج عن المعنى اللغوي، فهو شرعاً: ردُّ العلم بهذه المتشابهات إلى الله تعالى وعدم الخوض في معناها وذلك بعد تنزيه الله تعالى عن ظواهرها غير المرادة للشارع. والتأويل: أصله من الأَوْلِ وهو الرجوع. وهو شرعاً: صرف اللفظ عن الظاهر بقرينة تقتضي ذلك. وهذان المذهبان كما أسلفنا هما المذهبان المعتبران المأثوران عن أهل السنة والجماعة في أبواب المتشابه، ولا اعتبار لمن جنح إلى التعطيل أو التشبيه من المذاهب الأخرى التي رفضتها الأمة ولفظتها. ·انحصار الحق في التفويض والتأويل: هذه النصوص المتشابهة في الصفات إما أن تُثبت أو تُنفى، ونفيها تعطيل ظاهر، لأنه نفيٌ لما أثبت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، والإثبات إما أن يكون معه حمل الكلام على ظاهره وحقيقته التي يعهدها البشر، أو يصرف الكلام معه عن هذا الظاهر وهذه الحقيقة، والأول نعني حملَ الكلام على الظاهر والحقيقة يفضي قطعاً إلى التشبيه، لأن حقائق وظواهرهذه الألفاظ أجسام وكيفيات مخلوقة، والله تعالى منزه عنها. ولا يقال: نحملها على الظاهر ونفوض العلم بالكيفية إلى الله تعالى. لأن هذا القول تناقض صريح أوقعت فيه الغفلة، إذ ليس من ظاهر ولا حقيـقة هنـا إلا الجسم، وهذا لا يصح قطعاً وصف الله تعالى به. بقي القسم الأخير الذي هو صرف الكلام عن الحقيقة والظاهر، ثم بعد صرفه عن الظاهر إما أن يُتوقفَ عن التماس معنى له ويوكلَ العلمُ به إلى الله تعالى، وهذا هو التفويض الذي عليه جماهير السلف الصالح، أو يلتمسَ له معنى لائقٌ بالله تعالى حسب مناحي الكلام عند العرب وما تسيغه لغتهم، وهذا هو التأويل الذي عليه خلف الأمة وجماعات من سلفها الصالح. بهذين المذهبين تنحصر القسمة الصحيحة في هذه القضية. لهذا نرى العلماء ينصّون عندما يعرض لهم شيء من هذه المتشابهات على أنه (إما تفويض وإما تأويل) إذ ليس بعدهما إلا التشبيه أو التعطيل. قال الإمام الأبّي رحمه الله تعالى (شرح صحيح مسلم للأبي 7 / 190) أثناء شرحه لحديث " إن الله يمسك السموات على أصبع ": (والحديث من أحاديث الصفات فيصرف الكلام عن ظاهره المحال الموهم للجارحة، ويكون فيه المذهبان المتقدمان، إما الإمساك عن التأويل والإيمان به على ما يليق، ويصرف علمه إلى الله تعالى، أو يتأول) اهـ. وقال الإمام العلامة بدر الدين بن جماعة (إيضاح الدليل ص/103): (واتفق السلف وأهل التأويل على أن ما لا يليق من ذلك بجلال الرب تعالى غير مراد... واختلفوا في تعيين ما يليق بجلاله من المعاني المحتملة... فسكت السلف عنه، وأوله المتأولون) اهـ. وقال الإمام ابن الجوزي- رحمه الله تعالى - في حديث النزول (دفع شبه التشبيه 194): (روى حديث النزول عشرون صحابياً، وقد تقدم أنه يستحيل على الله عز وجل الحركة والنقلة والتغير، فيبقى الناس رجلين: أحدهما، المتأول بمعنى أنه يقرب برحمته... والثاني، الساكت عن الكلام في ذلك مع اعتقاد التنزيه) اهـ. وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - في شرحه على صحيح مسلم (5 / 24) أثناء الكلام على حديث الجارية، ما نصه: (هذا الحديث من أحاديث الصفات، وفيها مذهبان، أحدهما، الإيمان به من غير خوض في معناه مع اعتقاد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وتنزيهه عن سمات المخلوقات، والثاني، تأويله بما يليق)’اهـ. وقـال أيضـاً أثنـاء الكلام على حديث إمساك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع (17 / 129) ما نصه: (هذا من أحاديث الصفات، وقد سبق فيها المذهبان، التأويل والإمساك عنه مع الإيمان بها ومع اعتقاد أن الظاهر منها غير مراد) اهـ. ونقل الحافظ ابن حجر قول ابن دقيق العيد مؤيداً له وموافقاً عليه في حديث " لا شخص أغير من الله " (الفتح 13 / 411): (قال ابن دقيق العيد: المنزهون لله إما ساكت عن التأويل، وإما مؤول) اهـ. وعلى الجملة فإن أقوال العلماء في حصر الحق في هذين المذهبين لا تحصى كثرة، وبما نقلناه من نصوصهم مقنع. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 13 | |||
|
![]() مذهب جمهور السلف التفويض قال الإمام التـرمذي - رحمه الله - (سنن الترمذي 4 / 492) مثبتاً للسلف الصالح مذهب التفويض: (والمذهب في هذا عند أهل العلم من الأئمة مثل سفيان الثوري ومالك بن أنس وابن المبارك وابن عيينة ووكيع وغيرهم أنهم رووا هذه الأشياء ثم قالوا تروى هذه الأحاديث ونؤمن بها ولا يقال كيف، وهذا الذي اختاره أهل الحديث أن تروى هذه الأشياء كما جاءت ويؤمن بها ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف، وهذا أمر أهل العلم الذي اختاروه وذهبوا إليه) اهـ. وقوله (يؤمن بها) إثبات لها، وبه يفارقون أصحاب التعطيل، وقوله (ولا تفسر ولا تتوهم ولا يقال كيف) تفويض لله تعالى في معانيها، وقوله (ولا يقال كيف) أي بلا استفسار عن معانيها، أو تعيين المراد بها، وبه يفارقون أصحاب التشبيه. وروى الخلال بسند صحيح عن الإمام أحمد رضي الله عنه أنه قال في مثل هذه النصوص: (نؤمن بها ونصدق ولا كيف ولا معنى) اهـ. وروى الإمـام الحـافظ البيهقي رحمه الله تعالى بسنده عن الإمام والأوزاعي ـ رحمه الله (الاعتقاد ص / 93) قال: (كل ما وصف الله تعالى به نفسه في كتابه فتفسيره تلاوته والسكوت عليه) اهـ. والنصوص في هذا المعنى عن السلف كثيرة جدّاً كلها يفيد إيمانهم بها وإمرارها وعدم الخوض في تفسير معناها. ولقد نقـل الحـافظ ابن حجر (الفتح 6 / 48) عن الحافظ ابن الجوزي معنى قولهم: أمـروهـا كمـا جاءت. قال: (قال ابن الجوزي: أكثر السلف يمتنعون من تأويل مثل هذا ـ يشير إلى حديث يضحك الله إلى رجلين ـ ويمرونه كما جاء، وينبغي أن يراعى في مثل هذا الإمرار اعتقاد أنه لا تشبه صفات الله صفات الخلق، ومعنى الإمرار عدم العلم بالمراد([10]) منه مع اعتقاد التنزيه)’اهـ. قال الإمام عدي بن مسافر([11]) رحمه الله تعالى (اعتقاد أهل السنة والجماعة ص / 26): (وتقرير مذهب السلف كما جاء من غير تمثيل ولا تكييف ولا تشبيه ولا حمل على الظاهر) اهـ. ونقل الحافظ ابن حجر عن الإمام ابن المنير (الفتح 13 / 190) قوله: (لأهل الكلام في هذه الصفات كالعين والوجه واليد ثلاثة أقوال... والثالث إمرارها على ما جاءت مفوضاً معناها إلى الله تعالى، وقال الشيخ السهروردي في كتاب العقيدة له: أخبر الله في كتابه وثبت عن رسوله الاستواء والنزول والنفس واليد والعين فلا يتصرف فيها بتشبيه ولا تعطيل، إذ لولا إخبار الله ورسوله ما تجاسر عقل أن يحوم حول ذلك الحمى. قال الطيبي: هذا هو المذهب المعتمد وبه يقول السلف الصالح) اهـ. وقال الإمام النووي - رحمه الله تعالى - (المجموع 1 / 25): (اختلفوا في آيات الصفات وأخبارها هل يخاض فيها بالتأويل أم لا؟ فقال قائلون تتأول على ما يليق بها، وهذا أشهر المذهبين للمتكلمين، وقال آخرون: لا تتأول بل يمسك عن الكلام في معناها ويوكل علمها إلى الله تعالى ويعتقد مع ذلك تنزيه الله تعالى وانتفاء صفات الحوادث عنه، فيقال مثلاً: نؤمن بأن الرحمن على العرش استوى، ولا نعلم حقيقة معنى ذلك والمراد به، مع أنا نعتقد أن الله تعالى ليس كمثله شيء، وأنه منزه عن الحلول وسمات الحدوث، وهذه طريقة السلف أو جماهيرهم وهي أسلم) اهـ. قال الإمام الجلال السيوطي - رحمه الله تعالى - (الإتقان في علوم القرآن 2 / 10): (من المتشابه آيات الصفات... وجمهور أهل السنة منهم السلف وأهل الحديث على الإيمان وتفويض معناها المراد منها إلى الله تعالى، ولا نفسرها مع تنزيهنا له - تعالى - عن حقيقتها) اهـ. هذه نصوص صريحة في إثبات التفويض للسلف الصالح لا سبيل إلى إنكارها أو حملها على معاني أخرى لا تتفق وجلالة أقدارهم وتنزيههم للباري سبحانه، كمن ينسب لهم إثبات الحقائق الظاهرة المتعارف عليها بين البشر وتفويض كيفياتها لله تعالى، فيقول إنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضـون الكيف، وقائل هذا لا يدري ما يقول، وقد جره إلى هذا الفهم عبـارة (بلا كيف) التي كثيراً ما ترد على ألسنة السلف عند الكلام على النصوص المتشابهة، ففهم منها أنهم يثبتون المعنى الحقيقي ويفوضون الكيف، وهذا فهم باطل، بل هي عبارةٌ المقصودُ منها زجرُ السائل عن البحث والتقصِّي، لا إثبات المعنى الحقيقي وتفويض الكيف!! فإن أي لفظ يدلُّ في حقيقته على شيء من الجسمانيات والكيفيات متى ما جُهِل معناه كان السؤال عن المراد منه بكلمة (كيف)، وفي حديث فضل عيادة المريض الذي أخرجه مسلم ما يدل على هذا، وذلك حين يقول الله تعالى لعبده (مرضت فلم تعدني.. استطعمتك فلم تطعمني.. استسقيتك فلم تسقني..) كل ذلك والعبد يقول: (رب كيف أعودك وأنت رب العالمين؟!.. رب كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟!.. رب كيف أسقيك وأنت رب العالمين؟!) فهو لم يفهم المعنى المراد من اللفظ بعد أن استحالت حقيقته في عقله، فسأل بـ (كيف؟) عن المعنى المراد، لا أنه أثبت حقيقة المرض والاستطعام والاستسقاء لله تعالى لكنه لم يعلم كيفياتها!! فعندما يقال في جواب السائل (بلا كيف) يفهم منه أنه (بلا معنى) لأن لفظ الـ (كيف) هنا مستفهم به عن المعنى، وبنفيه ينتـفي المعنى المستفهم عنه به، فهو من قبيل نفي الملزوم عن طريق نفي اللازم، فالكيف لازم للمعنى الظاهر، وبنفيه نفيٌ للمعنى الظاهر، وذلك كمن يقول لك: إن هذا العدد ليس بزوج. فتفهم منه أنه ليس اثنين ولا أربعة ولا ستة... الخ لأن الزوجية لازم غير قابل للانفكاك عن الاثنين والأربعة والستة.. الخ. من هنا يتبين مراد السلف بقولهم (بلا كيف)، ومنه تعلم أن من ينسب للسلف إثبات المعاني الحقيقية لهذه الألفاظ والتفويض في كيفياتها ينسب لهم التشبيه من حيث لا يدري. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 14 | |||
|
![]() تنبيه هل كان السلف يدركون أي معنى لهذه النصوص المتشابهة؟ أم أنها بالنسبة لهم كالحروف التي في أوائل السور؟ وإذا كانوا يدركون لها معنى، كيف يُوفَّق بين إدراكهم هذا وبين ما مرَّ من تفسير الإمرار بأنه عدم العلم بالمراد؟ يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تعارض بين إدراك معاني هذا النصوص وبين إمرارها الذي هو عدم العلم بالمراد منها، وفي الحقيقة ليس ثمة أي تعارض بين الأمرين، فالمقصود بعدم العلم بالمراد الذي فُسِّر به الإمرار هو عدم العلم بالمراد تفصيلاً وعلى سبيل القطع والتحديد، وهذا لا يقتضي عدم علمهم بالمراد إجمالاً. مثال على هذا قوله تعالى( بل يداه مبسوطتان ) يفهم منه على سبيل الإجمال معنى الكرم والجود المطلق والعطاء الذي لا ينقطع اللائق بصفة الرب تعالى، أما لفظ اليدين المضاف لله تعالى في الآية فبعد استبعاد المعنى الظاهر المتبادر من إطلاقه وهو الحقيقة اللغوية التي وضع اللفظ ليدلَّ عليها بين المخلوقين وهي الجارحة، نقول بعد استبعاد هذه الحقيقة احتمل اللفظ عدة معانٍ مجازية، ولهذا الاحتمال توقف جمهور السلف عن التعيين والقطع بأحدها، وهذ هو معنى عدم علمهم بالمراد لا أنهم لا يفهمون لهذه النصوص أي معنى، تعالى الله أن يخاطب الناس بما لا يُفهم. هذا هو اللائق بمقامات السلف في العلم، إذ لا يعقل أنهم كانوا يسمعون مثلاً قول الله تعالـى ( يد الله فوق أيديهم ) أو ( بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ) أو ( الرحمن على العرش استوى ) أو ( ثم استوى إلى السماء ) أو ( يوم يكشف عن ساق )، أو قول رسول الله‘(يضحك ربنا) أو (ينزل ربنا) أو (يعجب ربنا) الخ، ثم لا يفهمون من كل ذلك أي معنى، كما هو الحال مع الحروف التي في فواتح السور، كلا، فإن هذه الألفاظ لها في لغة العرب معانٍ مجازيةٌ معروفةٌ ومشهورةٌ لا شك أن السلف فهموها إجمالاً، ولكنهم لفرط تقواهم وخشيتهم لله تعالى وتهيبهم لذلك المقام الأقدس ثم لعدم الاضطرار إلى التعيين لأحد المعاني لخلو عصرهم من المبطلين الذين يحملون كلام الله تعالى وكلام رسوله‘ على وجوه فاسدة لا تحتملها لغة العرب وتتنافى مع التقديس والتنزيه، لهذا ولذاك أحجموا عن التعيين والتصريح، واكتفوا بهذا الفهم الإجمالي لها، وصرح بها الخلف بعدهم لطروِّ ما اقتضى ذلك وحتّمه عليهم. قـال الشيـخ العلامـة العزامـي القضـاعي (فرقان القرآن مطبوع في ذيل الأسماء والصفات للبيهقي ص / 104): (وقال تعالى: ( الله نور السموات والأرض )هل فهم أحد من السلف أنه هو ذلك النور الفائض على الحيطان والجدران المنتشر في الجو؟ جل مقام العلماء بالله وكتابه أن يفهموا هذا المعنى الظـاهر العامي. قال حبر الأمة ابن عباس فيما رواه عنه الطبري بالسند الصحيح: الله سبحانه هادي أهل السموات والأرض. وروى نحوه عن أنس بن مالك. وروى عن مجاهد أن معناه المدبر. ورجح الإمامُ الأوّلَ وزيف ما عداه … تعالى الله عن صفات الأجسام وسمات الحدوث. وهكذا لو استقريت أقوال السلف من مظانها لرأيت الكثير الطيب من بيان المعاني اللائقة بالله تعالى على سبيل التعيين، فمن نقل عدم التعيين مطلقاً عن السلف فما دقق البحث ولا اتسع اطلاعه) اهـ. وقال أيضاً مُوضّحاً هذا المعنى: (تنبيه مهم: إذا سمعت في عبارات بعض السلف " إننا نؤمن بأن له - تعالى - وجها لا كالوجوه ويداً لا كالأيدي " فلا تظن أنهم أرادوا أن ذاته العلية منقسمة إلى أجزاء وأبعاض، فجزءٌ منها يدٌ وجزءٌ منها وجهٌ غير أنه لا يشابه الأيدي والوجوه التي للخلق!! حاشاهم من ذلك، وما هذا إلا التشبيه بعينه، وإنما أرادوا بذلك أن لفظ الوجه واليد قد استعمل في معنى من المعاني، وصفة من الصفات التي تليق بالذات العلية كالعظمة والقدرة، غير أنهم يتورعون عن تعيين تلك الصفة تهيباً من التهجم على ذلك المقام الأقدس) اهـ. وجاء في كتاب تاريخ المذاهب الإسلامية للإمام محمد أبو زهرة - رحمه الله - (1 / 237) ما نصه: (فهل يتصور أن الذين يبايعون النبي ‘تحت الشجرة عندما يتلون قوله تعالى ( إنّ الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم ، فمن نكث فإنما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجراً عظيما ) يفهمون أن اليد هنـا يد ليست كيد المخلوقات – يعني يدا حقيقية كما يقول أصحاب الظاهر ولكنها ليست كيد المخلوقات – ولا يفهمون أن المراد سلطان الله تعالى وقدرته، بدليل ما فيها من تهديد لمن ينكث بأن مغبة النكث تعود عليه. ولذلك نحن نرجح منهاج الماتريدي ومنهاج ابن الجوزي ومنهاج الغزالي، ونرى أن الصحابة كانوا يفسرون بالمجاز إن تعذر إطلاق الحقيقة، كما يفسرون بالحقيقة في ذاتها) اهـ. يؤيد هذا ما نقل عن جماعات منهم من التصريح بذكر هذه المعاني المجازية مثل سيدنا ابن عباس وابن مسعود وعلي رضي الله عنهم والحسن البصري ومالك والأوزاعي وقتادة والثوري ومجاهد وعكرمة رحمهم الله وغيرهم ممن تزخر بنصوصهم كتب التفسير والحديث وغيرها. وسيأتي معنا باب خاص في تأويلات السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم. |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 15 | |||
|
![]() التأويل مذهب سلفى وعربى أصيل قد يظن البعض وذلك بسبب الرهج الذي يثار أمام البصائر والعقول في هذه القضية أن التأويل مذهب مبتدع ومنهج ضلال، لا سيما إذا مثل له بتأويلات المبتدعة من الفرق الباطنية وتعطيلات الجهمية وغيرها من الفرق التي اتخذت التأويل المتكلَّف مركباً وجسراً تعبر منه لهدم الدين ونقض الشريعة، والحق الذي لا يماري فيه منصف عاقل أن التأويل منهج سديد لابد منه لفهم الكتاب والسنة، ومذهب ثابت عن جماعات من السلف كما نقل ذلك علماء الأمة وأئمتها. قال الإمام الزركشي - رحمه الله تعالى - (البرهان في علوم القرآن 2 / 207): (وقد اختلف الناس في الوارد منها - يعني المتشابهات - في الآيات والأحاديث على ثلاث فرق: أحدها: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها، ولا نؤول شيئاً منها، وهم المشبهة. الثانية: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه مع تنزيه اعتقادنا عن الشبه، والتعطيل، ونقول لا يعلمه إلا الله وهو قول السلف. والثالثة: أنها مؤولة وأولوها على ما يليق به. والأول باطل - يعني مذهب المشبهة - والأخيران منقولان عن الصحابة) اهـ. فأثبت رحمه الله تعالى مذهب التأويل للصحابة. وقال الإمام النووي - رحمه الله - في سياق شرحه لحديث من أحاديث الصفات (شرح مسلم 6 / 36): (هذا حديث من أحاديث الصفات وفيه مذهبان مشهوران للعلماء... أحدهما وهو مذهب السلف... والثاني مذهب أكثر المتكلمين وجماعات من السلف وهو محكي عن مالك والأوزاعي أنها تتأول على ما يليق بها بحسب مواطنها) اهـ. ومالك والأوزاعي من كبار علماء السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم. وقد مر معنا تأويل مالك لنزول الرب وتعليق ابن عبد البر على ذلك. وقال الإمام أبو محمد الجويني([12]) والد إمام الحرمين رحمهما الله تعالى (إتحاف السادة المتقين 2 / 110): (أما ما ورد من ظاهر الكتاب والسنة مما يوهم بظاهره تشبيهاً فللسلف فيه طريقان، الإعراض عن الخـوض فيها وتفويض علمها إلى الله تعالى... وإليها ذهب كثير من السلف... والطريقة الثانية: الكلام فيها وفي تفسيرها بأن يردها عن صفات الذات إلى صفات الفعل، فيحمل النزول على قرب الرحمة واليد على النعمة والاستواء على القهر والقدرة، وقد قال‘ " كلتا يديه يمين " ومن تأمل هذا اللفظ انتفى عن قلبه ريبة التشبيه، وقد قال تعالى ( الرحمن على العرش استوى )وقال ( ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ) فكيف يكون على العرش ساعة كونه سادسهم إلا أن يُردَّ ذلك إلى معنى الإدراك والإحاطة لا إلى معنى المكان والاستقرار والجهة والتحديد) اهـ. وقال العلامة الشوكاني - رحمه الله تعالى - (إرشاد الفحول 176): (الفصل الثاني: فيما يدخله التأويل، وهو قسمان، أحدهما، أغلب الفروع، ولا خلاف في ذلك. والثاني، الأصول كالعقائد وأصول الديانات وصفات الباري عز وجل، وقد اختلفوا في هذا القسم على ثلاثة مذاهب: الأول: أنه لا مدخل للتأويل فيها، بل تجرى على ظاهرها ولا يؤوَّل شيء منها، وهذا قول المشبهة. والثاني: أن لها تأويلاً ولكنا نمسك عنه، مع تنزيه اعتقادنا عن التشبيه والتعطيل لقوله تعالى ( وما يعلم تأويله إلا الله )، قال ابن برهان وهذا قول السلف... والمذهب الثالث: أنها مؤولة. قال ابن برهان، والأول من هذه المذاهب باطل، والآخران منقـولان عن الصحابة، ونقل هذا المذهب الثالث عن علي وابن مسعود وابن عباس وأم سلمة) اهـ. وهذه أقوال صريحة للعلماء. بإثبات مذهب التأويل للسلف الصالح. ونحن نقول: لنفترض أنه لم ينقل عن أحد من السلف الصالح التصريح بتأويل شيء من ذلك، أي حرج على من سلك سنن العرب في فهم الكلام العربي، وحمل هذه النصوص على ما تجيزه لغتهم، والعرب شائع في لسانهم تسمية الشيء باسم غيره إذا كان مجاوراً له أو كان منه بسبب، كتسمية المطر بالنوء، والقوة باليد، وشائع أيضاً عندهم نسبة الفعل إلى غير فاعله، إذا كان برضاه أو بأمره ونحو ذلك، كأن يقال: فعل الأمير كذا، وضرب الأمير فلاناً، والفاعل والضارب حقيقة عامله، وإنما نسب الفعل إليه لأنه أمر به أو رضي به، وعلى الجملة فإن هذا ونظائره كثير دارج على ألسنتهم، ولا سبيل إلى إنكاره وجحده، والقرآن وأحاديث الرسول ‘جاءا بلسان العرب ولغتهم. على أن الكلام إذا خلا من المجازات والاستعارات سمج وأصبح فجاً ثقيلاً لا تقبله الأسماع ولا تهضمه. ونقل الحافظ بن حجر عن الإمام المازري (الفتح 13 / 144) أثناء شرحه لحديث " إنكم سترون ربكم " وفيه قوله ‘" وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه ". قال الحافظ: (قـال المازري كان النبي‘ يخاطب العرب بما تفهم، ويخرج لهم الأشياء المعنوية إلى الحس ليقرب تناولهم لها، فعبر عن زوال المـانع ورفعه عن الأبصـار بذلك) اهـ. ثم قال الحافظ ابن حجر (المصدر السابق): (قال عياض: كانت العرب تستعمل الاستعارة كثيراً، وهو أرفع أدوات بديع فصاحتها وإيجازها، ومنه قوله تعالى: ( جناح الذل ) فمخاطبة النبي‘ لهم بـ " رداء الكبرياء على وجهه " ونحو ذلك من هذا المعنى، ومن لم يتضح له، وعلم أن الله منزه عن الذي يقتضيه ظاهرها إما أن يكذب نقلتها، وإما أن يؤولها، كأن يقول: استعار لعظيم سلطان الله وكبريائه وعظمته وهيبته وجلاله المانعِ إدراكَ أبصارِ البشرِ مع ضعفها لذلك رداءَ الكبريـاء، فإذا شـاء تقويـة أبصـارهم وقلوبهم كشف عنهم حجـاب هيبته وموانع عظمته) اهـ. ورجّح الإمـام العزبن عبد السلام - رحمه الله - طريـقة التأويـل فقــال (إتحاف السادة المتقين 2 / 109): (طريقة التأويل بشرطها أقربها إلى الحق) وعلق الإمام الزبيدي رحمه الله تعالى على قول العز بقوله (ويعني بشرطها أن يكون على مقتضى لسان العرب) اهـ. وقال الإمام العلامة الآلوسي رحمه الله تعالى (روح المعاني 3 / 89)حاثاً على حمل المتشابه على المجاز: (الحمل على المجاز الشائع في كلام العرب والكناية البالغة في الشهرة مبلغ الحقيقة أظهر من الحمل على معنى مجهول) اهـ. وقال أيضاً (3 / 116): (والتأويل القريب إلى الذهن الشائع نظيره في كلام العرب مما لا بأس به عندي، على أن بعض الآيات مما أجمع على تأويلها السلف والخلف) اهـ. فأثبت رحمه الله للسلف تأويل بعض الآيات وأنها مما أُجمِع على تأويلها. وقال الدكتورالشيخ محمد سعيد رمضان البوطي حفظه الله تعالـى (كبرى اليقينيات ص/ 138 ومابعدها): (مذهب السلف هو عدم الخوض في أي تأويل أو تفسير تفصيلي لهذه النصوص، والاكتفاء بإثبات ما أثبته الله تعالى لذاته، مع تنزيهه عزّ وجلّ عن كل نقص ومشابهة للحوادث، وسبيل ذلك التأويل الإجمالي لهذه النصوص وتحويل العلم التفصيلي بالمقصود منها إلى علم الله عزّ وجلّ، أما ترك هذه النصوص على ظاهرها دون أي تأويل لها سواء كان إجمالياً أم تفصيلياً فهو غير جائز، وهو شيء لم يجنح إليه سلف ولا خلف.... ولكنك عندما تنزه الله حيال جميع هذه الآيات عن مشابهة مخلوقه في أن يتحيز في مكان وتكون له أبعاد وأعضاء وصورة وشكل، ثم أثبتَّ لله ما أثبته هو لذاته على نحوٍ يليق بكماله وذلك بأن تكِلَ تفصيل المقصود بكلٍّ من هذه النصوص إلى الله جلّ جلاله سَلِمْتَ بذلك من التناقض في الفهم وسَلَّمْتَ القرآن من توهم أي تناقض فيه، وهذه هي طريقة السلف رحمهم الله ألا تراهم يقولون عنها " أمروها بلا كيف " إذ لولا أنهم يؤولونها تأويلاً إجمالياً بالمعنى الذي أوضحنا لما صحّ منهم أن يقولوا ذلك... ومذهب الخلف الذين جاءوا من بعدهم هو تأويل هذه النصوص بما يضعها على صراط واحد من الوفاق مع النصوص المحكمة الأخرى التي تقطع بتنزّه الله عن الجهة والمكان والجارحة... واعلم أن مذهب السلف في عصرهم كان هو الأفضل والأسلم والأوفق مع الإيمان الفطري المرتكز في كلٍّ من العقل والقلب. ومذهب الخلف في عصرهم أصبح هو المصير الذي لا يمكن التحول عنه، بسبب ما قامت فيه من المذاهب الفكرية والمناقشات العلمية.... والمهم أن تعلم بأن كلاًّ من المذهبين منهجان إلى غاية واحدة، لأن المآل فيهما إلى أن الله عزّوجلّ لا يشبهه شيء من مخلوقاته، وأنه منزّه عن جميع صفات النقص، فالخلاف الذي تراه بينهما خلاف لفظي وشكلي فقط) اهـ. وقال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله تعالى (تعريف عام بدين الإسلام ص/81): (القرآن أنزل بلسان العرب، وخوطب به العرب، وكل ما يفهمه منه العربي الصميم وفق قواعد العربية ومصطلح أهلها - حقيقة حيث ينصرف إلى الحقيقة أو مجازاً حيث يفهم منه المجاز - يكون فهماً صحيحاً، ولكن اللغات كلها إنما وضعت للتعبير عن المعاني الأرضية المادية، فلا تستطيع أن تحيط بالمشاعر الإنسانية فضلاً عن الصفات الإلهية) اهـ. وهذه حقيقة لا ريب فيها بين العقلاء، إذ الكلام يتعين في الحقيقة والظاهر متى أمكن ذلك، وإلا فبالمجاز مندوحة وسَعة، وبما أن هذه الألفاظ حقائقها مادية حسية إذن من الخطأ بمكان حمل اللفظ عليها، بل يتعين الانصراف إلى المجاز. فإذا كان الأمر كذلك، فلا ملامة ولا حرج حينئذ على علماء الأمة إذا فسروا كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘ العربيين على طريقة العرب وحسب أسلوب تخاطبهم وتحاورهم وبما يليق بجلال الله تعالى، وبما يدفع شبه المشبهين، وهل هم في هذا إلا مـهتدون بهدي جمهور السلف الذين فهموا عن الله تعالى وعن رسوله ‘، لكنهم - كما ذكرنا - لم يتطرقوا - في الغالب - لإعلانه والتصريح به لعدم الحاجة إلى ذلك في عصورهم، ومضى قرنهم على هذا. وهكذا كان الحـال مع الذين جاءوا من بعدهم، إلى أن جاء زمن نبتت فيه رؤوس البدعة، ورفع فيه أهل الزيغ عقيرتهم، وجابهوا الناس بما لم يكن لهم به عهد، واستولوا بمقالاتهم الفاسدة على عقول العامة، وحملوا كلام الله تعالى وكلام رسوله ‘على ما لا يجوز حملهما عليه من المعاني، حينها تعين على علماء أهل السنة الذود عن عقائد المسلمين، وغاية ما فعلوه ـ رضي الله تعالى عنهم ـ هو أنهم جهروا بما كان يجتنب جمهور السلف الصالح من الصحابة والتابعين الجهر به، لعدم الحاجة إليه في أزمنتهم. قال الإمام العز بن عبد السلام (فتاوى العز بن عبد السلام ص / 22) رحمه الله تعالى: (وليس الكلام في هذا - يعني التأويل - بدعة قبيحة، وإنما الكلام فيه بدعة حسنة واجبة لَمَّا ظهرت الشبهة، وإنما سكت السلف عن الكلام فيه إذ لم يكن في عصرهم من يحمل كلام الله وكلام رسوله على ما لا يجوز حمله عليه، ولو ظهرت في عصرهم شبهة لكذبوهم وأنكروا عليهم غاية الإنكار، فقد رد الصحابة والسلف على القدرية لما أظهروا بدعتهم، ولم يكونوا قبل ظهورهم يتكلمون في ذلك) اهـ. وقال الشيخ الإمام القدوة الرباني عدي بن مسافر الشامي - رحمه الله تعالى - (اعتقاد أهل السنة والجماعة ص / 26): (ونؤمن بما ورد به الكتاب والسنة ولا نتعرض للتأويل بعد أن نعلم أن الله عز وجل لا يشبه شـيئاً من المخلوقات ولا يشبهه شيء منها، فإن كل ما تمثل في الوهم فهو مُقدِّرُه قطعاً وخالقُهُ، وهذا الذي درج عليه السلف قبل ظهور الأهواء وتشعب الآراء، فلما ظهرت البدع وانتشر في الناس التشبيه والتعطيل فزع أهل الحق إلى التأويل)’اهـ. وهذا الذي قاله رضي الله عنه هو عين ما يراه الأشاعرة ويعتقدونه، إذ لولا ظهور الفتن ومقالات أهل الزيغ وتشويشهم على عقائد العامة ما صرحوا وبينوا ما كان السلف يعتقدونه إجمالاً ويمرون عليه مروراً. |
|||
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc