الدين والسياسة - الصفحة 2 - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الجامعة و البحث العلمي > الحوار الأكاديمي والطلابي > قسم أرشيف منتديات الجامعة

قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها .....

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

الدين والسياسة

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2008-11-07, 14:39   رقم المشاركة : 16
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

5. إخضاع كل شيء -فيما عدا المُسلَّمات الدِّينية والعقلية: للفحص والاختبار، والرضا بالنتائج: كانت للإنسان أو عليه.
6. عدم التعجل في إصدار الأحكام والقرارات، وتبنِّي المواقف: إلا بعد دراسة متأنِّية مبنية على الاستقراء والإحصاء، وبعد حوار بنَّاء، تظهر معه المزايا، وتنكشف المآخذ والعيوب.
7. تقدير وجهات النظر الأخرى، واحترام آراء المخالفين في القضايا ذات الوجوه المتعددة، في الفقه وغيره، ما دام لكل دليله ووجهته، وما دامت المسألة لم يثبت فيها نص حاسم يقطع النزاع، ومن المقرَّر عند علمائنا: أن لا إنكار في المسائل الاجتهادية، إذ لا فضل لمجتهد على آخر، ولا يمنع هذا من الحوار البنَّاء، والتحقيق العلمي النزيه: في ظل التسامح والحب.
8. أن تتكون لدى أجيالنا خاصة: (العقلية العلمية)، التي حرصت تعاليم القرآن على إنشائها وتكوينها لدى المسلم. لا (العقلية العامية) الخرافية، التي تقبل كل ما يُلقى إليها، ولو كان من الأباطيل والأوهام [8].
9. وإذا كانت العقلانية مطلوبة في فَهم الحياة وسننها، فهي مطلوبة كذلك في فَهم الدِّين وأحكامه، فليس هناك دين منطقي يقوم على مخاطبة العقل، ويعلل أحكامه وتشريعاته، وأوامره ونواهيه، كدين الإسلام. وهو لا يتعارض فيه نقل صحيح مع عقل صريح. وما ظنه بعض الناس كذلك فهو مرفوض، ولا بد أن يكون ما حسب من العقل ليس بعقل في الواقع، أو ما حسب من الدِّين ليس بدين في الحقيقة.
وطالما نادينا علماء الأمة أن يركنوا إلى (فقه جديد) حثَّ عليه القرآن من قديم حين قال: قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ [الأنعام:98]، انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ [الأنعام:65]، ووصف القرآن الذين كفروا بأنهم: لا يَفْقَهُونَ [الأنفال:65]، كما وصف المنافقين بقوله: ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ [الحشر:13]. والمراد بهذا الفقه: فقه سنن الله في الكون والمجتمع، وآياته في الأنفس والآفاق.
ونحن ندعو في فقه الدِّين فقها نيّرا صحيحا، إلى أنواع من الفقه لا بد منها، لتهتدي الأمة صراطا مستقيما.
منها: فقه مقاصد الشريعة، وعدم الوقوف عند ظاهر النص وحرفيته، ووجوب الغوص على الحكم والأسرار التي هدف النص إلى تحقيقها بما فيها مصالح العباد في الدنيا والآخرة [9].
ومنها: فقه المآلات، أي النتائج والآثار التي تترتب على الحكم أو التكليف، فقد ينتهي ذلك إلى المنع من أمر مباح، لما قد يؤدي إليه من مفسدة، كما يشير إليه قوله: وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [الأنعام:108].
ومما نأسف له: أن هذا الفقه غاب عن بعض إخواننا من أهل العلم الشرعي، الذين شنوا عليَّ الغارة، حينما ذهبت مع وفد من العلماء والدعاة إلى دولة أفغانستان لمقابلة علماء (طالبان) لنقنعهم بترك تماثيل بوذا، التي صمموا على هدمها وإزالتها. وكان هدفنا: الدفاع عنهم قبل كل شيء، لا الدفاع عن التماثيل والأصنام، كما اتهمنا من اتهمنا بأننا جئنا لنحمي الأصنام، ولندافع عنها.
ونحن لم يكن همنا إلا الدفاع عن إخواننا، الذين عاداهم أهل الغرب، فأردنا إلا يستعدوا عليهم أهل الشرق، من أتباع بوذا، وهم بمئات الملايين. ولا سيما أن هذه الأصنام كانت موجودة عند الفتح الإسلامي وبعده بقرون، فلم يفكر أحد في إزالتها، أو تشويهها، ويسعنا ما وسعهم.
وقد اقترح بعض الصحابة على النبي : أن يقتل رأس النفاق في المدينة: عبد الله بن أُبَي ومن معه، ويستريح من شرهم وكيدهم، فكان جوابه: أخشى أن يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه!!
أي أنه خشي من حملة إعلامية يقودها خصومه، تشوه ما فعله الرسول، وتصوره بصورة سيئة تخوِّف الناس من محمد الذي لا يأمن أحد على نفسه عنده حتى أصحابه.
وهناك: فقه الموازانات، وفقه الأولويات، وفقه الاختلاف. وكلها ألوان ضرورية من الفقه المطلوب. وكلها توحي بتحرُّر الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي من الجمود والتقليد، والتمسك بفتاوى وأحكام صنعها (العقل المسلم) لزمنه وبيئته وحل مشكلاته، فلم تعد تلزمنا اليوم، لتغير الزمان والمكان والإنسان.
إن على الفقيه المسلم اليوم: أن ينظرفي الفقه الموروث [10] نظرة عميقة جديدة، ليتخير منه ما يلائم عصرنا ومحيطنا، ويعزل ما كان ابن مكانه وزمانه، وأن يقف مع الآراء المختلفة والمذاهب المتنوعة: وقفة الموازنة والمقارنة بين الأدلة: ليختار منها ما كان أقوم قيلا، وأهدى سبيلا، وأرجح دليلا، مراعيا مقاصد الشرع، ومصالح الخَلق، ولا يتعبد ببعض الأسماء والمصطلحات التي لم يعد لها قبول في عصرنا، مثل مصطلح (أهل الذمة) أو (الجزية) فالمدار على المسميات لا على الأسماء. وقد قال علماؤنا: العبرة في العقود للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني.
ولننظر فيما سماه الأقدمون (جهاد الطلب) وهو يقوم على التوسع والتوغل في أرض الأعداء، من باب ما يسمونه الآن: حرب الوقاية، فلم نعد في حاجة إليه اليوم، بعد ميثاق الأمم المتحدة، واتفاق العالم على احترام حدود الدول الإقليمية، والعمل على حلِّ مشاكل النزاع فيما بينها بالوسائل السلمية.
وإن قال بعضهم: إن المقصود بهذا الجهاد نشر الإسلام، فإنا نستطيع نشر الإسلام بوسائل غير عسكرية، مثل الإذاعات الموجهة، والقنوات الفضائية، والإنترنت وغيرها. فنحن في حاجة إلى جيوش جرارة من المعلمين والدعاة والإعلاميين المدربين على مخاطبة الأمم بألسنتها المختلفة ليبينوا لهم، وليس عندنا واحد من الألف من المطلوب منا!!
وعليه أن ينظر في الأمور المستجدة - وما أكثرها- في ضوء فقه الواقع، موازنا بين النصوص الجزئية والمقاصد الكلية للشريعة، فلا يهمل النصوص الجزئية، كما يدعو إلى ذلك العلمانيون والحداثيون، ولا يغفل المقاصد الكلية، كما يدعو إلى ذلك الحرفيون والجامدون. وليستنَّ بفقه الصحابة رضي الله عنهم، الذين كانوا أفقه الناس للإسلام، وأفهمهم لروحه، وأعرفهم بمقاصده، وأبصرهم بحاجات الناس، ومصالح العباد، وأكثرهم تيسيرا على الخَلق، مهتدين بالمنهج القرآني: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ [الحج:78]، و يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ [البقرة:185]، وبالمنهج النبوي: "يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا" [11].

ابن رشد والعلمانية:
ومن أغرب ما قرأت من دعاوي العلمانيين والحداثيين: ادعاؤهم أن العلامة الكبير أبا الوليد بن رشد الحفيد (ت595هـ) كان علمانيا!! لأنه كان يؤمن بأن هناك حقيقتين في الوجود: حقيقة عقلية تتضمنها الفلسفة، وحقيقة دينية جاء بها الوحي، وأن لكل منهما مجاله وأهله. ولهذا حاربه الفقهاء، ووجد من السلاطين ورجال المُلك من أمر بإحراق كتبه.
وهذه إحدى دعاوى القوم الذين لم يحسنوا قراءة ابن رشد، ولم يستوعبوا تراثه، ولم يعرفوا ماذا كان عمله في المجتمع.
لقد جهل هؤلاء أن ابن رشد يعرف بـ(القاضي ابن رشد)، أي أن الدولة وظفته قاضيا يحتكم إليه الناس، فيحكم بينهم بأحكام الشريعة. وأن هذا الرجل كان من الموسوعيين القلائل الذين عرفهم تاريخنا، فقد اجتمعت له:
1- (الثقافة الشرعية) التي مثلها كتابه الفريد (بداية المجتهد ونهاية المقتصد) وهو يعد من أعظم ما كتب في الفقه المقارن بين المذاهب المتبوعة. وقد درس الفقه عن أبيه وجده سميه (ابن رشد الجد) صاحب المقدمات والبيان والتحصيل، وأحد العقول الكبيرة في الفقه المالكي.
2- (الثقافة الفلسفية)، فهو يعد أعظم شراح أرسطو، ومن خلال شروحه عرفت أوربا أرسطو، واستفادت بذلك في نهضتها. وله كتابان من أعظم ما كتب فيما يسمى (الفلسفة الإسلامية) وهما: فصل المقال، وكشف الأدلة عن مناهج أهل المِلَّة.
3- (الثقافة العلمية) الطبية، فقد كان الطب أحد شعب الفلسفة، وكان ابن رشد أبرز المشاركين فيه، إذ كان له كتاب (الكليات) في الطب، الذي ترجم إلى اللاتينية، وانتفعت به أوربا قرونا، وله رسائل أخرى في المجال العلمي [12].
ولم يكن يجد ابن رشد في هذه الثقافات تعارضا ولا تناقضا، بل رآها يغذي بعضها بعضا، ويكمل بعضها بعضا، ولم يثر ابن رشد الفيلسوف على ابن رشد الفقيه، ولا العكس. ولم يقل يوما: إن هناك حقيقتين مختلفتين أو متعارضتين: إحداهما فلسفية، والأخرى شرعية، بل كان يراهما حقيقة واحدة، لأن الحق لا يعارض الحق، والحقائق القطعية لا تتناقض، ولذا عني أن يدلل على ذلك، بكتابه (فصل المقال فيما بين الشريعة والحكمة من اتصال).
فهناك اتصال – لا تعارض ولا تناقض – بين الشريعة والحكمة، أو بين العقيدة والفكر، أو بين الدين والفلسفة، وله كلمات نيّرة في هذا الكتاب الموجز.
وحينما كفر الإمام أبو حامد الغزالي الفلاسفة في ثلاث قضايا، وخطأهم في سبع عشرة: في كتاب (تهافت الفلاسفة) حاول ابن رشد أن يدافع عن الفلاسفة، ويرد على الغزالي في كتابه (تهافت التهافت)، الذي يثبت فيه أن الفلاسفة المسلمين، ولا سيما (المشَّائين) منهم، مثل الكندي والفارابي وابن سينا، ليسوا كفارا، وإنما هم مسلمون. واجتهد أن يتأول مقولاتهم على وجه لا يخرجهم من الإسلام.
إن اتهام القاضي الفقيه ابن رشد بأنه (علماني) غلط واضح، وجهل فاضح، وجهالة فجَّة من جهالات الذين يقحمون أنفسهم على التراث، ولم يبذلوا يوما جهدا في هضمه وحسن فَهمه، ورد بعضه إلى بعض، وبخاصة تراث العباقرة والأفذاذ من أمثال الغزالي وابن رشد وابن تيمية وابن الوزير والشاطبي وابن خلدون وغيرهم.
كل ما في الأمر: أن جماعة من حُسّاد ابن رشد كادوا له عند الأمير الذي كان يجله ويقدمه، وزوّروا عليه أشياء لم يقلها، فصدّقهم الأمير، وغضب على ابن رشد، وأمر بإحراق كتبه، كما أحرقت كتب الغزالي في وقت من الأوقات.
وقد قيل: إن الأمير في الأخير عرف منزلة ابن رشد.
ولكن الرجل مشهود له من أهل عصره وأهل بلده، بالعلم والفضل وحسن السيرة والأمانة والنبوغ في العقليات والشرعيات. ونقل الذهبي عن ابن الأبَّار في (تكملته) أنه قال: لم ينشأ في الأندلس مثله كمالا وعلما وفضلا، وكان متواضعا منخفض الجناح.
وقالوا: كان يفزع إلى فتواه في الطب، كما يفزع إلى فتواه في الفقه. ولي قضاء قرطبة فحمدت سيرته [13].

________________________________________
[1]- الدين والدولة للجابري فصل (بدلا من العلمانية: الديمقراطية والعقلانية) صـ108 - 114. طبعة مركز دراسات الوحدة العربية. بيروت. لبنان.
[2]- العروبة والعلمانية لجوزيف مغيزل. دار النهار للنشر. بيروت. 1980م.
[3]- انظر: القومية العربية والإسلام: بحوث ومناقشات الندوة الفكرية التي نظمها مركز دراسات الوحدة العربية. بحث د. كمال أبو المجد (نحو صيغة جديدة للعلاقة بين العروبة والإسلام) صـ529 – 531.
[4]- انظر: موسوعة لالاند: المجلد الثالث صـ1172، 1173 منشورات عويدات للطباعة والنشر. بيروت – باريس.
[5]- انظر: كتابنا (العقل والعلم في القرآن الكريم) فصل (تكوين العقلية العلمية في القرآن) صـ249- 282.
[6]- فيض القدير للمناوي : 1/17.
[7]- إشارة إلى حديث: "الكلمة الحكمة ضالة المؤمن فحيث وجدها فهو أحق بها"، وقد رواه الترمذي في العلم (2687) عن أبي هريرة، وقال: هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه، وابن ماجه في الزهد (4169)، وضعفه الألباني في ضعيف الترمذي (506).
[8]- انظر: كتابنا (الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد) فصل (من العاطفية والغوغائية إلى العقلانية والعلمية) صـ84 – 115 طبعة دار الشروق بالقاهرة.
[9]- راجع ما كتبناه في فصل (السياسة بين النص والمصلحة) صـ64 وما بعدها.
[10]- انظر: كتابنا (شريعة الإسلام صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان) فصل: (كيف نختار من تراثنا الفقهي؟) صـ79- 104. طبعة وهبة الخامسة 1997م.
[11]- رواه البخاري في العلم (69) عن أنس، ومسلم في الجهاد والسير (1734)، وأحمد في المسند (13175)، وأبو داود في الأدب (4794).
[12]- منها: شرح الأرجوزة لابن سينا في الطب، وشرح كتاب السماء والعالم لأرسطو، وشرح كتاب النفس، والحيوان، والكليات في الطب، وغيرها.
[13]- سير أعلام النبلاء للذهبي (21/207 - 210).


الفصل الثاني
دعوى العلمانية الإسلامية!!


ومن غرائب ما ذكره بعض الليبراليين الجدد، ممَّن يعيشون في أمريكا، ويدورون في فلكها الفكري والسياسي: ما يسمونه (العلمانية الإسلامية)!!
ولا أدري كيف تكون العلمانية إسلامية؟! هل يقبل أن نقول: الشيوعية الإسلامية؟!! أو (اللادينية الإسلامية)؟!!
إن العلمانية معناها: فصل الدِّين عن الدولة، بل فصل الدِّين عن حياة المجتمع، بحيث يبقى المجتمع معزولا عن الدِّين وتوجيهاته وتشريعاته، فهذا هو مفهوم العلمانية المعروف عند الناس في الشرق والغرب. فكيف يكون هذا المفهوم إسلاميا؟
هل يقر الإسلام على نفسه أن يُعزل عن توجيه الدولة والتشريع لها، بل عن حياة الناس والمجتمع كله، وتبقى الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية بغير دين؟
تذكر (موسوعة العلوم السياسية) الكويتية: أن العلماني عكس الدِّيني، ويستخدم اصطلاحًا للإشارة إلى: مدخل للحياة ينفصل تمامًا عن الدِّين، ويتشكل كلية باهتمامات زمنية دنيوية. وهي على المستوى الشخصي تعني: استبعاد الحسِّ والشعور الدِّيني من نظرة الفرد إلى جميع الأمور التي تتعلَّق بحياته وعلاقاته وسلوكياته، ومعاملاته السياسية وغيرها.
والعلمانية على المستوى العام هي: المذهب الذي يؤمن بضرورة إبعاد المؤسسات والمضامين الدينية عن ممارسة أي تأثير في أي من مجالات الحياة! بما في ذلك التعليم والتشريع والإدارة [1].
وهكذا ترى جميع الباحثين من كل الاتجاهات يرون التناقض بين العلمانية والدِّين، لأن العلمانية هي (اللادين) فكيف تلتقي مع الدِّين؟!
يقول هذا المُدَّعي:
(العلمانية الإسلامية مصطلح جديد نطرحه اليوم [2]. وهو مصطلح مُفزع ومقلق لكثير من رجال الدِّين وبعض الليبراليين الرومانسيين. وهو مصطلح جديد في التسمية ولكنه قديم في التطبيق. نري أن العمل به الآن هو الدواء الناجع والواقعي والعملي للرد علي بعض رجال الدِّين من اتهام العلمانية والعلمانيين العرب بالإلحاد. ومن ذلك قول راشد الغنوشي من أن الطرح العلماني لعلاقة الدِّين بالدولة متأثر بالنمط الغربي ولا سيما في صورته الفرنسية والشيوعية المتطرفة (مبادئ الحكم والسلطة في الإسلام) وقول الشيخ يوسف القرضاوي من أن العلمانية إلحاد كما في كتابه (الإسلام والعلمانية وجهًا لوجه، 1987م).
فإذا أردنا الإصلاح العلماني السياسي علي وجه الخصوص، فليكن من داخل الإسلام وليس من خارجه. والعلمانية هي طريق الإصلاح. ولا طريق لعلمانية تطبيقية غير طريق العلمانية الإسلامية التي نجح في تطبيقها أول الحكام العلمانيين العرب المسلمين، وهو الخليفة معاوية بن أبي سفيان) [3].
وهذا القول الذي قاله الكاتب الذي يلقي الكلام على عواهنه دون تمحيص ولا تدقيق: مليء بالأخطاء، بل الأكاذيب.
1. فقد ادعى عليَّ أني أقول: إن العلمانية إلحاد، ونسب ذلك إلى كتابي (الإسلام والعلمانية وجها لوجه) ومن قرأ ما كتبته في فقرة (العلمانية والإلحاد) وجد قولي صريحا: أن العلمانية لا تعني بالضرورة الإلحاد، فهو ليس من اللوازم الذاتية لفكرة العلمانية كما نشأت في الغرب. فإن الذين نادوا بها لم يكونوا ملاحدة ينكرون وجود الله، بل هم ينكرون تسلط الكنيسة على شؤون العلم والحياة فحسب ... الخ
كل ما قلتُه: أن المسلم العربي الذي يقبل العلمانية يكون في جبهة المعارضة للإسلام، وخصوصا فيما يتعلَّق بتحكيم الشريعة ... وقد تنتهي به علمانيته إلى الكفر إذا أنكر ما هو معلوم من الدِّين بالضرورة [4]. وهذا غير ما يدعيه عليَّ الكاتب الأمريكاني!!
2. وزعم الرجل أن أول من نجح في تطبيقه العلمانية الإسلامية، هو معاوية ابن أبي سفيان، أول الحكام العلمانيين المسلمين في رأيه.
وهذا افتراء على معاوية، كما بينا ذلك في كتابنا (تاريخنا المفترى عليه) فكيف يقبل المجتمع المسلم في عصر الصحابة والتابعين: العلمانية، وهو في (خير القرون) التي أثنى عليها النبي صلى الله عليه وسلم؟ ولو رضي بذلك معاوية ما رضي بذلك المجتمع المسلم في ذلك العهد.
وإذا كان معاوية علمانيا، مخالفا لنهج الرسول وخيرة أصحابه، كما يزعم الكاتب، فكيف نتخذه أسوة لنا، وقد حرف الدِّين واتبع غير سبيل الراشدين؟! وكيف يكون الفلاح في هذا المنهج المنحرف؟؟
3. ولم يكتف هذا الرجل بالكذب على معاوية، فقد كذب على عثمان، الخليفة الثالث، صهر رسول الله، والمبشر بالجنة، وأحد السابقين الأولين من المهاجرين، الذين أثنى عليهم القرآن في سورة التوبة [5]، وأحد الباذلين في سبيل نصرة الإسلام. واتهمه الكاتب بالعلمانية، وأنه كان يعذب المعارضين لسياسته مثل أبي ذر الذي نفاه إلى الربذة، وكتب التاريخ تقول: إن أبا ذر هو الذي طلب منه ذلك. واتهمه أيضا بأنه هو الذي صنع تاج بني أمية، ووضعه على رأس معاوية، الذي أكمل علمانية عثمان وزاد عليها.
4. وأكثر من ذلك: أن هذا الكاتب تطاول على الرسول الكريم نفسه، وزعم أنه وزع غنائم حنين على أهله وعشيرته وحرم الأنصار، أي اتهمه بالمحاباة والظلم، وجعل من قبيلته قريش صاحبة الحق الوحيدة في الخلافة عندما قال: "الأئمة منا أهل البيت" ، وكذلك: "الأئمة من قريش". انتهى.
وهذا كلام غير دقيق عن رسول الله، فهو لم يعط أحدا من أهله وعشيرته من بني هاشم، أو بني عبد مناف، بل أعطى بعض الناس من قريش كما أعطى غيرهم من قبائل العرب كغَطَفَان وفَزَارَة وغيرهم، من باب تأليف القلوب، وهو ما جعله القرآن مصرفًا من مصارف الزكاة. فهو في هذا التأليف لقلوب بعض الزعماء، وبعض القبائل، يسير في ضوء القرآن، ويطبق حكم القرآن.
أما حديث "الأئمة منا أهل البيت" فلم يصح عن رسول الله ، ولذا لم يعتمده أهل السنة وهم جمهور الأمة.
أما حديث: "الأئمة من قريش" فقد اشتهر بين العلماء، ولكن الشهرة لا تعني دائما: الصحة. ومما يشكِّك في ثبوته: أنه لو كان معروفا لدى الأنصار، ما قال قائلهم يوم السقيفة: منا أمير ومنكم أمير. وهم ليسوا من قريش، ولو كان معروفًا لدى المهاجرين، لردَّ به عليهم أبو بكر، وكفى به حجَّة لو صحَّ. ولكنه لجأ إلى ترجيح المهاجرين باعتبارات اجتماعية، كقوله: إن العرب لا تدين إلا لهذا الحي من قريش!
وعلى كل حال لم يرد الحديث في الصحيحين ولا أحدهما، وإنما ورد بأسانيد لم يسلم سند فيها من مقال، وإنما صحَّحه من صحَّحه بكثرة طرقه وشواهده. كما قال محققو المسند في تخريج الحديث (12307) عن أنس: إن إسناده ضعيف لجهالة راويه: بكير بن وهب الجزري ... ولكن صحَّحوه بكثرة طرقه الضعيفة!
ورأيي: أن الأحاديث الخطيرة التي تقرِّر مبادئ وأصولاً هامة للحياة الإسلامية، لا يجوز أن يقبل فيها ما كان ضعيفا بأصله، وإنما صُحِّح بكثرة طرقه، ولا سيما أن الأئمة المتقدمين مثل: ابن مهدي وابن المديني وابن معين والبخاري وغيرهم، ما كانوا يعتمدون على كثرة الطرق هذه، إنما اشتهرت بين المتأخرين.
وهذا الحديث بألفاظه المختلفة هو عمدة القائلين باشتراط القرشية في نسب الإمام أو الخليفة، وخالف في ذلك الخوارج وبعض المعتزلة وغيرهم. وزعم بعضهم أنهم خالفوا الإجماع في ذلك.
وردَّ عليهم العلامة الحافظ ابن حجر بأنه عَمِل بهذا القول: من قام بالخلافة من الخوارج على بني أمية كقَطريّ، ودامت فتنتهم أكثر من عشرين سنة، حتى أبيدوا، وكذا من تسمى بأمير المؤمنين من غير الخوارج كابن الأشعث، ثم من قام في قطر من الأقطار في وقت ما فتسمى بالخلافة، وليس من قريش، كبني عبَّاد وغيرهم بالأندلس، وكعبد المؤمن وذريته، ببلاد المغرب كلها، وهؤلاء ضاهَوا الخوارج في هذا، ولم يقولوا بأقوالهم، ولا تمذهبوا بمذهبهم، بل كانوا من أهل السنة الداعين إليها.
قال عِياض: اشتراط كون الإمام قرشيا مذهب كافة العلماء، وقد عدُّوها في مسائل الإجماع، ولا اعتداد بقول الخوارج وبعض المعتزلة.
قال ابن حجر معلقا: ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر، فقد أخرج أحمد عنه بسند رجاله ثقات، أنه قال: "إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته، فإن أدركني أجلي بعده استخلفت معاذ بن جبل" [6].
ومعاذ أنصاري لا قرشي، فيحتمل أن يقال: لعل الإجماع انعقد بعد عمر أو رجع عمر [7].
على أن هذا الإجماع لو صح قد يكون سنده ارتباط المصلحة في ذلك الزمن بكون الخليفة من قريش، لِمَا كان لهم من المكانة والغلبة على غيرهم من العرب، أي أنهم أهل الحماية والعصبية، كما شرح ذلك ابن خلدون في مقدمته، والإجماع إذا كان سنده مصلحة زمنية لا يكون حجَّة مُلزِمة على وجه الدوام. فإذا تغيرت المصلحة التي كانت سند الإجماع، فلم يعد للإجماع المتقدم حجية.
ولهذا نرى أن دعوى الكاتب فيما سمَّاه (العلمانية الإسلامية) لا أساس لها من العلم أو الدين أو التاريخ.
ولو دعا هذا الكاتب إلى (العلمية) لنتخذها منهاجا للأمة بدل الغوغائية والارتجالية، والعشوائية، لكنا أول المرحبين بذلك. وقد دعونا إلى ذلك في كثير من كتبنا [8]. أما الدعوة إلى العلمانية، ووصفها بـ(الإسلامية) فهو قول ينقض آخره أوله، ولا يقوم على أساس، وهو كما يقول الله تعالى: ومِنَ النَّاس مَنْ يُجادِلُ في اللهِ بغَيرِ عِلْم ولا هُدًى ولا كِتَاب مُنِير * ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عن سَبِيل الله [الحـج:8،9].
________________________________________
[1]- انظر: موسوعة العلوم السياسية: مادة (العلمانية) فقرة (204) صـ298، 299.
[2]- قائل هذا هو شاكر النابلسي الأردني الذي يعيش في أمريكا، والذي نصب نفسه محاميا عن سياسة أمريكا المتحيزة للصهيونية، وخصوصا سياسة اليمين المتطرف المتصهين، وعلى رأسه بوش، الذي يتصرف وكأنه يوحى إليه من السماء. ومقال الكاتب ملئ بالجهالات والافتراءات والمغالطات، ولأنه يعلم أن مقاله لا يكاد يقرأه أحد، يقول ما يشاء، فلن يعنى أحد بالرد عليه.
[3]- عن صحيفة (الراية) القطرية. الثلاثاء 14/3/2006م. ومما نأسف له أن تفتح الصحيفة أبوابها لمثل هذا الهراء.
[4]- انظر: كتابنا (الإسلام والعلمانية وجها لوجه) صـ63 - 64.
[5]- في قوله تعالى: والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه [التوبة:100]، ولا خلاف أن عثمان من هؤلاء السابقين الذين لم يكتف القرآن بالثناء عليهم، بل أثنى على من اتبعهم بإحسان، وأعلن رضا الله عنهم، ورضاهم عن الله ... إلى آخر الآية.
[6] - رواه أحمد في المسند(108) وقال محققوه: حسن لغيره وهذا إسناد رجاله ثقات.
[7] - انظر: فتح الباري (13/119).
[8]- انظر على سبيل المثال: كتابنا (الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد) فصل: من العاطفة والغوغائية إلى العقلانية والعلمية صـ84 - 115 وانظر: كتابنا (العقل والعلم في القرآن الكريم) وكتابنا (الرسول والعلم).



الباب الخامس
الأقليات الإسلامية والسياسة

هذا الباب الأخير في هذا الكتاب، ويتكون من فصل واحد، يعد غاية في الأهمية؛ فإن ما قلناه في الأبواب السابقة يتعلَّق بـ(الدِّين والسياسة) بصفة عامة، أي في البلاد التي يسميها الفقهاء (دار الإسلام) ويكون المسلمون فيها هم أصحاب السلطان، ولهم الحق في أن يعيشوا في ظل الإسلام، توجههم عقيدته، وتحكمهم شريعته، وتسودهم مفاهيمه وقيمه وأخلاقه وتقاليده.
الوجود الإسلامي في الغرب:
هذا الباب يدور حول ما ينبغي للأقليات المسلمة في المجتمعات غير الإسلامية أن تفعله، وهذه الأقليات المسلمة هي التي تُمثل الوجود الإسلامي في البلاد غير الإسلامية، ولا سيما في بلاد الغرب.
وأبادر فأقول: أن من الخير للمسلمين، ومن الخير للغربيين: أن يكون هناك وجود إسلامي في الغرب، يتعامل الغربيون معه مباشرة دون وسيط، على خلاف ما يراه بعض المتشددين من المسلمين: أنه لا يجوز الإقامة في هذه البلاد (بلاد الكفر كما يسميها)، كما لا يجوز الحصول على جنسيتها، التي يعتبرها من كبائر الإثم.

يتبع >

__________________








 


قديم 2008-11-07, 14:40   رقم المشاركة : 17
معلومات العضو
المثابر120
عضو فعّال
 
الصورة الرمزية المثابر120
 

 

 
إحصائية العضو










B18

ولقد عقدت في فرنسا منذ بضعة عشر عاما: ندوة فقهية علمية حضرها عدد من كبار العلماء [1]، وكان لي شرف المشاركة فيها، ناقشنا فيها هذه القضايا: مثل الإقامة في ديار الغرب، والحصول على جنسيتها، وكان رأي الأغلبية إجازة ذلك بشروطه [2]، وأن هذا يتفق مع عالمية الرسالة الإسلامية، ويتفق مع تقارب العالم الذي أمسى قرية واحدة، ويتفق مع مسعى العقلاء من الغربيين: المسلمين والغربيين إلى التفاهم والتقارب وإزالة الجفوة، والتحرُّر من رواسب التاريخ، والعمل على إقامة تعايش مشترك، يقوم على التسامح لا التعصب، والتعارف لا التناكر، والحوار لا الصدام، والتعاون لا التشاحن.

والحمد لله أن قام الوجود الإسلامي في الغرب بأقدار إلهيَّة، وأسباب طبيعية، يسَّرت وجوده، دون تخطيط ولا ترتيب منا نحن المسلمين، فينبغي لنا أن نعمل على أن يكون هذا الوجود الإسلامي همزة الوصل بيننا وبين الغربيين، تعين على تواصل المسلمين بغيرهم، وتمحو الأفكار الخاطئة الراسبة في أذهان البعض منهم، وتردُّ على الشبهات التي قد تَعرض لهم.
وهذا ما يقوم به المجلس الأوربي للإفتاء والبحوث منذ تأسيسه إلى اليوم، في فتاواه التي يصدرها، وتوصياته التي يوجهها، وبياناته التي يعلنها في كل دورة من دوراته، ينصح فيها المسلمين في الغرب: أن يكونوا أقليَّة فاعلة ناشطة مؤدِّية لواجباتها، خادمة لمجتمعاتها، غير مُنعزلة عنها، ولا مُنسحبة منها، ومن قرأ فتاوى المجلس وقراراته وتوصياته وبياناته خلال الدورات التي عقدها: تبيَّن له بجلاء صحة ما نقول.
ولقد رددت على بعض المتشددين من العلماء والدعاة الذين يرفضون الوجود الإسلامي في الغرب، وفي غيره من البلاد المختلفة التي يعيش فيها غير المسلمين، في الشرق والغرب، سواء كانوا من أهل الكتاب كالمسيحين، أم من الوثنيين، مُنبِّها هنا إلى أمر مهم، وهو: أن الوجود الإسلامي لكثير من الأقليات، هو وجود أصلي، أعني: أنهم من أهل البلاد الأصليين، وليسوا طارئين ، مثل الأقليات الإسلامية في الهند والصين وتايلاند وبورما وغيرها من بلاد آسيا، ومثل كثير من الأقليات الإسلامية في عدد من أقطار إفريقيا.
(أعتقد أن من الضروري للإسلام في هذا العصر أن يكون له وجود في تلك المجتمعات المؤثرة على سياسة العالم.
الوجود الإسلامي ضرورة في أوربا والأمريكتين وأستراليا من عدة أوجه:
ضرورة تبيلغ الإسلام، وإسماع صوته، ودعوة غير المسلمين إليه. بالكلمة والحوار والأسوة.
وهو ضرورة لحضانة مَن يدخل في الإسلام ومتابعته وتنمية إيمانه، وتهيئة مناخ إسلامي يساعد على الحياة الإسلامية الصحية.
وهو ضرورة لاستقبال الوافدين و(المهاجرين) حتى يجدوا لهم (أنصارا) يحبون مَن هاجر إليهم، ويهيئون لهم جوًّا يتنفسون فيه الإسلام.
وهو ضرورة للدفاع عن قضايا الأمة الإسلامية، والأرض الإسلامية، في مواجهة القوى والتيارات المعادية والمضللة.
ولا بد أن يكون للمسلمين تجمعاتهم الخاصة في ولايات ومدن معروفة، وأن تكون لهم مؤسساتهم الدينية، والتعليمية، بل والترويحية.
وأن يكون لهم علماؤهم وشيوخهم، الذين يجيبونهم إذا سألوا، ويرشدونهم إذا جهلوا، ويوفقون بينهم إذا اختلفوا.

محافظة دون انغلاق، وانفتاح دون ذوبان:
وقد قلتُ للإخوة في ديار الغربة: حاولوا أن يكون لكم مجتمعكم الصغير داخل المجتمع الكبير، وإلا ذُبتم فيه كما يذوب الملح في الماء.
اجتهدوا أن يكون لكم مؤسساتكم الدِّينية، والتربوية، والثقافية، والاجتماعية، والتروحيَّة، وهذا لا يتمُّ إلا بالتحابِّ والتعاون، فالمرء قليل بنفسه، كثير بإخوانه، ويد الله مع الجماعة.
إن الذي حافظ على شخصية اليهود طوال التاريخ الماضي هو مجتمعهم الصغير المتميز بأفكاره وشعائره، وهو (حارة اليهود)، فاعملوا على إيجاد (حارة المسلمين).
لا أدعو إلى انغلاق على الذات، وعزلة عن المجتمع، فهذا والموت سواء، ولكن المطلوب هو انفتاح دون ذوبان، هو انفتاح صاحب الدعوة الذي يريد أن يفعل ويؤثر، لا المُقلد المستسلم الذي غدا كل همه أن يساير ويتأثر، ويتبع سَنن القوم شبرا بشبر، وذراعا بذراع!
إننا نشكو من مدة من نزيف العقول العربية والإسلامية، من العقول المهاجرة من النوابغ والعبقريات في مختلف التخصصات الحيوية والهامة، التي وجدت لها مكانا في ديار الاغتراب، ولم تجد لها مكانا في أوطانها.
فإذا كانت هذه حقيقة واقعة، فلا يجوز لنا بحال أن ندع هذه العقول الكبيرة تنسى عقيدتها، وأمتها وتراثها، ودارها، ولا مفر لنا من بذل الجهد معها حتى تكون عقولها وقلوبها مع أوطانها وشعوبها، مع أهليهم وإخوتهم وأخواتهم، دون أن تفرط في حق الوطن الذي تعيش فيه وتنتسب إليه.
وإنما يتحقق ذلك إذا ظلَّ ولاؤهم لله ولرسوله وللمؤمنين، وظلت هموم أمتهم تؤرقهم، ولم تشغلهم مصالحهم الخاصة عن قضايا أمتهم العامة، كما يفعل ذلك يهود العالم أينما كانوا من أجل إسرائيل.
وهذا هو واجب الحركة الإسلامية: ألا تدع هؤلاء لدوامة التيار المادي والنفعي السائد في الغرب، تبتلعهم، وأن يُذكَّروا دائما بأصلهم الذي يحنون دائما إليه) [3].
وإذا كان الوجود الإسلامي قائما في بلاد الغرب، وله حضوره الدِّيني والثقافي والاجتماعي، وأحيانا الاقتصادي، فمن الطبيعي والمنطقي أن يحاول استكمال حضوره السياسي. إذ أصبحت السياسة تتدخل في كل شيء، وإذا تركنا السياسة، فإن السياسة لا تتركنا.
لهذا كان لا بد من الإجابة على تساؤلات عدة هنا تطرحها الأقليات الإسلامية التي تعيش في الغرب، وبعضها من أهل البلاد، وبعضها مهاجرون استوطنوا وحصلوا على جنسية البلاد، وباتوا جزءا من أهلها.
هل تكتفي بالدِّين وتنعزل عن السياسة؟ أو تتمسك بالدِّين وتدخل في السياسة؟ وإذا دخلت في السياسة فهل تدخل فيها مشاركة لغيرها من الأحزاب، أو مستقلة بذاتها؟ فهل يجوز المشاركة في الأحزاب العلمانية؟ وهل يجوز إنشاء حزب يفرض عليه أن يلتزم بدستور البلاد؟ وهل يجوز للمسلم الترشح للمجالس النيابية على أساس هذه الأوضاع؟ ثم إن دخول المسلم في السياسة، يلزم منه الإقرار بالدساتير الوضعية القائمة في الدول الغربية وغيرها؟
وإذا نجح المسلم في الانتخابات، ودخل المجلس النيابي: يلزم منه أن يقسم على احترام النظام العام والعمل بالدستور، فهل يتفق هذا مع عقيدة الإسلام؟ ومع أحكام الشريعة؟
هذه تساؤلات تطرح في ساحة الأقليات في كل مكان في أوربا وغيرها.
بل أقول: إن هذه التساؤلات نفسها تطرحها بعض الفصائل الإسلامية في كثير من أقطار الإسلام ذاتها.
ومن هذه الفئات: من يرى تحريم تكوين الأحزاب السياسية، ويعدها بدعة محدثة، وضلالة في الدِّين.
ومنهم من يرى تحريم الدخول في الانتخابات، والسعي إلى عضوية المجالس النيابية، بل بعضهم يراها ضد العقيدة، ويسميها (المجالس الشركية) وبعضهم ألف رسالة سماها (القول السديد في أن دخول المجلس (النيابي) ينافي التوحيد)!
وبعضهم يعترض على صيغة القسم التي يقسمها الأعضاء على احترام الدستور، وإطاعته إلخ. وبعض الإسلاميين حلَّ هذا الإشكال، بقوله بعد كلمة الطاعة في القسم: (في غير معصية)، يقولها بصوت مسموع.
فإذا كان هذا يقال في داخل بلادنا الإسلامية، فماذا عسى أن يقال في خارج البلاد الإسلامية؟
ومن هنا لا ينبغي أن تستمد الأقلية المسلمة فقهها السياسي من هذه الفئات التي بَعُدَ بها (الغلو) عن سواء الصراط، فهذه الفئات ترى الوجود الإسلامي في هذه البلاد محظورا لا يجاز إلا من باب الضرورات، وهي ترى العيش في هذه البلاد من باب الاضطرار، كما يضطر المرء إلى استخدام المراحيض، برغم ما بها من نجاسة! كما قال بعضهم!
ومن هؤلاء من يُحرِّم على المسلم الحصول على جنسية هذه الدول، وقد يكفّر من حصل عليها، لأنه يعتبرها من الولاء للكفار [4]، وقد قال تعالى: ومَنْ يَتوَلَّهُم مِنكُم فإنَّهُ مِنهُم [المائدة:51].
ومنهم من يحرم مجرد الإقامة في هذه البلاد إلا لضرورة، والضرورة تقدر يقدرها. ولهم في ذلك شبهات رد عليها المحققون من العلماء.
إن مزية الشريعة الإسلامية: أنها شريعة واقعية، تراعي حاجات الإنسان ومطالبه، روحية كانت أو مادية، دينية كانت أو سياسية، ثقافية كانت أو اقتصادية، سواء كان يعيش في المجتمع المسلم أم خارج المجتمع المسلم، وأنها في كل ما شرعته من أحكام: تيسر ولا تعسر، وترفع الحرج، وتمنع الضرر والضرار، ولا سيما من يعيش خارج المجتمع المسلم، فهو أولى بالتخفيف ورعاية الحاجات.
ومن حاجة الأقلية المسلمة: أن تعيش متمسكة بدينها وعقيدتها وشعائرها وقيمها وآدابها، ما دامت لا تؤذي غيرها، وأن تندمج في المجتمع الذي تحيا فيه، تُنتج وتُبدع، وتبني وترقى، وتُشارك في كل أنشطته، تفعل الخير، وتُشيع الهداية، وتدعو إلى الفضيلة، وتقاوم الرذيلة، وتؤثر في المجتمع بالأسوة والدعوة ما استطاعت، ولا تذوب فيه، بحيث تفرط في مقوماتها وخصائصها العقائدية والدِّينية.
وليست كل الأقليات الإسلامية مهاجرة، فبعضها من أهل البلاد الأصليين، كلهم أو بعضهم. حتى يقول بعض الناس: يجب أن يعودوا إلى ديارهم.
ولهذا تحتاج الأقلية في أي بلد إلى أصوات تعبر عنها في المجالس التشريعية، وتدافع عن حقوقها حتى لا تصدر تشريعات تجور عليها، وتحرم عليها ما أحل الله، أو تعوقها عن أداء ما فرض الله، أو تلزمها بأمور ينكرها الشرع.
ومن الخير وجود مسلمين منتخبين في هذه المجالس –مستقلين أو منضمين إلى حزب معين– يعملون للذود عن حرماتهم، والمحاماة عن حقوقهم، باعتبارهم أقلية، لهم الحق في ممارسة حياتهم الدِّينية، وشعائرهم التعبدية، بما لا يضر الآخرين، وهم سيستميلون معهم وإلى صفهم الأحرار والمنصفين، الذين يناصرون العدل والحرية في كل زمان ومكان.
وعندنا هنا جملة قواعد شرعية ترشدنا في هذه المسيرة:
1. قاعدة (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب) فإذا كان حصول المسلمين على حقوقهم الدِّينية والثقافية وغيرها، لا يتم إلا بالمشاركة في السياسة، ودخول الانتخابات، فإن هذا يصبح واجبا عليهم.
2. قاعدة (الأمور بمقاصدها) وهي قاعدة متفق عليها، مأخوذة من الحديث المشهور: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" [5]. فمن قصد بالمشاركة السياسية: الدفاع عن حقوق المسلمين، وحريتهم الدِّينية، وهويتهم الثقافية، فهو مأجور على ذلك عند الله، ومحمود عند المسلمين.
3. قاعدة (سد الذرائع) فإذا كان اعتزال الأقلية للسياسة، وعدم مشاركتها فيها، يشكل خطرا على وجودهم الدِّيني والجماعي، ويجعلهم مهمَّشين، ويحرمهم من مزايا كثيررة، ويوقعهم في مآزق ومفاسد قد يعرف أولها ولا يعرف آخرها، فإن من المطلوب منهم: أن يسدوا الذرائع إلى هذه الأخطار، ويتوقوا هذه المفاسد والآفات، وفي الحديث: "من يتوق الشر يوقه" [6].
4. قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات، والحاجة تنزل منزلة الضرورة، خاصة كانت أو عامة) فإذا كان بالجماعة المسلمة في غير المجتمعات الإسلامية ضرورة أو حاجة إلى من يدافع عن حقوقها في بلاد الديمقراطيات، وكان من وراء ذلك بعض ما يخشى من المحظورات مثل القسم على احترام الدستور -الذي قد يتضمن ما يخالف الشرع- ونحو ذلك، مما يتحرج منه بعض المتدينين، فإن هذا الحظر يرفع بحكم الضرورة أو الحاجة فََمَنِ اضْطُرَّ غيرَ باغٍ ولا عادٍ فلاَ إثمَ علَيه إنَّ اللهَ غفُورٌ رحِيم [البقرة:173].
5. قاعدة (المصالح المرسلة) وهي المصالح التي لم ينص الشرع على اعتبارها ولا إلغائها، ولكنها إذا عرضت على العقول تلقتها بالقَبول، وتحقق فائدة، مادية أو معنوية، للجماعة المسلمة. وقد اعتبرها الصحابة في كثير من الأمور، المهم ألا تصادم نصا قطعيا، ولا قاعدة شرعية قطعية. وأن يكون فيها للجماعة المسلمة نفع حقيقي لا متوهم.
وفي ضوء هذه القواعد: نرى أن الأولى بالمسلمين أن يشاركوا في السياسة، تحقيقا لمصلحتهم الدِّينية والجماعية، ودرءا للأخطار والمفاسد عنهم، ولا سيما أنهم إذا تركوا السياسة فإن السياسة لا تتركهم.
يستطيع المسلمون أن ينشئوا حزبا يطالب بحقوقهم وحقوق غيرهم إذا كان لهم عدد وقوة وقدرات تكفي لقيام حزب مستقل، وكان الدستور والقانون يسمحان لهم بذلك.
ويمكن للمسلمين أن يقدموا برنامجا للإصلاح والترشيد، مقتبسا من أصول فكرتهم الإسلامية، ومطعما بالنظرة والتجربة الغربية وما فيها من آفاق جديدة، تتفق مع مقاصد الشريعة وروح الإسلام.
ولا مانع أن ينضم إلى هذا الحزب أعضاء من غير المسلمين، فهو مقدم للمسلمين خاصة، وللمواطنين عامة. والمفترض في النظام الإسلامي: أنه يقدم الخير والمصلحة الحقيقية للناس كافة، مسلمين وغير مسلمين.
ويستطيع المسلمون أن ينضموا إلى أي حزب من الأحزاب السياسية التي تعمل على الساحة، ويختاروا منها ما كان أقرب إلى المبادئ الإسلامية من ناحية، وما كان أكثر تعاطفا مع المسلمين ومصالحهم من ناحية أخرى. وما كان فيه من أشياء تخالف الإسلام، يتحفظون عليها.
ولا بد أن يكون ذلك بعد دراسة علمية عملية موضوعية، يقوم بها خبراء ومتخصصون، وأن تناقش هذه الدراسة بين أهل الحل والعقد من الأقلية المسلمة في البلد. وبعد الدراسة والمناقشة والمقارنة، يقرِّر المسلمون: أيهما أفضل لهم دينا ودنيا: أهو تكوين حزب لهم أم الدخول في حزب قائم؟ وأي الأحزاب أقرب إليهم وأولى بهم؟
وقد يجدون الأولى من ذلك كله: ألا يكونوا حزبا، ولا يدخلوا في حزب، ولكن يبقون كتلة حرة مؤثرة في الانتخابات: تؤيد هذا أو ذاك، وتعطي أصواتها لهذا المرشح أو ذاك.
وعند ذاك يخطب المرشحون ودها، ويتقربون إليها، لأن هذه الأقلية، كثيرا ما يكون لها تأثير كبير في ترجيح بعض المرشحين على بعض، ولا سيما من يكون الفرق بينهما غير كبير، فتأتي أصوات الأقلية مع أحدهما، فترجح كفة ميزانه، ويفوز على خصمه.
________________________________________
[1]- كان في هذه الندوة: العلاَّمة الشيخ مصطفى الزرقا، والشيخ عبد الفتاح أبو غدة، والشيخ عبد الله بن بيَّة، والشيخ منَّاع القطان، والشيخ فيصل مولوي، والشيخ محمد العجلان، والشيخ سيد الدرش، وغيرهم.
[2]- ومن شروط ذلك: أن يأمن المسلم على نفسه وذريته في دينه وهُويته، بحيث لو شعر بخطر على ذلك، وجب عليه أن يعود من حيث أتى، حفاظًا على دينه ودين أولاده، الذي هو أغلى من كل ما يحرص الناس عليه.
[3]- انظر: أولويات الحركة الإسلامية صـ146 – 148 نشر مكتبة وهبة. القاهرة.
[4]- في بعض الأوقات أصدر علماء تونس: فتوى تحكم بالردة على من يحصل على الجنسية الفرنسية من التونسيين، لأن تونس كانت ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي الظالم المتجبر، وكان الحصول على الجنسية حينئذ بمثابة إعلان الولاء والتأييد للمستعمر الكافر، فهو ردة دينية، وخيانة وطنية، بخلاف حصول المسلم على الجنسية اليوم، فهي تقوي المسلم، وتشد أزره، وتمنحه قوة –مع إخوانه– في المحافظة على هويته، وتمكنه من تبليغ دعوته، وتعطيه امتيازات كثيرة، منها: حق الانتخاب والترشيح، دون أن يفرط في شيء من دينه.
[5]- روا البخاري في بدء الوحي (1) عن عمر بن الخطاب، ومسلم في الإمارة (1907)، وأبو داود في الطلاق (2201)، والترمذي في فضائل الجهاد (1647)، والنسائي في الطهارة، وابن ماجه في الزهد (4227).
[6]- رواه الطبراني في الأوسط (3/118) عن أبي الدرداء، والدارقطني في العلل (6/219)، وأبو نعيم في الحلية (5/174)، والبيهقي في الشعب (7/398)، وقال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء: أخرجه الطبراني والدارقطني في العلل من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف (3/141)، وحسنه الألباني في الصحيحة (342).



خاتمة
الآن حصحص الحق، وأسفر الصبح لذي عينين، وتبين لكل منصف لم يعم عينه الهوى، ولم يصم سمعه التعصب: أنه لا انفصال للسياسة عن الدِّين، ولا للدين عن السياسة. وأن من الخير أن يدخل الدِّين في السياسة فيوجهها إلى الحق، ويرشدها إلى الخير، ويهديها سواء السبيل، ويعصمها من الغرور بالقوة، والانحراف إلى الشهوات، ويمد أصحابها بالخسية من الله، ولا سيما أن السلطة تغري بالفساد، والقوة تغري بالفجور والطغيان: كَلَّا إِنَّ الْأِنْسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى [العلق:6،7].
ومن الخير كذلك: أن تدخل السياسة في الدِّين، لا لتتخذه مطية تركبها، أو أداة تستغلها، ولكن لتجعله قوة هادية تضيء لها طريق العدل والشورى والتكافل، وقوة حافزة: تبعثها لنصرة الحق، وفعل الخير، والدعوة إليه، وقوة ضابطة: تمنعها من اقتراف الشرور، والإعانة على الفجور.
وإذا كان هذا يقال في الأديان بصفة عامة، فإن الإسلام -بصفة خاصة- لا يقبل هذا الفصام، بين الدِّين والسياسة، أو بين العقيدة والشريعة، أو بين العبادات والمعاملات، أو بين المسجد والسوق، أو بين الإيمان والحياة.
وهذا ما مضى عليه تاريخنا ثلاثة عشر قرنا أو تزيد، حتى دخل الاستعمار الغربي بلاد المسلمين، وتحكَّم في مصايرها، وملك أزِمَّة التشريع والتثقيف والتعليم والإعلام، التي توجه حياتها، وتلونها كما تشاء.
ولكن الصحوة الإسلامية المعاصرة، قذفت بحقها على باطل الاستعمار، فدمغته، فإذا هو زاهق، وأبرزت قوة الإسلام الذاتية في أمته من جديد، وتقررت سنة الله في أن العاقبة للحق، والبقاء للأزكى والأصلح، فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ [الرعد:17].
ولا عجب أن رأينا من المفكرين المدنيين - من غير المشايخ وعلماء الدِّين- مَن ينادي جهرا بإسقاط شعار العلمانية المستوردة، التي تقوم دعوتها في الأساس على فصل الدِّين عن السياسة، أو الدِّين عن الدولة. فلم يعد بعد لدعوة العلمانية من مكان ولا حاجة في ديارنا، وقد كانت الحاجة إليها في الغرب لأسباب تاريخية معروفة، وليس لهذه الأسباب وجود عندنا.
كما بينا في هذه الصحائف كيف تدخل الأقلية المسلمة – في أوربا وغيرهـا - في السياسة، وكيف تنتفع بها لخدمة وجودها الدِّيني وهويتها الثقافية. وكيف تتجنب مزالقها.
والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

المصدر:
موقع فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي

__________________









 


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 02:29

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc