المذاهب الأدبية
لابد لأي عمل أدبي أن يتبع مذهب ما , وهذه المذاهب نشأة في أوربا في أوقات متباعدة وبعضها في أوقات متقاربة جدا , ثم إنتقلت الى جميع دول العالم و دخلت إلى الأدب العربي منذ عصر النهضة وحتى يومنا هذا ولمعرفة المزيد عن هذه المذاهب اقرأ رابط التعريف بالمذاهب ثم رابط المذاهب والأدب العربي .
تعريف بالمذاهب
المذهب الأدبي هو إتجاه في التعبير الأدبي يتميز بسمات خاصة ويتجلى فيه مظهر واضح من التطور الفكري , وهو لاينشأ عادة من تباين الأراء حوله حقبة من الزمن , وإن كان ذلك من شأنه أن يؤدي الى بلورة هذا الأتجاه الجديد في التعبير , وإنما يكون وليد مايضطرب في عصر بعينه من تغيرات في أوضاع المجتمع وطابع الحياة .
المذهب الأدبي يظهر إذن في عصر معين كثمرة لظروف ومقتضيات خاصة فيطغى على غيره من المذاهب ويظل سائدا حتى إذا فترت دواعية رأيناه يتخلى تدريجيا عن سيطرته أمام مذهب أدبي جديد تهيأت له اسباب الوجود , وإن كان ذلك لايعني بحال أن آثار المذهب القديم تختفي كلية من الأدب .
والمذاهب الأدبية على إختلاف ألوانها هي تعبيرات أدبية متميزة تقوم على دعائم من العقل والعاطفة والخيال , وقد يتاح لإحدى هذه الدعائم في عصر من العصور غلبة وسلطان , فإذا هي مذهب أدبي سائد يستعلي على غيره من مذاهب التعبير , وعلى هذا تتعاقب المذاهب الأدبية بتعاقب العصور , ويأخذ اللاحق ماترك السابق مع النقص منه أو الزيادة عليه تبعا لأوضاع المجتمع في عصره .
وقد ظهرت كثيرا من المذاهب ولكن لم ينتشر إلا إربعة مذاهب وهي على الترتيب :
1- المذهب الكلاسيكي
2- المذهب الرومنسي
3- المذهب الواقعي
4- المذهب الرمزي
قد ظهرت بعض المذاهب في وقت متقارب ولكن لم تسد على الساحة الأدبية إلا بعد فتور دواعي المذهب الذي قبله , وهذا لايعني نهاية المذهب الذي قبله بل هو لازل موجود ولكنه لايعتبر المذهب السائد , وقد نجد بعض الأدباء يجمع في أدبه مذهبين أو أكثر .
1. الكلاسيكية
هي أقدم مذهب أدبي نشأ في أوربا في القرن السابع عشر على اثر انتشار النهضة الثقافية التي انبعثت في القرن الخامس عشر متأثرة بالآداب الرومانية واليونانية ، وقد تمسك الأدباء الأوروبيون بالقواعد التي وضعها أرسطو_(Aristote) في تحديد الأنواع الأدبية ، وطبيعة الفن ، فميزوا بين المأساة و الملهاة في المسرحية ، و قيدوها بالوحدات الثلاث : الموضوع ، المكان ، الزمان . وقد ظهرت في فرنسا على يد جماعة الثريا وعلى رأسهم رونساز و دي بيلليه(De Pillier) أما الأديب الذي وضع أسس الكلاسيكية فهو بوالو(Boileau) في كتاب ألفه سنة 1647 وسماه فن الشعر(L’Art Poétique)
مميزات الكلاسيكية : (Le classicisme)
مذهب فني و أدبي يتميز بتوخي التوازن و الوضوح و العفوية تبناه الجيل الأدبي الفرنسي 1660-1668لافونتين (Lafontaine)و موليير(Molière) و راسين(Racine)
وقد حرصت الكلاسيكية على محاكاة الآداب اليونانية القديمة من حيث الموضوعات والمبادئ والأساليب الفنية ولذلك فهي تتناول الإنسان في كونه إنسانا نمطا ونموذجا لا فردا متميزا .
فمو ليير مثلا لم يقصد من خلال مسرحية البخيل وصف شخص بعينه وإنما أراد تشريح ظاهرة البخل .وراسين كذلك لم يقف سوى عند ما هو هام وجوهري من القيم والنوازع البشرية .
كما حرصت الكلاسيكية من الناحية الفنية على جودة الصياغة اللغوية و متانة التعبير ، وذلك لأن الكلاسيكيين أفسحوا مكانا عظيما للعقل الواعي الذي يكبح الغرائز ويسيطر على العواطف .
إلا أن هذا المذهب راح يضعف مع الزمن الى أن اكتهل مما حتم ردة فعل عليه ، فكان المذهب الرومانسي .
.................................................. ..
2ـ الرومانسية(Romantisme)
مذهب أدبي قام على الثورة ضد الكلاسيكية ،وعلى كافة أصولها وقواعدها ، حتى يمكن القول أنها كانت في جوهرها ثورة تحرير للأدب من سيطرة الآداب اليونانية واللاتينية القديمة ، ومن كافة القواعد والأصول التي استنبطت من تلك الآداب ،و أصبحت إنجيلا للكلاسيكية.
وقد بدأت الرومانسية تتصدر الحياة الأدبية في أوربا في القرن الثامن عشر وبلغت قمة ازدهارها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر .
والرومانسية هي أدب العواطف والوجدان والخيال ، ومن الناحية الفنية ينادي الرومانسيون لتحطيم قيود الشكل التي فرضها الكلاسيكيون ، فدعوا الى التلقائية في التعبير ، وخلصوا لغة الشعر من وعورتها فأصبحت سهلة مشرقة العبارة شديدة المرونة
بدأت الرومانسية مرحلة النضج في إنجلترا بأشعار " توماس جراي Thomas gray" و " وليام بليكWilliam Blake " وبلغت أوجها بأشعار " ورد زورث " و " كولريج " .
أما في فرنسا فقد مهد لها فولتير (Voltaire ) و روسو (Rousseau) ودعم أسسها "لامارتين (Lamartine) و الفريد دي موسي (Alfred De Musset) و فيكتور هيجو (Victor Hugo ) صاحب القول الشهير " يجب أن نخلص الشعر من الموضوعات المأخوذة من عصور غريبة عنا " .
المذهب الرمزي
في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي تجمعت عوامل عقدية واجتماعية وفنية وثقافية وتعاونت على إنضاج هذا المذهب في فرنسا على يد جماعة من الشعراء أشهرهم (بولدير) و (رامبو) والعوامل هي :
1- العوامل العقدية فهي الشعور الحاد بالفراغ الروحي الذي يعيشه الفرد الأوربي , والصدمة التي أصيب بها نتيجة إخفاق النزعة العلمية في سد فراغه الروحي وتعويضه عن العقيده الغائبة , والشطط الذي بلغته الفلسفه الوضعية فقد أمددت هذه الفلسفة الفنون والأداب بتصورات مادية جافة عن الأنسان والحياة , وجعلت الأنسان بنية عضوية تسيرها الغرائز والعقد , وألغت كيانه الروحي وقطعت صلته بالله تعالى , وحولت الحياة الى مجموعة قواعد وأنظمة بشرية جافة تنظم العلاقات بين الناس تنظيما عقليا ماديا محظا .
__
2- وأما العوامل الأجتماعية فهي التناقضات التي كان يعيشها رواد الرمزية في مجتماعاتهم فقد أحسوا بالنفور من أنظمتها وقوانينها التي تحول دون تمتعهم برغباتهم الجامحه واتهموها بالتقصير في حرية الأنسان وأرهاقه فتخالفه دون هواده أو تقصير .
_
3- وأما العوامل الفنية فهي البحث عن أسلوب فني جديد في التعبير فقد كرهوا رواد الرمزية التعبير المباشر الواضح ونفروا من أساليب الواقعيين وادعوا أنها تعجز عن نقل أحاسيسهم وأن اللغة ذاتها عاجزة عن نقل التجربة الشعورية العميقة ولذلك ينبغي إيجاد مدرسه توحي بأثر هذه التجربة وينقل أثرها إلى القائل .
_
4- وأما العامل الثقافية فهي تأثرهم بكتابات الكاتب الأمريكي ( أدجار الان بو ) وأسلوبه الرمزي المتميز وتأثره من جانب أخر بالفكرة التي تتحدث عن عالم المثل , وكان أفلاطون هو أول من صاغ هذه الفكرة في فلسفته.
_
وقد تعاونت هذه العوامل الأربعة على إخراج المذهب الرمزي الى حيز الوجود , وكان مثاله الكبير هو الشعر الفرنسي ثم تأثر بها شعراء في بلاد غربية أخرى , وعلى الرغم من ظهور مسرح الرمزية وقصص الرمزية فإن الشعر هو الذي جسد مبادئ الرمزية الغربية وأصولها بشكل كامل .
أهم مبادئ الرمزية : _
1- رفض النزعة العليمة والروح الواقعية التي تعلقت في الأدب آنذاك .
2- الهروب من الواقع والتعالي عليه وعدم الأهتمام بمشكلاته السياسية والأجتماعية .
3- البحث عالم مثالي مجهول يشد فراغه الروحي ويعوضه عن غياب العقيده والتعلق به ومن ثم الأخلاص له .
4- رفض التعبير المباشر والواضح والدعوة إلى التخلي عنها في الأنتاج الأدبي.
5- الأعتماد على أساليب تعبيريه جديدة للإيحاء بالمعنى والأحاسيس مثل تراسل الحواس أي وصف مدركات كل حاسة من الحواس بصفات ومدركات الحاسة الأخرى كأن يسمع المشموم , ويعطي المسموعات ألوانا والمشمومات أنغاما وتصبح المرئيات عاطلة ........ الخ , إضافة الى استبعاد الصفات المتباعده لتشخيص كقولهم الضوء الباكي مما يطفي على الصورة شيء من الغموض وكذلك الأكثار من الصور الجزئية وتجميعها حول محور رئيسي بكثافة والخروج على الأوزان والصيغ النحوية .
_
6- الأهتمام بإيقاع الألفاظ والعلاقة بين الأصوات للإيحاء بالمعنى وربط الشعر بالموسيقى لتوليد أثر الجمال من تناغم الحروف .
7- الأتجاه نحو جمهور خاص ومحدود والتعالي على بقية الشعب .
المذهب الواقعي
ترتبط نشأة المذهب الواقعي الذي أعقب الرومانسية انتشار الفلسفات الوضعية والتجريبية والمادية الحديثة في أوربا , وقد أمتد تأثير هذه الفلسفات الى الفنون والأداب في أبان القرن التاسع عشر الميلادي ومن ثم ظهرت الدعوة الى الأستفادة من معطيات العلم الحديث والى الأهتمام بالواقع وتطويرة وتطبيق النظريات العلمية في اصلاحة وفي فهم الأنسان وفضائلة وتوجيه الفن الى خدمة المجتمع وتقوية روح التعاون بين الناس .
ونتيجة لذلك أهتم عدد من الأدباء بتصوير الحياة الأجتماعية وبالطبقات الدنيا التي أعرض عنها الكلاسيكيون ونسيها الرومانسيون , وتكون من أعماله الأدبية ومن الدراسات النقدية التي نشأت حولها ماسمي بالمذهب الواقعي بمدارسه النقدية المتعدده , وذلك لان رواد هذا المذهب يتفقون في مبادئ رئيسية محددة ومبادئ واخرى الأمر الذي جعل الواقعية تنتسب الى واقعيات حديثه وأهمها :
الواقعية الإنتقادية ـــ و الواقعية الطبيعية ـــ والواقعية الأشتراكية . وسوف نتناولها إنشاء الله بالتفصيل .
_
_الواقعية الإنتقادية
تهتم هذه الإنتقادية بقضايا المجتمع وتركز اهتمامها بشكل خاص على جوانب الفساد والشر والجريمة فهي تنتقد المجتمع في إظهار تناقضاته وعيوبه وعرضها على الناس وتميل هذه الواقعية الى التشاؤم وتعتبر الشر عنصرا اصيلا للحياة ولذلك تبحث عنه وتتخذ مادتها من واقع الحياة الإجتماعية , وتختار لها هذه الشخصيات وترتيبها وفق معطيات العمل الأدبي , وتعد القصة مجال الواقعية الإنتقادية الأكبر وتليها المسرحية فمعظم إنتاج الواقعيين الإنتقاديين قصص وروايات , ومن أشهر قصصهم رواية الملهاة الانسانية .
_الواقعية الطبيعية
_تتفق هذه الواقعية مع الواقعية الإنتقادية في مبادؤها وتزيد عليها في تأثرها الشديد بالنظريات العلمية ودعوتها الى تطبيقها في المجلات الأنسانية وإظهارها في العمل الأدبي , فالإنسان في تصور هذه الواقعية حيوان تسيره غرائزة وحاجاته العضوية ولذلك فإن سلوكه وفكره ومشاعره هي نتائج حتمية لبيئته العضوية ولما تقوله قوانيين الوارثه وأما حياته الشعورية والعضلية فظاهرة طفيلية تتسلق على حقيقته العضوية , وكل شيء في الأنسان يمكن رده الى حالته النسبية وأفرازات غدده وفي هذا التصور نفهم الواقعية الطبيعية وغرضهم في الأدب .ويعد القصاص الفرنسي ابن زولا رائد هذه الواقعية , وقد كتب قصته الشهيرة الحيوان البشري وليطبق نظريات الطب في الوراثة على أبطال القصة من أجل أن يثبت أن سلوك الأنسان ومشاعره وفكره نتيجة طبيعية , ومن كتبها أيضا فروبير , صاحب القصة الشهيرة مادام موفاري وقد ترجمها الى العربية دكتور محمد مندور.
الواقعية الأشتراكية
تجسد هذه الواقعية الرئية الماركسية و الفلسفة المادية ويرى أنصارها أن الأدب مبني على الجانب المادي الأقتصادي في نشأته وميوله ونشاطه وأنه يؤثر في المجتمع بوجه خاص , ولذلك ينبغي توضيفه في خدمة المجتمع وفق الماركسيات الجديدة وتقوية هذه المفاهيم وأن يهتم الأديب في أثاره ومؤلفاته بطبقات الدنيا لاسيما طبقة العمال والفلاحين وأن يصور الصراع الطبقي بينهم وبين الرأس ماليين والأرجوازيين , وأن يجعل الرأس ماليين والأرجوازيين مصدر الشرور في الحياة , فيبينها ويكشف عيوبها وينتصر لطبقة العمال والفلاحين ويظهر مافيها من جوانب الخير , ومن هذه الزاوية يعد الواقعيون الأشتراكيون مذهبهم متفاعلا وأنه مرجحا لجوانب الخير ويتصورون أن ماركسيتهم سوف تحكم العالم وتحل تناقضاته ويطالبون الأدباء أن يبثوا هذا التصور في الأعمال الأدبية , وبديهي أنهم يرفضون أي تصورات ترتبط بالعقائد السماوية ويعدونها متخلفه وينشرون هذا التصور في قصصهم ومسرحياتهم .
_
وقد قرر الأتحاد السوفيتي والصين وبقية الدول الشيوعية إعتبار هذا المذهب هو المذهب الرسمي للأدب فيها وكان ميدان هذا المذهب الأساسي هو القصة ثم دخل إلى المسرحية و إلى الشعر ثم بقية الأجناس الأدبية كلها وطالب الأدباء أن يلتزموا في كتاباتهم بالمضمون والأهداف الأشتراكية