اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة walidobama
مصر الثورة.. رحل الطاغية وبقي صنّاع الطغاة
شحاتة عوض
من حقنا أن نفخرـ نحن المصريين ـ بحضارتنا الضاربة بجذروها في أعماق التاريخ على مدى الاف السنين، بكل مكوناتها وروافدها الفرعونية والمسيحية والاسلامية والعربية. لكن حضارتنا تلك وتاريخنا هذا الذي به نعتز، فيه الكثير من العظات والدروس التي يتحتم علينا الاستفادة منها حتى لا نصبح امة من الفئران لا تستفيد من تجارب تاريخها. ومن بين العبر الناصعة التي يقدمها لنا تاريخنا، ألا نسمح لحاكمنا، مهما علا شأنه، أن يستخف بنا فنطيعه وننصبه علينا إلها. تاريخنا يخبرنا أن حاكم هذه البلاد في حقبة تاريخية ماضية، كان الاله الذي يأمر فيطاع، فصار الشعب قطيعا من العبيد، وصارت مصر وما عليها ضمن ما ملكت يمين الملك الفرعون الاله.. 'اليس لي ملك مصر وهذه الانهار تجري من تحتي'، هو إذن إله وعلى الرعية ان تدين له بالعبودية والسمع والطاعة. 'ما اريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد'، هكذا قال فرعون لقومه فاطاعوه فهلك وهلكوا.
المتابع لمسار حركة التاريخ في مصر يلحظ انه رغم ان عهد الفراعين الالهة انتهى بسقوط دولتهم واندثار حضارتهم التي أعقبتها حضارات متتالية، فان صناعة الطغاة الالهة التي كانت جزءا من الارث الفرعوني ظلت جانبا دفينا من ثقافة المصريين وحياتهم وعلاقتهم بحكامهم. كما يكشف التاريخ ان المصريين بطبعهم شعب صبور وهادئ، ولديه من القدرة على تحمل الضيم والظلم من حكامه ما ليس لغيره من شعوب الارض، إلا أنه عندما يثور فان ثورته تكون كفيضان النيل في عنفوانه وقوته واندفاعه نحو المنتهى، غير ان ما يميز ثورتهم عن فيضان نيلهم أنها تأتي مباغتة فلا موسم محددا لها، وهذا ما جرى في 25 يناير. لكن ما أن ينجح المصريون في التخلص من الحاكم الاله، حالمين بحاكم بشر مثلهم، حتى يظهر محترفو صناعة الالهة مجددا مشمرين عن سواعدهم للعمل على إنتاج إله جديد، وكأنه يراد لنا إنتاج التاريخ بكل اخطائه وخطاياه.
تلك مقدمة ضرورية لابد منها لاستجلاء حقيقة ما يجري في مصر الان .. فقبل شهور قليلة اسقط المصريون طاغية أو فرعونا آخر، ربما يكون الاكثر فسادا وافسادا في تاريخهم، في ثورة عظيمة أبهرت العالم كله واعادت اكتشاف المصريين لانفسهم وقدراتهم وهويتهم. تنفس الناس الصعداء بعد هذه الثورة التي قادها شباب باسل جسور لا يأتيه الخوف من بين يديه ولا من خلفه ولا من أمامه، تصدى بصدور عارية لاكبر آلة قمع يملكها نظام حكم في المنطقة. احتفل المصريون بسقوط الطاغية وزغردت النساء ووزعن الحلوى والشراب احتفاء بهذا الانجاز التاريخي. عنونت الصحف 'سقوط آخر الفراعنة'.. مبارك اخر فرعون؟ 'سقط الديكتاتور'. وبدا أن الفرصة لاحت أخيرا أمام المصريين ليكتبوا تاريخا جديدا بدماء شهدائهم وجرحاهم الذين سقطوا قربانا لاسقاط الفرعون الاله.. وبدت اللحظة التاريخية مؤاتية ليتولى أمرهم بشر مثلهم يصيبون ويخطئون.. واذا أخطأوا في حق هذا الشعب أو خانوا اماناتهم، يحاسبون ويسئلون وينتقدون .. واذا لزم الامر يسجنون ويعدمون.
وبينما الناس في سكرة فرحهم بنجاح ثورتهم يتحدثون عن عهد جديد وبناء سياسي ديمقراطي مدني حر.. نظام سياسي لا مكان فيه للالهة ولا قداسة فيها لمخلوق ولا شرعية لاحد إلا الشعب وحده. وفيما المشهد على هذه الحال، اكتشفنا أن الثورة التي اسقطت الفرعون لم تفلح في اسقاط بعض محترفي وصناع الطواغيت. هذا البعض الذي نقل البندقية من كتف الى آخرى يريدنا ان نستبدل نظام مبارك بنظام اخر له نفس القداسة مع تغيير الاسماء.
رحل مبارك وجاء المجلس العسكري الذي تولى إدارة شؤون البلاد بتفويض من الثورة، وهو يقوم مقام السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومن ثم فان كل ما يتخذه من قرارات واجراءات هي قرارت سياسية خاضعة للنقاش والمساءلة والنقد والرفض والقبول. لكن كهنة الفرعون الإله من بني جلدتنا بكل آسف يحاولون، فيما يشبه الانقلاب على أهم ما انتجته ثورة يناير، إعادة الاعتبار مجددا لثقافة النفاق والتملق والعبودية، من خلال الغزل الرخيص للمجلس العسكري واعضائه، وعبر مهاجمة وتحذير، بل وفي بعض الاحيان تخوين، كل من يتعرض بنقد او ملاحظات لاداء المجلس.
هذا الفريق في سعيه لاضفاء القداسة على المجلس العسكري، يعمل بطريقة مكشوفة للخلط بين المجلس والجيش والمؤسسة العسكرية المصرية، وهكذا فان كل من يوجه سهام النقد او الرفض لبعض قرارات او أداء المجلس يصبح في مواجهة مع الجيش المصري الذي لا يختلف أحد في مصر على انه أهم مؤسسة وطنية موجودة الان، وانه الدرع والسيف لهذا الوطن وامنه وسيادته. وينسى أنصار هذا الفريق الذي يبدو ملكيا أكثر من الملك ان جيش مصر العظيم هو جيش الشعب، وان ما اتخذه من موقف وطني بطولي وتاريخي في انحيازه للشعب وثورته ومطالبه، ورفضه إطلاق الرصاص على صدور الثوار، إنما كان يؤدي الامانة التي ائتمنه هذا الشعب عليها دون من ولا أذى.
المؤسف أن حملة التخويف تلك ومحاولات اعادة انتاج الديكتاتور يبدو أنها بدأت تؤتي بعضا من أكلها المر، فكثير من الصحافيين والكتاب الذين كانوا جنودا مخلصين لمبارك ونظامه تحولوا ليكونوا جنودا مخلصين للمجلس العسكري. ولانهم لم يعتادوا ان يكتبوا او يضعوا خبرا او سياسة تحريرية من دون ان يتلقوا الاوامر او يحصلوا على الاذن من السيد المطاع، فقد اصيبوا بقدر من الارتباك لفترة بعد الثورة، حتى استطاعوا ترتيب اوراقهم وتدبر امرهم ووجدوا من يعطيهم الاوامر في العهد الجديد. ولم يعد مستغربا أن تمتنع بعض الصحف عن نشر تقارير حقوقية تتحدث عن انتهاكات وتعذيب واهانات لبعض المصريين على يد رجال من الشرطة العسكرية. واصبح الحديث عن هذا الامر أو عن احالة المدنيين لمحاكم عسكرية خطا أحمر يجب عدم الاقتراب منه.
لكن الامر الذي يبعث أكثر على القلق والخوف على مستقبل الثورة، هو أن بعضا من اعضاء المجلس العسكري تأثر على ما يبدو بحملة النفاق والمديح تلك والمصحوبة بمحاولات إسدال نوع من القداسة على المجلس وقراراته. لست مندهشا أن تكون هذه الحملة أعملت سحرها ووجدت صداها لدى بعض اعضاء المجلس، فهم في النهاية بشر معذورون لان ما يرونه ويسمعونه من بعض محترفي صناعة الطواغيت، يجعل الحكيم حيران. ارجوك عزيزي القارئ ضع نفسك مكان أي من هؤلاء القادة، الذين لا يشكك احد في وطنيتهم واخلاصهم لمصر وثورتها واهدافها، ولكنهم بطبيعتهم وتكوينهم، أميل لقوانين الانضباط العسكري والطاعة وتنفيذ الاوامر دونما نقاش.. فكيف لا يتأثرون بمقالات المديح لكل ما يفعلون ومهاجمة كل من يتعرض بنقد لما يقومون به؟ كيف لا يصادف هوى في نفوس بعضهم، ان يحاول بعضنا جاهدا اخراجهم من دائرة البشر الخطائين التوابين، الى مصاف الائمة المعصومين؟ ومن هنا لم يكن مستغربا، لكنه يحمل اشارات مقلقة جدا، أن يضيق صدر بعض اعضاء المجلس العسكري مما يتناوله الاعلام من موضوعات تتضمن نقدا لقرارات يتخذها المجلس. وقد وصل هذا الضيق بأحد اعضاء المجلس، وهو اللواء ممدوح شاهين مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية للاتصال باحد البرامج التلفزية ليهاجم ما ذهب اليه البعض من انتقادات لاداء المجلس ويذّكر مقدم البرنامج وضيوفه أن عليهم ان يكونوا ممتنين، لان الجيش لم يتصرف كما يفعل الجيش الليبي ضد شعب ليبيا! لكن اللواء نسي في غمرة غضبه ان جيش مصر هو جيش المصريين وليس جيش اي قائد او زعيم مهما كان، وان انحيازه للشعب واجب وأمانة.
وتكررت غضبة اللواء، فقبل ايام اتصل باحدى الفضائيات محتجا لانها وصفت مظاهرات جمعة الغضب الثانية يوم 27 ايار/مايو الماضي بانها حاشدة، وطلب من القائمين على الفضائية أن يرفعوا كلمة حاشدة من العنوان الموجود على الشاشة. رغم ان السجال الذي سبق هذه المظاهــــرات والانقسام حولها بين مكونات المشهد السياسي، كان يفرض على اللواء ان يكون اكثر حذرا في تعاطيه معها والا يبدي رأيا فيها كونه يمثل المجلس العسكري الذي يفترض أن يكون على مسافة واحدة من كل القوى السياسية.
صحيح أن تصريحات وبيانات المجلس العسكري عموما تبدو مطمئنة لصدق ونبل نوايا اعضاء هذا المجلس، لكن ضيق صدر بعض اعضائه وتبرمهم من بعض ما يكتب او يقال من نقد او انتقاد لبعض قرارات ومواقف المجلس تبدو مرشحة للاستمرار طيلة المرحلة الانتقالية، طالما استمر بعض محترفي صناعة الطغاة في ممارسة نشاطه، وطالما بقي نفر من حملة المباخر ومتملقي السلاطين يروجون لبضاعتهم القديمة الجديدة. أما الاخطر في الامر كله فهو أن ينحاز فصيل سياسي لمنطق الانتهازية السياسية ويعتقد أن بمقدوره عقد صفقة مع المجلس على حساب شركائه في الوطن والثورة، وفي سبيل ذلك قد يضطر هذا الفصيل لتبرير ما لا يمكن تبريره من قرارات ومواقف للمجلس العسكري، وحينها لن نكون ازاء ثورة عظيمة اسقطت طاغية ونظامه، بل سنكون بصدد اعادة إنتاج طاغية او فرعون آخر بملامح واسماء جديدة، وهذا ما يجب ان يحذره كل المصريين وعلى رأسهم المجلس العسكري نفسه.
' كاتب وصحافي مصري
|
نعم أنا معك في الجزء الأول من الحوار
نعم عندنا في مصر صناعه قويه صناعه عرفناها على مر العصور صناعه لم يستطع أحد تدميرها مثل باقي الصناعات التي إشتهرنا بها
إنها صناعة الحاكم الإله
صناعة النفاق
فهناك أناس لا هم لهم إلا تأليه الحاكم و إفساده
الكذب و عدم قول الحقيقي
أما عن إتهام الجيش
الجيش يتقبل النقد و كل النقد حتى نا فيه تجاوز
لكن هناك أناس نسوا الأدب و الأخلاق و ينشرون الأكاذيب التي تشعل الفتنه فكان يجب الرد عليهم بحزم
و كان الله في عون الجيش و المصريين و المسلميين أجمعين