من مفاسد التبرج
(5 أَنّه يَجْعَل المُتَبَرّجة أَنْفَع ما تَكُون للشّيْطان في مُهِمَّتِّه, ليغويها ويغوي بها(4), فَتَضْمَنُ لَه فسادًا مُزْدَوَجًا, وهكذا تَجعَل من نَفسِها مِعْوَلًا للقَلع, وفَأسًا للصّدع, ومِقْراضًا للقطع, أقْصِد قلع الحياء من النُّفوس,وصَدْعَ العِفَّة في المُجْتَمَع, وقّطْع أوصال الأخْلاقِ الفَاضِلة في الأُمَّة, قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:" المَرْأَةُ عَوْرَةٌ, وإنَّها إن خَرَجَتْ إسْتَشْرَفَها الشَّيْطانُ" ((رواه الترمذي وغيره عن ابن مسعود -رضي الله عنه-, (صحيح الجامع: 6690))
-قال الحافِظ المُبارْكافوري: (أَيْ: زَيَّنَهَا فِي نَظَرِ الرِّجَالِ. وَقِيلَ: أَيْ نَظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا وَيُغْوِيَ بِهَا . وَالْأَصْلُ فِي الِاسْتِشْرَافِ رَفْعُ الْبَصَرِ لِلنَّظَرِ إِلَى الشَّيْءِ وَبَسْطُ الْكَفِّ فَوْقَ الْحَاجِبِ وَالْمَعْنَى أَنَّ الْمَرْأَةَ يُسْتَقْبَحُ بُرُوزُهَا وَظُهُورُهَا فَإِذَا خَرَجَتْ أَمْعَنَ النَّظَرَ إِلَيْهَا لِيُغْوِيَهَا بِغَيْرِهَا، وَيُغْوِيَ غَيْرَهَا بِهَا لِيُوقِعَهُمَا أَوْ أَحَدَهُمَا فِي الْفِتْنَةِ) [(تحفة الأحوذي)]
-وتأمَّل هذا الكلام النّفيس مِنَ العَلَّامة الربَّاني المُحَدّث الألْباني -رحمه الله- قال: (هذا في شياطين الجِنّ, فَمَا بَالُكَ في شَيَاطين الإِنْسِ، لاسِيما شَيَاطين إنْس هذا العَصْر الذي نَحْن فيه، فإنّه أَضَرّ على المَرْأة مِن أَلْفِ شَيْطان, لِأنّ أَغْلَب شُبّان هذا العَصْرِ لا مُروءَة عِنْدهم ولا دين ولا شَرَف ولا إنْسانيّة, يَتَعَرَّضون للنّساء بِشَكْلٍ مُفْجِع، وهَيْئةٍ تَدُلُّ على خَساسة ودناءَة وانْحِطاطٍ...) [(صحيح الترغيب والترهيب)].
(6 أنّه يَدُلّ على قِلّة حيائها أو زَوالِه، وأنّ التَّبَجُّعَ وَالصَّفاقَة قَد تَمَكَّنا منها.
-قال النبيّ صلى الله عليه وسلم:" إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ الْأُولَى : إِذَا لَمْ تَسْتَحْيِ ، فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ" ((رواه البخاري عن أبي مسعود البدري: 6120))
-ولَيْس المقصود إباحَة فِعْل أيّ شَيء وَ لَوْ كان قَبيحًا ما دَام صَاحِبُه لا يَسْتَحي، بَل مَعْناهُ: (إذا نُزِعَ مِنك الحَياءُ فافْعَل ما شِئت، فَإنّ اللهَ مُجازيك عَليه) كما قال ابنُ حَجَر في ((الفتح))، فَهُو تَهْديدٌ مِنْه صلى الله عليه وسلم، ولَيْس إذنًا.
(7 أنَّه إعانةٌ للرَّجُلِ عَلى زِنا العَيْنِ، ومَعْصِيَةَ النَّظَرِ وَذَلِكَ وَاقِعٌ لا محالة، وَرُبَّما مَهَّدَ في كَثيرٍ مِنَ الأَحْيانِ زِنا الفرج والعِياذُ بالله.
-عن ابن عَبّاس -رضي الله عنه- أنّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال :" إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لاَ مَحَالَةَ ، فَزِنَا العَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ المَنْطِقُ ، وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي ، وَالفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ كُلَّهُ وَيُكَذِّبُهُ". ((البخاري: 6243))
-كما اَنَّ الوَاقِعَ دَلَّ على أنَّ زِنا اللّسان يَقَعُ عَادَةً بالمُتَبَرِّجة لا بِسِواها، وعلى قَدْرِ تَبَرُّجِها يّكون حَظُّها من المُغازَلَةِ والمُضَاحَكَة والمُحادَثة والمُدَاعَبة والمُعاكَسَة و...إلخ.
وهذه المُمَهِّدات تَنْتَهي في كثيرٍ مِنَ الأحْيانِ إلى زَنا الفرج المذكور في الحديث، تَمامًا كما رَتَّبَها أحمد شَوْقي الشَّاعِر:
نَظْرَةٌ فابْتِسامَةٌ فَسَلامُ ****** فكَلامٌ فَمَوْعِدٌ فَلِقاءُ
منقول من كتاب الإقناع عن طريق التدرج بضرورة نبذ التبرج