نبدأ بأدلة الذين يقولون بثبات الأرض وعدم دورانها:
الأدلة من الكتاب والسنة على ثبات الأرض، ودوران الشمس حولها:
• من أدلة الكتاب:
(1): قال الله - سبحانه وتعالى -:"إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً " [فاطر (41)]:
قال ابن مسعود: "كفى بها زوالاً أن تدور".[جامع البيان لابن جرير (22/145). المحرر الوجيز (4/442)].
وقال ابن كثير في تفسيره (3/562): "أي: أن تضطربا عن أماكنهما، كما قال - عز وجل -: "ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، وقال تعالى: "ومن آياته أن تقوم السماء والأرض بأمره".
فهذه الآية حجة ظاهرة على ثبات الأرض؛ إذ لو كانت تدور حول الشمس - كما يزعمون- لكانت دائمة الزوال من مكان إلى مكان.
(2): قال الله - سبحانه وتعالى -: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ" [الروم (25)]:
قال ابن مسعود: "قامتا على غير عمد بأمره"[تفسير البغوي (3/481)].
وقال ابن عطية: "معناه: تثبت"[المحرر الوجيز (4/334)]. وقال ابن كثير: "أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها، وتسخيره إياها"[تفسيره (3/431)].
وقال ابن منظور في لسان العرب (12/497): "ويجيء القيام بمعنى: الوقوف والثبات، يقال للماشي: قف لي، أي: تحبس مكانك حتى آتيك، وكذلك: قم لي، بمعنى: قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: "وإذا أظلم عليهم قاموا"قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى: وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين".
(3): قال الله - سبحانه وتعالى -: "أَمَّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ" [النمل (61)]:
قال ابن كثير في تفسيره (3/371): "أي قارةً ساكنةً ثابتةً، لا تميد، ولا تتحرك بأهلها، ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً بساطاً ثابتةً، لا تتزلزل ولا تتحرك".
وقال القرطبي في تفسيره (13/222): ""وجعل لها رواسي"يعني: جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة".
والقرار معناه في لغة العرب: الثبات والسكون [انظر: لسان العرب (5/84). القاموس (592). تاج العروس (13/392)].
(4): قال الله - سبحانه وتعالى -:"وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ" [النحل (15)]، وما كان في معناها من الآيات الكثيرة:
أي: أن الله - سبحانه وتعالى - ألقى الجبال على ظهر الأرض لتكون أوتاداً لها ورواسي - أي: ثوابت-؛ لئلا تميد الأرض بأهلها، والميد: الحركة، والميل، والاضطراب، والزلزلة، والتكفؤ، والدوران.
قال القرطبي في تفسيره (11/285): ""وجعلنا في الأرض رواسي" أي: جبالاً ثوابت، "أن تميد بهم" أي: لئلا تميد بهم، ولا تتحرك ليتم القرار عليها، ...، والميد: التحرك والدوران، يقال: ماد رأسه، أي: دار".
وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/217): "فصل: ثم تأمل خلق الأرض على ما هي عليه، حين خلقها واقفةً ساكنةً؛ لتكون مهاداً ومستقراً للحيوان والنبات والأمتعة، ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحاتهم، والنوم لهدوِّهم، والتمكن من أعمالهم، ..." ثم استشهد على كلامه بهذه الآية.
وقال ابن الجوزي في زاد المسير (4/435): "أي: نصب فيها جبالاً ثوابت، "أن تميد"أي: لئلا تميد، وقال الزجاج: كراهة أن تميد، يقال: ماد الرجل، يميد ميداً: إذا أدير به، وقال ابن قتيبة: الميد: الحركة والميل؛ يقال: فلان يميد في مشيته، أي: يتكفأ".
وقال الشوكاني في فتح القدير (3/405): "الميد: التحرك والدوران، أي: لئلا تتحرك وتدور بهم، أو كراهة ذلك".
[وانظر أيضاً على سبيل المثال لا الحصر: جامع البيان (14/90) و(17/21) و(21/65) و(30/47). معاني القرآن للنحاس (5/281). معالم التنزيل (3/47و64و243). المحرر الوجيز (4/347). الجامع لأحكام القرآن (10/90). مفردات القرآن (782). معجم مقاييس اللغة (970). تاج العروس (9/192). اللسان (3/411). تفسير ابن كثير (2/566) و(3/178و371) و(4/223و398و461) وغيرها كثير].
(5): قال الله - سبحانه وتعالى -: "أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً"وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً " [النبأ (6و7)]:
قال ابن كثير في تفسيره (4/463): "أي: ممهدةً للخلائق، ذلولاً لهم، قارةً ساكنةً ثابتةً، "والجبال أوتادا"أي: جعلها لها أوتاداً؛ أرساها بها، وثبتها، وقررها، حتى سكنت، ولم تضطرب بمن عليها".
وقد وصف الله - عز وجل - الأرض بكونها: "فراشاً"، و"قراراً"، و"مهداً"، و"بساطاً"، و"ذلولاً" كما جاء في آيات كثيرة، وكلها يدل على نفس المعنى، من ثبات الأرض وسكونها، وعدم دورانها، وقد تركت نقل كلام أهل العلم فيها طلباً للاختصار.
(6): قال الله - سبحانه وتعالى -:"أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ" [الملك (16)]:
قال الشوكاني في فتح القدير (5/262): "أي: تضطرب وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون".
ومعنى: "تمور" هنا مثل معناها في قوله - سبحانه وتعالى -: "يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً" [الطور (9)]، وقد قال فيها مجاهد: "تدور دوراً"، وقال الضحاك: "استدارتها وتحركها لأمر الله، وموج بعضها في بعض" [جامع البيان (27/21). تفسير ابن كثير (4/241)]، قال ابن الجوزي في زاد المسير (8/48): "وهو اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج". وقال ابن كثير في تفسيره: "وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة". وقال البغوي في تفسيره (4/237): "أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة".
قال الشيخ عبد الله الدويش في المورد الزلال ص (260): "إذا علم هذا؛ فآية سورة الملك دالة على أن الأرض قارة ساكنة، لا تدور فتذهب وتجيء، ولهذا امتنَّ الله تبارك وتعالى على عباده بتذليلها لهم، وحذرهم من عقوبته بأن يخسف بهم الأرض، ويجعلها تمور بهم، ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم من العصريين؛ لكانت الأرض تمور دائماً كما تمور النجوم والسحاب والريح، ولم يبق للتخويف بمورها فائدة".
(7): قال الله - سبحانه وتعالى -: "فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ" [الشعراء (187)]، وما كان في معناها من الآيات؛ من إسقاط الكسف [الإسراء (92). سبأ (9). الطور (44)].
وقال - سبحانه وتعالى -: "وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" [الأنفال (32)]:
قال الشيخ الدويش في المورد الزلال ص (261): "ووجه الاستدلال بهذه الآيات الخمس على استقرار الأرض وسكونها: أن الله - سبحانه وتعالى - جعل الأرض مركزاً للأثقال، ومستقراً لما ينزل من السماء، فلو سقطت السماء لوقعت على الأرض، ولو سقط منها شيء لم يستقر إلا في الأرض، ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال؛ وهذا تكذيب للقرآن".
(8):قال الله - سبحانه وتعالى -:"وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ" [الأنبياء (33)]، وقال أيضاً: "لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " [يس (40)]:
هاتان الآيتان دليل على دوران الشمس والقمر والليل والنهار حول الأرض في حركة دائرية؛ لقوله تعالى: "كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ"، قال ابن عباس: "في فلك كفلك المغزل" [جامع البيان (23/8)]. وقال قتادة: "الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء" [الجامع لأحكام القرآن (11/286)]. وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (17/23): "والشمس والقمر كل ذلك في دائر يسبحون". وقال ابن كثير في تفسيره (3/179): "أي: يدورون، قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة". وقال أيضاً (3/574): "أي: يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخرساني". وقال البغوي في تفسيره (3/243): "والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فلكة المغزل". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة: أن الأفلاك مستديرة" [المجموع (25/193). وانظر: (6/557و566و595)]. وفي لسان العرب (10/478): "فلَّك ثدي الجارية تفليكاً و تفلَّك: استدار، ...، وفلكة المغزل: معروفة، سميت لاستدارتها، وكل مستدير فلكة".
• أما أدلة السنة:
ما رواه الشيخان [البخاري (3124و5157). ومسلم (1747)] من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «غزا نبي من الأنبياء، فقال للقوم: لا يتبعني رجل قد كان ملك بُضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولَمَّا يبنِ بها. ولا آخر قد بنى بناء له، ولما يرفع سقفها. ولا آخر قد اشترى غنماً أو خَلِفاتٍ، وهو ينتظر وِلادها. فغزا فدنا من القرية حين صلاة العصر، أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ شيئاً، فحُبِستْ عليه حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، فلصقت يد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، فوضعوه في المال، وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا».
ووجه الدلالة منه من وجوه:
أحدها: قوله للشمس: «أنت مأمورة» فيه دليل على تسخير الشمس، وأنها مأمورة بالإشراق من المشرق، والغروب من المغرب، والسير في فلكها المقدر لها.
الثاني: قوله: «وأنا مأمور» فيه تنبيه على تشبيه الأمر الكوني للشمس بالأمر الشرعي للنبي، حيث إن كليهما مكلف بذلك من قبل خالقه، وعليه فأمر التسخير بالحركة الدائبة موجه إلى الشمس لا إلى الأرض.
الثالث: قوله: «اللهم احبسها عليَّ» فهذا الدعاء مبني على علم النبي السابق بحركة الشمس وتسخيرها للخلق، ومعلوم أن علوم الأنبياء ومعارفهم تكون صحيحة، ولو كان هذا الطلب غير موافق لحقيقة الأمر، لنُبِّه النبي، ولم يترك على هذا الاعتقاد الخاطئ.
الرابع: أنه بذلك يطلب أمراً ممكناً، ودليل إمكانه: عدم نهي النبي عنه، أو صرفه إلى غيره، فهذا نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم لما سأل الله تعالى أن يراه ببصره في الدنيا، قال الله - عز وجل - له: "لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي" [الأعراف (143)]، فنفى إمكان الرؤية في الدنيا حيث لا تحتملها قدرات البشر، وعلق إمكان الرؤية على استقرار الجبل، فإن كان الجبل الذي هو أشد قوة من البشر لم يحتمل هذه الرؤية فكيف بالبشر، بينما لما سأل خليل الرحمن إبراهيم r رؤية كيفية إحياء الموتى، أجابه الله - سبحانه وتعالى - إلى ذلك وقال: ï´؟فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌï´¾ [البقرة (260)]، فإذا ثبت كون حبس الشمس أمراً ممكناً، فقد استجاب الله تعالى له، وحبس له الشمس، فدل ذلك على حركتها ودورانها حول الأرض، وإلا لم يكن لذلك معنى.
الخامس: قوله: «فحبست» دل على عظيم قدرة الله تعالى وكمالها، فكما أنه سخر الشمس والقمر بالسير الدائب لمصالح الخلق، وجعل ذلك سنة كونية لا تتبدل ولا تتغير، فإنه - سبحانه وتعالى - قادر على أن يعطل هذه السنة وقتما شاء - سبحانه وتعالى -، حتى يتمكن يوشع بن نون - عليه السلام - من هزيمة أعداء الله.