و هذا جزء من ملخص لدروس المالية العامة نتمنى اني قدرت نفيدك و لو قليلا بالتوفيق
ظاهرة تزايد النفقات العامة
إن ظاهرة اتجاه النفقات العامة إلى الزيادة والتنوع عاما بعد عام أصبحت من الظواهر المعروفة بالنسبة لمالية الدولة وبمختلف الدول وذلك نتيجة تطور دور الدولة وازدياد درجة تدخلها في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وقد خلص الاقتصاديون اعتمادا على استقراء الإحصاءات في مختلف الدول إلى أن جعلوا هذه الظاهرة قانونا عاما من قوانين التطور الاقتصادي والاجتماعي.
ويعتبر العالم الألماني قاجنر wagner أول من لفت الأنظار إلى قانون زيادة النفقات العامة، بعد أن درس حجم النفقات العامة للعديد من الدول الأوروبية في القرن التاسع عشر، ويفسر قاجنر تلك الزيادة بسنة التطور، فالدولة تنمو وتتطور وتزداد التزاماتها مع اتساع دائرة تدخلها لخدمة الأفراد ومن ثم فإن نفقاتها تزداد تبعا لذلك.
وبالرجوع إلى البيانات الإحصائية الخاصة بتطور الإنفاق العام في العديد من الدول بعد الحرب العالمية الثانية تظهر بوضوح اتجاه النفقات العامة إلى التزايد بإطراد بغض النظر عن درجة النمو الاقتصادي والفلسفة المذهبية السائدة فيها.
وتجدر الإشارة إلى أن حجم الدخل القومي هو الآخر قد زاد في مختلف الدول إلا أن نسبة الزيادة في الإنفاق العام تجاوزت بكثير نسبة الزيادة في الدخل القومي.
وقبل بحث أسباب التزايد الحقيقي أو الظاهري للنفقات العامة يجب الإشارة إلى أنه لا يترتب على زيادة النفقات العامة أن يثقل عبء التكاليف العامة كالضرائب على الأفراد بنفس معدل زيادة النفقات، وذلك حتى مع ازدياد أنواع الضرائب المختلفة ورفع أسعارها لمواجهة الزيادة في النفقات العامة بمعدل أكبر من زيادة الدخل القومي، ويرجع هذا إلى إحساس الفرد بعبء التكاليف العامة يخف بسبب ارتفاع الدخل من ناحية واتجاه الدول الديمقراطية إلى زيادة أعباء الضرائب بوسائل مختلفة على الطبقات ذات الدخل المرتفع والتي تنقص المنفعة الحدية لدخولها كثيرا عن المنفعة الحدية للطبقات الأخرى ذات الدخل المحدود من ناحية أخرى، ويؤدي هذا إلى عدم زيادة عبء التكاليف العامة حتى مع زيادة نسبة النفقات العامة إلى الدخل القومي.
ونتناول فيمايلي أسباب تزايد النفقات العامة والمتمثلة في:
أولا: أسباب التزايد الحقيقي للنفقات العامة:
يقصد بالزيادة الحقيقية للنفقات العامة زيادة المنفعة الحقيقية المترتبة على هذه النفقات وزيادة عبء التكاليف العامة بنسبة ما، كما تشير إلى ازدياد تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين.
إن الزيادة الحقيقية للنفقات العامة في شتى الدول في السنوات الماضية يشير إلى الزيادة المطردة في حجم النفقات والتي ترجع إلى أسباب متعددة تختلف باختلاف مستوى التطور في كل دولة من الدول وهي: أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية وإدارية ومالية بالإضافة إلى أسباب حربية.
1-الأسباب الاقتصادية:
إن من أهم الأسباب الاقتصادية المفسرة لظاهرة التزايد في النفقات العامة زيادة الدخل القومي والتوسع في المشروعات العامة وعلاج التقلبات التي تطرأ على النشاط الاقتصادي (خاصة في حالة الكساد)، فزيادة الدخل القومي تسمح للدولة في العصر الحديث من الزيادة في مقدار ما تقتطعه منه في صورة تكاليف أو أعباء عامة من ضرائب ورسوم وغيرها، حتى ولو لم تزاد أنواع الضرائب المقررة أو يرتفع سعرها وعادة ما تحفز هذه الموارد المتاحة الدولة على زيادة إنفاقها على مختلف الوجوه.
كما يؤدي التوسع في إقامة المشروعات العامة الاقتصادية إلى زيادة النفقات العامة، وتسعى الدولة من قيامها بهذه المشروعات:
أ-الحصول على موارد لخزانة الدولة.
ب-التعجيل بالتنمية الاقتصادية.
ج-محاربة الاحتكار.
وبصفة عامة توجيه النشاط الاقتصادي وجهة معينة بحسب الأيديولوجية السائدة في الدولة.
ومن جهة أخرى فإن محاربة الكساد وأثاره الضارة يحتم على الدولة القيام بالمزيد من الإنفاق بهدف زيادة مستوى الطلب الكلي الفعلي إلى المستوى الذي يسمح بتحقيق التشغيل الكامل وذلك في حدود الطاقة الإنتاجية للاقتصاد القومي، وهذه السياسة وإن كانت تصلح في البلدان المتقدمة، فإنها تكون غير صالحة في حالة البلدان النامية.
وأخيرا فالتنافس الاقتصادي الدولي مهما كانت أسبابه فهو يؤدي إلى زيادة النفقات العامة، سواء في صورة إعانات اقتصادية للمشروعات الوطنية لتشجيعها على التصدير ومنافسة المشروعات الأجنبية في الأسواق الدولية، أو في صورة إعانات للإنتاج لتمكين المشروعات الوطنية من الصمود والوقوف في وجه المنافسة الأجنبية في الأسواق الوطنية.
2-الأسباب الاجتماعية:
فقد أدى ميل السكان في العصر الحديث إلى التركز في المدن والمراكز الصناعية إلى زيادة النفقات العامة المخصصة للخدمات التعليمية والصحية والثقافية والخاصة بالنقل والمواصلات والمياه والغاز والكهرباء …الخ، ويرجع ذلك إلى أن متطلبات وحاجات سكان المدن أكبر وأعقد من حاجات سكان الريف كما هو معلوم، كما أدى انتشار التعليم إلى تعزيز فكرة الوعي الاجتماعي فأصبح الأفراد يتطلبون من الدولة القيام بوظائف لم تعرفها في العصور السابقة، كتأمين الأفراد ضد البطالة والفقر والمرض والعجز والشيخوخة وغيرها من أسباب عدم القدرة على الكسب، وقد نتج عن منح الدولة لهذه الإعانات وتقديم للعديد من الخدمات الاجتماعية إلى زيادة النفقات العامة وبصفة خاصة النفقات التحويلية.
3-الأسباب السياسية:
إن انتشار المبادئ الديمقراطية ترتب عنها اهتمام الدولة بحالة الطبقات محدودة الدخل، والقيام بالكثير من الخدمات الضرورية لها، وكثيرا ما يدفع النظام الحزبي الحزب الحاكم إلى الإكثار من المشروعات الاجتماعية قصد إرضاء الناخبين وإلى الإفراط في تعيين الموظفين مكافأة لأنصاره وينجم عن هذا كله بطبيعة الحال تزايد في النفقات العامة.
كما يؤدي تقرير مبدأ مسؤولية الدولة أمام القضاء إلى زيادة الإنفاق الحكومي لمواجهة ما قد يحكم به على الدولة من تعويضات وغيرها.
ومن جهة أخرى إن اتساع نطاق التمثيل الدبلوماسي لكثرة عدد الدول المستقلة وزيادة أهميته في العصر الحديث، إلى جانب ظهور منظمات دولية متخصصة وغير متخصصة ومنظمات إقليمية متعددة قد أدى إلى زيادة الإنفاق العام على هذا المرفق الحيوي.
4-الأسباب الإدارية:
مما لا شك فيه أن سوء التنظيم الإداري وعدم مواكبته لتطور المجتمع الاقتصادي والاجتماعي والعلمي، والإسراف في عدد الموظفين وزيادتهم عن حاجة العمل والإسراف في ملحقات الوظائف العامة من سعاة وأثاث وسيارات …الخ يؤدي إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وهذه الزيادة في النفقات العامة حقيقية لأنها تؤدي إلى زيادة عبء التكاليف العامة على المواطنين، وإن كانت تمثل زيادة غير منتجة إنتاجا مباشرا لأنه لا يترتب عليها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع العام، وهي في حقيقتها أقرب ما تكون إلى النفقات التحويلية منها إلى النفقات الفعلية (الحقيقية).
5-الأسباب المالية:
إن سهولة الافتراض في الوقت الحاضر أدى بالدولة إلى كثرة الالتجاء إلى عقد قروض عامة للحصول على موارد للخزانة العامة مما يسمح للحكومة بزيادة الإنفاق وخاصة على الشؤون الحربية، وهذا فضلا عما يترتب على خدمة الدين من دفع لأقساطه وفوائده من الزيادة في النفقات العامة.
وفي حالة وجود فائض في الإيرادات أو مال احتياطي غير مخصص لهدف معين فإن ذلك يؤدي إلى إغراء الحكومة بإنفاقه في أوجه غير ضرورية، وبذلك تزداد النفقات العامة، وتبدو خطورة هذه السياسة في الأوقات التي تحتم فيها السياسة السليمة على الحكومة العمل على خفض نفقاتها، وذلك لما هو معروف من صعوبة خفض كثير من بنود الإنفاق العام.
الأسباب الحربية:
وهي لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة الذكر، إن لم تكن أهمها جميعا في وقتنا الحاضر بالنظر إلى اتساع نطاق الحروب والاستعداد لها وما يترتب عن ذلك من تزايد الإنفاق العسكري في الدولة، ولا يقتصر الأمر في أوقات الحروب فقط، بل يزداد هذا الإنفاق حتى في فترات السلم، وهو ما تؤكده الظروف الراهنة الناجمة عن التوتر العالمي في كافة دول العالم، وتتفاوت الزيادة في النفقات العامة اللازمة للحرب بين مختلف الدول حسب ظروف كل دولة ومركزها السياسي والاقتصادي وسط جوانب الصراع الدولي، ويمكن التأكد من ظاهرة التزايد المستمر في النفقات الحربية إلى حجم الإنفاق العام، وذلك بالرجوع إلى تطور هذه النفقات في الميزانيات العامة لبعض الدول الكبرى، ومن الوقوف على نسب النفقات العامة إلى حجم الدخل القومي في نفس الدول.
وتتسم فترات الحروب عامة بالتبذير الحكومي وصعوبة تحقيق الرقابة على نفقات الدولة أثناء الحرب بسبب كل من: الطبيعة السرية للإنفاق العسكري وسرعة اتخاذ القرارات الانفاقية، وانتهاء الحرب لا يعني انتهاء النفقات الحربية، إذ أنها تنخفض فقط إلى حد معين نظرا إلى أن استمرار التوتر الدولي يحتم على الدول المختلفة الاحتفاظ بقوة ضارية في حالة استعداد مستمر لمواجهة أي تهديد لسلامتها وبالتالي الدخول فيما يسمى بسباق التسلح.
ومن جهة أخرى تزداد النفقات العامة على وجوه معينة بعد انتهاء الحرب كدفع تعويضات وإعانات ومعاشات لضحايا الحرب من قدماء المحاربين وأسر الشهداء بالإضافة إلى نفقات إعادة البناء وتعمير ما دمرته الحرب في الجهاز الإنتاجي للاقتصاد القومي إلى جانب دفع أقساط وفوائد الديون التي عقدتها الدولة أثناء الحرب لتمويل نفقاتها الحربية.
ثانيا: أسباب التزايد الظاهري للنفقات العامة:
ترجع الأسباب المؤدية إلى زيادة النفقات العامة بهذا المعنى إلى تدهور قيمة النقود وطريقة إعداد الميزانية والحسابات العامة وتغير مساحة إقليم الدولة وزيادة عدد سكانها في بعض الأحيان.
1-تدهور قيمة النقود:
إن تدهور قيمة النقود أي انخفاض قدرتها الشرائية يؤدي إلى نقص كمية السلع والخدمات التي يمكن الحصول عليها بواسطة عدد معين من الوحدات النقدية مقارنة بالكمية التي كان يمكن الحصول عليها قبل هذا التدهور، ويترجم تدهور قيمة النقود في ارتفاع المستوى العام للأسعار، وفي الواقع أن مختلف العملات النقدية قد تعرضت إلى تدهور في قيمتها خلال تطورها التاريخي، وإن كانت نسبة هذا التدهور تختلف من عملة إلى أخرى.
ويعني تدهور قيمة النقود أن الزيادة في النفقات العامة تكون ظاهرية في جزء منها، أي لا ينتج عنها زيادة في القيمة الحقيقية للنفع المتحقق من هذه النفقات أو بمعنى آخر إن الزيادة في النفقات العامة قد تعود إلى ارتفاع الأسعار لا إلى الزيادة في كمية السلع والخدمات التي اشترتها أو أنتجتها النفقات العامة.ويعد تدهور قيمة النقود هو السبب الرئيسي في الزيادة الظاهرية في النفقات العامة في العصر الحديث.
2-اختلاف الفن المالي:
وهو يتعلق بإعداد الميزانية والحسابات العامة، فقد ترجع الزيادة في النفقات العامة إلى الاختلاف في الفن المالي وإلى اختلاف طرق قيد الحسابات المالية، فمن المبادئ الفنية المعروفة في إعداد الميزانية العامة للدولة، الأخذ بفكرة الميزانية الصافية أو الإجمالية، وتقوم فكرة الميزانية الصافية على ظاهرة تخصيص الإيرادات العامة، ومؤدى ذلك أن يسمح لبعض الهيئات والمؤسسات العامة مثلا أن تجري مقاصة بين إيراداتها ونفقاتها؛ بحيث تكون لها سلطة طرح نفقاتها من الإيرادات التي تقوم بتحصيلها، وبالتالي فإنه لا يظهر في الميزانية العامة للدولة إلا فائض الإيرادات على النفقات، وفكرة الميزانية الصافية كانت تتبع في الماضي، أما فكرة الميزانية الإجمالية فهي تقوم على أن كل النفقات العامة التي تنفقها المرافق والهيئات العامة تظهر في ميزانية الدولة التي تضم كافة النفقات والإيرادات العامة، وعليه فإن الأخذ بمبدأ الميزانية الإجمالية في سنة معينة، حيث تظهر كافة النفقات العامة للدولة إلى وجود قدر من الزيادة في حجم الإنفاق العام في هذه السنة مقارنة بالنسبة السابقة وتعتبر هذه الزيادة بالطبع زيادة ظاهرية بسبب تغيير القواعد المحاسبية للميزانية لا زيادة حقيقية في النفقات العامة.
3-زيادة مساحة الدولة:
إذا كان الإنفاق العام يتزايد لمجرد مواجهة التوسع في مساحة الدولة أو بزيادة عدد سكانها دون أن يمس الإقليم الأصلي أو السكان الأصليين فإن الزيادة في الإنفاق تكون مجرد زيادة ظاهرية، واتجاه النفقات العامة إلى التزايد في هذه الحالات يكون راجعا إلى التوسع في الخدمات العامة التي كانت تحققها الدولة من قبل، وإنما بسبب اتساع نطاق الحاجة إلى نفس أنواع الخدمات في المساحات الجديدة التي أضيفت لإقليم الدولة، أو لمواجهة حاجات السكان المتزايدون من تلك الخدمات والمنافع العامة، مما يؤدي إلى زيادة الإنفاق العام