بارك الله فيك أخي الكريم
قال ابن القيم رحمه الله تعالى
" وفصل النزاع أن يقال التطريب والتغني على وجهين:
أحدهما: ما اقتضته الطبيعة وسمحت به من غير تكلف ولا تمرين
ولا تعليم بل إذا خلي وطبعه واسترسلت طبيعته جاءت بذلك التطريب
والتلحين فذلك جائز، وإن أعان طبيعته بفضل تزيين وتحسين كما قال أبو موسى
الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم «لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيراً» والحزين
ومن هاجه الطرب والحب والشوق لا يملك من نفسه دفع التحزين والتطريب في القراءة،
ولكن النفوس تقبله وتستحليه لموافقته الطبع وعدم التكلف والتصنع فيه، فهو مطبوع
لا متطبع، وكلف لا متكلف، فهذا هو الذي كان السلف يفعلونه ويستعملونه، وهو التغني
الممدوح المحمود، وهو الذي يتأثر به التالي والسامع، وعلى هذا الوجه تحمل أدلة أرباب
هذا القول كلها.
الوجه الثاني: ما كان من ذلك صناعة من الصنائع، وليس في الطبع السماحة به،
بل لا يحصل إلا بتكلف وتصنع وتمرن، كما يتعلم أصوات الغناء بأنواع الألحان البسيطة
والمركبة على إيقاعات مخصوصة وأوزان مخترعة لا تحصل إلا بالتعلم والتكلف،
فهذه هي التي كرهها السلف وعابوها وذموها ومنعوا القراءة بها، وأنكروا على من قرأ بها،
وأدلة أرباب هذا القول إنما تتناول هذا الوجه، وبهذا التفصيل يزول الاشتباه ويتبين الصواب
من غيره وكل من له علم بأحوال السلف يعلم قطعاً أنهم برآء من القراءة بألحان الموسيقى
المتكلفة التي هي إيقاعات وحركات موزونة معدودة محدودة، وأنهم أتقى لله من أن يقرأوا بها
ويسوغوها، ويعلم قطعاً أنهم كانوا يقرأون بالتحزين والتطريب، ويحسنون أصواتهم بالقرآن،
ويقرأونه بشجى تارة، وبطرب تارة، وبشوق تارة، وهذا أمر مركوز في الطباع تقاضيه،
ولم ينه عنه الشارع مع شدة تقاضي الطباع له). [1/470].هـ