وقول الله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} 1 وقال: {وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ}2. 
عن حصين بن عبد الرحمن قال: " كنت عند سعيد بن جبير فقال: أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة؟ فقلت: أنا، ثم قلت: أما إني لم أكن في صلاة، ولكني لدغت. قال: فما صنعت؟ قلت: ارتقيت. قال: فما حملك على ذلك؟ قلت: حديث حدثناه الشعبي. قال: وما حدثكم؟ قلت حدثنا عن بريدة بن الخصيب أنه قال: "لا رقية إلا من عين أو حمة"3 4. قال: قد أحسن من انتهى إلى ما سمع. 
-----------------------------------------------
 1 سورة النحل آية: 120. 
 2 سورة المؤمنون آية: 59. 
 3 رواه أحمد وابن ماجه عنه مرفوعا. ورواه أحمد وأبو داود والترمذي عن عمران بن حصين به مرفوعا. قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات. 
 4 البخاري: الطب (5705) , ومسلم: الإيمان (220) , وأحمد (1/271). 
 
ص -16-        ولكن حدثنا ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عُرضت عليّ الأمم، فرأيت النبي ومعه الرهط والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد. إذ رفع لي سواد عظيم فظننت أنهم أمتي، فقيل لي: هذا موسى وقومه، فنظرت فإذا سواد عظيم، فقيل لي: هذه أمتك، ومعهم سبعون ألفا يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب. ثم نهض فدخل منْزله، فخاض الناس في أولئك؛ فقال بعضهم: فلعلهم الذين صحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال بعضهم: فلعلهم الذين ولدوا في الإسلام فلم يشركوا بالله شيئا. وذكروا أشياء. فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه، فقال: هم الذين لا يَسْتَرقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون. فقام عكاشة بن محصن فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. قال: أنت منهم. ثم قام جل آخر فقال: ادع الله أن يجعلني منهم. فقال: سبقك بها عكاشة 1". 
فيه مسائل: 
الأولى: معرفة مراتب الناس في التوحيد. 
الثانية: ما معنى تحقيقه. 
الثالثة: ثناؤه سبحانه على إبراهيم بكونه لم يك من المشركين. 
الرابعة: ثناؤه على سادات الأولياء بسلامتهم من الشرك. 
الخامسة: كون ترك الرقية والكي من تحقيق التوحيد. 
-----------------------------------------------
 1 الحديث رواه البخاري مطولا ومختصرا, ومسلم, والنسائي, والترمذي (انظر طبعة دار المعارف بتصحيح أحمد محمد شاكر). 
 
ص -17-        السادسة: كون الجامع لتلك الخصال هو التوكل. 
السابعة:عمق علم الصحابة لمعرفتهم أنهم لم ينالوا ذلك إلا بعمل. 
الثامنة:حرصهم على الخير. 
التاسعة: فضيلة هذه الأمة بالكمية والكيفية. 
العاشرة: فضيلة أصحاب موسى. 
الحادية عشرة: عرض الأمم عليه عليه الصلاة والسلام. 
الثانية عشرة: أن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها. 
الثالثة عشرة: قلة من استجاب للأنبياء. 
الرابعة عشرة: أن من لم يجبه أحد يأتي وحده. 
الخامسة عشرة: ثمرة هذا العلم، وهو عدم الاغترار بالكثرة، وعدم الزهد في القلة. 
السادسة عشرة: الرخصة في الرقية من العين والحمة. 
السابعة عشرة: عمق علم السلف لقوله: "قد أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولكن كذا وكذا" 1 فعلم أن الحديث الأول لا يخالف الثاني. 
الثامنة عشرة: بعد السلف عن مدح الإنسان بما ليس فيه. 
التاسعة عشرة: قوله: "أنت منهم" علم من أعلام النبوة. 
العشرون: فضيلة عكاشة. 
الحادية والعشرون: استعمال المعاريض. 
الثانية والعشرون: حسن خلقه صلى الله عليه وسلم. 
-----------------------------------------------
 1 مسلم: الإيمان (220). 
 [ اذهب الى الاعلى ]
ص -18-        باب (3)الخوف من الشرك 
وقول الله (: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} 1. 
وقال الخليل عليه السلام: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} 2. 
وفي الحديث: "أخوف ما أخاف عليكم: الشرك الأصغر، فسئل عنه، فقال: الرياء" 3 رواه أحمد والطبراني والبيهقي. 
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من مات وهو يدعو من دون الله ندا دخل النار" 4 رواه البخاري. ولمسلم عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من لقي الله لا يشرك به شيئا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار" 5. 
-----------------------------------------------
 1 سورة النساء آية: 48. 
 2 سورة إبراهيم آية: 35. 
 3 أحمد (5/428). 
 4 البخاري: تفسير القرآن (4497) , وأحمد (1/374 ,1/402 ,1/407 ,1/462 ,1/464). 
 5 مسلم: الإيمان (93) , وأحمد (3/325 ,3/344 ,3/374 ,3/391). 
 
ص -19-        فيه مسائل: 
الأولى: الخوف من الشرك. 
الثانية: الرياء من الشرك. 
الثالثة: أنه من الشرك الأصغر. 
الرابعة:أنه أخوف ما يخاف منه على الصالحين. 
الخامسة:قرب الجنة والنار. 
السادسة: الجمع بين قربهما 1 في حديث واحد. 
السابعة:أنه من لقيه لا يشرك به شيئا دخل الجنة،ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار، ولو كان من أعبد الناس. 
الثامنة: المسألة العظيمة: سؤال الخليل له ولبنيه وقاية عبادة الأصنام. 
التاسعة: اعتباره بحال الأكثر لقوله: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ}2. 
العاشرة: فيه تفسير " لا إله إلا الله "، كما ذكره البخاري. 
الحادية عشرة:فضيلة من سلم من الشرك. 
-----------------------------------------------
 1 في إحدى النسخ الخطية: "الجمع بينهما...". 
 2 سورة إبراهيم آية: 36.