ارتعشتا من الخوف فاختبأتا داخل جوف الشجرةهنا ظهر غول كبير ومخيف يجمع بعض الأغصان، توقف لمهلة وكأنه يشم شيئا ،أخذ يقرب أنفه من جوف الشجرة والفتاتان لا تدريان ما تفعلان من فرط الجزع؛ أطل في الجوف فإذا بالفتاتان تطلقان صرخة دوت في انحاء الغابة فَفُوجيء الغول وامسك بهما من طرف ردائهما ودون أن ينطق بحرف أخذهما إلى منزله الذي يقع قرب مستنقع ووضعهما في كرسي ضخم ثم أوقد النار ووضع فيه إناء.حمل الغول سكينا واتجه نحو الفتاتين فعقدت الدهشة لسانيهما ولم تنطقا ببنت شفه؛ هنا ضحك الغول ووضع امامهما لحم غزال كان قد اصطاده وطلب منهما بلطف أن تقَطّعاه للغذاء فهما مدعوتان عنده ثم انصرف لشأنه ،تنفست القدر الصعداء وأخذت البنتان تعدان الغذاء بهمة وهما تمنيان نفسيهما بطعام لذيذ (فقد كانتا تعدان ألذ الأطعمة للملك)،نظفتا المكان جيدا فقد كان مقرفا ومثيرا للإشمئزاز،فجأة دخلت غولة لم تكن أصغر من ذلك الغول حجماً إلا أنها كانت جميلة بالنسبة لغول وهي تحمل سلة من الفواكه حيتهما والبسمة بادية على محياها ورحبت بهما وسألتهما عن سبب مجيئهما فقصت عليها مي حكايتها ولم تكد تنهي حتى دخل الغول وهو يتشمم رائحة الطعام المنبعثة من القدر :<<اممم رائحة زكية>> نهضت الغولة مسرعة وحضرت مائدة الغذاء وجلس الجميع حولهاو تناولوا الغداء.
وقفت مي وتبعتها رنا وهما تشكران الغولين على حسن الضيافة ولم تخرجا إلا وهما تحملان سلة الفواكه وتودعان الغولين.
انطلقتا من جديد وكلهما أمل في العودة إلى قريتهما ،وأمِّهما التي كانت قلقة جدا عليهما.بعد مدة من المسير بدأت الشمس تنذر بغيابها وبإقبال الليل وإدبار النهار، توقفتا لمواصلة المسير في الغد وأكلتا بعضا من الفواكه .
في الصباح استيقظت الفتاتان ولكنهما منهكتان من دون سبب التفتت رنا لترى نفسها في مكان موحش قرب قلعة تحوم حولها الغربان وقد غيمت السحب السوداء على المكان دخلتا إليها فرأتا أصنافا من الحيوانات الغريبة .....فجأة سقط شيء من الأعلى لتجد رنا نفسها وحيدة فقد سقطت مي في فخ وسجنت في قفص.فجأة ظهرت امرأة عجوز امام رنا التي بدأت ركبتيها تصطكان من فرط الخوف ،ضحكت المرأة ضحكة شريرة وقالت لرنا:من أنت ؟ومن هذه التي معك؟اجابت بتردد:اسمي رنا وهذه أختي،ونحن تائهتان.
قالت المرأة:إذا أردت أن تعود إليك اختك فأحضري شيئين هما:
1ـ وردة من قمة جبل الرعب.
2ـ بعض الماء من بحيرة الشتاء التي تقع بعد الجبل مباشرة.
خرجت الفتاة خائفة ألا تتمكن من إنقاذ أختها وما كادت تخرج من حديقة القلعة الموحشة حتى عادت لها قوتها وزال الفشل فعلمت أن سحرا أصاب القلعة. واصلت السير وهي تفكر فيما يحدث لها حتى بدأت بتسلق الجبل فوجدت هنالك شيخا طاعنا في السن جائعا فأعطته كل الفاكهة التي كانت معها شكرها وسألها عما تفعل فقصت عليه حكايتها مع الساحرة فأعطاها بساطا طائرا وأمرها أن تغمض عينيها ثم تفتحهما وأول زهرة تراها تأخذها كما أخبرها أنه بإمكانها استعمال البساط مرة واحدة فرحت الفتاة وركبت البساط مسرعة دون أن تنسى شكر الشيخ وصلت إلى قمة الجبل فوجدت زهورا كثيرة فتذكرت قول الرجل وأغمضت عينيها ثم فتحتهما والزهرة الأولى التي رأتها اخذتها ولما همت بالنزول انزلقت رجلها فخدشت لكنها لم تستسلم ونزلت من الجبل رغم كونه مليئا بالأحجار
إلى أن وصلت إلى البحيرة ففوجئت ببرودة الطقس فعرفت لم اكتسبت اسم بحيرة الشتاء كان الصقيع يلفح وجهها والثلج يجمد رجليها وخافت أن تكون نهايتها وشيكة فهي لم تعد قادرة على الحركة لكنها تذكرت أمها ،قريتها وأختها وكل ذلك كان كفيلا بتغلبها على تلك البرودة
فملأت قربة زجاج كانت معها وأسرعت في العودة لمساعدة اختها.
ما إن عادت البنت إلى قلعة الشريرة حتى وجدتها في انتظارها أخذت الوردة والماء،فصبت الماء على الوردة،خرج منها دخان فاستنشقته المرأة وأغمي عليها في الحال،صعقت رنا لمّا رأت ما حدث لأن المرأة هي الوحيدة التي تستطيع تخليص أختها لم تسرح بتفكيرها بعيدا فقد خرج ضوء أبيض من المرأة وتحولت إلى حسناء شابة وتحولت القلعة إلى قصر منيف بحيطان عالية مزخرفة بالورد فيها نوافذ تطل على الحديقة التي كانت تحيط بالقصر وفي وسطها نافورة بديعة الحمال ،وفي نفس الوقت تحول القفص الذي كانت فيه مي إلى أرجوحة حميلة،كما زال التعب الذي أصابهما ،نظرت الفتاتان إلى الشابة الواقفة أمامهما ففهمت من نظراتهما التعجب والإستفسار عما حدث للتو أمام أعينهما فأبت أن تجيب حتى جلست البنتان امام طاولة كبيرة فيها أشهى وأغلى أنواع الأطعمة ،هناك أخبرتهما أنها أميرة وقدحولتها ساحرة إلى امرأة شريرة وهجرها كل الناس وعاشت وحيدة تقول الأميرة وهي تنظر إلى رنا
حتى جئتما إلي بالصدفة وقدأبى كل الناس مساعدتي) وتوجهت مسرعة إلى رنا وعانقتها معانقة صبت فيها كل معاني الشكر والإمتنان كما أخبرتهما أن ماطلبت منهما إحضاره إنما هي وصفة أعطتها لها الساحرة ولا تستطيع تنفيذها بمفردها فهي لم تكن تستطيع مغادرة القلعة ،هنا قامت مي واستأذنت هي وأختها في الرحيل رفضت الأميرة في بادئ الأمر لكنها وبعد سماع قصتهما تركتهما بشرط أن تعداها أنهما في حال وجدتا أمهما فإنهما تعودان للعيش معها في القصر وهي ستطلب من أهلها المجيء. خرجت الفتاتان على عربة مجهزة بأربعة خيول وسائس ماهر،وساروا مدة أربعة أيام إلى أن بدت لهما ذات يوم بعض البيوت فعلمتا أن الديار قريبة نزلتا وطلبتا من السائق أن تواصلا السير على الاقدام إلا أنه أبى إلا أن يرافقهما ليعيدهما وأهلهما إلى القصر.
دخلت مي ورنا إلى قريتهما وهما لا تكادان تصدقان أن رجليهما تطآن أرض البلاد أخذتا تجريان كالأطفال الصغار والناس ينظرون إليهما بتعجب دون أن يعرفوا من هما ولا من أين قدمتا،أخذتا تسألان الناس عن بيت ميساء والدة مي ورنا فكان جوابهم<<آه،ذلك البيت لم يعد أحد يزوره،مسكينة ميساء،تكاد تفقد عقلها،منذ فقدت بنتيها وحالتها تسوء وما زاد الطين بلة عودة الشاب الذي أوكلته بإحضارهما دونهما،على أية حال بيتها يقع مقابل سوق الفلاح>> فرحت البنتان لعودة ذلك الشاب وفراره من جنود الملك،ولكن فرحتهما لم تدم طويلا فحنينهما إلى أمهما أكبر من أي شيء آخر .وصلت البنتان إلى منزلهما،لم يعد كما كان. لقد اصبح موحشا، دخلنه بهدوء فوجدنه مظلما وفي أحد أركانه قد قبعت أمهما وهي تمسك بصورتهما قالت مي والدموع تنهمر كالخيط من مقلتيها<<أمي،أهذه أنت،هل تذكرينني>>رفعت الأم رأسها نحو الصوت فوجدت شابتين بديعتا الجمال تنظران إليها في حب وأسى فقالت رنا والدموع تسري على وجنتيها الورديتين<<هذه أنا رنا،وهذه أختي مي،لقد عدنا إلى الديار>> هبت ميساء بسرعة خاطفة وهي لا تكاد تصدق عينيها المغرورقتين بالدموع وقد أصبحت هزيلة الجسم،بارزة العينين شاحبة البشرة، فأخذت تتحسسهما لتتأكد أنها لا تحلم وفي سرعة البرق ضمتهما إلى صدرها بكل ما أوتيت من قوة،فعمت أصواتهما الأرجاء،فجاء السكان يتسائلون عما يحدث،ومن بين الحشد ظهر صديق طفولة مي فصاح قائلا إنهما مي ورنا لقد عادتا إلى الديار صاح الجميع فرحا وعاشت القرية أجواء بهيجةطيلة الصباح.
بعد أن تحدثت الفتاتان إلى أمهما مطولا وقصتا عليها مغامرتهما تذكرتا الأميرة فأخبرتا أمهما بعهدهما، فما كان من الأم إلا أن تقبل أمام إلحاح ابنتيها، وفي صباح اليوم التالي انطلقت العربة باتجاه القصر فرحبت بهم الأميرة ترحيبا يليق بالأمراء وعشن أياما حلوة إلى نهاية عمرهما.