حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات، اشرحوا لنا هذا القول جزاكم الله خيرا؟
هذا حديث صحيح، حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (حُفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره)، وفي اللفظ الآخر: (حُجبت النار بالشهوات، وحجبت الجنة بالمكاره)، المعنى أنه جعل بين النار وبين الإنسان ارتكاب الشهوات المحرمة، فإذا ارتكبها صار إلى النار، وانتهك الحجاب، وإن امتنع منها سلم، فالنفس قد تشتهي الزنا أو الخمر فإن طاوعها صار إلى النار،
قد تشتهي ترك الصلاة والكسل ولا يصلي، فإن طاوع النفس صار إلى النار نعوذ بالله، قد تشتهي سب الدين والاستهزاء، فإن طاوع نفسه كفر وصار إلى النار، قد تشتهي الربا فإن طاوع نفسه وفعل الربا صار إلى النار، قد تشتهي النفس قطيعة الرحم والعقوق للوالدين فإن طاوعها هلك وصار إلى النار،
فالنار حفت بالشهوات المحرمة. والجنة حفت بالمكاره بما تكرهه النفوس، النفوس قد تكره الصدقة، قد تكره الجهاد، لكن إذا خالفها وجاهد في سبيل الله وتصدق صار إلى الجنة، قد تكره المحافظة على الصلوات في الجماعة قد تكسل قد يكون ما عندها نشاط عندها كسل عندها كراهة في التقدم إلى الصلوات الخمس فإذا طاوعها هلك، وإن خالفها وصلى في الجماعة وحافظ على الصلاة في المساجد صار إلى الجنة، النفس أيضاً قد تكره صلة الرحم، بر الوالدين إكرام الجار، فإن طاوعها هلك، وإن خالفها وبر والديه ووصل أرحامه وأكرم جيرانه فاز بالسعادة،
قال النووي في شرح صحيح مسلم: قال العلماء هذا من بديع الكلام وفصيحه وجوامعه التى أوتيها صلى الله عليه وسلم من التمثيل الحسن، ومعناه لايوصل الجنة إلا بارتكاب المكاره والنار بالشهوات، وكذلك هما محجوبتان بهما فمن هتك الحجاب وصل إلى المحجوب، فهتك حجاب الجنة باقتحام المكاره وهتك حجاب النار بارتكاب الشهوات. فأما المكاره فيدخل فيها الاجتهاد في العبادات والمواظبة عليها والصبر على مشاقها وكظم الغيظ والعفو والحلم والصدقة والاحسان إلى المسىء والصبر عن الشهوات ونحو ذلك. انتهى.
وفي فيض القدير للمناوي: حفت الجنة بالمكاره ) أي أحاطت بنواحيها، جمع مكرهة وهي ما يكرهه المرء ويشق عليه من القيام بحقوق العبادة على وجهها كإسباغ الطهر في الشتاء، وتجرع الصبر على
المصائب. قال القرطبي : وأصل الحف الدائر بالشيء المحيط به الذي لا يتوصل إليه إلا بعد أن يتخطى غيره فمثل المصطفى صلى الله عليه وسلم المكاره والشهوات بذلك، فالجنة لا تنال إلا بقطع مفاوز المكاره والصبر عليها والنار لا ينجى منها إلا بفطم النفس عن مطلوباتها.
وقال ابن حجر : وهذا من جوامع كلم المصطفى صلى الله عليه وسلم وبديع بلاغته في ذم الشهوات وإن مالت إليها النفوس والحث على الطاعات وإن كرهتها وشقت عليها.