احتياج أم احتيال؟!
من الجميل أن يفتتح المرء يومه بسيل من الدعوات و الابتهالات التي تتمنى له التوفيق و النجاح و
الحياة الهانئة ،، كلمات منمقة و موزونة يحفظها المتسولون تلقى على مسامع المواطن يوميا و
هو ذاهب إلى عمله .. ،المؤسف أنها نابعة في أغلبها من قلوب غافلة عن الدعاء، لأن العيون
تشغلها الجيوب،، و الأيادي مرفوعة لتلقف بعض الدراهم و الصدقات ليس إلا!
أصبح التسول الآن الوظيفة الرائجة ، المربحة و المريحة لأصحابها ،، يبدأ المتسول يومه كأي
موظف عادي يستيقظ باكرا ،،يرتدي ملابس تناسب عمله ،ثم يسابق العمال و الموظفين إلى أماكن
عملهم ..
يمتاز معظم المتسولين إن لم نقل كلهم بالذكاء بحيث يختارون الأماكن التي يرتادها كم هائل من
المواطنين و بالذات التي تُسحَب منها النقود ، كالبنوك و مؤسسات الصرف و غيرها..أو التي تُدفع
فيها النقود كالأسواق و الصيدليات و المحلات الكبرى و يتمركز آخرون في الأرصفة حيث يعبر
المارة ،، بينما يختار الباقون المساجد ،،و ينبش بعض المتشردين و المجانين في قمامات
المطاعم ..!!
المواطن لم يعد يصدق أن المتسول إنسان فقير بسبب القصص التي تحاك عن التسول و أهله
،،يقول أحد المواطنين للجزيرة توك: "لم أعد أصدق أن هؤلاء فقراء أو محتاجون ، لقد أصبح
التسول بالنسبة لهم مهنة، لها أوقاتها و أماكنها، تمارس بانضباط و مربحة في نظرهم أكثر من
غيرها،، إنهم عصابات و شبكات تعمل بشكل جماعي و منظم ،، شخصيا توقفت عن منحهم المال و
قررت أن أضعه في صندوق الزكاة بالمساجد كي يذهب لمن يستحقه ".
ما يؤسف حقا، مشاهدة شباب في مقتبل العمر لديهم القدرة على العمل و الإنتاج يعطلون طاقاتهم
بامتهان السؤال و المذلة ..و الأكثر أسفا هو انتشار ظاهرة التسول الأنثوي ،،نساء يجلسن على
قارعة الطريق أو في الأسواق مع أطفالهن للتسول و الشحاذة،الحصول على دنانير قليلة لم يعد
يرضيهم و التصدق و لو بشق تمرة لا يشبع الطمع الذي بداخلهم و أكثر من حكاية و حكاية تروى
عن شخصيات متعلمة وأخرى بمستويات عليا اختارت الربح عن طريق الاستجداء بدل الكفاح
بشرف..!!
انتشار المتسولين و المتشردين أصبح لوحة عادية في يوميات المواطنين،يمارسون
نشاطاتهم بشكل عادي في الشوارع و لا يألون وسيلة للحصول على أكبر قدر ممكن من المساعدة
و المال من الناس.
لن نظلم الفئة الأخرى،، التي تحتاج بحق إلى ما يسد رمقها فالمجتمع لن يخلو من وجود حالات
حقيقية في أمس الحاجة إلى من يمد لها يد المساعدة و العون غير أن أباطرة الاحتيال و بارونات
التسول لم يتركوا الخيار لذوي البر و الإحسان كي يثقوا بكل من يمد لهم يد الحاجة ،فأصبح الشك
يستوطن قلب المتصدق و هو يضع يده في جيبه :هل يذهب المال الذي أتصدق به إلى فقراء حقا أم
إلى أغنياء يسكنون القصور؟