اشتباكات دامية في بيت الأفالان
محمد مسلم / الشروق
معارضو بلخادم حاولوا منعه من دخول القاعة
المركزيون يشكلون قيادة جماعية ويقررون النزول للقواعد
شهدت الدورة العادية للجنة المركزية لحزب جبهة التحرير الوطني، أمس بفندق الرياض بسيدي فرج، مشادات عنيفة بين أنصار الأمين العام للحزب، عبد العزيز بلخادم وخصومه، أسفرت عن سقوط بضعة جرحى، بعد اقتحام أنصار الأمين العام للمنصة بالقوة وتأمين وصوله إليها.
وجاء الاقتحام بعد تأخر انطلاق الأشغال لأزيد من ست ساعات، إثر سيطرة خصوم بلخادم على المنصة منذ الصبيحة. وأكدت مصادر من داخل القاعة، أن بلخادم اتخذ قرار "الهجوم" بعد اجتماعه بالمحافظين، الذين تكفلوا بمهمة التنظيم، فيما اعتبر خصوم الأمين العام، ما حصل "توظيفا لبلطجية" يسيء إلى سمعة وتقاليد الحزب العتيد .
وفي كلمة مقتضبة، رفع عبد العزيز بلخادم لائحة في وجه خصومه سلمها لمحضر قضائي، قال إنها تضم 220 توقيع تزكي استمراره أمينا عاما للحزب، قبل أن يتحدى خصومه بجمع النصاب المطلوب لسحب الثقة منه، ليرفع بعد ذلك الجلسة، ويغادر الفندق. وبالمقابل، أعلن المركزيون عن هيئة مؤقتة لتسيير شؤون الحزب ونزع الشرعية عن بلخادم، وقرروا النزول إلى القواعد لتشكيل هياكل موازية .
وقبل ذلك عرفت الدورة العادية للجنة المركزية احتقانا غير مسبوق، عطل انطلاق أشغال الدورة حتى السادسة مساء.
استقبال استفزازي لبلخادم
في حدود التاسعة و22 دقيقة وصل بلخادم مرفوقا بحرسه الشخصي إلى فندق الرياض بسيدي فرج، غرب العاصمة.. كان الجو مشحونا جدا. فيما حاصرت قوات الدرك الوطني، كافة الطرق المؤدية من وإلى سيدي فرج، بشكل أعاق حركة المرور.
كان وصول الأمين العام إيذانا ببداية حرب الجناحين المتصارعين على قيادة الحزب العتيد. فكل طرف كان ينتظر وصول رمز الطرف الآخر لينالوا منه تحطيما لمعنوياته.. وبمجرد أن وصل بلخادم إلى بوابة الفندق التف خصومه حول سيارته وراحوا يسبونه، وهم يرفعون لافتات كتب عليها: "ارحل.. ارحل يا بلخادم".
سيطرة أنصار الأمين على التنظيم وانتشارهم بكثافة عند مدخل الباب الخارجي للفندق، والصرامة التي أبدوها في مواجهة من يفتقدون لشارات الدخول، لم يحل دون تعرض بلخادم للإهانة عند وصوله، لأن خصومه حضروا بقوة إلى عين المكان، وملأوا الشارع الذي أمام الفندق، رفقة الصحفيين الذين منعوا بدورهم من تغطية الدورة، على غير العادة.
قارة وخالدي يهانان ويمنعان
عضوا اللجنة المركزية محمد الصغير قارة، ووزير التكوين المهني والتمهين، الهادي خالدي، لم يكن حالهما أحسن من بلخادم.. الرجلان تحديا تهديدات قيادة الحزب التي استبقت الأمر بإعلانهما مقصيين من الحضور، بسبب تجميد عضويتهما، وحضرا الدورة، غير أنهما تعرضا أيضا للإهانة من طرف المنظمين، الذين أغلقوا في وجههما الباب، وحاولا الاعتداء عليهما عندما حاولا الدخول بالقوة، وكادت الأمور تتطور لولا تدخل العقلاء.
بلخادم يمنع من المنصة!
دخل الرجل الأول في الحزب العتيد إلى الفندق، لكن المفاجأة كانت كبيرة.. بلخادم يمنع من الالتحاق بقاعة الجلسات بالقوة. لقد سيطر خصومه على المنصة، منهم محمد الصالح سلوغة، أمين عام محافظ بوزريعة، ومصطفى بوعلاق.. وأقفلوا المنافذ المؤدية إليها، فيما حجز رموز المعارضة مقاعد لهم في الصف الأول.. عبد الكريم عبادة، أحمد بومهدي، حسين خلدون..
في حدود العاشرة والنصف، ارتفعت الأصوات المنبعثة من قاعة الجلسات.. كانت بصوت واحد: "ارحل ارحل يا بلخادم".. يسارع الصحفيون إلى الشباك المحيط بالفندق ليسترقوا السمع.. يسارعون على مناداة من يعرفونهم من أعضاء اللجنة المركزية، الذين ترك الكثير منهم ضجيج القاعة، إلى ساحة الفندق لتدخين سيجارة، أو ارتشاف قهوة، وتبادل أطراف الحديث مع أصدقائهم..
.. ويعتكف داخل غرفة بالفندق
نحن في حدود الساعة الحادية عشرة صباحا.. تأتي المعلومات متواترة من داخل الفندق مؤكدة بأن جلسة الافتتاح لم تنطلق أصلا.. التساؤلات صارت أكثر من مشروعة بشأن مصير دورة اللجنة المركزية. وفوق ذلك مصير بلخادم على رأس الأمانة العامة للحزب، ومعها تتعاظم التساؤلات حول ردة فعل المعارضة، التي تعتقد أن رفع الجلسة أو تأجيل الدورة في صالح بلخادم.
خارج أسوار الفندق، الصحفيون عانوا كثيرا من شح في وصول المعلومة، بسبب عدم التزام خلية الاتصال التابعة للحزب بوعدها القاضي بتزويد رجال الإعلام بالمستجدات عند كل ربع ساعة. وأمام هذا، تكفل خصوم بلخادم بتبليغ معارفهم من رجال الإعلام بجزئيات ما يجري داخل القاعة..
إنه الاحتقان..
في محاولة لحلحلة الوضع، بادر ما يعرف بـ"العقلاء"، وهم عبد الرزاق بوحارة، الذي يشغل منصب نائب رئيس مجلس الأمة، ومحمد بوخالفة، رئيس كتلة الثلث الرئاسي بذات المجلس، وسفير الجزائر بتونس، عبد القادر حجار، والسيناتور عفان ڤزان جيلالي، وأحمد السبع.. كان الهدف هو دعوة بلخادم للوفاء بما وعدهم في لقائهم به الثلاثاء المنصرم، وهو الاحتكام للصندوق. المعلومات المسربة أشارت إلى أن بلخادم رفض الذهاب إلى الصندوق وتمسك بخيار التصويت برفع الأيدي.. بمعنى أن الأمور لازالت تراوح مكانها.. بسرعة فائقة وصل الخبر إلى قاعة الجلسات الموجودة في الطابق الأول من الفندق.. لقد حاول أنصار بلخادم الرد بهجوم مضاد لبسط سيطرتهم على المنصة، لكن خصومهم تصدوا لهم، لتنتهي "المعركة" بتحطيم المنصة وتهشيم طاولاتها.
جمود وتصلب..
في ظل هذا الجمود والاحتقان، برز الرجل القوي في المعارضة، عبد الكريم عبادة، عبر نافذة الطابق العلوي للفندق وهو يلوح بعلامة النصر لمن هم خارج أسوار الفندق. الجميع قرأ في هذه الإشارة أن شيئا ما حصل، لكن من دون تأكيدات.. وبقيت الأشغال متوقفة. "الشروق" تحرت بشأن دلالة الإشارة التي لوح بها عبادة.. فتوصلت إلى معطى جد مهم في فصول الصراع بين بلخادم وخصومه. ففي الوقت الذي كان فيه بلخادم يمانع في الذهاب إلى الاقتراع السري، كان يعد العدة سرا لتجهيز متطلبات هذا النوع من الاقتراع. ففي حدود الساعة الـ 11.30 دقيقة من صبيحة أمس جيء بـ"العازل" من بلدية حيدرة في سرية تامة، أما الصندوق الشفاف فقد أحضر سرا إلى الفندق أيضا، عشية الدورة، حسب ما أسرت به مصادر موثوقة لـ"الشروق".
كسر عظام
إحضار الصندوق والعازل للفندق، من بين ما يعنيانه بغض النظر عن الجهة التي أحضرتهما، أن المسألة حسمت لصالح دعاة الاقتراع السري، أي لخصوم بلخادم.. مؤشر آخر على توجه الأمور لصالح دعاة الاقتراع السري، تجلى بوضوح عند الساعة الثانية والنصف زوالا. فبينما كان الجميع قد غادر الفندق للغداء والراحة، لوحظ رجلان وهما يحملان أمام الملأ صندوقين زجاجيين باتجاه قاعة الجلسات، عندها فهم الجميع أن المسالة حسمت.
لكن المفاجأة كانت كبيرة، عندما قرر معارضو بلخادم رفع سقف مطالبهم، فبعدما كانوا يطالبون بتحكيم الصندوق، أصبح مطلبهم هو تنحي الرجل دون المرور إلى مسألة طرح الثقة منه بغض النظر عن الكيفية.. أو قبول الذهاب للصندوق في حالة واحدة هي إلغاء التوكيلات التي بحوزة عبد الحميد سي عفيف، عضو المكتب السياسي، الذي انقلب لدعم بلخادم بعد ما كان قد ذهب بعيدا في معارضته له بعد الكشف عن قوائم المرشحين للتشريعيات، وخلو اسمه منها.
السلطات العمومية ترفض التدخل
"الشروق" سألت في اللجنة المركزية عن خلفيات هذا "الانقلاب"، فردت بالقول، إن موقف بلخادم أصبح ضعيفا بعد أن صدت في وجهه كل الأبواب التي طرقها. وتتحدث المصادر ذاتها أن بلخادم حاول الاستنجاد بالمدير العام للأمن الوطني، اللواء عبد الغني هامل، لمساعدته في بسط سيطرته على القاعة، غير أن هامل، أكد له بأن منطقة سيدي فرج تقع تحت الاختصاص الإقليمي لمصالح الدرك الوطني، عندها لجأ إلى قائد سلاح الدرك الوطني، اللواء، أحمد بوسطيلة، غير أنه اشترط من بلخادم الحصول على ترخيص من وزار الداخلية.
وحسب المصادر فإن وزير الداخلية، دحو ولد قابلية، طلب بدوره من بلخادم، استخراج تسخيرة للاستعانة بالقوة العمومية، عندها بادر أحد الوزراء المعارضين للأمين العام من أعضاء اللجنة المركزية، للاتصال بوزير الداخلية، ليؤكد له بأن الأمر يفتقد للصفة القانونية، فأحجم ولد قابلية عندها عن التدخل في الأمر، وهو ما أضعف موقف الأمين العام.