فتاوى في العقيدة - 02 - متجدد - - منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب

العودة   منتديات الجلفة لكل الجزائريين و العرب > منتديات الدين الإسلامي الحنيف > قسم العقيدة و التوحيد

قسم العقيدة و التوحيد تعرض فيه مواضيع الإيمان و التوحيد على منهج أهل السنة و الجماعة ...

في حال وجود أي مواضيع أو ردود مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة تقرير عن مشاركة سيئة ( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .

آخر المواضيع

فتاوى في العقيدة - 02 - متجدد -

 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
قديم 2012-06-09, 19:04   رقم المشاركة : 1
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي فتاوى في العقيدة - 02 - متجدد -

اليوم الآخـــــــــــــــــــــــــــــر

(137) سئل فضيلة الشيخ: هل أشراط الساعة الكبرى تأتي بالترتيب؟ وهل الحيوانات تشعر بعلامات القيامة دون الإنس والجن؟
فأجاب بقوله: أشراط الساعة الكبرى بعضها مرتب ومعلوم ، وبعضها غير مرتب ولا يعلم ترتيبه ، فمما جاء مرتباً نزول عيسى بن مريم وخروج يأجوج ومأجوج، والدجال فإن الدجال يبعث ثم ينزل عيسى بن مريم فيقتله ثم يخرج مأجوج ومأجوج.
وقد رتب السفاريني-رحمه الله- في عقيدته هذه الأشراط لكن بعض هذا الترتيب تطمئن إليه النفس وبعضها ليس كذلك.
والترتيب لا يهمنا ، وإنما يهمنا أن للساعة علامات عظيمة إذا وقعت فإن الساعة تكون قد قربت ، وقد جعل الله للساعة أشراطاً ؛ لأنها حدث هام يحتاج الناس إلى تنبيههم لقرب حدوثه.
ولا ندري هل تشعر البهائم بذلك ، ولكن البهائم تبعث يوم القيامة وتحشر ويقتص من بعضها لبعض فيقتص للشاة الجلحاء من القرناء.
( 138) سئل فضيلة الشيخ: عن أحاديث خروج المهدي هل هي صحيحة أو لا؟
فأجاب بقوله: أحاديث المهدي تنقسم إلى أربعة أقسام:
القسم الأول: أحاديث مكذوبة.
القسم الثاني: أحاديث ضعيفة.
القسم الثالث: أحاديث حسنة لكنها بمجوعها تصل إلى درجة الصحة ، على أنها صحيح لغيره.
وقال بعض العلماء :إن فيها ما هو صحيح لذاته وهذا هو القسم الرابع.
ولكنه ليس المهدي : المزعوم الذي يقال : إنه في سرداب في العراق، فإن هذا لا أصل له وهو خرافة ولا حقيقة له ، ولكن المهدي الذي جاءت الأحاديث بإثباته رجل كغيره من بني آدم يخلق ويولد في وقته ويخرج إلى الناس في وقته ، فهذه هي قصة المهدي، وإنكاره مطلقاً خطأ، وإثباته مطلقاً خطأ، كيف ذلك؟
إثباته على وجه يشمل المهدي المنتظر الذي يقال : إنه في السرداب هذا خطأ ؛ لأن اعتقاد هذا المهدي المختفي خبل في العقل ، وضلال في الشرع وليس له أصل ، وإثبات المهدي الذي أخبر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وتكاثرت فيه الأحاديث والذي سيولد في وقته ويخرج في وقته هذا حق.
( 139) وسئل فضيلة الشيخ: من هم يأجوج ومأجوج؟
فأجاب- حفظه الله تعالى بقوله: يأجوج ومأجوج أمتان من بني آدم موجودتان ، قال الله تعالى في قصة ذي القرنين: (حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوماً لا يكادون يفقهون قولاً . قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض فهل نجعل لك خرجاً على أن تجعل بيننا وبينهم سداً .قال ما مكني فيه ربي خير فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردماً. آتوني زبر الحديد حتى إذا ساوى بين الصدفين قال انفخوا حتى إذا جعله ناراً قال آتوني أفرغ عليه قطراً . فما اسطاعوا أن يظهروه وما استطاعواله نقباً .قال هذا رحمة من ربي فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقاً) (1) .
ويقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "يقول الله يوم القيامة : يا آدم قم فابعث بعث النار من ذريتك" إلى أن قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبشروا فإن منكم واحداً ومن يأجوج ومأجوج ألفاً" . وخروجهم الذي هو من أشراط الساعة وجدت بوادره في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ففي حديث أم حبيبة، رضي الله عنها، قالت : خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فزعاً محمراً وجهه يقول : "لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها".
(140 ) وسئل فضيلة الشيخ عن الدجال ؟ ولماذا حذر الأنبياء أقوامهم منه مع أنه لا يخرج إلا في آخر الزمان؟
فأجاب قائلاً: أعظم فتنة على وجه الأرض منذ خلق آدم إلى قيام الساعة هي فتنة الدجال كما قال ذلك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولهذا ما من نبي من نوح إلى محمد ، صلوات الله عليهم وسلامه ، إلا أنذر قومه به تنويهاً بشأنه ، وتعظيماً له ، وتحذيراً منه، وإلا فإن الله يعلم أنه لن يخرج إلا في آخر الزمان ، ولكن أمر الرسل أن ينذروا قومهم إياه من أجل أن تتبين عظمته وفداحته ، وقد صح ذلك عن النبي ، عليه الصلاة والسلام، وقال: "إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم صلوات الله وسلامه عليه يعني أكفيكم إياه- وإلا فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم"
نِعْمَ الخليفة ربنا جل وعلا- .
فهذا الدجال شأنه عظيم بل هو أعظم فتنة كما جاء في الحديث منذ خلق آدم إلى أن تقوم الساعة، فكان حريّاً بأن يخص من بين فتن المحيا بالتعوذ من فتنته في الصلاة "أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال" .
وأما الدجال فهو مأخوذ من الدجل وهوالتمويه،لأن هذا مموه بل أعظم مموه وأشد الناس دجلاً.
(141) وسئل فضيلته: عن وقت خروج المسيح الدجال؟
فأجاب بقوله: خروج المسيح الدجال من علامات الساعة ولكنه غير محدد ، لأنه لا يعلم متى تكون الساعة إلا الله فكذلك أشراطها ما نعلم منها إلا ما ظهر ، فوقت خروجه غير معلوم لنا لكننا نعلم أنه من أشراط الساعة.

( 142) وسئل عن مكان خروج الدجال؟
فأجاب بقوله: يخرج من المشرق من جهة الفتن والشر كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "الفتنة هاهنا" وأشار إلى المشرق ، فالمشرق منبع الشر والفتن يخرج من المشرق من خراسان مارّاً بأصفهان داخلاً الجزيرة من بين الشام والعراق ليس له هم إلا المدينة ، لأن فيها البشير النذير ، عليه الصلاة والسلام ، فيحب أن يقضي على أهل المدينة ، ولكنها محرمة عليه كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : "على كل باب منها ملائكة يحفظونها" هذا الرجل يخرج خلة بين الشام والعراق، ويتبعه من يهود أصفهان سبعون ألفاً ؛ لأنهم جنوده، فاليهود من أخبث عباد الله وهو أضل عباد الله فيتبعونه ويؤوونه وينصرونه، ويكونون مسالح له- أي جنوداً مجندين- هم وغيرهم ممن يتبعهم ، قال النبي ، عليه الصلاة والسلام : "يا عباد الله فاثبتوا يا عباد الله فاثبتوا" يثبتنا عليه الصلاة والسلام ، لأن الأمر خطير وقال عليه الصلاة والسلام : "من سمع بالدجال فلينأ عنه فوالله إن الرجل ليأتيه وهو يحسب أنه مؤمن فيتبعه مما يبعث به من الشبهات" . يأتيه الإنسان ويقول : لن يضلني ولن أتأثر به، ولكن لا يزال يلقي عليه من الشبهات حتى يتبعه والعياذ بالله.
( 143) وسئل عن: دعوة الدجال وما يدعو إليه؟
فأجاب بقوله: ذكر أنه أول ما يخرج يدعو إلى الإسلام ويقول : إنه مسلم ، وينافح عن الإسلام ، ثم بعد ذلك يدعي النبوة وأنه نبي ، ثم بعد ذلك يدعي أنه إله فهذه دعوته نهايتها بداية فرعون وهي ادعاء الربوبية.
( 144) وسئل عن : فتنة الدجال؟
فأجاب بقوله: من حكمة الله- عز وجل أنه سبحانه وتعالى يعطي الدجال آيات فيها فتن عظيمة فإنه يأتي إلى القوم يدعوهم فيتبعونه فيصبحون وقد نبتت أراضيهم ، وشبعت مواشيهم فتعود إليهم أطول ما كانت ذراً وأسبغ ضروعاً ، وأمد خواصر يعني أنهم يعيشون برغد لأنهم اتبعوه.
ويأتي القوم فيدعوهم فلا يتبعونه فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم ، وهذه فتنة عظيمة لا سيما في الأعراب ، ويمر بالخربة فيقول : أخرجي كنوزك فتخرج كنوزها تتبعه كيعاسيب النحل من ذهب وفضة وغيرها بدون آلات وبدون أي شيء ، فتنة من الله عز وجل- فهذه حاله ومعاملته مع أهل الدنيا لمن يريد التمتع بالدنيا أو يبأس فيها.
ومن فتنته أن الله تعالى جعل معه جنة وناراً بحسب رؤيا العين لكن جنته نار ، وناره جنة ، فمن أطاعه أدخل هذه الجنة فيما يرى الناس ولكنها نار محرقة والعياذ بالله ، ومن عصاه أدخله النار فيما يراه الناس ولكنها جنة وماء عذب طيب.
إذاً يحتاج الأمر إلى تثبيت من الله عز وجل إن لم يثبت الله المرء هلك وضل فيحتاج إلى أن يثبت الله المرء على دينه ثباتاً قوياً.
ومن فتنته أنه يخرج إليه رجل من الناس ممتلئ شباباً فيقول له: أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيدعوه فيأبى أن يتبعه فيضربه ويشجه في المرة الأولى ثم يقتله ويقطعه قطعتين ويمشي بينهما تحقيقاً للمباينة بينهما، ثم يدعوه فيقوم يتهلل وجهه ، ويقول : أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم يأتي ليقتله فلا يسلط عليه يعجز عن قتله ولن يسلط على أحد بعده، فهذا من أعظم الناس شهادة عند الله لأنه في هذا المقام العظيم الرهيب الذي لا نتصوره نحن في هذا المكان لا يتصور رهبته إلا من باشره ومع ذلك يصرح على الملأ إعذاراً وإنذاراً بأنك أنت الدجال الذي ذكر لنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم. ، هذه حاله وما يدعو إليه.
( 145) وسئل فضيلته: عن مقدار لبث الدجال في الأرض؟
فأجاب بقوله: مقدار لبثه في الأرض: أربعون يوماً فقط، لكن يوم كسنة ، ويوم كشهر، ويوم كجمعة ، وسائر أيامه كأيامنا ، هكذا حدث النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله هذا اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم واحد ؟ قال : " لا ،اقدروا له قدره" انظروا إلى هذا المثال لنأخذ منه عبرة كيف كان تصديق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لرسول الله ما ذهبوا يحرفون ، أو يؤولون، أو يقولون :إن اليوم لا يمكن أن يطول لأن الشمس تجري في فلكها ولا تتغير ولكنه يطول لكثرة المشاق فيه وعظمها فهو يطول لأنه متعب بكسر العين ما قالوا هكذا كما يقول بعض المتحذلقين ، ولكن صدقوا بأن هذا اليوم سيكون اثني عشر شهراً حقيقة بدون تحريف وبدون تأويل، وهكذا حقيقة المؤمن ينقاد لما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب وإن حار فيها عقله ، لكن يجب أن تعلم أن خبر الله ورسوله لا يكون في شيء محال عقلاً لكن يكون في شيء تحار فيه العقول لأنها لا تدركه ، فالرسول ، صلى الله عليه وسلم أخبر أن أول يوم من أيام الدجال كسنة ، لو أن هذا الحديث مر على المتأخرين الذين يدعون أنهم هم العقلاء لقالوا : إن طوله مجاز عما فيه من التعب والمشقة لأن أيام السرور قصيرة ، وأيام الشرور طويلة ، ولكن الصحابة رضي الله عنهم من صفائهم وقبولهم سلموا في الحال وقالوا بلسان الحال : إن الذي خلق الشمس وجعلها تجري في أربع وعشرين ساعة في اليوم والليلة قادر على أن يجعلها تجري في اثني عشر شهراً؛ لأن الخالق واحد – عز وجل –فهو قادر ، ولذلك سلموا . وقالوا : كيف نصلي ؟ ما سألوا عن الأمر الكوني لأنهم يعلمون أن قدرة الله فوق مستواهم ، سألوا عن الأمر الشرعي الذين هم مكلفون به وهو الصلاة، وهذا والله حقيقة الانقياد والقبول قالوا : يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا اقدروا له قدره" وسبحان الله العظيم إذا تأملت تبين لك أن هذا الدين تام كامل لا يمكن أن تكون مسألة يحتاج الناس إليها إلى يوم القيامة إلا وجد لها أصل، كيف أنطق الله الصحابة أن يسألوا هذا السؤال؟ أنطقهم الله حتى يكون الدين كاملاً لا يحتاج إلى تكميل ، وقد احتاج الناس إلى هذا الآن في المناطق القطبية يبقى الليل فيها ستة أشهر والنهار ستة أشهر فنحتاج إلى هذا الحديث ، انظر كيف أفتى الرسول صلى الله عليه وسلم ، هذه الفتوى قبل أن تقع هذه المشكلة لأن الله تعالى قال في كتابه : }اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي{ (1) والله لو نتأمل الكلمة } أكملت لكم دينكم { لعلمنا أنه لا يوجد شيء ناقص في الدين أبداً ، فهو كامل من كل وجه ، لكن النقص فينا ؛ إما قصور في عقولنا ، أو في أفهامنا ، أو في إرادات ليست منضبطة يكون الإنسان يريد أن ينصر قوله فيعمى عن الحق نسأل الله العافية فلو أننا نظرنا في علم ، وفهم ، وحسن نية لوجدنا أن الدين ولله الحمد لا يحتاج إلى مكمل ، وأنه لا يمكن أن تقع مسألة صغيرة ولا كبيرة ، إلا وجد حلها في الكتاب والسنة، لكن لما كثر الهوى وغلب على الناس صار بعض الناس يعمى عليهم الحق ويخفى عليهم وتجدهم إذا نزلت فيهم الحادثة التي لم تكن معروفة من قبل بعينها وإن كان جنسها معروفاً تجدهم يختلفون فيها أكثر من أصابعهم ، إذا كانت تحتمل قولين وجدت فيها عشرة ، كل هذا لأن الهوى غلب على الناس الآن ، وإلا فلو كان القصد سليماً والفهم صافياً والعلم واسعاً لتبين الحق.
على كل حال ، أقول : إن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أخبر أن الدجال يبقى أربعين يوماً وبعد الأربعين يوماً ينزل المسيح عيسى بن مريم الذي رفعه الله إليه وقد جاء في الأحاديث الصحيحة " أنه ينزل عند المنارة البيضاء ، شرقي دمشق ، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين ، إذا طأطأ رأسه قطر وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ فلا يحل لكافر يجد ريحه إلا مات". وهذه من آيات الله فيلحق الدجال عند باب لد في فلسطين فيقتله هناك ،وحينئذ يقضي عليه نهائياً ، ولا يقبل عيسى ، عليه الصلاة والسلام ، إلا الإسلام لا يقبل الجزية ، ويكسر الصليب ويقتل الخنزير فلا يعبد إلا الله ، وعلى هذا فالجزية التي فرضها الإسلام جعل الإسلام لها أمداً تنتهي إليه عند نزول عيسى ، ولا يقال : إن هذا تشريع من عيسى عليه الصلاة والسلام ، لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أخبر بذلك مقراً له ، فوضع الجزية عند نزول عيسى عليه الصلاة والسلام ، من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم : قوله وفعله وإقراره ، وكونه يتحدث عن عيسى ابن مريم مقراً له فهذا من سنته ، وإلا فإن عيسى لا يأتي بشرع جديد ولا أحد يأتي بشرع جديد ، ليس إلا شرع محمد ، عليه الصلاة والسلام ، إلى يوم القيامة ، هذا ما يتعلق بالدجال نسأل الله أن يعيذنا وإياكم من فتنته.
( 146) وسئل فضيلة الشيخ : هل الدجال من بني آدم ؟
فأجاب قائلاً: الدجال من بني آدم . وبعض العلماء يقول : إنه شيطان. وبعضهم يقول : إن أباه أنسي وأمه جنية ، وهذه الأقوال ليست صحيحة ، فالذي يظهر أن الدجال من بني آدم ، وأنه يحتاج إلى الأكل والشرب وغير ذلك ، ولهذا يقتله عيسى قتلاً عادياً كما يقتل البشر.
( 147) وسئل فضيلته: هل الدجال موجود الآن؟
فأجاب بقوله: الدجال غير موجود لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم خطب الناس في آخر حياته وقال : "إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد" . وهذا خبر ، وخبر النبي صلى الله عليه وسلم ، لا يدخله الكذب وهو متلقى من الوحي لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم لا يعلم مثل هذا الغيب فهو غير موجود ولكن الله يبعثه متى شاء.
( 148) سئل فضيلة الشيخ: ذكرتم في الفتوى السابقة رقم "147" أن الدجال غير موجود الآن وهذا الكلام ظاهره يتعارض مع حديث فاطمة بنت قيس في الصحيح عن قصة تميم الداري فنرجو من فضيلتكم التكرم بتوضيح ذلك؟
فأجاب بقوله: ذكرنا هذا مستدلين بما ثبت في الصحيحين عن النبي ، صلى الله عليه وآله وسلم ، قال : "إنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد" . فإذا طبقنا هذا الحديث على حديث تميم الداري صار معارضاً له ، لأن ظاهر حديث تميم الداري أن هذا الدجال يبقى حتى يخرج فيكون معارضاً لهذا الحديث الثابت في الصحيحين ، وأيضاً فإن سياق حديث تميم الداري في ذكر الجساسة في نفسي منه شيء هل هو من تعبير الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، أو لا .
( 149) وسئل فضيلته : عن قول بعض أهل العلم : إن الرسل الذين أنذروا أقوامهم الدجال لم ينذروهم بعينه وإنما أنذروهم بجنس فتنته؟
فأجاب بقوله: هذا القول الضعيف ، بل هو نوع من التحريف لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم، أخبر بأنه ما من نبي إلا أنذر به قومه بعينه كما في صحيح مسلم أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : "ما من نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب" وسبق لنا بيان الحكمة من إنذار الرسل به ، ولكن يجب علينا أن نعلم أن جنس هذه الفتنة موجود حتى في غير هذا الرجل ، يوجد من بني آدم الآن من يضل الناس بحاله ومقاله وبكل ما يستطيع، وتجد أن الله سبحانه وتعالى بحكمته أعطاه بياناً وفصاحة } ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة{ (1) فعلى المرء إذا سمع مثل هذه الفتن التي تكون لأهل البدع من أناس يبتدعون في العقائد، وأناس يبتدعون في السلوك وغير ذلك ، يجب عليه أن يعرض هذه البدع على الكتاب والسنة وأن يَحْذَرَ ويُحَذِّرَ منها وأن لا يغتر بما تكسى به من زخارف القول ، فإن هذه الزخارف كما قيل فيها:
حجج تهافت كالزجاج تخالها حقاً وكل كاسر مكسور
فالدجال المعين لا شك أن فتنته أعظم شيء يكون ، لكن هناك دجاجلة يدجلون على الناس ويموهون عليهم ، فيجب الحذر منهم ، ومعرفة إراداتهم ونياتهم ، ولهذا قال الله تعالى في المنافقين:} هم العدو فاحذرهم{ (2) مع أنه قال: } وإن يقول :وا تسمع لقولهم{ (3) يعني بيانه، وفصاحته ، وعظمه ، يجرك جرّاً إلى أن تسمع ، لكن كأنهم خشب مسندة حتى الخشب ما هي قائمة بنفسها ، مسندة تقوم على الجدار فهي لا خير فيها.
فهؤلاء الذين يزينون للناس بأساليب القول سواء في العقيدة ، أو في السلوك ، أو في المنهج يجب الحذر منهم ، وأن تعرض أقوالهم ، وأفعالهم على كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، فما خالفهما فهو باطل مهما كان ، ولا تقولن : إن هؤلاء القوم أعطوا فصاحة وبياناً لينصروا الحق ، فإن الله تعالى قد يبتلي فيعطي الإنسان فصاحة وبياناً وإن كان على باطل كما ابتلى الله الناس بالدجال وهو على باطل بلا شك.
( 150) سئل فضيلة الشيخ : عن حكم من أنكر حياة الآخرة وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى؟ وكيف يمكن إقناع هؤلاء المنكرين؟
فأجاب بقوله : من أنكر حياة الآخرة ، وزعم أن ذلك من خرافات القرون الوسطى فهو كافر، لقول الله -تعالى -: } وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين. ولو ترى إذ وقفوا على ربهم قال أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون{ (1) . وقال تعالى - : } ويل يومئذ للمكذبين .الذين يكذبون بيوم الدين .وما يكذب به إلا كل معتد أثيم .إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين .كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون .كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون.ثم إنهم لصالوا الجحيم .ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون{(2)وقال-تعالى-:}بل كذبوا بالساعة وأعتدنا لمن كذب بالساعة سعيراً{ (3). وقال تعالى- : } والذين كفروا بآيات الله ولقائه أولئك يئسوا من رحمتي وأولئك لهم عذاب أليم{ (1) .
وأما إقناع هؤلاء المنكرين فبما يأتي:
أولاً: أن أمر البعث تواتر به النقل عن الأنبياء والمرسلين في الكتب الإلهية، والشرائع السماوية، وتلقته أممهم بالقبول ، فكيف تنكرونه وأنتم تصدقون بما ينقل إليكم عن فيلسوف أو صاحب مبدأ أو فكرة ، وإن لم يبلغ ما بلغه الخبر عن البعث لا في وسيلة النقل ، ولا في شهادة الواقع؟!!
ثانياً: أن أمر البعث قد شهد العقل بإمكانه ، وذلك من وجوه:
1- كل أحد لا ينكر أن يكون مخلوقاً بعد العدم ، وأنه حادث بعد أن لم يكن ، فالذي خلقه وأحدثه بعد أن لم يكن قادر على إعادته بالأولى ، كما قال الله تعالى - : } وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه{ (2) وقال تعالى : } كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين{ (3) .
2- كل أحد لا ينكر عظمة خلق السموات والأرض لكبرهما وبديع صنعتهما ، فالذي خلقهم قادر على خلق الناس وإعادتهم بالأولى ؛ قال الله تعالى : } لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس{ (4) . وقال تعالى:} أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير{ (5). وقال تعالى-: } أو ليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم بلى وهو الخلاق العليم . إنما أمره إذا أراد شيئاً أن يقول : له كن فيكون{ (1) .
3- كل ذي بصر يشاهد الأرض مجدبة ميتة النبات ، فإذا نزل المطر عليها أخصبت وحيي نباتها بعد الموت ، والقادر على إحياء الأرض بعد موتها قادر على إحياء الموتى وبعثهم ،قال الله تعالى: }ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير{ (2) .
ثالثاً : أن أمر البعث قد شهد الحس والواقع بإمكانه فيما أخبرنا الله تعالى به من وقائع إحياء الموتى ، وقد ذكر الله تعالى من ذلك في سورة البقرة خمس حوادث منها ، قوله : } أو كالذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها قال أنى يحيي هذه الله بعد موتها فأماته الله مائة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوماً أو بعض يوم قال بل لبثت مائة عام فانظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنه وانظر إلى حمارك ولنجعلك آية للناس وانظر إلى العظام كيف ننشزها ثم نكسوها لحماً فلما تبين له قال أعلم أن الله على كل شيء قدير{ (3) .
رابعاً: أن الحكمة تقتضي البعث بعد الموت لتجازى كل نفس بما كسبت ، ولولا ذلك لكان خلق الناس عبثاً لا قيمة له ، ولا حكمة منه ، ولم يكن بين الإنسان وبين البهائم فرق في هذه الحياة . قال الله تعالى - : } افحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم إلينا لا ترجعون. فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم{(1) وقال الله تعالى -: } إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى{ (2).وقالتعالى-:}وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت بلى وعداً عليه حقاً ولكن أكثر الناس لا يعلمون.ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.إنما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون{ (3) وقال تعالى -:} زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم وذلك على الله يسير{ (4) .
فإذا بينت هذه البراهين لمنكري البعث و أصروا على إنكارهم،فهم مكابرون معاندون،}وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون{.([1])








 


قديم 2012-06-09, 19:09   رقم المشاركة : 2
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

( 151) وسئل فضيلة الشيخ : هل عذاب القبر على البدن أو على الروح؟
فأجاب بقوله: الأصل أنه على الروح لأن الحكم بعد الموت للروح ، والبدن جثة هامدة ، ولهذا لا يحتاج البدن إلى إمداد لبقائه ، فلا يأكل ولا يشرب ، بل تأكله الهوام ، فالأصل أنه على الروح لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية : إن الروح قد تتصل بالبدن فيعذب أو ينعم معها، وأن لأهل السنة قولاً آخر بأن العذاب أو النعيم يكون للبدن دون الروح واعتمدوا في ذلك على أن هذا قد رئي حسّاً في القبر فقد فتحت بعض القبور ورئي أثر العذاب على الجسم ، وفتحت بعض القبور ورئي أثر النعيم على الجسم. وقد حدثني بعض الناس أنهم في هذا البلد هنا في عنيزة كانوا يحفرون لسور البلد الخارجي، فمروا على قبر فانفتح اللحد فوجد فيه ميت أكلت كفنه الأرض وبقي جسمه يابساً لكن لم تأكل منه شيئاً حتى إنهم قالوا : إنهم رأوا لحيته وفيها الحنا وفاح عليهم رائحة كأطيب ما يكون من المسك،فتوقفوا وذهبوا إلى الشيخ وسألوه فقال : دعوه على ما هو عليه واجنبوا عنه ، احفروا من يمين أو من يسار.
فبناء على ذلك قال العلماء : إن الروح قد تتصل في البدن فيكون العذاب على هذا وهذا ، وربما يستأنس لذلك بالحديث الذي قال فيه رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : "إن القبرليطبق على الكافر حتى تختلف أضلاعه" فهذا يدل على أن العذاب يكون على الجسم لأن الأضلاع في الجسم والله أعلم.
( 152) وسئل فضيلة الشيخ : ما المراد بالقبر هل هو مدفن الميت أو البرزخ؟
فأجاب: أصل القبر مدفن الميت قال الله تعالى -: } ثم أماته فأقبره { (1) قال ابن عباس : أي أكرمه بدفنه . وقد يراد به البرزخ الذي بين موت الإنسان وقيام الساعة وإن لم يدفن كما قال تعالى -: } ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون { (2) يعني من وراء الذين ماتوا لأن أول الآية يدل على هذا } حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون . لعلي أعمل صالحاً فيما تركت كلا إنها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخ إلى يوم يبعثون{ (1) .
ولكن هل الداعي إذا دعا "أعوذ بالله من عذاب القبر" يريد عذاب مدفن الموتى ، أو من عذاب البرزخ الذي بين موته وبين قيام الساعة؟
الجواب: يريد الثاني لأن الإنسان في الحقيقة لا يدري هل يموت ويدفن أو يموت وتأكله السباع ، أو يحترق ويكون رماداً ما يدري } وما تدري نفس بأي أرض تموت{ (2) فاستحضر أنك إذا قلت : من عذاب القبر أي من العذاب الذي يكون للإنسان بعد موته إلى قيام الساعة.
( 153) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر ثابت؟
فأجاب بقوله : عذاب القبر ثابت بصريح السنة وظاهر القرآن وإجماع المسلمين هذه ثلاثة أدلة:
أما صريح السنة فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: "تعوذوا بالله من عذاب القبر، تعوذوا بالله من عذاب القبر،تعوذوا بالله من عذاب القبر" .
وأما إجماع المسلمين فلأن جميع المسلمين يقول :ون في صلاتهم : "أعوذ بالله من عذاب جهنم ، ومن عذاب القبر" حتى العامة الذين ليسوا من أهل الإجماع ولا من العلماء. وأما ظاهر القرآن فمثل قوله-تعالى-في آل فرعون : } النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب{ (1) ولا شك أن عرضهم على النار ليس من أجل أن يتفرجوا عليها، بل من أجل أن يصيبهم من عذابها ، وقال تعالى - : }ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم{ . الله أكبر إنهم لشحيحون بأنفسهم ما يريدون أن تخرج } اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون{ (2). فقال : }اليوم{ و "ال" هنا للعهد الحضوري اليوم يعني اليوم الحاضر الذي هو يوم وفاتهم } تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون{ .
إذاً فعذاب القبر ثابت بصريح السنة ، وظاهر القرآن ، وإجماع المسلمين ، وهذا الظاهر من القرآن يكاد يكون كالصريح لأن الآيتين اللتين ذكرناهما كالصريح في ذلك.
( 154) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر يشمل المؤمن العاصي أو هو خاص بالكفار؟
فأجاب فضيلته: عذاب القبر المستمر يكون للمنافق والكافر . وأما المؤمن العاصي فإنه قد يعذب في قبره لأنه ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة" . وهذا معروف أنهما كانا مسلمين.
( 155) وسئل الشيخ: إذا لم يدفن الميت فأكلته السباع أو ذرته الرياح فهل يعذب عذاب القبر؟
فأجاب قائلاً: نعم ويكون العذاب على الروح ، لأن الجسد قد زال وتلف وفني ، وإن كان هذا أمراً غيبياً لا أستطيع أن أجزم بأن البدن لا يناله من هذا العذاب ولو كان قد فني واحترق لأن الأمر الأخروي لا يستطيع الإنسان أن يقيسه على المشاهد في الدنيا.
( 156) سئل فضيلة الشيخ: كيف نجيب من ينكر عذاب القبر ويحتج بأنه لو كشف القبر لوجد لم يتغير ولم يضق ولم يتسع؟
فأجاب حفظه الله بقوله : يجاب من أنكر عذاب القبر بحجة أنه لو كشف القبر لوجد أنه لم يتغير بعدة أجوبة منها:
أولاً: أن عذاب القبر ثابت بالشرع قال الله تعالى في آل فرعون : } النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب{ (1) وقوله ، صلى الله عليه وسلم : "فلولا أن لا تدافنوا لدعوت الله أن يسمعكم من عذاب القبر الذي أسمع ثم أقبل بوجهه فقال: تعوذوا بالله من عذاب النار ، قالوا: نعوذ بالله من عذاب النار، فقال : تعوذوا بالله من عذاب القبر قالوا : نعوذ بالله من عذاب القبر" . وقول النبي صلى الله عليه وسلم في المؤمن : "يفسح له في قبره مد بصره" إلى غير ذلك من النصوص فلا يجوز معارضة هذه النصوص بوهم من القول بل الواجب التصديق والإذعان.
ثانياً: أن عذاب القبر على الروح في الأصل، وليس أمراً محسوساً على البدن فلو كان أمراً محسوساً على البدن لم يكن من الإيمان بالغيب ولم يكن للإيمان به فائدة لكنه من أمور الغيب، وأحوال البرزخ لا تقاس بأحوال الدنيا.
ثالثاً : أن العذاب والنعيم وسعة القبر وضيقه ، إنما يدركه الميت دون غيره والإنسان قد يرى في المنام وهو نائم على فراشه أنه قائم وذاهب وراجع، وضارب ومضروب ، ويرى أنه في مكان ضيق موحش ، أو في مكان واسع بهيج ، والذي حوله لا يرى ذلك ولا يشعر به.
والواجب على الإنسان في مثل هذه الأمور أن يقول : سمعنا وأطعنا، وآمنا وصدقنا.
( 157) وسئل فضيلته: هل عذاب القبر دائم أو منقطع؟
فأجاب بقوله: أما إن كان الإنسان كافراً والعياذ بالله فإنه لا طريق إلى وصول النعيم إليه أبداً ويكون عذابه مستمراً.
وأما إن كان عاصياً وهو مؤمن ، فإنه إذا عذب في قبره يعذب بقدر ذنوبه وربما يكون عذاب ذنوبه أقل من البرزخ الذي بين موته وقيام الساعة وحينئذٍ يكون منقطعاً.
( 158) وسئل فضيلة الشيخ: هل يخفف عذاب القبر عن المؤمن العاصي؟
فأجاب قائلاً : نعم قد يخفف لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير بلى إنه كبير ؛ أما أحدهما فكان لا يستبرىء" أو قال : "لا يستتر من البول ، وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة " ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز في كل قبر واحدة وقال: "لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا" وهذا دليل على أنه قد يخفف العذاب، ولكن ما مناسبة هاتين الجريدتين لتخفيف العذاب عن هذين المعذبين؟
1- قيل: لأنهما أي الجريدتين تسبحان ما لم تيبسا، والتسبيح يخفف من العذاب على الميت ، وقد فرعوا على هذه العلة المستنبطة التي قد تكون مستبعدة أنه يسن للإنسان أن يذهب إلى القبور ويسبح عندها من أجل أن يخفف عنها.
2- وقال بعض العلماء : هذا التعليل ضعيف لأن الجريدتين تسبحان سواء كانتا رطبتين أم يابستين لقوله تعالى- : } تسبح لهالسمواتالسبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم{ (1) .وقد سمع تسبيح الحصى بين يدي الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، مع أن الحصى يابس ، إذاً ما العلة؟
العلة : أن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ترجى من الله عز وجل أن يخفف عنهما من العذاب ما دامت هاتان الجريدتان رطبتين ، يعني أن المدة ليست طويلة وذلك من أجل التحذير عن فعلهما، لأن فعلهما كبير كما جاء في الرواية "بلى إنه كبير" أحدهما لا يستبرئ من البول، وإذا لم يستبرئ من البول صلى بغير طهارة ، والآخر يمشي بالنميمة يفسد بين عباد الله والعياذ بالله ويلقي بينهم العداوة ، والبغضاء ، فالأمر كبير ، وهذا هو الأقرب أنها شفاعة مؤقتة تحذيراً للأمة لا بخلاً من الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، بالشفاعة الدائمة.
ونقول استطراداً : إن بعض العلماء عفا الله عنهم قالوا : يسن أن يضع الإنسان جريدة رطبة ، أو شجرة ، أو نحوها على القبر ليخفف عنه ، لكن هذا الاستنباط بعيد جداً ولا يجوز أن نصنع ذلك لأمور:
أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب بخلاف النبي، صلى الله عليه وسلم.
ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت ، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله ينعم، لعل هذا الميت ممن مَنَّ الله عليه بالمغفرة قبل موته لوجود سبب من أسباب المغفرة الكثيرة فمات وقد عفا رب العباد عنه ، وحينئذ لا يستحق عذاباً.
ثالثاً: أن هذا الاستنباط مخالف لما كان عليه السلف الصالح الذين هم أعلم الناس بشريعة الله فما فعل هذا أحد من الصحابة رضي الله عنهم فما بالنا نحن نفعله.
رابعاً: أن الله تعالى قد فتح لنا ماهو خير منه فكان النبي ، عليه الصلاة والسلام ، إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: "استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل" .
( 159) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر من أمور الغيب أو من أمور الشهادة؟










قديم 2012-06-09, 19:12   رقم المشاركة : 3
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

( 159) وسئل فضيلته : هل عذاب القبر من أمور الغيب أو من أمور الشهادة؟
فأجاب قائلاً: عذاب القبر من أمور الغيب ، وكم من إنسان في هذه المقابر يعذب ونحن لا نشعر به ، وكم جار له منعم مفتوح له باب إلى الجنة ونحن لا نشعر به، فما تحت القبور لا يعلمه إلا علام الغيوب ، فشأن عذاب القبر من أمور الغيب ، ولولا الوحي الذي جاء به النبي عليه الصلاة والسلام ، ما علمنا عنه شيئاً ، ولهذا لما دخلت امرأة يهودية إلى عائشة وأخبرتها أن الميت يعذب في قبره فزعت حتى جاء النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخبرته وأقر ذلك عليه الصلاة والسلام ، ولكن قد يطلع الله تعالى عليه من شاء من عباده ، مثل ما أطلع نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، على الرجلين اللذين يعذبان ، أحدهما يمشي بالنميمة ، والآخر لا يستنزه من البول.
والحكمة من جعله من أمور الغيب هي:
أولاً: أن الله سبحانه وتعالى أرحم الراحمين فلو كنا نطلع على عذاب القبور لتنكد عيشنا، لأن الإنسان إذا أطلع على أن أباه ، أو أخاه ، أو ابنه ، أو زوجه ، أو قريبه يعذب في القبر ولا يستطيع فكاكه، فإنه يقلق ولا يستريح وهذه من نعمة الله سبحانه- .
ثانياً : أنه فضيحة للميت فلو كان هذا الميت قد ستر الله عليه ولم نعلم عن ذنوبه بينه وبين ربه عز وجل- ثم مات وأطلعنا الله على عذابه، صار في ذلك فضيحة عظيمة له ففي ستره رحمة من الله بالميت.
ثالثاً : أنه قد يصعب على الإنسان دفن الميت كما جاء عن النبي،عليه الصلاة والسلام :" لولا ألا تدافنوا لسألت الله أن يسمعكم من عذاب القبر" . ففيه أن الدفن ربما يصعب ويشق ولا ينقاد الناس لذلك ، وإن كان من يستحق عذاب القبر عذب ولو على سطح الأرض ، لكن قد يتوهم الناس أن العذاب لا يكون إلا في حال الدفن فلا يدفن بعضهم بعضاً.
رابعاً: أنه لو كان ظاهراً لم يكن للإيمان به مزية لأنه يكون مشاهداً لا يمكن إنكاره ، ثم إنه قد يحمل الناس على أن يؤمنوا كلهم لقوله تعالى:} فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده{ (1) فإذا رأى الناس هؤلاء المدفونين وسمعوهم يتصارخون آمنوا وما كفر أحد لأنه أيقن بالعذاب ، ورآه رأي العين فكأنه نزل به ، وحكم الله سبحانه وتعالى عظيمة ، والإنسان المؤمن حقيقة هو الذي يجزم بخبر الله أكثر مما يجزم بما شاهده بعينه ؛ لأن خبر الله عز وجل لا يتطرق إليه احتمال الوهم ولا الكذب ، وما تراه بعينيك يمكن أن تتوهم فيه ، فكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال، وإذا هي نجمة ، وكم من إنسان شهد أنه رأى الهلال وإذا هي شعرة بيضاء على حاجبه وهذا وهم،وكم من إنسان يرى شبحاً ويقول:هذا إنسان مقبل، وإذا هو جذع نخلة ، وكم من إنسان يرى الساكن متحركاً والمتحرك ساكناً ، لكن خبر الله لا يتطرق إليه الاحتمال أبداً.
نسأل الله لنا ولكم الثبات ، فخبر الله بهذه الأمور أقوى من المشاهدة ، مع ما في الستر من المصالح العظيمة للخلق.
( 160) وسئل فضيلته : هل سؤال الميت في قبره حقيقي وأنه يجلس في قبره ويناقش؟
فأجاب فضيلته بقوله : سؤال الميت في قبره حقيقي بلا شك والإنسان في قبره يجلس ويناقش ويسأل .
فإن قال قائل : إن القبر ضيق فكيف يجلس ؟!
فالجواب:
أولاً: أن الواجب على المؤمن في الأمور الغيبية أن يقبل ويصدق، ولا يسأل كيف؟ ولم؟ لأنه لا يسأل عن كيف ولم إلا من شك ، وأما من آمن وانشرح صدره لأخبار الله ورسوله، فيسلم ويقول : الله أعلم في بكيفية ذلك .
ثانياً: أن تعلق الروح بالبدن في الموت ليس كتعلقها به في حال الحياة، فللروح مع البدن شؤون عظيمة لا يدركها الإنسان ، وتعلقها بالبدن بعد الموت لا يمكن أن يقاس بتعلقها به في حال الحياة ، وها هو الإنسان في منامه يرى أنه ذهب ، وجاء ، وسافر ، وكلم أناساً ، والتقى بأناس أحياء وأموات ، ويرى أن له بستاناً جميلاً ، أو داراً موحشة مظلمة ، ويرى أنه راكب على سيارة مريحة ، ويرى مرة أنه راكب على سيارة مقلقة كل هذا يمكن مع أن الإنسان على فراشه ما تغير حتى الغطاء الذي عليه لم يتغير ومع ذلك فإننا نحس بهذا إحساساً ظاهراً ، فتعلق الروح بالبدن بعد الموت يخالف تعلقها به في اليقظة أو في المنام ولها شأن آخر لا ندركه نحن، فالإنسان يمكن أن يجلس في قبره ويسأل ولو كان القبر محدوداً ضيقاً.
هكذا صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فمنه البلاغ ، وعلينا التصديق والإذعان قال الله تعالى: } فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً{ (1).
( 161) سئل فضيلة الشيخ: كيف تدنو الشمس يوم القيامة من الخلائق مقدار ميل ولا تحرقهم وهي لو دنت عما هي عليه الآن بمقدار شبر واحد لاحترقت الأرض؟
فأجاب بقوله : إن وظيفة المؤمن وهذه قاعدة يجب أن تبنى عليها عقيدتنا فيما ورد من أخبار الغيب القبول والتسليم وأن لا يسأل عن كيف؟ ولم؟ لأن هذا أمر فوق ما تتصوره أنت، فالواجب عليك أن تقبل وتسلم وتقول : آمنا وصدقنا ، آمنا بأن الشمس تدنو من الخلائق يوم القيامة بمقدار ميل ، وما زاد على ذلك من الإيرادات فهو من البدع ، ولهذا لما سئل الإمام مالك- رحمه الله عن استواء الله كيف استوى؟ قال : "السؤال عنه بدعة" هكذا أيضاً كل أمور الغيب السؤال عنها بدعة وموقف الإنسان منها القبول والتسليم.
جواب الشق الثاني بالنسبة لدنو الشمس من الخلائق يوم القيامة فإننا نقول:
إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي عليها في الدنيا من النقص وعدم التحمل بل هي تبعث بعثاً كاملاً تاماً ، ولهذا يقف الناس يوم القيامة يوماً مقداره خمسون ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون ، وهذا أمر لا يحتمل في الدنيا ، فتدنو الشمس منهم وأجسامهم قد أعطيت من القوة ما يتحمل دنوها ، ومن ذلك ما ذكرناه من الوقوف خمسين ألف سنة لا يحتاجون إلى طعام ولا شراب ، فالأجسام يوم القيامة لها شأن آخر غير شأنها في هذه الدنيا.
(162) سئل فضيلة الشيخ : قلتم في الفتوى السابقة رقم "161" : إن الأجسام تبعث يوم القيامة لا على الصفة التي هي عليها في الدنيا، والله عز وجل - يقول :: } كما بدأكم تعودون{ (1) فنأمل من فضيلتكم توضيح ذلك؟
فأجاب فضيلته : هذا لا يشكل على ما قلنا ؛ لأن المراد بقوله: } كما بدأكم تعودون{ من حيث الخلق فهو كقوله : } وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه{ (2) فالمعنى أنه كما بدأ خلقكم وقدر عليه فإنكم تعودون كذلك بقدرة الله عز وجل - .
( 163) سئل فضيلة الشيخ : كيف نجمع بين قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "من نوقش الحساب عذب" . رواه البخاري من حديث عائشة ، ومناقشة المؤمن في قوله، صلى الله عليه وسلم: "إن الله يدني المؤمن فيضع عليه كنفه ويستره فيقول : أتعرف ذنب كذا أتعرف ذنب كذا؟ فيقول : نعم أي رب، حتى إذا قرره بذنوبه ورأى في نفسه أنه هلك قال: سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم فيعطى كتاب حسناته" الحديث رواه البخاري؟
فأجاب رعاه الله وحفظه بقوله: ليس في هذا إشكال لأن المناقشة معناها أن يحاسب فيطالب بهذه النعم التي أعطاه الله إياها ، لأن الحساب الذي فيه المناقشة معناه أنك كما تأخذ تعطي ، ولكن حساب الله لعبده المؤمن يوم القيامة ليس على هذا الوجه ، بل إنه مجرد فضل من الله تعالى إذا قرره بذنوبه وأقر واعترف قال: "سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" وكلمة نوقش تدل على هذا لأن المناقشة الأخذ والرد في الشيء والبحث على دقيقه وجليله ، وهذا لا يكون بالنسبة لله عز وجل - مع عبده المؤمن بل إن الله تعالى يجعل الحساب للمؤمنين مبنياً على الفضل والإحسان لا على المناقشة والأخذ بالعدل.
( 164) وسئل فضيلة الشيخ أعلى الله درجته-: كيف يحاسب الكافر يوم القيامة وهو غير مطالب بالتكاليف الشرعية؟
فأجاب بقوله : هذا السؤال مبني على فهم ليس بصحيح فإن الكافر مطالب بما يطالب به المؤمن لكنه غير ملزم به في الدنيا ويدل على أنه مطالب قوله تعالى: } إلا أصحاب اليمين. في جنات يتساءلون .عن المجرمين . ما سلككم في سقر . قالوا لم نك من المصلين . ولم نك نطعم المسكين . وكنا نخوض مع الخائضين . وكنا نكذب بيوم الدين{ (1) فلولا أنهم عوقبوا بترك الصلاة ، وترك إطعام المساكين ما ذكروه ، لأن ذكره في هذه الحال لا فائدة منه وذلك دليل على أنهم يعاقبون على فروع الإسلام ، وكما أن هذا هو مقتضى الأثر فهو أيضاً مقتضى النظر فإذا كان الله تعالى يعاقب عبده المؤمن على ما أخل به من واجب في دينه فكيف لا يعاقب الكافر؟ بل إني أزيدك أن الكافر يعاقب على كل ما أنعم الله به عليه من طعام وشراب وغيره قال تعالى : } ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيها طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين{ (1) فمنطوق الآية رفع الجناح عن المؤمنين فيما طعموه ومفهومها وقوع الجناح على الكافرين فيما طعموه، وكذلك قوله-تعالى- : } قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة{ (2) فإن قوله : } قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا{ دليل على أن غير المؤمن ليس له حق في أن يستمتع بها في الدنيا. أقول : ليس له حق شرعي ، أما الحق بالنظر إلى الأمر الكوني وهو أن الله سبحانه وتعالى- خلقها وانتفع بها هذا الكافر فهذا أمر لا يمكن إنكاره، فهذا دليل على أن الكافر يحاسب حتى على ما أكل من المباحات وما لبس ، وكما أن هذا مقتضى الأثر فإنه مقتضى النظر، إذ كيف يحق لهذا الكافر العاصي لله الذي لا يؤمن به كيف يحق له عقلاً أن يستمتع بما خلقه الله عز وجل وما أنعم الله به على عباده ، وإذ تبين لك هذا فإن الكافر يحاسب يوم القيامة على عمله ، ولكن حساب الكافر يوم القيامة ليس كحساب المؤمن لأن المؤمن يحاسب حساباً يسيراً يخلو به الرب عز وجل ويقرره بذنوبه حتى يعترف ثم يقول:له سبحانه وتعالى-: "قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم" أما الكافر والعياذ بالله فإن حسابه أن يقرر بذنوبه ويخزى بها على رؤوس الأشهاد: } ويقول : الأشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين{ (3).
( 165) سئل فضيلة الشيخ: هل يوم الحساب يوم واحد؟
فأجاب قائلاً:يوم الحساب يوم واحد ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة كما قال الله -تعالى-: } سأل سائل بعذاب واقع . للكافرين ليس له دافع . من الله ذي المعارج . تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة {(1)أي إن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه، وجبينه ، وظهره ، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد" وهذا اليوم الطويل هو يوم عسير على الكافرين كما قال- تعالى : } وكان يوماً على الكافرين عسيراً{ (2) وقال -تعالى-: }فذلك يومئذ يوم عسير.على الكافرين غير يسير{ (3) ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك ، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن ، ويكون عسيراً على الكافر. وأسأل الله تعالى أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن يسره الله عليهم يوم القيامة.
والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيه : "هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون ، هلك المتنطعون " . ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم وأخذ الأمور على ظاهر معناها دون أن يتعمق أو يحاول القياس بينها وبين الأمور في الدنيا ، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا ، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك ، لكن بينهما فرق عظيم ، وأضرب لك مثلاً بما ذكره الله سبحانه وتعالى في الجنة من النخل ، والرمان ، والفاكهة ، ولحم الطير ، والعسل والماء واللبن ، والخمر وما أشبه ذلك مع قوله عز وجل -: } فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون{ (1) وقوله في الحديث القدسي : "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" فهذه الأسماء التي لها مسميات بها في هذه الدنيا لا تعني أن المسمى كالمسمى وإن اشتركا في الاسم وفي أصل المعنى ، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة ، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى وألا يحاول شيئاً وراء ذلك.
ولهذا لما سئل الإمام مالك - رحمه الله عن قول الله تعالى - : }الرحمن على العرش استوى{ (2)كيف استوى ؟ أطرق رحمه الله-برأسه حتى علاه الرحضاء أي العرق وصار يتصبب عرقاً وذلك لعظم السؤال في نفسه ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزاناً لجميع ما وصف الله به نفسه رحمه الله -: "الاستواء غير مجهول ، والكيف غير معقول ، والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة" أ هـ .
فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة لأن الصحابة رضي الله عنهم- وهم أشد منا حرصاً على العلم وعلى الخير لم يسألوا النبي ، صلى الله عليه وسلم مثل هذه الأسئلة وكفى بهم قدوة، وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجرى بالنسبة لصفات الله عز وجل التي وصف بها نفسه من العلم ، والقدرة ، والسمع ، والبصر ، والكلام وغير ذلك فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة إلى الله عز وجل لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان ، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها فكما أن الله - سبحانه وتعالى لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته.
وخلاصة الجواب: أن اليوم الآخر يوم واحد وأنه عسير على الكافرين ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه من أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا وإن كان أصل المعنى فيه معلوماً لنا في هذه الحياة الدنيا.










قديم 2012-06-09, 19:16   رقم المشاركة : 4
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(166) سئل الشيخ : كيف نجمع بين قول الله تعالى-:} وأما من أوتي كتابه بشماله{ (1) وقوله : } وأما من أوتي كتابه وراء ظهره{ (2)؟
فأجاب قائلاً: : الجمع بينهما أن يقال :: يأخذه بشماله لكن تخلع الشمال إلى الخلف من وراء ظهره ، والجزاء من جنس العمل فكما أن هذا الرجل جعل كتاب الله وراء ظهره ، أعطي كتابه يوم القيامة من وراء ظهره جزاءً وفاقاً.
(167) وسئل فضيلة الشيخ جزاه الله خيراً : كيف نجمع بين القول القاضي بأن الذي يوزن يوم القيامة هو العمل وقول النبي صلى الله عليه وسلم، عندما انكشفت ساق عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "والله إنها لأثقل في الميزان من جبل أحد"؟
فأجاب قائلاً : الجواب على هذا أن يقال : إما أن يكون هذا خاصاً بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه- ، أو يقال :إن بعض الناس يوزن عمله وبعض الناس يوزن بدنه ، أو يقال: إن الإنسان إذا وزن فإنما يثقل ويرجح بحسب عمله والله أعلم.
( 168) سئل الشيخ: هل الميزان واحد أو متعدد؟
فأجاب بقوله: اختلف العلماء في الميزان هل هو واحد أو متعدد على قولين، وذلك لأن النصوص جاءت بالنسبة للميزان مرة بالإفراد،ومرة بالجمع مثال الجمع قوله تعالى:} ونضع الموازين القسط{ (1) وكذلك في قوله : } فمن ثقلت موازينه { (2) ومثال الإفراد قوله ، صلى الله عليه وسلم : "كلمتان حبيبتان إلى الرحمن ، خفيفتان على اللسان ، ثقيلتان في الميزان" .
فقال بعض العلماء : إن الميزان واحد وإنه جمع باعتبار الموزون ، أو باعتبار الأمم ، فهذا الميزان توزن به أعمال أمة محمد ، وأعمال أمة موسى ، وأعمال أمة عيسى ، وهكذا فجمع الميزان باعتبار تعدد الأمم. والذين قالوا:إنه متعدد بذاته قالوا: لأن هذا هو الأصل في التعدد ، ومن الجائز أن الله تعالى- يجعل لكل أمة ميزاناً، أو يجعل للفرائض ميزاناً، وللنوافل ميزاناً.
والذي يظهر والله أعلم أن الميزان واحد ، لكنه متعدد باعتبار الموزون.
( 169) سئل فضيلة الشيخ : كيف توزن الأعمال وهي أوصاف للعاملين؟
فأجاب بقوله:القاعدة في ذلك كما أسلفنا أن علينا أن نسلم ونقبل ولا حاجة لأن نقول:كيف؟ ولم؟ ومع ذلك فإن العلماء رحمهم الله قالوا في جواب هذا السؤال : إن الأعمال تقلب أعياناً فيكون لها جسم يوضع في الكفة فيرجح أو يخف ، وضربوا لذلك مثلاً بما صح به الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم : "أن الموت يجعل يوم القيامة على صورة كبش فينادى أهل الجنة ، يا أهل الجنة فيطلعون ويشرئبون . وينادى يا أهل النار فيطلعون ويشرئبون ما الذي حدث ؟ فيؤتي بالموت على صورة كبش فيقال : هل تعرفون هذا فيقولون: نعم هذا الموت فيذبح الموت بين الجنة والنار فيقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت ، ويا أهل النار خلود فلا موت" . ونحن نعلم جميعاً أن الموت صفة ولكن الله تعالى يجعله عيناً قائماً بنفسه وهكذا الأعمال تجعل أعياناً فتوزن والله أعلم.
( 170) سئل فضيلة الشيخ : عن الشفاعة ؟ وأقسامها؟
فأجاب: الشفاعة: مأخوذة من الشفع ، وهو ضد الوتر، وهو جعل الوتر شفعاً مثل أن تجعل الواحد اثنين ، والثلاثة أربعة ، وهكذا هذا من حيث اللغة.
أما في الاصطلاح : فهي "التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة" يعني أن يكون الشافع بين المشفوع إليه، والمشفوع له واسطة لجلب منفعة إلى المشفوع له ، أو يدفع عنه مضرة.
والشفاعة نوعان:
النوع الأول: شفاعة ثابتة صحيحة ، وهي التي أثبتها الله تعالى في كتابه ، أو أثبتها رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ولا تكون إلا لأهل التوحيد والإخلاص ؛ لأن أبا هريرة رضي الله عنه قال: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال : "من قال : لا إله إلا الله خالصاً من قلبه" .
وهذه الشفاعة لها شروط ثلاثة:
الشرط الأول: رضا الله عن الشافع.
الشرط الثاني: رضا الله عن المشفوع له.
الشرط الثالث: إذن الله-تعالى للشافع أن يشفع.
وهذه الشروط مجملة في قوله تعالى-: } وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى{ (1) ومفصلة في قوله: } من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه{ (2) وقوله:} يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولاً { (3) . وقوله:} ولا يشفعون إلا لمن ارتضى { (1).فلا بد من هذه الشروط الثلاثة حتى تتحقق الشفاعة.
ثم إن الشفاعة الثابتة ذكر العلماء رحمهم الله تعالى أنها تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: الشفاعة العامة ، ومعنى العموم أن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم ، وهذه الشفاعة ثابتة للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولغيره من النبيين ، والصديقين ، والشهداء ، والصالحين ، وهي أن يشفع في أهل النار من عصاة المؤمنين أن يخرجوا من النار.
القسم الثاني: الشفاعة الخاصة : التي تختص بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأعظمها الشفاعة العظمى التي تكون يوم القيامة، حين يلحق الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون ، فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا الموقف العظيم فيذهبون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم ، ثم موسى ، ثم عيسى وكلهم لا يشفع حتى تنتهي إلى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فيقوم ويشفع عند الله عز وجل- أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم ، فيجيب الله تعالى دعاءه ، ويقبل شفاعته ، وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله تعالى به في قوله : } ومن الليل فتهجد به نافلة لك عسى أن يبعثك ربك مقاماً محموداً{ (2) .
ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم، شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة ، فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط أوقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فتمحص قلوب بعضهم من بعض حتى يهذبوا وينقوا ثم يؤذن لهم في دخول الجنة فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم.
النوع الثاني: الشفاعة الباطلة التي لا تنفع أصحابها ، وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم لهم عند الله عز وجل فإن هذه الشفاعة لا تنفعهم كما قال الله تعالى : } فما تنفعهم شفاعة الشافعين{ (1) وذلك لأن الله تعالى لا يرضى لهؤلاء المشركين شركهم، ولا يمكن أن يأذن بالشفاعة لهم ؛ لأنه لا شفاعة إلا لمن ارتضاه الله عز وجل والله لا يرضى لعباده الكفر ولا يحب الفساد ، فتعلق المشركين بآلهتهم يعبدونها ويقول :ون : } هؤلاء شفعاؤنا عند الله{ (2) تعلق باطل غير نافع، بل هذا لا يزيدهم من الله - تعالى- إلا بعداً على أن المشركين يرجون شفاعة أصنامهم بوسيلة باطلة وهي عبادة هذه الأصنام ، وهذا من سفههم أن يحاولوا التقرب إلى الله تعالى بما لا يزيدهم منه إلا بعداً.
(171) وسئل حفظه الله عن : قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : " يقول :الله تعالى-: شفعت الملائكة وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ولم يبق إلا أرحم الراحمين فيقبض قبضة من النار فيخرج منها قوماً لم يعملوا خيراً قط" . رواه مسلم ، ما معنى قوله : "لم يعملوا خيراً قط" ؟
فأجاب فضيلته بقوله : معنى قوله : "لم يعملوا خيراً قط" أنهم ما عملوا أعمالاً صالحة ، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم ، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيراً قط .
وإما أن يكون هذا الحديث مقيداً بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلاً فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله ، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة وهو خالد مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل فماتوا فور إيمانهم فما عملوا خيراً قط.
وإما أن يكون هذا عاماً ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لا بد أن يعمل كالصلاة فمن لم يصل فهو كافر لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار.










قديم 2012-06-09, 19:26   رقم المشاركة : 5
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

( 172) سئل فضيلة الشيخ: عن مصير أهل الفترة؟
فأجاب بقوله: الصحيح أن أهل الفترة قسمان :
القسم الأول : من قامت عليه الحجة وعرف الحق ، لكنه اتبع ما وجد عليه آباءه ، وهذا لا عذر له فيكون من أهل النار.
القسم الثاني: من لم تقم عليه الحجة فإن أمره لله عز وجل - . ولا نعلم عن مصيره وهذا ما لم ينص الشرع عليه . أما من ثبت أنه في النار بمقتضى دليل صحيح فهو في النار.
( 173) وسئل : عن مصير أطفال المؤمنين ، وأطفال المشركين الذين ماتوا صغاراً ؟
فأجاب فضيلته قائلاً:مصير أطفال المؤمنين الجنة،لأنهم تبع لآبائهم قال تعالى- : } والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امرئ بما كسب رهين{ (1) .
وأما أطفال غير المؤمنين يعني الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين فأصح الأقوال فيهم أن نقول الله أعلم بما كانوا عاملين فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم ،أما في أحكام الآخرة فإن الله تعالى أعلم بما كانوا عاملين كما قال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والله أعلم بمصيرهم هذا ما نقوله ، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيراً إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا وأحكامهم في الدنيا أعني أولاد المشركين أحكامهم في الدنيا أنهم كالمشركين لا يغسلون، ولا يكفنون ، ولا يصلى عليهم ، ولا يدفنون في مقابر المسلمين . والله أعلم.
( 174) وسئل فضيلته : إذا كانت الجنة عرضها كعرض السموات والأرض فأين تكون النار في هذا الكون الذي ليس فيه إلا السموات والأرض؟
فقال حفظه الله تعالى : قبل الجواب على هذا يجب أن نقدم مقدمة وهي أن ما جاء في كتاب الله وما صح عن رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، فإنه حق ولا يمكن أن يخالف الأمر الواقع ، فإن الأمر الواقع المحسوس لا يمكن إنكاره ، ومادل عليه الكتاب والسنة فإنه حق لا يمكن إنكاره ، ولا يمكن تعارض حقين على وجه لا يمكن الجمع بينهما ، وقد ثبت في القرآن أن الجنة عرضها كعرض السماء والأرض قال الله تعالى:}سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض{ (2). وفي الآية الأخرى:}عرضها السموات والأرض{ (3). وهذا حق بلا ريب ، وفي مسند الإمام أحمد أن هرقل كتب للنبي ، صلى الله عليه وسلم ، فقال: إذا كانت الجنة عرضها السموات والأرض فأين تكون النار؟ فقال : صلى الله عليه وسلم : "إذا جاء الليل فأين يكون النهار" فإن صح هذا الحديث فوجهه أن السموات والأرض في مكانهما والجنة في مكانها في أعلى عليين كما أن النهار في مكان والليل في مكان ، وإن لم يصح الحديث فإن في كون الجنة عرضها السموات والأرض لا يعني أنها قد ملأتهما ولكن يعني أن الجنة عظيمة السعة عرضها كعرض السموات والأرض.
ثم إن قول السائل : "إن هذا الكون ليس فيه إلا السموات والأرض" ليس بصحيح فهذا الكون فيه السموات والأرض ، وفيه الكرسي والعرش وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول بعد رفعه من ركوعه : "ملء السماوات ، وملء الأرض ، وملء ما شئت من شيء بعد" فهناك عالم غير السموات والأرض لا يعلمه إلا الله،كذلك نحن نعلم منه ما علمنا الله-تعالى مثل العرش والكرسي ، والعرش هو أعلى المخلوقات والله - سبحانه وتعالى قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته.
فهناك عالم غير السموات والأرض لا يعلمه إلا الله،كذلك نحن نعلم منه ما علمنا الله تعالى – مثل العرش والكرسي ، والعرش هو أعلى المخلوقات والله - سبحانه وتعالى – قد استوى عليه استواء يليق بجلاله وعظمته.
( 175) وسئل: ما الجنة التي أسكنها الله - عز وجل – آدم وزوجه؟
فأجاب بقوله : الصواب أن الجنة التي أسكنها الله- تعالى – آدم وزوجه هي الجنة التي وعد المتقون لأن الله – تعالى – يقول لآدم : } اسكن أنت وزوجك الجنة{ (1) والجنة عند الإطلاق هي جنة الخلد التي في السماء ، ولهذا ثبت في الحديث عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن آدم وموسى تحاجا فقال له موسى : "لم أخرجتنا ونفسك من الجنة؟" . والله أعلم.
( 176) وسئل فضيلة الشيخ : ذكر للرجال الحور العين في الجنة فما للنساء؟
فأجاب بقوله : يقول الله – تبارك وتعالى – في نعيم أهل الجنة : } ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلاً من غفور رحيم{ (2) ويقول – تعالى - : } وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون { (3) .
ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس فهو حاصل في الجنة لأهل الجنة ذكوراً كانوا أم إناثاً ، فالمرأة يزوجها الله – تبارك وتعالى – في الجنة بزوجها الذي كان زوجاً لها في الدنيا كما قال الله – تبارك وتعالى - : }ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم{ (1) .
(177)وسئل – رعاه الله بمنه وكرمه -: إذا كانت المرأة من أهل الجنة ولم تتزوج في الدنيا أو تزوجت ولم يدخل زوجها الجنة فمن يكون لها؟
فأجاب قائلاً : الجواب يؤخذ من عموم قوله – تعالى : } ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون . نزلاً من غفور رحيم{ (2) ومن قوله تعالى : } وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الاعين وأنتم فيها خالدون{ (3) فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج أو كان زوجها ليس من أهل الجنة فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال وهم ـ أعني من لم يتزوجوا من الرجال – لهم زوجات من الحور ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاؤوا واشتهت ذلك أنفسهم ، وكذلك نقول بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج ، أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكنه لم يدخل معها الجنة : إنها إذا اشتهت أن تتزوج فلا بد أن يكون لها ما تشتهيه لعموم هذه الآيات.
ولا يحضرني الآن نص خاص في هذه المسألة والعلم عند الله –تعالى-.
( 178) وسئل فضيلته: إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فمع من تكون منهما؟ ولماذا ذكر الله الزوجات للرجال ولم يذكر الأزواج للنساء؟
فأجاب بقوله : إذا كانت المرأة لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله – تعالى – يزوجها ما تقر به عينها في الجنة ، فالنعيم في الجنة ليس مقصوراً على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم الزواج.
وقول السائل : "إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات ولم يذكر للنساء أزواجاً".
فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج بل لهن أزواج من بني آدم.
( 179) وسئل فضيلة الشيخ: كيف رأى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أحوال أهل الجنة وأحوال أهل النار ليلة الإسراء والمعراج مع أن الساعة لم تقم بعد؟
فأجاب بقوله : إن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أخبرنا بذلك وأنه رأى الجنة والنار ، ورأى أقواماً يعذبون وأقواماً ينعمون ، والله أعلم بكيفية ذلك لأن أمور الغيب لا يدركها الحس فمثل هذه الأمور إذا جاءت يجب علينا أن نؤمن بها كما جاءت وأن لا نتعرض لطلب الكيفية .
ولم ؟ لأن عقولنا أقصر وأدنى من أن تدرك هذا الأمر فقد أخبر النبي ، صلى الله عليه وسلم عن أمور لا يمكن إدراكها بالعقل ، أخبر ، صلى الله عليه وسلم ، بأن الله عز وجل – ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة ومعلوم الآن أن ثلث الليل يدور على الكرة الأرضية فإذا انتقل من جهة حل في جهة أخرى فقد تقول : كيف ذلك ؟ فنقول عليك أن تؤمن بما أخبرك به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ولا تقل : كيف ؟ لأن عقلك أدنى وأقصر من أن يحيط بمثل هذه الأمور الغيبية فعلينا أن نستسلم ولا نقول : كيف؟ ولم؟ ولهذا قال بعض العلماء كلمة نافعة قال: "قل : بم أمر الله ؟ ولا تقل : لم أمر الله؟" والله ولي التوفيق.
(180) سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته- : هل الجنة والنار موجودتان الآن؟
فأجاب بقوله : نعم الجنة والنار موجودتان الآن ودليل ذلك من الكتاب والسنة.
أما الكتاب فقال الله – تعالى – في النار : } واتقوا النار التي أعدت للكافرين{ (1) والإعداد بمعنى التهيئة ، وفي الجنة قال الله تعالى : } وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين{ (2) والإعداد أيضاً التهيئة.
وأما السنة فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة كسوف الشمس ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قام يصلي ، فعرضت عليه الجنة والنار، وشاهد الجنة حتى هم أن يتناول منها عنقوداً ، ثم بدا له أن لا يفعل عليه الصلاة والسلام، وشاهد النار، ورأى فيها عمرو بن لحي الخزاعي يجر قصبه في النار –والعياذ بالله – يعني أمعاءه قد اندلقت من بطنه فهو يجرها في النار ؛ لأن الرجل أول من أدخل الشرك على العرب، فكان له كفل من العذاب الذي يصيب من بعده، ورأى امرأة تعذب في النار في هرة حبستها حتى ماتت فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض ، فدل ذلك على أن الجنة والنار موجودتان الآن.
( 181) وسئل فضيلته :هل النار مؤبدة أو تفنى؟
فأجاب بقوله: المتعين قطعاً أنها مؤبدة ولا يكاد يعرف عند السلف سوى هذا القول ، ولهذا جعله العلماء من عقائدهم، بأن نؤمن ونعتقد بأن النار مؤبدة أبد الآبدين ، وهذا الأمر لا شك فيه ؛ لأن الله –تعالى- ذكر التأبيد في ثلاثة مواضع من القرآن:
الأول: في سورة النساء في قوله تعالى : } إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً . إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدًا{ (1) .
والثاني:في سورة الأحزاب } إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً . خالدين فيها أبدًا{ (2) .
والثالث: في سورة الجن } ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدًا{ (3). ولو ذكر الله عز وجل التأبيد في موضع واحد لكفى ، فكيف وهو قد ذكره في ثلاثة مواضع ؟‍‍‍ ومن العجب أن فئة قليلة من العلماء ذهبوا إلى أنها تفنى بناء على علل عليلة لمخالفتها لمقتضى الكتاب والسنة وحرفوا من أجلها الكتاب والسنة فقالوا: إن "خالدين فيها أبداً " ما دامت موجودة فكيف هذا ؟‍‍
إذا كانوا خالدين فيها أبداً ، لزم أن تكون هي مؤبدة "فيها" هم كائنون فيها وإذا كان الإنسان خالداً مؤبداً تخليده ، لزم أن يكون مكان الخلود مؤبداً ؛ لأنه لو فني مكان الخلود ما صح تأبيد الخلود ، والآية واضحة جداً والتعليلات الباردة المخالفة للنص مردودة على صاحبها ، وهذا الخلاف الذي ذكر عن فئة قليلة من أهل العلم خلاف مطرح لأنه مخالف للنص الصريح الذي يجب على كل مؤمن أن يعتقده ، ومن خالفه لشبهة قامت عنده فيعذر عند الله ، لكن من تأمل نصوص الكتاب والسنة عرف أن القول بتأبيدها هو الحق الذي لا يحق العدول عنه.
والحكمة تقتضي ذلك لأن هذا الكافر أفنى عمره كل عمره في محاربة الله عز وجل ومعصية الله والكفر به وتكذيب رسله مع أنه جاءه النذير وأعذر وبين له الحق ، ودعي إليه ، وقوتل عليه وأصر على الكفر والباطل فكيف نقول : إن هذا لا يؤبد عذابه ؟‍ والآيات في هذا صريحة كما تقدم.
182- وسئل فضيلة الشيخ : هل هناك ناران نار لأهل الكفر ، ونار لأهل المعاصي الذين يعذبون فيها ثم يخرجون؟
فأجاب بقوله : زعم بعض العلماء ذلك وقال : إن النار ناران نار لأهل الكفر ، ونار لأهل المعاصي من المؤمنين وبينهما فرق ، ولكن هذا لا أعلم له دليلاً لكن عذابهما يختلف ، لا شك أنها على عصاة المؤمنين ليست كما هي على الكافرين وكوننا نقول بالتقسيم بناء على استبعاد عقولنا ان تكون نار واحدة تؤثر تأثيرين مختلفين لا ينبغي ؛ لأن هذا الاستبعاد لا وجه له لأمرين:
الأمر الأول: أن الله على كل شيء قدير ، وأن الله قادر على أن يجعل النار الواحدة لشخص سلاماً ، ولآخر عذاباً .
الأمر الثاني: أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا أبداً لظهور الفرق العظيم بينهما ، فلا يجوز أن تقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا لتنفي مالا يتسع له عقلك ، بل عليك بالنسبة لأحوال الآخرة أن تسلم وتقبل وتصدق ، أليست هذه الشمس ستدنو من الخلائق قدر ميل يوم القيامة؟ ولو كانت أحوال الناس يوم القيامة كأحوالهم في الدنيا لأحرقتهم ؛ لأن هذه الشمس في أوجها لو أنها نزلت ولو يسيراً أحرقت الأرض ومحتها عن آخرها ونحن نحس بحرارتها الآن وبيننا وبينها مسافات عظيمة لا سيما في أيام الصيف حين تكون عمودية ، ومع ذلك تدنو من الخلائق يوم القيامة على قدر ميل ولا يحترقون بها ، كذلك أيضاً في يوم القيامة في مقام واحد المؤمنون لهم نور يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ، والكفار في ظلمة ، لكن في الدنيا لو كان بجانبك واحد على يمينه نور وبن يديه نور فإنك تنتفع به ، أما في الآخرة فلا، وفي الآخرة أيضاً يعرق الناس فيختلف العرق اختلافاً عظيماً بينهم ، وهم في مكان واحد، فمن الناس من يصل العرق إلى كعبيه ومنهم من يصل إلى ركبتيه ، ومنهم من يصل إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق ، وهم في مكان واحد.
فالمهم أنه لا يجوز أن نقيس أحوال الآخرة بأحوال الدنيا ثم نذهب ونحدث أشياء لم تأت في الكتاب والسنة كتقسيم النار إلى نارين : نار للعصاة ونار للكافرين فالذي بلغنا ووصل إليه علمنا أنها نار واحدة لكنها تختلف.
(183) سئل فضيلة الشيخ : هل نار جهنم لها اسم واحد أو أسماء متعددة؟
فأجاب قائلاً :نار جهنم لها أسماء متعددة وهذا التعدد في الأسماء لاختلاف صفاتها ، فتسمى الجحيم ، وتسمى جهنم ، ولظى ، والسعير ، وسقر ، والحطمة ، والهاوية ، بحسب اختلاف الصفات والمسمى واحد فكل ما صح في كتاب الله أوسنة الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، من أسمائها فإنه يجب على المؤمن أن يصدق به ويثبته.
(184) وسئل فضيلة الشيخ: إذا استعاذ الإنسان من عذاب جهنم فهل المراد أنه يعوذ بالله من المعاصي المؤدية إلى جهنم أو يتعوذ بالله من جهنم؟
فأجاب بقوله :يشمل الأمرين فهو يستعيذ بالله من عذاب جهنم أي من فعل الأسباب المؤدية إلى عذاب جهنم ، ومن عذاب جهنم أي من عقوبة جهنم إذا فعل الأسباب التي توجب ذلك ، لأن الإنسان بين أمرين إما عصمة من الذنوب فهذه إعاذة من فعل السبب ، وإما عفو عن الذنوب وهذه إعاذة من العذاب، وقولنا : العصمة من الذنوب ليس معناه العصمة المطلقة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون" . وقال : " لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم".
(185) وسئل فضيلة الشيخ: هل عذاب النار حقيقي أو أن أهلها يكونون فيها كأنهم حجارة لا يتألمون ؟
فأجاب فضيلته : عذاب أهل النار حقيقي بلا ريب ، ومن قال خلاف ذلك فقد أخطأ وأبعد النجعة فأهلها يعذبون فيها ويألمون ألماً عظيماً شديداً ، كما قال –تعالى- في عدة آيات : }لهم عذاب أليم{ حتى إنهم يتمنون الموت ، والذي يتمنى الموت هل يقال : إنه يتألم أو إنه تأقلم ؟ لو تأقلم ما تألم ولا دعا الله أن يقضي عليه } ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ماكثون . لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون{ (1) إذاً هم يتألمون بلا شك ، والحرارة النارية تؤثر على أبدانهم ظاهرها وباطنها ، قال الله تعالى في كتابه العزيز : } إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم ناراً كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً{ (2) . وهذا واضح أن ظاهر أبدانهم يتألم وينضج ، وقال تعالى : }وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه{ (3)وشيُّ الوجوه واللحم معروف فهم إذا استغاثوا (يغاثوا بماء كالمهل) بعد مدة طويلة وهذا الماء إذا أقبل على وجوههم شواها وتساقطت والعياذ بالله فإذا شربوه قطع أمعاءهم }وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم{ (4) وهذا عذاب الباطن ، وقال النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في أهون أهل النار عذاباً : "إنه في ضحضاح من نار وعليه نعلان يغلي منهما دماغه" أعوذ بالله الدماغ يغلي فما بالك بما دونه مما هو أقرب إلى النعلين وهذا دليل واضح على أنهم يتألمون ، وأن هذه النار تؤثر فيهم وكذلك قال –تعالى- : }وذوقوا عذاب الحريق{ (1) أي المحرق والآيات والأحاديث في هذا كثيرة واضحة تدل على بطلان قول : من قال "إنهم يكونون كالحجارة لا يتألمون" .
(186) وسئل فضيلة الشيخ : هل النار في السماء أو في الأرض؟
فأجاب قالئلاً:هي في الأرض ، ولكن قال بعض أهل العلم:إنها هي البحار، وقال آخرون :هي في باطن الأرض ، والذي يظهر أنها في باطن الأرض ،ولكن ما ندري أين هي من الارض ، نؤمن بأنها في الأرض وليست في السماء ولكن لا نعلم في أي مكان هي على وجه التعيين. والدليل على أن النار في الأرض ما يلي:
قال الله تعالى -: } كلا إن كتاب الفجار لفي سجين{ (2) وسجين هي الأرض السفلى ، كذلك جاء في الحديث فيمن احتضر وقبض من الكافرين فإنها لا تفتح لهم أبواب السماء ، ويقول الله تعالى : اكتبوا كتاب عبدي في سجين وأعيدوه إلى الأرض" ولو كانت النار في السماء لكانت تفتح لهم أبواب السماء ليدخلوها ؛ لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، رأى أصحابها يعذبون فيها ، وإذا كانت في السماء لزم من دخولهم في النار التي في السماء أن تفتح أبواب السماء.
لكن بعض الناس استشكل وقال : كيف يراها الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ليلة عرج به وهي في الأرض؟ ؛(1)
وأنا أعجب لهذا الاستشكال ، إذا كنا ونحن في الطائرة نرى الأرض تحتنا بعيدة وندركها ، فكيف لا يرى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، النار وهو في السماء؟ ‍
فالحاصل أنها في الأرض وقد روي في هذا أحاديث لكنها ضعيفة ، وروي آثار عن السلف كابن عباس ، وابن مسعود ، وهو ظاهر القرآن }إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط{ (2) والذين كذبوا بالآيات واستكبروا عنها لا شك أنهم في النار.
(187) سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله- : هل ما يذكر من أن أكثر أهل النار النساء صحيح ولماذا؟
فأجاب بقوله :هذا صحيح ، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال لهن وهو يخطب فيهن : "يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار" وقد أورد على النبي ، صلى الله عليه وسلم ، هذا الإشكال الذي أورده السائل قلن : وبم يا رسول الله ؟ قال : "تكثرن اللعن وتكفرن العشير" فبين النبي ، صلى الله عليه وسلم أسباب كثرتهن في النار ، لأنهن يكثرن السب ، واللعن ، والشتم ، ويكفرن العشير الذي هو الزوج فصرن بذلك أكثر أهل النار.
(188) سئل فضيلة الشيخ حفظه الله : عن أسماء القيامة وسبب تعددها؟ .
فأجاب –حفظه –الله- بقوله : الأسماء لا يمكنني الآن حصرها لكن سبب تعددها أنها أسماء تدل على أوصاف فهي الساعة وكلمة الساعة تقال في اللغة العربية لما يقع فيه الأمر العظيم الشديد الشاق، وتسمى الحاقة لكونها حقاً، ووصفها الله جل جلاله أن زلزلتها شيء عظيم لما فيها من الأهوال، ووصفت بالقارعة إلى غير ذلك من الأوصاف التي كل وصف منها يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الآخر أو الوصف الآخر فهذه هي الحكمة من تعدد أوصافها وذكرها حتى يكون ذلك أبلغ في الإيمان بها وأقوم للاستعداد لها.
(189) سئل فضيلته حفظه الله : هل صح حديث خروج السفياني في علامات الساعة؟ وكذا هل صحت أيضاً أحاديث خروج الرايات السود؟ .
فأجاب –حفظه الله- بقوله : حديث السفياني أخرجه الحاكم في مستدركه وقال : حديث صحيح الإسناد ولكن الحاكم – رحمه الله – معروف بالتساهل بالتصحيح فالله أعلم
وأما الرايات السود فلا أدري.










قديم 2012-06-09, 19:36   رقم المشاركة : 6
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

رسالــة

لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله


الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد: فإن الله تعالى قال في كتابه المبين : } ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله{ (1) وقال : } ولله غيب السموات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب{ (2) .وقال جل ذكره : } وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو{ (3). وأمر نبيه ، صلى الله عليه وسلم ، أن يعلن للملأ قوله : } قل إن ربي يقذف بالحق علام الغيوب{ (4) . وقوله : } قل لا يعلم من في السموات والأرض الغيب إلا الله{ (5) وقوله : }قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمداً . عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحداً . إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصداً{ (6) .
فبين الله تعالى في هذه الآيات الكريمة أن غيب السموات والأرض لله تعالى وحده لا يشركه فيه غيره ولا يظهر سبحانه أحداً على هذا الغيب إلا من ارتضاه من الرسل الكرام .
وكل علم يتعلق بالمستقبل فإنه من علم الغيب كما قال تعالى : } وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت{ (7) .
ومن ذلك علم قيام الساعة ، فإنه من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله ولم يطلع الله عليه أحداً من خلقه ، حتى أشرف الرسل من الملائكة والبشر لا يعلمونه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن جبريل أتى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة فسأل النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن الإسلام والإيمان والإحسان فبينها له ثم قال : أخبرني عن الساعة فقال له النبي ، صلى الله عليه وسلم : ( ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" قال فاخبرني عن اماراتها ؟ فاخبره بشيئ منها . فقوله ، صلي الله عليه وسلم ،( ما المسؤل عنها باعلم من السائل ) من يعني أن علمي وعلمك فيها سواء فلست أعلم بها منك حتى أخبرك فإذا كنت لا تعلمها فأنا لا أعلمها ، فإذا انتفى علمها عن أفضل الرسل من الملائكة وأفضل الرسل من البشر فانتفاء علمها عمن سواهما أولى.
وقد جاءت نصوص الكتاب والسنة بنفي علم الخلق بوقت الساعة بخصوصه.
فالآية الأولى قوله تعالى في سورة الأعراف : } يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السموات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون{ (8)أ ي لا يعلمون ان علمها عند الله تعالى فهم يسألون عنها . وقد أكد الله تعالى أن علمها عنده وحده في جمل أربع وهي قوله:
}إنما علمها عند ربي { . } لا يجليها لوقتها إلا هو{ . }إنما علمها عند الله{ . وهذه الجمل أفادت اختصاص علمها بالله –عز وجل – بدلالة الحصر التي هي من أقوى دلالات الاختصاص.
أما الجملة الرابعة فهي قوله: }لا تأتيكم إلا بغتة{ . فإن الناس لو أمكنهم العلم بها ما جاءتهم بغتة لأن المباغتة لا تكون في الشيء المعلوم. فإن قال قائل : ألا يحتمل أن يكون في قوله تعالى : } ولكن أكثر الناس لا يعلمون{ . دليل على أن بعض الناس يعلمون متى تقوم؟ .
قلنا : لا يحتمل ذلك لأنه ينافي التأكيد الوارد في هذه الجمل ويناقضه فكيف يؤكد الله تعالى أن علمها عنده وحده ثم يشير إلى أن بعض الناس يعلمون ذلك وهل هذا إلا من العبث المعنوي الذي ينزه الله تعالى عنه ومن الركاكة والعي الذي تأباه بلاغة القرآن العظيم.
ولو قدر – على الفرض الممتنع – أن أحداً من الناس قد يعلمه الله تعالى به ، فإن ذلك من علم الغيب الذي لا يظهر الله تعالى عليه إلا من ارتضى من رسول ، وقد سبق أن الرسول البشري محمداً ، صلى الله عليه وسلم ، والرسول الملكي جبريل لا يعلمان ذلك فمن ذا يمكن أن يعلمه من سواهما من الخلق؟ .
والآية الثانية قوله في سورة لقمان : } إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم
خبير{ وهذه الخمس هي مفاتح الغيب التي قال الله عنها : }وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو{ (10) كما فسرها به أعلم الخلق بمراد الله –عز وجل- رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: مفاتح الغيب خمس: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت إن الله عليم خبير" . فثبت بذلك أن علم الساعة مما يختص الله تعالى به، لأنه من علم الغيب ولا يظهر الله تعالى أحداً من خلقه على غيبه إلا من ارتضاه من الرسل فمن ادعى علم شيء منه غير الرسل فهو كاذب مكذب لله تعالى.
فإن قال قائل : ما تقولون عما قيل : إنهم يطلعون على الجنين قبل وضعه فيعلمون أذكر هو أم أنثى، وإنهم يتوقعون نزول المطر في المستقبل فينزل كما توقعوا .
قلنا : الجواب عن الأول أنهم لا يعلمون أنه ذكر أم أنثى إلا بعد أن يخلق فتبين ذكورته أو أنوثته وحينئذ لا يكون من الغيب المحض المطلق بل هو غيب نسبي ولهذا ثبت في الصحيحين من حديث أنس عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، في قصة الملك الموكل بالرحم أنه يقول عند تخليق الجنين : يارب أذكر أم أنثى ، يارب أشقي أم سعيد ، فما الرزق ، فما الأجل ، فيكتب كذلك في بطن أمه . وفي صحيح مسلم من حديث حذيفة ابن أسيد عن النبي ، صلى الله عليه وسلم، في الملك الموكل بالرحم قال: يارب أذكر أم أنثى فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك . فقد علم الملك أن الجنين ذكر أو أنثى وهو في بطن أمه لكنه قبل أن يخلق لا يعلم الملك ولا غيره أنه ذكر أو أنثى.










قديم 2012-06-09, 19:37   رقم المشاركة : 7
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

والجواب عن الثاني : أن هذه التوقعات إنما تكون بوسائل حسية وهي الأرصاد الدقيقة التي يعلم بها تكيفات الجو وتهيؤه لنزول المطر بوجه خفي لا يدرك بمجرد الحس ، وهذا التوقع بهذه الأرصاد ليس من علم الغيب الذي يختص به الله –عز وجل- فهو كتوقعنا أن ينزل المطر حين يتكاثف السحاب ويتراكم ويدنو من الأرض ويحصل فيه رعد وبرق. والآية الثالثة قوله في سورة الأحزاب : }يسألك الناس عن الساعة قل إنما علمها عند الله وما يدريك لعل الساعة تكون قريباً{.(1)
والآية الرابعة قوله في سورة الزخرف : } وتبارك الذي له ملك السماوات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون {.(2) فتقديم الخبر في قوله : }وعنده علم الساعة{ يفيد الاختصاص كما هو معلوم .
والآية الخامسة : قوله تعالى في سورة النازعات : } يسألونك عن الساعة أيان مرساها . فيم أنت من ذكراها . إلى ربك منتهاها{(3). فقدم الخبر في قوله : } إلى ربك منتهاها{ . ليفيد اختصاص ذلك به تبارك وتعالى.
هذه خمس آيات من كتاب الله تعالى كلها صريحة في أن علم الساعة خاص بالله تعالى لا يطلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل. وأما السنة فمنها ما سبق في حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . فإن قيل : ما تقولون في قوله تعالى في سورة طه : } إن الساعة آتية أكاد أخفيها{(4) حيث إن ظاهرها أنه تعالى لم يخفها فالجواب من ثلاثة أوجه:
الأول : أن كثيراً من المفسرين أو أكثرهم قال : معنى الآية أكاد اخفيها علي نفسي وهو من المبالغة في الإخفاء كقوله ، صلى الله عليه وسلم ، في المتصدق يخفي صدقته : حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه .
الثاني: أن يقال : هب أن ظاهر الآية أن الله تعالى لم يخفها علي الناس ولكن لغموض وسائل العلم بها صار كمن كاد يخفيها فإن هذا الظاهر مدفوع بالنصوص الصحيحة الصريحة بأنه لا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله تعالى . وطريق الراسخين في العلم أن يحملوا النصوص المتشابهة على النصوص المحكمة لتكون النصوص كلها محكمة متفقة غير متنافية ولا متناقضة }فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله{.([2])
الثالث: أن يقال : إن أبى آب إلا أن يتمسك بالظاهر ويقول إن المراد أكاد أخفيها علي الخلق فالجواب أن يقال:
الإخفاء ثلاثة أنواع: إخفاء ذكر وإخفاء قرب وإخفاء وقوع.
فأما إخفاء الذكر فهو أن لا يذكر الله الساعة للخلق ولا يبين لهم شيئاً من أحوالها وهذا محال تأباه حكمة الرب جل وعلا ويكذبه الواقع فإن الإيمان باليوم اللآخر أحد أركان الإيمان الستة ، فالعلم به من ضروريات الإيمان ولهذا لم يخف الله تعالى ذكر الساعة بل أعلم عباده بها وبين من أحوالها وأهوالها وما يشفي ويكفي فيما أوحاه إلى رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، من الكتاب والسنة .
وأما إخفاء القرب فهو أن لا يذكر الله تعالى للخلق شيئاً من علاماتها الدالة على قربها وهي أشراطها ولكن رحمة الرب الواسعة اقتضت أن يبين للخلق قرب قيامها بما يظهره من العلامات الدالة عليه ليزدادوا بذلك إيماناً ويستعدوا لها بالعمل الصالح المبني على الإخلاص لله تعالى والمتابعة لرسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وفي كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، من أشراط الساعة ما يتبين به قربها إجمالاً تارة وتفصيلاً تارة أخرى.
وأما إخفاء الوقوع فهو أن لا يذكر الله تعالى للخلق وقتاً محدوداً تقوم فيه الساعة وهذا هو مادل عليه الكتاب والسنة فليس في الكتاب والسنة تحديد لوقت قيام الساعة بل فيهما النص الصريح الذي لا يحتمل التأويل بأن علم ذلك موكول إلى الله تعالى لا يعلم به ملك مقرب ولا نبي مرسل وكل ما قيل في توقع وقت قيام الساعة فهو ظن وتخمين باطل مردود على قائله لمخالفته كتاب الله تعالى وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ص 189 ج35 مجموع الفتاوى أثناء جواب له عن المنجمين قال: ووافقهم على ذلك من زعم أنه استخرج بقاء هذه الملة من حساب الجمل الذي للحروف التي في أوائل السور وهي مع حذف التكرير أربعة عشر حرفاً وحسابها في الجملة الكثير (كذا في الكتاب) ستمائة وثلاثة وتسعون . ومن هذا أيضاً ما ذكر في التفسير أن الله تعالى لما أنزل }آلم{ قال بعض اليهود : بقاء هذه الملة إحدى وثلاثون فلما أنزل بعد ذلك }آلر{ و }آلمر{ قالوا: خلط علينا فهذه الأمور التي توجد في ضلال اليهود والنصارى وضلال المشركين والصابئين من المتفلسفة والمنجمين مشتملة من هذا الباطل على مالا يعلمه إلا الله تعالى وهذه الأمور وأشباهها خارجة عن الإسلام محرمة فيه، فيجب إنكارها والنهي عنها على المسلمين على كل قادر بالعلم والبيان واليد واللسان فإن ذلك من أعظم ما أوجبه الله تعالى من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر . وهؤلاء وأشباههم أعداء الرسل وسوس الملل ولا ينفق الباطل إلا بثوب من الحق أ هـ . كلام الشيخ رحمه الله تعالى.
وعلى هذا فينزل قوله تعالى : }أكاد أخفيها{ على النوع الثاني إخفاء القرب فإنه سبحانه لم يخفها الإخفاء المطلق بترك ذكرها ، ولم يبينها البيان المطلق بذكر متى قيامها ، وإنما بين لهم علاماتها وهي أشراطها ، وأخفى عليهم علم قيامها وهذا مقتضى حكمته ورحمته ، فإنه تعالى لو أبانه للناس لحصل لهم من الشر والفساد وتعطل المصالح مالا يعلمه إلا الله ، خصوصاً من كانوا قريبين من النهاية ، ولكن الرب جل وعلا أخفى ذلك كما أخفى علم كل إنسان بنهاية حياته لئلا يستحسر ويدع العمل خصوصاً عند قرب حلول أجله . ومن تأمل ما أبانه الله تعال لخلقه من أمور الغيب وما أخفاه عليهم تبين له من حكمة الله ورحمته ما يبهر عقله ويعلم به أن لله الحكمة البالغة والرحمة الواسعة فيما أبان وما أخفى ، }فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين . وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم{([3]) وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
حرره الفقير إلى الله تعالى كاتبه محمد الصالح العثيمين في شهر رجب عام 1405هـ .


(1) سورة الكهف، الآيات "93-98" .

(1) سورة المائدة، الآية " 3 " .

(1) سورة الأنفال، الآية "42" .

(2) سورة المنافقون، الآية "4" .

(3) سورة المنافقون، الآية "4" .

(1) سورة الأنعام ، الآيتان "29-30" .
(2) سورة المطففين، الآيات "10-17".
(3) سورة الفرقان ، الآية "11" .



(1) سورة العنكبوت ، الآية "23" .

(2) سورة الروم ، الآية "27" .

(3) سورة الأنبياء ، الآية "104" .

(4) سورة غافر ، الآية "57".

(5) سورة الأحقاف ، الآية "33".

(1) سورة يس، الآيتان "81-82".

(2) سورة فصلت ، الآية "39" .

(3) سورة البقرة ، الآية "259"

(1) سورة المؤمنون ، الآيتان "15-16"

(2) سورة طه ، الآية "15"

(3) سورة النحل، الآيات "38-40"

(4) سورة التغابن ، الآية "7".

(1) سورة الشعراء، الآية " 227 " .

(1) سورة عبسى ، الآية "21" .

(2) سورة المؤمنون ، الآية "100" .

(1) سورة المؤمنون ، الآيتان "99-100 .

(2) سورة لقمان ، الآية "34" .

(1) سورة غافر ، الآية "46" .

(2) سورة الأنعام ، الآية "93" .

(1) سورة غافر ، الآية "46" .

(1) سورة الإسراء ، الآية "44" .

(1) سورة غافر ، الآية "84" .

(1) سورة النساء ، الآية "65".

(1) سورة الأعراف ، الآية "29" .

(2) سورة الروم ، الآية "27" .

(1) سورة المدثر ، الآيات "39-46" .

(1) سورة المائدة ، الآية "93" .

(2) سورة الأعراف ، الآية "32" .

(3) سورة هود الآية "18" .

(1) سورة المعارج ، الآيات "1-4" .

(2) سورة الفرقان ، الآية "26" .

(3) سورة المدثر ، الآيتان "9-10".

(1) سورة السجدة، الآية "17" .

(2) سورة طه ، الآية "5" .

(1) سورة الحاقة، الآية "25" .

(2) سورة الانشقاق الآية "10" .

(1) سورة الأنبياء ، الآية "47" .

(2) سورة الأعراف ، الآية "6" .

(1) سورة النجم، الآية "26".

(2) سورة البقرة ، الآية "255" .

(3) سورة طه ، الآية "109" .

(1) سورة الأنبياء ، الآية "28" .

(2) سورة الإسراء ، الآية "79" .

(1) سورة المدثر ، الآية "48" .

(2) سورة يونس ، الآية "18" .

(1) سورة الطور ، الآية "21" .

(2) سورة آل عمران ، الآية "133" .

(2) سورة آل عمران ، الآية "133" .

(1) سورة البقرة ، الآية "35" .

(2) سورة فصلت ، الآيتان "31-32" .

(3) سورة الزخرف ، الآية "71" .

(1) سورة غافر ، الآية "8" .

(2) سورة فصلت ، الآيتان "31-32".

(3) سورة الزخرف ، الآية "71" .

(1) سورة آل عمران، الآية "131" .

(2) سورة آل عمران، الآية "132" .

(1) سورة النساء ، الآيتان " 168–169" .

(2) سورة الأحزاب، الآيتان "64 –65 " .

(3) سورة الجن ، الآية "23" .

(1) سورة الزخرف ، الآيتان " 77 -78 " .

(2) سورة النساء، الآية "56" .

(3) سورة الكهف ، الآية "29" .

(4) سورة محمد ، الآية "15" .

(1) سورة الأنفال، الآية "50" .

(2) سورة المطففين ، الآية "7".

(1) انظر الفتوى رقم "154" .

(2) سورة الأعراف ، الآية "40" .

(1) سورة هود ، الآية "123" .
(2) سورة النحل ، الآية "77".
(3)سورة الأنعام ، الآية "59" .
(4) سورة سبأ ، الآية "48" .
(5) سورة النمل ، الآية "65" .

(6) سورة الجن ، الآييات "25-27".
(7) سورة لقمان ، الآية "34" .

(8) سورة الأعراف ، الاية "187" .

(10) سورة الأنعام ، الآية "59" .

(1) سورة الأحزاب ، الآية "63"

(2) سورة الزخرف ، الآية "85" .

(3) سورة الناز0000عات ، الآيات "42-44"

(4) سورة طه ، الآية "15" .

(2) سورة آل عمران، الآية "7 ".

([3]) سورة الجاثية، الآيات (36، 37) .










قديم 2012-06-09, 21:59   رقم المشاركة : 8
معلومات العضو
borter
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

لااله الاالله محمدرسول الله










قديم 2012-06-09, 22:00   رقم المشاركة : 9
معلومات العضو
borter
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

لااله الاالله محمدرسول الله الله اكبر










قديم 2012-06-10, 14:08   رقم المشاركة : 10
معلومات العضو
pound
عضو جديد
 
إحصائية العضو










افتراضي

شكرا لك اخي وبارك فيك وجزيت خيرا










قديم 2012-06-10, 18:23   رقم المشاركة : 11
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

القضاء و القدــــــــــــــــدر


(190) وسئل فضيلة الشيخ : عمن لا يحب دراسة العقيدة خصوصاً مسألة القدر خوفاً من الزلل؟
فأجاب بقوله :هذه المسألة كغيرها من المسائل المهمة التي لا بد للإنسان منها في دينه ودنياه لا بد أن يخوض غمارها وأن يستعين بالله تبارك وتعالى – على تحقيقها ومعرفتها حتى يتبين له الأمر ، لأنه لا ينبغي أن يكون على شك في هذه الأمور المهمة ، أما المسائل التي لا تخل بدينه لو أجلها ويخشى أن تكون سبباً لانحرافه، فإنه لا بأس أن يؤجلها ما دام غيرها أهم منها، ومسائل القدر من الأمور المهمة التي يجب على العبد أن يحققها تماماً حتى يصل فيها إلى اليقين ، وهي في الحقيقة ليس فيها إشكال - ولله الحمد - ، والذي يثقل دروس العقيدة على بعض الناس هو أنهم مع الأسف الشديد يرجحون جانب "كيف" على جانب "لم" والإنسان مسؤول عن عمله بأداتين من أدوات الاستفهام "لم" و "كيف" فلم عملت كذا؟ هذا الإخلاص . كيف عملت كذا ؟ هذا المتابعة للرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وأكثر الناس الآن مشغولون بتحقيق جواب "كيف" غافلون عن تحقيق جواب "لم" ولذلك تجدهم في جانب الإخلاص لا يتحرون كثيراً ، وفي جانب المتابعة يحرصون على أدق الأمور ، فالناس الآن مهتمون كثيراً بهذا الجانب ،غافلون عن الجانب الأهم وهو جانب العقيدة وجانب الإخلاص وجانب التوحيد ، لهذا تجد بعض الناس في مسائل الدنيا يسأل عن مسألة يسيرة جداً جداً وقلبه منكب على الدنيا غافل عن الله مطلقاً في بيعه وشرائه، ومركوبه ، ومسكنه ، وملبسه ، فقد يكون بعض الناس الآن عابداً للدنيا وهو لا يشعر ، وقد يكون مشركاً بالله في الدنيا وهو لا يشعر ، لأنه مع الأسف أن جانب التوحيد وجانب العقيدة لايهتم بهما ليس من العامة فقط ، ولكن حتى من بعض طلاب العلم وهذا أمر له خطورته ، كما أن التركيز على العقيدة فقط بدون العمل الذي جعله الشارع كالحامي والسور لها خطأ أيضاً ، لأننا نسمع في الإذاعات ونقرأ في الصحف التركيز على أن الدين هو العقيدة السمحاء وما أشبه ذلك من هذه العبارات وفي الحقيقة أن هذا يخشى أن يكون باباً يلج منه من يلج في استحلال بعض المحرمات بحجة أن العقيدة سليمة، ولكن لا بد من ملاحظة الأمرين جميعاً ليستقيم الجواب على "لم" وعلى "كيف" .
وخلاصة الجواب : أنه يجب على المرء دراسة علم التوحيد والعقيدة ؛ ليكون على بصيرة في إلهه ومعبوده – جل وعلا – على بصيرة في أسماء الله وصفاته ، وأفعاله ، على بصيرة في أحكامه الكونية ، والشرعية ، على بصيرة في حكمته ، وأسرار شرعه وخلقه ، حتى لا يضل بنفسه أو يضل غيره . وعلم التوحيد هو أشرف العلوم لشرف متعلقه ولهذا سماه أهل العلم (الفقه الأكبر) وقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين" وأول ما يدخل في ذلك وأولاه علم التوحيد والعقيدة ، لكن يجب على المرء أيضاً أن يتحرى كيف يأخذ هذا العلم ومن أي مصدر يتلقاه ، فليأخذ من هذا العلم أولاً ما صفا منه وسلم من الشبهات ثم ينتقل ثانياً إلى النظر فيما أورد عليه من البدع والشبهات؛ ليقوم بردها وبيانها مما أخذه من قبل من العقيدة الصافية ، وليكن المصدر الذي يتلقاه منه كتاب الله وسنة رسوله ، صلى الله عليه وسلم ، ثم كلام الصحابة –رضي الله عنهم- ثم ما قاله الأئمة بعدهم من التابعين وأتباعهم ، ثم ما قاله العلماء الموثوق بعلمهم وأمانتهم ؛ خصوصاً شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم عليهما وعلى سائر المسلمين وأئمتهم سابغ الرحمة والرضوان.
(191) وسئل فضيلة الشيخ : ما الفرق بين القضاء والقدر؟
فأجاب بقوله :اختلف العلماء في الفرق بينهما فمنهم من قال : إن القدر "تقدير الله في الأزل" والقضاء "حكم الله بالشيء عند وقوعه" فإذا قدر الله –تعالى – أن يكون الشيء المعين في وقته فهذا قدر ، فإذا جاء الوقت الذي يكون فيه هذا الشيء فإنه يكون قضاء ، وهذا كثير في القرآن الكريم مثل قوله-تعالى-:}قضي الأمر{(1) وقوله : }والله يقضي بالحق{(2) وما أشبه ذلك . فالقدر تقدير الله –تعالى- الشيء في الأزل ، والقضاء قضاؤه به عند وقوعه.
ومنهم من قال : إنهما بمعنى واحد.
والراجح أنهما إن قرنا جميعاً فبينهما فرق كما سبق ، وإن أفرد أحدهما عن الآخر فهما بمعنى واحد والله أعلم .
(191) وسئل فضيلة الشيخ : هل بين القضاء والقدر عموم وخصوص؟
فأجاب بقوله :القضاء إذا أطلق شمل القدر، والقدر إذا أطلق شمل القضاء ، ولكن إذا قيل : القضاء والقدر صار بينهما فرق وهذا كثير في اللغة العربية تكون الكلمة لها معنى شامل عند الانفراد و معنى خاص عند الاجتماع ويقال في مثل ذلك: "إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا" فالقضاء والقدر الصحيح أنهما من هذا النوع يعني أن القضاء إذا أفرد شمل القدر . والقدر إذا أفرد شمل القضاء ، لكن إذا اجتمعا فالقضاء " ما يقضيه الله في خلقه من إيجاد ، أو إعدام ، أو تغيير" والقدر "ما قدره الله-تعالى- في الأزل" هذا هو الفرق بينهما فيكون القدر سابقاً والقضاء لاحقاً .
(193) سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين-: عن الإيمان بالقضاء والقدر؟
فأجاب قائلا : الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله، صلى الله عليه وسلم ، لجبريل حين سأله عن الإيمان . والإيمان بالقدر أمر هام جداً ، وقد تنازع الناس في القدر من زمن بعيد حتى في عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، كان الناس يتنازعون فيه ويتمارون فيه ، وإلى يومنا هذا والناس يتنازعون فيه ، ولكن الحق فيه –ولله الحمد –واضح بين لا يحتاج إلى نزاع ومراء ، فالإيمان بالقدر أن تؤمن بأن الله سبحانه وتعالى – قد قدر كل شيء كما قال- تعالى -: } وخلق كل شيء فقدره تقديراً{(1) وهذا التقدير الذي قدره الله- عز وجل – تابع لحكمته وما تقتضيه تلك الحكمة من غايات حميدة ، وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم . ويدور الإيمان بالقدر علي الايمان بأربع مراتب:
المرتبة الأولى: العلم ، وذلك أن تؤمن إيماناً كاملاً بأن الله ـ سبحانه وتعالى – قد أحاط بكل شيء علماً ، أحاط بكل شيء مما مضى ، ومما هو حاضر ، ومما هو مستقبل ، سواء كان ذلك مما يتعلق بأفعاله –عز وجل – أو بأفعال عباده فهو محيط بها جملة وتفصيلاً بعلمه الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً ، وأدلة هذه المرتبة كثيرة في القرآن والسنة قال الله تعالى-: }إن الله لا يخفي عليه شيء في الأرض ولا في السماء{(1) . وقال –تعالى- : }وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين{(2) . وقال عز وجل : } ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه{(3) وقال – سبحانه وتعالى-: }والله بما تعملون عليم{(4) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على علم الله – سبحانه وتعالى – بكل شيء جملة وتفصيلاً ، وهذه المرتبة من الإيمان بالقدر من أنكرها فهو كافر ؛ لأنه مكذب لله ولرسوله ، صلى الله عليه وسلم ، وإجماع المسلمين ، وطاعن في كمال الله عز وجل لأن ضد العلم إما الجهل ، وإما النسيان ، وكلاهما عيب ، وقد قال الله تعالى – عن موسى ، عليه السلام ، حينما سأله فرعون: }فما بال القرون الأولى . قال علمها عند ربي في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى{(5) فهو }لا يضل{ أي لا يجهل شيئاً مستقبلاً ، }ولا ينسى{ شيئاً ماضياً –سبحانه وتعالى-.
المرتبة الثانية: الإيمان بأن الله – سبحانه وتعالى- كتب مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة فإنه –عز وجل – حينما خلق القلم قال له: "اكتب قال: ربي وماذا اكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة" . فكتب الله –عز وجل- في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء ، وقد دل على هذه المرتبة قوله –تعالى ـ : }ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير{(1) . قال : }إن ذلك في كتاب{ أي مكتوب في كتاب ، وهو اللوح المحفوظ }إن ذلك على الله يسير{ ثم هذه الكتابة تكون مفصلة أحياناً ، فإن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر يبعث إليه ملك فيأمره بأربع كلمات بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد ، كما ثبت ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، ويكتب أيضاً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة كما قال الله-تعالى -: }إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين . فيها يفرق كل أمر حكيم . أمراً من عندنا إنا كنا مرسلين{(2) .
المرتبة الثالثة: الإيمان بأن كل ما في الكون فإنه بمشيئة الله ، فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله –عز وجل- سواء كان ذلك مما يفعله هو ـ عز وجل ـ أو فيما يفعله المخلوق قال الله –تعالى- : }ويفعل الله ما يشاء{(3) وقال –تعالى-: }ولو شاء لهداكم أجمعين{(4) وقال: }ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة{(1) وقال- عز وجل- : }إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد{(2) إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن فعله واقع بمشيئته ، وكذلك أفعال الخلق واقعة بمشيئته كما قال-تعالى-: }ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد{(3) وهذا نص صريح في أن أفعال العبيد قد شاءها الله-عز وجل- ولو شاء الله أن لا يفعلوا لم يفعلوا .
المرتبة الرابعة: الإيمان بأن الله –تعالى-خالق كل شيء فالله عز وجل هو الخالق ، وما سواه مخلوق ، فكل شيء فالله خالقه ، فالمخلوقات مخلوقة لله-عز وجل – وما يصدر منها من أفعال وأقوال مخلوقة لله-عز وجل – أيضاً لأن أفعال الإنسان وأقواله من صفاته ، فإذا كان الإنسان مخلوقاً كانت صفاته أيضاً مخلوقة لله – عز وجل- ويدل لذلك قوله تعالى: }ولله خلقكم وما تعملون{(4) وقد اختلف الناس في }ما{ هنا هل هي مصدرية أو موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل الإنسان مخلوق لله –عز وجل- هذه أربع مراتب لا يتم الإيمان بالقدر إلا بالإيمان بها.
ثم اعلم أن الإيمان بالقدر لا ينافي فعل الأسباب ، بل إن فعل الأسباب مما أمر به الشرع، وهو حاصل بالقدر ؛ لأن الأسباب تنتج عنها مسبباتها ، ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب –رضي الله عنه- إلى الشام علم في أثناء الطريق أنه قد وقع فيها الطاعون، فاستشار الصحابة ـ رضي الله عنهم – هل يستمر ويمضي في سيره أو يرجع إلى المدينة؟ فاختلف الناس عليه ، ثم استقر رأيهم على أن يرجع إلى المدينة ، ولما عزم على ذلك جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه –يجله ويقدره فقال : يا أمير المؤمنين "كيف ترجع إلى المدينة أفراراً من قدر الله" ؟ فقال عمر –رضي الله عنه-: "نفر من قدر الله إلى قدر الله" وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف" ـ رضي الله عنه-وكان غائباً في حاجة له فحدثهم أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال عن الطاعون : "إذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليها" . والحاصل أن في قول عمر –رضي الله عنه- : " نفر من قدر الله إلى قدر الله" دليلاً على أن اتخاذ الأسباب من قدر الله-عز وجل-ونحن نعلم أن الرجل لو قال : أنا مؤمن بقدر الله وسيرزقني الله ولداً بدون زوجة لو قال هذا لعد من المجانين ، كما أنه لو قال : أنا أومن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق ولم يتخذ أي سبب للرزق لعد ذلك من السفه، فالإيمان بالقدر إذاً لا ينافي الأسباب الشرعية أو الحسية الصحيحة ، أما الأسباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب وليست كذلك فهذه لا عبرة بها ولا يلتفت إليها.
ثم اعلم أنه يرد على الإيمان بالقدر إشكال –وليس بإشكال في الواقع –وهو أن يقول قائل : إذا كان فعلي من قدر الله –عز وجل-فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله-عزوجل-؟
والجواب على ذلك أن يقال: لا حجة لك على المعصية بقدر الله؛ لأن الله-عز وجل – لم يجبرك على المعصية، وأنت حين أقدمت عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرة عليك ؛ لأن الإنسان لا يعلم بالمقدر إلا بعد وقوع الشيء ، فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل المعصية أن الله قدر لك الطاعة فتقوم بطاعته؟! وكما أنك في أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أن فيه خيراً وتهرب مما ترى فيه شراً ، فلماذا لا تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الآخرة ؟! ولا أعتقد أن أحداً يسلك الطريق الصعب ،ويقول : إن هذا قد قدر لي ،بل سوف يسلك الطريق المأمون الميسر ، ولا فرق بين هذا وبين أن يقال : لك للجنة طريق وللنار طريق فإنك إذا سلكت طريق النار فأنت كالذي سلك الطريق المخوف الوعر ، فلماذا ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم وتدع طريق النعيم؟! ولو كان للإِنسان حجة بالقدر على فعل المعصية لم تنتف هذه الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله-تعالى-: }رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون الناس على الله حجة بعد الرسل{.(1)
واعلم أن للإيمان بالقدر ثمرات جليلة على سير الإنسان وعلى قلبه لأنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره فإنك عند السراء تشكر الله ـ عز وجل- ولا تعجب بنفسك ولا ترى أن هذا الأمر حصل منك بحولك وقوتك ، ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت السبب الذي نلت به ما يسرك وأن الفضل بيد الله – عز وجل- فتزداد بذلك شكراً لنعم الله ـ سبحانه وتعالى –ويحملك هذا على أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك الله به، وأن لا ترى لنفسك فضلاً على ربك ، بل ترى المنة لله – سبحانه وتعالى –عليك قال الله- تعالى-: }يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للإيمان إن كنتم صادقين{.(2)
كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله – عز وجل –وتستسلم ولا تندم على ذلك ، ولا تلحقك الحسرة ، ألم تر إلى قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير ، احرص على ما ينفعك ،واستعن بالله ، ولا تعجزن ، وإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت كذا لكان كذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان" . فالإيمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب، وعدم الحزن على مافات ، وعدم الغم والهم لما يستقبل قال الله-تعالى-: }ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير . لكي لا تأسوا على مافاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم{(1) والذي لا يؤمن بالقدر لا شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم ، ويفتح الشيطان له كل باب ، وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر إذا أصابته السراء لكن الإيمان بالقدر يمنع هذا كله.
194- سئل فضيلة الشيخ: عن مسألة القدر ؟ وهل أصل الفعل مقدر والكيفية يخير فيها الإنسان؟ مثال ذلك إذا قدر الله –تعالى –للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني لا محالة لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء، وكذلك المعصية إذا قدرها الله فأن، الإنسان سيفعلها لا محالة، لكن ترك لعقله كيفية تنفيذها ، وخلاصة هذا الرأي أن الإنسان مخير في الكيفية التي ينفذ بها ما قدر عليه فهل هذا صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله : هذه المسألة –أي مسألة القدر– محل جدل بين البشر من قديم الزمان ، ولذلك انقسم الناس فيها إلى ثلاثة أقسام طرفين ووسط. أما الطرفان :
فأحدهما : نظر إلى عموم قدر الله فعمي عن اختيار العبد . وقال: إنه مجبر على أفعاله ، وليس له فيها أي اختيار، فسقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها كنزوله منه مختاراً من الدرج.
وأما الطرف الثاني: فنظر إلى أن العبد فاعل تارك باختياره ، فعمي عن قدر الله وقال: إن العبد مستقل بأفعاله ، ولا تعلق لقدر الله تعالى فيها.
وأما الوسط فأبصروا السببين ، فنظروا إلى عموم قدر الله-تعالى-وإلى اختيار العبد، فقالوا : إن فعل العبد كائن بقدر الله –تعالى –وباختيار العبد، وإنه يعلم بالضرورة الفرق بين سقوط الإنسان من السقف بالريح ونحوها، ونزوله منه مختاراً من الدرج، فالأول من فعله بغير اختياره ،والثاني باختياره، والكل منهما واقع بقضاء الله وقدره لا يقع في ملكه مالا يريد، لكن ما وقع باختيار العبد فهو مناط التكليف، ولا حجة له بالقدر في مخالفة ما كلف به من أوامر أو نواه ، وذلك لأنه يقدم على المخالفة حين يقدم عليها وهو لا يعلم ما قدر الله عليه ، فيكون إقدامه الاختياري على المخالفة هو سبب العقوبة سواء كانت في الدنيا أم في الآخرة ، ولذلك لو أجبره مجبر على المخالفة،لم يثبت عليه حكم المخالفة ولا يعاقب عليها لثبوت عذره حينئذ. وإذا كان الإنسان يدرك أن هروبه من النار إلى موضع يأمن فيه منها يكون باختياره ، وأن تقدمه إلى بيت جميل واسع طيب المسكن ليسكنه يكون باختياره أيضاً ، مع إيمانه أن هروبه وتقدمه المذكورين واقعان بقضاء الله وقدره، وأن بقاءه لتدركه النار، وتأخره عن سكنى البيت يعد تفريطاً منه وإضاعة للفرصة يستحق اللوم عليه؛ فلماذا لا يدرك هذا بالنسبة لتفريطه بترك الأسباب المنجية له من نار الآخرة الموجبة لدخوله الجنة ؟ !
وأما التمثيل بأن الله إذا قدر للعبد أن يبني مسجداً فإنه سيبني هذا المسجد لا محالة ، لكنه ترك لعقله الخيار في كيفية البناء ، فهذا تمثيل غير صحيح ، لأنه يوحي بأن كيفية البناء يستقل بها العقل ولا تدخل في قدر الله –تعالى- ، وأن اصل فكرة البناء يستقل بها القدر ولا مدخل للاختيار فيها . والحقيقة أن أصل فكرة البناء تدخل في اختيار العبد لأنه لم يجبر عليها ، كما لا يجبر على فكرة إعادة بناء بيته الخاص أو ترميمه مثلاً ، ولكن هذه الفكرة قد قدرها الله-تعالى-للعبد من حيث لا يشعر ، لأنه لا يعلم بأن الله قدر شيئاً ما حتى يقع ذلك الشيء ، إذ القدر سر مكتوم لا يعلم إلا بإطلاع الله- تعالى- عليه بالوحي أو بالوقوع الحسي . وكذلك كيفية البناء هي بقدرـ ، فإن الله – تعالى - قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً ، ولا يمكن أن يختار العبد ما لم يُرِدْه أو يقدره بل إذا اختار العبد شيئاً وفعله علم يقيناً أن الله – تعالى – قد قضاه وقدره . فالعبد مختار بحسب الأسباب الحسية الظاهرة التي قدرها الله تعالى ، أسباباً لوقوع فعله ، ولا يشعر العبد حين يفعل الفعل بأن أحداً أجبره عليه ، لكنه إذا فعل ذلك بحسب الأسباب التي جعلها الله – تعالى – أسباباً علمنا يقيناً بأن الله تعالى، قد قدرها جملة وتفصيلاً .
وهكذا نقول في التمثيل بفعل الإنسان المعصية حيث قلتم : إن الله قدر عليه فعل المعصية فهو سيفعلها لا محالة ، ولكن ترك لعقله كيفية تنفيذها والسعي إليها.
فنقول فيه ما قلناه في بناء المسجد: إن تقدير الله –تعالى – عليه فعل المعصية لا ينافي اختياره لها ، لأنه حين اختياره لها لا يعلم بما قدر الله تعالى عليه ، فهو يقدم عليها مختاراً لا يشعر بأن أحداً يجبره ، لكنه إذا أقدم وفعل علمنا أن الله قد قدر فعله لها ، وكذلك كيفية تنفيذ المعصية والسعي إليها الواقعة باختيار العبد ، لا تنافي قدر الله – تعالى – فالله – تعالى –قد قدر الأشياء كلها جملة وتفصيلاً وقدر أسبابها الموصلة إليها ، ولا يشذ عن ذلك شيء من أفعاله ، ولا من أفعال العباد الاختيارية منها والاضطرارية ، كما قال الله –تعالى - : }ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير{(1) . وقال – تعالى- : }وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا شياطين الإِنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ولو شاء ربك ما فعلوه فذرهم وما يفترون{ .(2) وقال: }وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون{(3) . وقال: }ولو شاء الله ما اقتتل الذين من بعدهم من بعد ما جاءتهم البينات ولكن اختلفوا فمنهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ما اقتتلوا{(4) وبعد فإن الجدير بالمرء ألا يبحث في نفسه ولا مع غيره في مثل هذه الأمور التي توجب له التشوش ، وتوهم معارضة الشرع بالقدر،فإن ذلك ليس من دأب الصحابة –رضي الله عنهم – وهم أحرص الناس على معرفة الحقائق وأقربهم من معين إرواء الغلة ، وكشف الغمة ، وفي صحيح البخاري عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه- أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار" . فقلنا : يا رسول الله أفلا نتكل ؟ (وفي رواية أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل؟) قال: "لا اعملوا فكل ميسر " . وفي رواية "اعملوا فكل ميسر لما خلق له ، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة . وأما من كان من أهل الشقاوة فييسر لعمل أهل الشقاوة" . ثم قرأ : }فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى . وكذب بالحسنى . فسنيسره للعسرى { . (5) فنهى النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عن الاتكال على الكتاب وترك العمل ، لأنه لا سبيل إلى العلم به ، وأمر بما يستطيعه العبد ويمكنه ، وهو العمل واستدل بالآية التي تدل على أن من عمل صالحاً وآمن فسييسر لليسرى ، وهذا هو الدواء الناجع المثمر ، الذي يجد فيه العبد بلوغ عافيته وسعادته ، حيث يشمر للعمل الصالح المبني على الإيمان ، ويستبشر بذلك حين يقارنه التوفيق لليسرى في الدنيا والآخرة . أسأل الله تعالى أن يوفقنا جميعاً للعمل الصالح، وأن ييسرنا لليسرى ويجنبنا العسرى ، ويغفر لنا في الآخرة والأولى، إنه جواد كريم.
(195) وسئل فضيلة الشيخ : هل الإنسان مخير أو مسير؟ .
فأجاب بقوله : على السائل أن يسأل نفسه هل أجبره أحد على أن يسأل هذا السؤال وهل هو يختار نوع السيارة التي يقتنيها؟ إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير .
ثم يسأل نفسه هل يصيبه الحادث باختياره؟
هل يصيبه المرض باختياره؟
هل يموت باختياره؟
إلى أمثال ذلك من الأسئلة وسيتبين له الجواب هل هو مسير أو مخير . والجواب: أن الأمور التي يفعلها الإنسان العاقل يفعلها باختياره بلا ريب واسمع إلى قول الله تعالى-: }فمن شاء اتخذ إلى ربه مآبًا{(1) وإلى قوله: }منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة{(2) وإلى قوله : }ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً{(3) وإلى قوله : }ففدية من صيام أو صدقة أو نسك{(4) حيث خير الفادي فيما يفدي به.
ولكن العبد إذا أراد شيئاً وفعله علمنا أن الله –تعالى –قد أراده –لقوله –تعالى-: }لمن شاء منكم أن يستقيم . وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين{(5) فلكمال ربوبيته لا يقع شيء في السموات والأرض إلا بمشيئته تعالى .
وأما الأمور التي تقع على العبد أو منه بغير اختياره كالمرض والموت والحوادث فهي بمحض القدر وليس للعبد اختيار فيها ولا إرادة. والله الموفق.









قديم 2012-06-10, 18:25   رقم المشاركة : 12
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(196) وسئل فضيلته : عن حكم الرضا بالقدر؟ وهل الدعاء يرد القضاء؟
فأجاب قائلاً: أما الرضا بالقدر فهو واجب لأنه من تمام الرضا بربوبية الله فيجب على كل مؤمن أن يرضى بقضاء الله ، ولكن المقضي هو الذي فيه التفصيل فالمقضي غير القضاء ، لأن القضاء فعل الله ، والمقضي مفعول الله فالقضاء الذي هو فعل الله يجب أن نرضى به ، ولا يجوز أبداً أن نسخطه بأي حال من الأحوال.
وأما المقضي فعلى أقسام :
القسم الأول: ما يجب الرضا به.
القسم الثاني: ما يحرم الرضا به.
القسم الثالث: ما يستحب الرضا به.
فمثلاً المعاصي من مقضيات الله ويحرم الرضا بالمعاصي ، وإن كانت واقعة بقضاء الله فمن نظر إلى المعاصي من حيث القضاء الذي هو فعل الله يجب أن يرضى ، وأن يقول : إن الله تعالى حكيم، ولولا أن حكمته اقتضت هذا ما وقع ، وأما من حيث المقضي وهو معصية الله فيجب ألا ترضى به والواجب أن تسعى لإزالة هذه المعصية منك أو من غيرك . وقسم من المقضي يجب الرضا به مثل الواجب شرعاً لأن الله حكم به كوناً وحكم به شرعاً فيجب الرضا به من حيث القضاء ومن حيث المقضي .
وقسم ثالث يستحب الرضا به ويجب الصبر عليه وهو ما يقع من المصائب ، فما يقع من المصائب يستحب الرضا به عند أكثر أهل العلم ولا يجب، لكن يجب الصبر عليه ، والفرق بين الصبر والرضا أن الصبر يكون الإنسان فيه كارهاً للواقع ، لكنه لا يأتي بما يخالف الشرع وينافي الصبر، والرضا لا يكون كارهاً للواقع فيكون ما وقع وما لم يقع عنده سواء ، فهذا هو الفرق بين الرضا والصبر ولهذا قال الجمهور: إن الصبر واجب ، والرضا مستحب.
أما قول السائل : هل الدعاء يرد القضاء؟

فجوابه : أن الدعاء من الأسباب التي يحصل بها المدعو ، وهو في الواقع يرد القضاء ولا يرد القضاء ، يعني له جهتان فمثلاً هذ1 المريض قد يدعو الله-تعالى-بالشفاء فيشفى، فهنا لولا هذا الدعاء لبقي مريضاً ، لكن بالدعاء شفي ، إلا أننا نقول : إن الله –سبحانه وتعالى- قد قضي بأن هذا المرض يشفى منه المريض بواسطة الدعاء فهذا هو المكتوب فصار الدعاء يرد القدر ظاهرياً ،حيث إن الإنسان يظن أنه لولا الدعاء لبقي المرض، ولكنه في الحقيقة لا يرد القضاء؛لأن الأصل أن الدعاء مكتوب وأن الشفاء سيكون بهذا الدعاء،هذا هو القدر الأصلي الذي كتب في الأزل ، وهكذا كل شيء مقرون بسبب فإن هذا السبب جعله الله - تعالى – سبباً يحصل به الشيء وقد كتب ذلك في الأزل من قبل أن يحدث.
(197) سئل فضيلة الشيخ: هل للدعاء تأثير في تغيير ما كتب للإنسان قبل خلقه؟
فأجاب بقوله : لا شك أن للدعاء تأثيراً في تغيير ما كتب ، لكن هذا التغيير قد كتب أيضاً بسبب الدعاء ، فلا تظن أنك إذا دعوت الله فإنك تدعو بشيء غير مكتوب، بل الدعاء مكتوب وما يحصل به مكتوب ، ولهذا نجد القارئ يقرأ على المريض فيشفى ، وقصة السرية التي بعثها النبي ، صلى الله عليه وسلم ، فنزلوا ضيوفاً على قوم ولكنهم لم يضيفوهم وقدر أن لدغت حية سيدهم فطلبوا من يقرأ عليه، فاشترط الصحابة أجرة على ذلك فأعطوهم قطيعاً من الغنم ، فذهب أحدهم فقرأ عليه الفاتحة ، فقام اللديغ كأنما نشط من عقال ، أي كأنه بعير فك عقاله ، فقد أثرت القراءة في شفاء المريض.
فللدعاء تأثير لكنه ليس تغييراً للقدر، بل هو مكتوب بسببه المكتوب، وكل شيء عند الله بقدر ، وكذلك جميع الأسباب لها تأثير في مسبباتها بإذن الله ، فالأسباب مكتوبة والمسببات مكتوبة.
(198) وسئل فضيلة الشيخ : هناك مشكلة ترد على بعض الناس وهي " كيف يعاقب الله على المعاصي وقد قدرها على الإنسان"؟
فأجاب قائلاً : هذه في الحقيقة ليست مشكلة وهي إقدام الإنسان على العمل السيئ ثم يعاقب عليه هذه ليست مشكلة؛ لأن إقدام الإنسان على العمل السيئ ، إقدام باختياره فلم يكن أحد شهر سيفه أمام وجهه وقال : اعمل هذا المنكر بل هو عمله باختياره والله – تعالى – يقول: ] إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً[(1) فالشاكر والكفور كلهم قد هداه الله السبيل وبينه له ووضحه له، ولكن من الناس من يختار هذا الطريق ومن الناس من لا يختاره ، وتوضيح ذلك أولاً بالإلزام ، وثانياً بالبيان أما الإلزام فإننا نقول للشخص : أعمالك الدنيوية وأعمالك الأخروية كلاهما سواء ، ويلزمك أن تجعلهما سواء ، ومن المعلوم أنه لو عرض عليك من أعمال الدنيا مشروعان أحدهما ترى لنفسك الخير فيه ، والثاني ترى لنفسك الشر فيه ، من المعلوم أنك تختار المشروع الأول الذي هو مشروع الخير ولا يمكن أبداً بأي حال من الأحوال أن تختار المشروع الثاني وهو مشروع الشر ، ثم تقول : إن القدر ألزمني به ، إذاً يلزمك في طريق الآخرة ما التزمته في طريق الدنيا ، ونقول : جعل الله أمامك من أعمال الآخرة مشروعين مشروعاً للشر وهو الأعمال المخالفة للشرع ، ومشروعاً للخير وهوالأعمال المطابقة للشرع، فإذا كنت في أعمال الدنيا تختار المشروع الخيري فلماذا لا تختار المشروع الخيري في أعمال الآخرة ، إنه يلزمك في عمل الآخرة أن تختار المشروع الخيري كما أنت التزمت في عمل الدنيا أن تسلك المشروع الخيري هذا طريق الإلزام.
أما طريق البيان فإننا نقول : كلنا يجهل ماذا قدر الله له قال الله –تعالى-: ]وما تدري نفس ماذا تكسب غداً[(1) فالإنسان حينما يقدم على العمل يقدم عليه باختيار منه ليس عن علم بأن الله قدره عليه وأرغمه عليه ولهذا قال بعض العلماء : "إن القدر سر مكتوم" ونحن جميعاً لا نعلم أن الله قدر كذا حتى يقع ذلك العمل ، فنحن إذاً حينما نقدم على العمل لا نقدم عليه على أساس أنه كتب لنا أو علينا، وإنما نقدم عليه باختيار ، وحينما يقع نعلم أن الله قدره علينا، ولذلك لا يقع احتجاج الإنسان بالقدر إلا بعد وقوع العمل ، ولكنه لا حجة له بذلك ويذكر عن أمير المؤمنين عمر قصة – قد تصح عنه وقد لا تصح – رفع إليه سارق تمت شروط القطع في سرقته فلما أمر أمير المؤمنين بقطع يده قال: مهلاً يا أمير المؤمنين والله ما سرقت ذلك إلا بقدر الله. قال له : ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله . فاحتج عليه أمير المؤمنين بما احتج به هو على سرقته من أموال المسلمين ، مع أن عمر يمكنه أن يحتج عليه بالقدر والشرع ، لأنه مأمور بقطع يده ، أما ذاك فلا يمكن أن يحتج إلا بالقدر إن صح أن يحتج به.
وعلى هذا فإنه لا يمكن لأي أحد أن يحتج بالقدر على معصية الله ، وإنه في الواقع لا حجة فيه يقول الله عز وجل - : ] رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ فالله يقول : ] لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ مع أن ما يعمله الناس بعد الرسل هو بقدر الله ، ولو كان القدر حجة ما زالت بإرسال الرسل أبداً . بهذا يتبين لنا أثراً ونظراً أنه لا حجة للعاصي بقضاء الله وقدره ، لأنه لم يجبر على ذلك . والله الموفق.
(199) وسئل فضيلته : هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟
فأجاب بقوله: كل شيء منذ خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب في اللوح المحفوظ لأن الله – سبحانه وتعالي ـ أول ما خلق القلم قال له: "اكتب قال : ربي وماذا أكتب ؟ قال: اكتب ما هو كائن فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة" . وثبت عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن الجنين في بطن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر ، بعث الله إليه ملكاً ينفح فيه الروح ويكتب رزقه، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد .
والرزق أيضاً مكتوب مقدر بأسبابه لا يزيد ولا ينقص ، فمن الأسباب أن يعمل الإنسان لطلب الرزق كما قال الله –تعالى- : ]هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور[(1) ومن الأسباب أيضاً صلة الرحم من بر الوالدين ،وصلة القرابات، فإن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" ومن الأسباب تقوى الله-عز وجل – كما قال- تعالى -: ]ومن يتق الله يجعل له مخرجاً . ويرزقه من حيث لا يحتسب[(2) . ولا تقل : إن الرزق مكتوب ومحدد ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه فإن هذا من العجز : والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك ، ولما ينفعك في دينك ودنياك قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني" . وكما أن الرزق مكتوب مقدر بأسبابه فكذلك الزواج مكتوب مقدر ، وقد كتب لكل من الزوجين أن يكون زوج الآخر بعينه ، والله –تعالى – لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
(200) وسئل فضيلته: هل الكفار مكتوب عملهم في الأزل؟ وإذا كان كذلك فكيف يعذبهم الله-تعالى-؟
فأجاب فضيلته بقوله : نعم الكفار مكتوب عملهم في الأزل ، ويكتب عمل الإنسان أيضاً عند تكوينه في بطن أمه كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : حدثنا رسول الله ، صلى الله عليه وسلم ، وهو الصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه –أربعين يوماً ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أم سعيد". فأعمال الكفار مكتوبة عند الله –عز وجل-معلومة عنده والشقي شقي عند الله – عز وجل ـ في الأزل ، والسعيد سعيد عند الله في الأزل. ولكن قد يقول قائل كما قال السائل : كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟
فنقول : إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة وبين لهم الطريق، فأرسلت إليهم الرسل ، وأنزلت الكتب ، وبين الهدى من الضلال ورُغِّبوا في سلوك طريق الهدى، وحُذِّروا من سلوك طريق الضلال ، ولهم عقول ولهم إرادات ، ولهم اختيارات ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضاً يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار ، ولا نجد أحداً منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه أو يتهاون ويتكاسل في أمر نافع له ، ثم يقول : إن هذا مكتوب علي. أبداً فكل يسعى إلى ما فيه المنفعة ، فكان عليهم أن يسعوا إلى ما فيه منفعة أمور دينهم كما يسعون إلى ما فيه المنفعة في أموردنياهم ، ولا فرق بينهما بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل ، عليهم الصلاة والسلام ، أكثر وأعظم من بيان الأمور الدنيوية ، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم .
ثم نقول : هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أبداً أن أحد أكرهه، بل هو يشعر أنه فعل ذلك بإرادته واختياره ، فهل كان حين إقدامه على الكفر عالماً بما كتب الله له؟ والجواب: لا . لأننا نحن لا نعلم أن الشيء مقدر علينا إلا بعد أن يقع ، أما قبل أن يقع فإننا لا نعلم ماذا كتب لأنه من علم الغيب.
ثم نقول له : الآن أنت قبل أن تقع في الكفر أمامك شيئان : هداية وضلال فلماذا لا تسلك طريق الهداية مقدراً أن الله كتبه لك؟ لماذا تسلك طريق الضلال ثم بعد أن تسلكه تحتج بأن الله كتبه؟! لأننا نقول : لك قبل أن تدخل هذا الطريق هل عندك علم أنه مكتوب عليك ؟ فسيقول : لا . ولا يمكن أن يقول : نعم . فإذا قال : لا. قلنا : إذاً لماذا لم تسلك طريق الهداية وتقدر أن الله تعالى –كتب لك ذلك ولهذا يقول الله –عز وجل-: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[(1) ويقول : –عز وجل -] فأما من أعطى . واتقى وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسني . فسنيسره للعسرى[(2) ولما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام أصحابه: بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: "لا ، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ قوله –تعالى -: ] فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره لليسرى . وأما من بخل واستغنى . وكذب بالحسنى . فسنيسره للعسرى[ .
فهذا جوابنا على هذا السؤال الذي أورده هذا السائل وما أكثر من يحتج به من أهل الضلال ، وهو عجب منهم لأنهم لا يحتجون بمثل هذه الحجة على مسائل الدنيا أبداً ، بل تجدهم يسلكون في مسائل الدنيا ما هو أنفع لهم ، ولا يمكن لأحد أن يقال له : هذا الطريق الذي أمامك طريق وعر صعب، فيه لصوص ، وفيه سباع ، وهذا الطريق الثاني طريق سهل ، ميسر آمن. لا يمكن لأحد أن يسلك الطريق الأول ويدع الطريق الثاني مع أن هذا نظير الطريقين : طريق النار،وطريق الجنة. فالرسل بينت طريق الجنة وقالت : هو هذا ، وبينت طريق النار وقالت : هو هذا ، وحذرت من الثاني ورغبت في الأول ، ومع ذلك فإن هؤلاء العصاة يحتجون بقضاء الله وقدره –وهم لا يعلمونه –على معاصيهم ومعايبهم التي فعلوها باختيارهم وليس لهم في ذلك حجة عند الله-تعالى- .










قديم 2012-06-10, 18:28   رقم المشاركة : 13
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(201) وسئل فضيلته : عن قول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" أو كما قال ، صلى الله عليه وسلم ، وهل يعارض هذا الحديث قول الله تعالى -: ]إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً[(1) ؟
فأجاب حفظه الله تعالى –بقوله :هذا الحديث حديث عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه –يخبر فيه النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ؛ لقرب أجله وموته ثم يسبق عليه الكتاب الأول الذي كتب أنه من أهل النار ، فيعمل بعمل أهل النار – والعياذ بالله – فيدخلها ، وهذا فيما يبدو للناس ويظهر كما جاء في الحديث الصحيح: "إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار" . –نسأل الله العافية – وكذلك الأمر بالنسبة للثاني يعمل الإنسان بعمل أهل النار ، فيمُنُّ الله تعالى عليه بالتوبة والرجوع إلى الله عند قرب أجله ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها.
والآية التي ذكرها السائل لا تعارض الحديث لأن الله –تعالى – قال: ]أجر من أحسن عملاً[ ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره فإن الله -تعالى –لا يضيع أجره ، لكن الأول الذي عمل بعمل أهل الجنة فسبق عليه الكتاب ، كان يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب، وعلى هذا يكون عمله ليس حسناً وحينئذ لا يعارض الآية الكريمة . والله الموفق.
(202) وسئل فضيلته : عن الجمع بين قول الله تعالى : [ فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء[(1) وقوله : ]فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر[ .(2)
فأجاب قائلاً : الجمع بينهما أن الله تعالى يخبر في بعض الآيات بأن الأمر بيده ويخبر في بعض الآيات أن الأمر راجع إلى المكلف ، والجمع بين هذه النصوص أن يقال: إن للمكلف إرادة واختياراً وقدرة ، وإن خالق هذه الإرادة والاختيار والقدرة هو الله – عز وجل- فلا يكون للمخلوق إرادة إلا بمشيئة الله – عز وجل- وقد قال الله – تعالى – مبيناً الجمع بين هذه النصوص : ]لمن شاء منكم أن يستقيم . وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين[(1) ولكن متى يشاء الله – تعالى – ان يهدي الانسان او ان يضله؟ هذا هو ما جاء في قله تعالي: ] فأما من أعطى واتقى . وصدق بالحسنى . فسنيسره للعسرى . وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى[(2) واقرأ قوله : ـ تعالى- : ] فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين[(3) تجد أن سبب ضلال العبد من نفسه فهو السبب ، والله –تعالى- يخلق عند ذلك فيه إرادة للسوء لأنه هو يريد السوء ، وأما من أراد الخير وسعى في الخير وحرص عليه فإن الله – تعالى –ييسره لليسرى ، ولما حدث النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أصحابه : بأنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعدة من النار قالوا يارسول الله أفلا نتكل على الكتاب وندع العمل؟ قال: "لا ، اعملوا فكل ميسر لما خلق له" ثم قرأ هذه الآية ]فأما من أعطى واتقى . . .[إلخ .
واعلم يا أخي أنه لا يمكن أن يوجد في كلام الله أو فيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تناقض أبداً ، فإذا قرأت نصين ظاهرهما التناقض فأعد النظر مرة أخرى ، فسيتبين لك الأمر ، فإن لم تعلم فالواجب عليك التوقف وأن تكل الأمر إلى عالمه والله بكل شيء عليم.
203- وسئل فضيلة الشيخ : عن قول الله – تعالى - : ]والله خلقكم وما تعملون[ ؟
فأجاب بقوله:هذا مما قاله إبراهيم ، عليه الصلاة والسلام ، لقومه ]قال أتعبدون ما تنحون . والله خلقكم وما تعملون[(1) أي ما تعملون من هذه الأصنام ليقيم عليهم الحجة بأنها لا تصلح آلهة ، لأنها إذا كانت مخلوقة لله – تعالى – فمن الذي يستحق العبادة المخلوق أم الخالق؟ الجواب الخالق. وهل يستحق المخلوق أن يكون شريكاً في هذه العبادة ؟ لا . فإبراهيم ، عليه الصلاة والسلام ، أراد أن يقيم الحجة على قومه بأن ما عملوه من هذه الأصنام التي نحتوها مخلوق الله –عز وجل –فكيف يليق بهم أن يشركوا مع الله –تعالى – هذا المخلوق . وعلى هذا فقوله : ]وما تعملون[]ما[ اسم موصول عائدة على قوله ]ما تنحون[ هذا وجه هذه الآية . وليس فيها أنه يبرر شركهم بالله ويقول : إن عملكم مخلوق لله فأنتم بريئون من اللوم عليه ، كلا لأننا لو قلنا ذلك لكان يحتج لهم ولا يحتج عليهم ، ولكن هو يحتج عليهم وليس يحتج لهم.
(204) وسئل فضيلته عن شخص عاص عندما دعي للحق قال: "إن الله لم يكتب لي الهداية" فكيف يتعامل معه؟
فأجاب قائلاً : نقول بكل بساطة : أطَّلعت الغيب أم اتخذت عند الله عهداً؟ إن قال : نعم ، كفر لأنه ادعى علم الغيب وإن قال: لا ، خصم وغلب ، إذا كنت لم تطلع أن الله لم يكتب لك الهداية فاهتد ، فالله ما منعك الهداية بل دعاك إلى الهداية ، ورغبك فيها ، وحذرك من الضلالة ، ونهاك عنها ولم يشأ الله – عز وجل - -أن يدع عباده على ضلالة أبداً قال – تعالى- : ]يبين الله لكم أن تضلوا[(1) . ] يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم[(2). فتب إلى الله ، والله ـ عز وجل – أشد فرحاً بتوبتك من رجل أضل راحلته وعليها طعامه وشرابه ، وأيس منها ، ونام تحت شجرة ينتظر الموت ، فاستيقظ فإذا بخطام ناقته متعلق بالشجرة فأخذ بخطام الناقة فرحاً وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" . أخطأ من شدة الفرح فنقول ـ تب إلى الله ، والله أمرك بالاهتداء وبين لك طريق الحق. والله ولي التوفيق.

(205) وسئل فضيلة الشيخ : عن الحكمة من وجود المعاصي والكفر؟
فأجاب بقوله : لوقوع المعاصي والكفر حكم كثيرة منها:
1- إتمام كلمة الله-تعالى- حيث وعد النار أن يملأها قال الله ـ تعالى -: ]ولا يزالون مختلفين . إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين[.(3)
2- ومنها ظهور حكمة الله –تعالى – وقدرته حيث قسم العباد إلى قسمين: طائع ، وعاصٍ ، فإن هذا التقسيم يتبين به حكمة الله – عز وجل –فإن الطاعة لها أهل هم أهلها ، والمعصية لها أهل هم أهلها ، قال الله تعالى -: ]الله أعلم حيث يجعل رسالته[ . (1) وقال: ]والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم[(2) فهؤلاء أهل الطاعة وقال –تعالى-: ]وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون[(3) . وقال: ]فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم[(4). وهؤلاء أهل المعصية .
ويتبين بذلك قدرته بهذا التقسيم الذي لا يقدر عليه إلا الله كما قال –تعالى -:] ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء[(5) وقال : ]إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء وهو أعلم بالمهتدين[ .(6)
3- ومنها أن يتبين للمطيع قدر نعمة الله عليه بالطاعة إذا رأى حال أهل المعصية قال الله تعالى : ]لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين[ .(7)
4- ومنها لجوء العبد إلى ربه بالدعاء أن يباعد بينه وبين المعصية والدعاء عبادة لله-تعالى-.
5- ومنها أن العبد إذا وقع في المعصية ومَنَّ الله عليه بالتوبة ازداد إنابة إلى الله وانكسر قلبه، وربما يكون بعد التوبة أكمل حالاً منه قبل المعصية حيث يزول عنه الغرور والعجب ، ويعرف شدة افتقاره إلى ربه .
6- ومنها إقامة الجهاد ، والأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر ، فإنه لولا المعاصي والكفر لم يكن جهاد ، ولا أمر بمعروف ، ولا نهي عن منكر . إلى غير ذلك من الحكم والمصالح الكثيرة ولله في خلقه شؤون.
(206) سئل فضيلة الشيخ: هل في محاجة آدم وموسى إقرار للاحتجاج بالقدر ؟ وذلك أن آدم احتج هو وموسى فقال له موسى : "أنت أبونا خيبتنا أخرجتنا ونفسك من الجنة" . فقال له آدم : "أتلومني على شيء قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني؟" فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى ، فحج آدم موسى" . أي غلبه بالحجة وآدم احتج بقضاء الله وقدره؟ .
فأجاب بقوله : هذا ليس احتجاجاً بالقضاء والقدر على فعل العبد ومعصية العبد ، لكنه احتجاج بالقدر على المصيبة الناتجة من فعله ، فهو من باب الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعائب ، ولهذا قال : "خيبتنا وأخرجتنا ، ونفسك من الجنة" ولم يقل : عصيت ربك فأخرجت من الجنة فاحتج آدم بالقدر على الخروج من الجنة الذي يعتبره مصيبة ، والاحتجاج بالقدر على المصايب لا بأس به ، أرأيت لو أنك سافرت سفراً وحصل لك حادث ، وقال لك إنسان : لماذا تسافر لو أنك بقيت في بيتك ما حصل لك شيء. فستجيبه: بأن هذا قضاء الله وقدره ، أنا ما خرجت لأجل أن أصاب بالحادث ، وإنما خرجت لمصلحة ، فأصبت بالحادث ، كذلك آدم عليه الصلاة والسلام ، هل عصى الله لأجل أن يخرجه من الجنة ؟ لا . فالمصيبة إذاً التي حصلت له مجرد قضاء وقدر، وحينئذ يكون احتجاجه بالقدر على المصيبة الحاصلة احتجاجاً صحيحاً ، ولهذا قال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "حج آدم موسى ، حج آدم موسى" . وفي رواية للإمام أحمد: "فحجه آدم" يعني غلبه في الحجة.
مثال آخر : رجل أصاب ذنباً وندم على هذا الذنب وتاب منه ، وجاء رجل من إخوانه يقول : له يا فلان كيف يقع منك هذا الشيء فقال: هذا قضاء الله وقدره . فهل يصح احتجاجه هذا أولا؟ نعم يصح لأنه تاب ، فهو لم يحتج بالقدر ليمضي في معصيته ، لكنه نادم ومتأسف ، ونظير ذلك أن النبي ، صلى الله عليه وسلم، دخل ليلة على علي بن أبي طالب وفاطمة –رضي الله عنهما –فقال: "ألا تصليان؟" فقال علي-رضي الله عنه- : يا رسول الله إن أنفسنا بيد الله ، فإن شاء الله أن يبعثنا بعثنا فانصرف النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يضرب على فخزه وهو يقول: ]وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً[(1) فالرسول ، صلى الله عليه وسلم ، لم يقبل حجته ، وبين أن هذا من الجدل ؛ لأن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، يعلم أن الأنفس بيد الله ، لكن يريد أن يكون الإنسان حازماً فيحرص على أن يقوم ويصلي. على كل حال تبين لنا أن الاحتجاج باللقدرعلى المعصية بعد التوبة منها جائز، وأما الاحتجاج بالقدر على المعصية تبريراً لموقف الإنسان واستمراراً فيها فغير جائز.
(207) سئل فضيلة الشيخ: هل في قدر الله تعالى شر؟
فأجاب قائلاً : ليس في القدر شر، وإنما الشر في المقدور ، فمن المعروف أن الناس تصيبهم المصائب وتنالهم الخيرات ، فالخيرات خير، والمصائب شر ، لكن الشر ليس في فعل الله – تعالى -،يعني ليس فعل الله وتقديره شراً ،الشر في مفعولات الله لا في فعله ، والله – تعالى – لم يقدر هذا الشر إلا لخير كما قال-تعالى-: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس[ (2) . هذا بيان سبب الفساد وأما الحكمة فقال: ]ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[ (3) إذاً هذه مصائب مآلها الخير ، فصار الشر لا يضاف إلى الرب ، ولكن يضاف إلى المفعولات والمخلوقات ، مع أن هذه المفعولات والمخلوقات شر من وجه ، وخير من وجه آخر ، فتكون شراً بالنظر إلى ما يحصل منها من الأذية، ولكنها خير بما يحصل فيها من العاقبة الحميدة ]ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[ .
(208) سئل فضيلة الشيخ: كيف يقضي الله كوناً مالا يحب؟
فأجاب بقوله: المحبوب قسمان :
الأول: محبوب لذاته .
الثاني : محبوب لغيره .
فالمحبوب لغيره قد يكون مكروهاً لذاته، ولكن يحب لما فيه من الحكمة والمصلحة ، فيكون حينئذ محبوباً من وجه ، مكروهاً من وجه آخر ، مثال ذلك قوله –تعالى - : ]وقضينا إلى بني إسرائيل في الكتاب لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلن علواً كبيراً[ (1) . فالفساد في الأرض في حد ذاته مكروه إلى الله –تعالى – ؛ لأن الله - تعالى – لا يحب الفساد ولا المفسدين، ولكن للحكم التي يتضمنها يكون محبوباً إلى الله ـ عز وجل –من وجه آخر ، وكذلك العلو في الأرض ،ومن ذلك القحط ، والجدب ، والمرض ،والفقر يقدره الله – تعالى – على عباده مع أنه ليس محبوباً إليه في حد ذاته ، لأن الله لا يحب أن يؤذي عباده بشيء من ذلك ،بل يريد بعباده اليسر ، لكن يقدره للحكم المترتبه عليه ، فيكون محبوباً إلى الله من وجه، مكروهاً من وجه آخر قال الله –تعالى -: ]ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون[ .(2)
فإن قيل :يف يتصور أن يكون الشيء محبوباً من وجه ومكروهاً من وجه آخر؟
أجيب : بأن هذا أمر واقع لا ينكره العقل ، ولا يرفضه الحس فها هو الإنسان المريض يعطى جرعة من الدواء مرة كريهة الرائحة ، واللون، فيشربها وهو يكرهها لما فيها من المرارة ، وكراهة اللون ، والرائحة، ويحبها لما يحصل فيها من الفشاء ، وكذا الطبيب يكوي المريض بالحديدة المحماة على النار ، ويتألم منها فهذا الألم مكروه له من وجه ، محبوب له من وجه آخٍر.










قديم 2012-06-10, 18:29   رقم المشاركة : 14
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

(209) سئل فضيلة الشيخ : عمن يتسخط إذا نزلت به مصيبة؟
فأجاب بقوله : الناس حال المصيبة على مراتب أربع:
المرتبة الأولى : التسخط وهو على أنواع:
النوع الأول : أن يكون بالقلب كأن يسخط على ربه يغتاظ مما قدره الله عليه فهذا حرام ، وقد يؤدي إلى الكفر قال – تعالى : ]ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة [ (1)
النوع الثاني: أن يكون باللسان كالدعاء بالويل والثبور وما أشبه ذلك ، وهذا حرام.
النوع الثالث: أن يكون بالجوارح كلطم الخدود ، وشق الجيوب ، ونتف الشعور وما أشبه ذلك وكل هذا حرام مناف للصبر الواجب.
المرتبة الثانية: الصبر وهو كما قال الشاعر :
والصبر مثل اسمه مر مذاقته لكن عواقبه أحلى من العسل
فيرى أن هذا الشيء ثقيل عليه لكنه يتحمله وهو يكره وقوعه ولكن يحميه إيمانه من السخط ، فليس وقوعه وعدمه سواء عنده وهذا واجب لأن الله تعالي أمر بالصبر فقال: ]واصبروا إن الله مع الصابرين[ (2) .
المرتبة الثالثة: الرضا بأن يرضى الإنسان بالمصيبة بحيث يكون وجودها وعدمها سواء فلا يشق عليه وجودها ، ولا يتحمل لها حملاً ثقيلاً ، وهذه مستحبة وليست بواجبة على القول الراجح ، والفرق بينها وبين المرتبة التي قبلها ظاهر لأن المصيبة وعدمها سواء في الرضا عند هذا أما التي قبلها فالمصيبة صعبة عليه لكن صبر عليها.
المرتبة الرابعة: الشكر وهو أعلى المراتب ، وذلك بأن يشكر الله على ما أصابه من مصيبة حيث عرف أن هذه المصيبة سبب لتكفير سيئاته وربما لزيادة حسناته قال صلى الله عليه وسلم "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها".
(210) سئل- حفظه الله تعالى -: ما معنى قوله ، صلى الله عليه وسلم : "من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" . متفق عليه من حديث أنس . وهل معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمر إذا وصل رحمه ، وعمر إذا لم يصل؟
فأجاب بقوله : ليس معنى ذلك أن الإنسان يكون له عمران : عمر إذا وصل رحمه وعمر إذا لم يصل ، بل العمر واحد ، والمقدر واحد والإنسان الذي قدر الله له أن يصل رحمه سوف يصل رحمه، والذي قدر الله أن يقطع رحمه سوف يقطع رحمه ولا بد ، ولكن الرسول ، عليه الصلاة والسلام ، أراد أن يحث الأمة على فعل ما فيه الخير ، كما نقول : من أحب أن يأتيه ولد فليتزوج ، فالزواج مكتوب، والولد مكتوب ، فإذا كان الله قد أراد أن يحصل لك ولد أراد أن تتزوج ، ومع هذا فإن الزواج والولد كلاهما مكتوب ، كذلك هذا الرزق مكتوب من الأصل ، ومكتوب أنك ستصل رحمك ، لكنك أنت لا تعلم عن هذا فحثك النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وبين لك أنك إذا وصلت الرحم فإن الله ، يبسط لك في الرزق ، وينسأ لك في الأثر ، وإلا فكل شيء مكتوب لكن لما كانت صلة الرحم أمراً ينبغي للإنسان أن يقوم به حث النبي ، عليه الصلاة والسلام على ذلك بأن الإنسان إذا أحب أن يبسط له في رزقه ، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ، وإلا فإن الواصل قد كتبت صلته وكتب أن يكون عمره إلى حيث أراد الله –عز وجل- ثم اعلم أن امتداد الأجل ، وبسط الرزق أمر نسبي ، ولهذا نجد بعض الناس يصل رحمه ، ويبسط له في رزقه بعض الشيء ، ولكن عمره يكون قصيراً وهذا مشاهد ، فنقول : هذا الذي كان عمره قصيراً مع كونه واصلاً للرحم لو لم يصل رحمه لكان عمره أقصر ، ولكن الله قد كتب في الأزل أن هذا الرجل سيصل رحمه وسيكون منتهى عمره في الوقت الفلاني.
(211) وسئل فضيلة الشيخ : عن احتجاج العاصي إذا نهي عن معصية بقوله – تعالى- : ]إن الله غفور رحيم[ ؟
فأجاب قائلاً : إذا احتج بهذا احتججنا عليه بقوله – تعالى-: ] نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم . وأن عذابي هو العذاب الأليم[ (1) وبقوله تعالى : ]اعلموا أن الله شديد العقاب وأن الله غفور رحيم[(2) . فإذا أتى بآيات الرجاء يقابل بآيات الوعيد.
وليس هذا الجواب منه إلا جواب المتهاون ، فنحن نقول له: اتق الله ـ عز وجل –وقم بما أوجب الله عليك ، واسأله المغفرة ، لأنه ليس كل أحد يقوم بما أوجب الله عليه يقوم به على وجهه الأكمل.
(212) سئل فضيلة الشيخ: كيف يكون القضاء والقدر معيناً على زيادة إيمان المسلم؟
فأجاب بقوله : يكون الإيمان بالقضاء والقدر عوناً للمسلم على أمور دينه ودنياه ؛ لأنه يؤمن بأن قدرة الله –عز وجل – فوق كل قدرة ، وأن الله ـ عز وجل- إذا أراد شيئاً فلن يحول دونه شيء ، فإذا آمن بهذا فعل الأسباب التي يتوصل بها إلى مقصوده ، ونحن نعلم فيما سبق من التاريخ أن هناك انتصارات عظيمة انتصر فيها المسلمون مع قلة عددهم وعددهم ، كل ذلك لإيمانهم بوعد الله –عز وجل-وبقضائه وقدره وأن الأمور كلها بيده-سبحانه-.
(213) سئل فضيلة الشيخ : عن قول النبي ، صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ، ولا طيرة ولا هامة ، ولا صفر" متفق عليه . وما نوع النفي في الحديث؟ وكيف نجمع بينه وبين حديث: "فر من المجذوم فرارك من الأسد"؟
فأجاب قائلاً : "العدوى" انتقال المرض من المريض إلى الصحيح ، وكما يكون في الأمراض الحسية يكون في الأمراض المعنوية الخلقية ، ولهذا أخبر النبي ، عليه الصلاة والسلام ، أن جليس السوء كنافخ الكير ؛ إما أن يحرق ثيابك ، وإما أن تجد منه رائحة كريهة فقوله ، صلى الله عليه وسلم: "عدوى" يشمل العدوى الحسية والمعنوية.
و "الطيرة" هي التشاؤم بمرئي، أو مسموع ، أو معلوم.
و "الهامة" فسرت بتفسيرين :
الأول : داء يصيب المريض وينتقل إلى غيره ، وعلى هذا التفسير يكون عطفها على العدوى من باب عطف الخاص على العام .
الثاني : طير معروف تزعم العرب أنه إذا قتل القتيل ، فإن هذه الهامة تأتي إلى أهله وتنعق على رؤوسهم حتى يأخذوا بثأره ، وربما اعتقد بعضهم أنها روحه تكون بصورة الهامة ، وهي نوع من الطيور تشبه البومة أو هي البومة ، تؤذي أهل القتيل بالصراخ حتى يأخذوا بثأره ، وهم يتشاءمون بها فإذا وقعت على بيت أحدهم ونعقت قالوا : إنها تنعق به ليموت ، ويعتقدون قرب أجله وهذا باطل.
و"صفر" فسر بتفاسير:
الأول : أنه شهر صفر المعروف ، والعرب يتشاءمون به.
الثاني: أنه داء في البطن يصيب البعير، وينتقل من بعير إلى آخر ، فيكون عطفه على العدوى من باب عطف الخاص على العام.
الثالث: صفر شهر صفر ، والمراد به النسيء الذي يضل به الذين كفروا ، فيؤخرون تحريم شهر المحرم إلى صفر يحلونه عاماً ، ويحرمونه عاماً . وأرجحها أن المراد شهر صفر حيث كانوا يتشاءمون به في الجاهلية والأزمنة لا دخل لها في التأثير وفي تقدير الله – عز وجل –فهو كغيره من الأزمنة يقدر فيه الخير والشر.
وبعض الناس إذا انتهى من عمل معين في اليوم الخامس والعشرين مثلاً من شهر صفر أرخ ذلك وقال: انتهى في الخامس والعشرين من شهر صفر الخير. . فهذا من باب مداواة البدعة بالبدعة ، والجهل بالجهل . فهو ليس شهر خير ، ولا شر. ولهذا أنكر بعض السلف على من إذا سمع البومة تنعق قال: "خيراً إن شاء الله" فلا يقال خير ولا شر بل هي تنعق كبقية الطيور.
فهذه الأربعة التي نفاها الرسول ، صلى الله عليه وسلم تدل على وجوب التوكل على الله ، وصدق العزيمة ، وألا يضعف المسلم أمام هذه الأمور.
وإذا ألقى المسلم باله لهذه الأمور فلا يخلو من حالين :
الأولى: إما أن يستجيب لها بأن يقدم أو يحجم، فيكون حينئذ قد علق أفعاله بما لا حقيقة له.
الثانية : أن لا يستجيب لها بأن يقدم ولا يبالي ، لكن يبقى في نفسه نوع من الهم أو الغم ، وهذا و إن كان أهون من الأول لكن يجب أن لا يستجيب لداعي هذه الأمور مطلقاً، وأن يكون معتمداً على الله عز وجل. وبعض الناس قد يفتح المصحف لطلب التفاؤل فإذا نظر إلى ذكر النار قال: هذا فأل غير جميل، وإذا نظر إلى ذكر الجنة قال: هذا فأل طيب، وهذا في الحقيقة مثل عمل اهل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام. والنفي في هذه الأمور الأربعة ليس نفياً للوجود ، لأنها موجودة ولكنه نفي للتأثير ، فالمؤثر هو الله، فما كان منها سبباً معلوماً فهو سبب صحيح وما كان منها سبباً موهوماً فهو سبب باطل، ويكون نفياً لتأثيره بنفسه ولسببيته ، فالعدوى موجودة ، ويدل لوجودها قوله ، صلى الله عليه وسلم : "لا يورد ممرض على مصح" أي لا يورد صاحب الإبل المريضة على صاحب الإبل الصحيحة ، لئلا تنتقل العدوى.
وقوله ، صلى الله عليه وسلم : "فر من المجذوم فرارك من الأسد" "الجذام" : مرض خبيث معد بسرعة ويتلف صاحبه ، حتى قيل : إنه الطاعون ، فالأمر بالفرار لكي لا تقع العدوى ، وفيه إثبات العدوى لتأثيرها ، لكن تأثيرها ليس أمراً حتمياً بحيث تكون علة فاعلة ، ولكن أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بالفرار من المجذوم ، وأن لا يورد ممرض على مصح، من باب تجنب الأسباب ، لا من باب تأثير الأسباب بنفسها قال الله-تعالى-: ]ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة[ (1) ولا يقال : إن الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، ينكر تأثير العدوى ؛ لأن هذا أمر يبطله الواقع والأحاديث الأخرى.
فإن قيل : إن الرسول صلى الله عليه وسلم ، لما قال: "لا عدوى" قال رجل: يا رسول الله أرأيت الإبل تكون في الرمال مثل الظباء فيدخلها الجمل الأجرب فتجرب ؟! فقال النبي صلي الله عليه وسلم: فمن " اعدي الأول " ؟
فالجواب: أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أشار بقوله : "فمن أعدى الأول" إلى أن المرض انتقل من المريضة إلى هذه الصحيحات بتدبير الله - عز وجل-فالمرض نزل على الأول بدون عدوى بل نزل من عند الله –عز وجل- والشيء قد يكون له سبب معلوم ، وقد لا يكون له سبب معلوم ، وجرب الأول ليس معلوماً إلا أنه بتقدير الله –تعالى- ، وجرب الذي بعده له سبب معلوم ولو شاء الله – تعالى – ما جرب ، ولهذا أحياناً تصاب الإبل بالجرب ثم يرتفع ولا تموت ، وكذلك الطاعون والكوليرا أمراض معدية قد تدخل البيت فتصيب البعض فيموتون ، ويسلم آخرون ولا يصابون ، فالإنسان يعتمد على الله ويتوكل عليه وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قدم عليه رجل مجذوم فأخذه بيده وقال له: "كل" أي من الطعام الذي كان يأكل منه الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، لقوة توكله ، صلى الله عليه وسلم فهذا التوكل مقاوم لهذا السبب المعدي . وهذا الجمع الذي ذكرنا أحسن ما قيل في الجمع بين الأحاديث وادعى بعضهم النسخ ، وهذه الدعوى غير صحيحة؛ لأن من شرط النسخ تعذر الجمع ، وإذا أمكن الجمع وجب لأن فيه إعمال الدليلين ، وفي النسخ إبطال أحدهما ؛ وإعمالهما أولى من إبطال أحدهما لأننا اعتبرناهما وجعلناهما حجة . والله الموفق.
(214) وسئل فضيلته : هل العين تصيب الإنسان ؟ وكيف تعالج؟ وهل التحرز منها ينافي التوكل؟
فأجاب بقوله : رأينا في العين أنها حق ثابت شرعاً وحساً قال الله –تعالى-: ]وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم[(1) . قال ابن عباس وغيره في تفسيرها : أي يعينوك بأبصارهم ، ويقول النبي ، صلى الله عليه وسلم : "العين حق ولو كان شيء سابق القدر سبقت العين وإذا استغسلتم فاغسلوا" رواه مسلم . ومن ذلك ما رواه النسائي وابن ماجه أن عامر بن ربيعة مر بسهل بن حنيف وهو يغتسل فقال: "لم أر كاليوم ولا جلد مخبأة" فما لبث أن لبط به فأتي به رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، فقيل له : أدرك سهلاً صريعاً فقال: "من تتهمون؟" قالوا : عامر بن ربيعة فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : "علام يقتل أحدكم أخاه إذا رأى أحدكم من أخيه ما يعجبه فليدع له بالبركة" . ثم دعا بماء فأمر عامراً أن يتوضأ فيغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، وركبتيه وداخلة إزاره وأمره أن يصب عليه وفي لفظ : يكفأ الإناء من خلفه . والواقع شاهد بذلك ولا يمكن إنكاره.
وفي حالة وقوعها تستعمل العلاجات الشرعية وهي :
1- القراءة : فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : "لا رقيه إلا من عين أو حمة" . وقد كان جبريل يرقي النبي ، صلى الله عليه وسلم فيقول: "باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك ، من شر كل نفس أو عين حاسد ، الله يشفيك ، باسم الله أرقيك" .
2- الاستغسال: كما أمر به النبي ، صلى الله عليه وسلم ، عامر بن ربيعة في الحديث السابق ثم يصب على المصاب.
أما الأخذ من فضلاته العائدة من بوله أو غائطه فليس له أصل، وكذلك الأخذ من أثره ، وإنما الوارد ما سبق من غسل أعضائه وداخلة إزاره ولعل مثلها داخلة غترته وطاقيته وثوبه والله أعلم .
و التحرز من العين مقدماً لا باس به ولا ينافي التوكل بل هو التوكل ؛ لأن التوكل الاعتماد على الله –سبحانه – مع فعل الأسباب التي أباحها أو أمر بها وقد كان النبي ، صلى الله عليه وسلم ، يعوذ الحسن والحسين ويقول: "أعيذكما بكلمات الله التامة من كل شيطان وهامة ، ومن كل عين لامة" ويقول : هكذا كان إبراهيم يعوذ إسحاق وإسماعيل عليهما السلام. رواه البخاري.
(215)وسئل فضيلة الشيخ : اختلف بعض الناس في العين فقال : بعضهم لا تؤثر لمخالفتها للقرآن الكريم فما القول الحق في هذه المسألة؟
فأجاب بقوله : القول الحق ما قاله النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وهو : "إن العين حق" وهذا أمر قد شهد له الواقع ولا أعلم آيات تعارض هذا الحديث حتى يقول هؤلاء : إنه يعارض القرآن الكريم ، بل إن الله ـ سبحانه وتعالى – قد جعل لكل شيء سبباً ، حتى إن بعض المفسرين قالوا في قوله-تعالى-: ]وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بابصأرهم لما سمعوا الذكر[ (1) قالوا : إن المراد هنا العين . ولكن على كل حال سواء كان هذا هو المراد بالآية أم غيره، فإن العين ثابتة وهي حق ولا ريب فيها ، والواقع يشهد لذلك منذ عهد الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، إلى اليوم .
ولكن من أصيب بالعين فماذا يصنع؟ الجواب:
يعامل بالقراءة ، وإذا علم عائنه فإنه يطلب منه أن يتوضأ ويؤخذ ما يتساقط من ماء وضوئه ثم يعطي للمعيون يصب على رأسه وعلى ظهره ويسقى منه وبهذا يشفى بإذن الله ، وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الطاقية وما أشبه ذلك ، ويربصونها بالماء ثم يسقونها المصاب، ورأينا ذلك يفيده حسبما تواتر عندنا من النقول ،فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله ؛ لأن السبب إذا ثبت كونه سبباً شرعاً أو حساً فإنه يعتبر صحيحاً . أما ما ليس بسبب شرعي ولا حسي فإنه لا يجوز اعتماده ، مثل أولئك الذين يعتمدون على التمائم ونحوها يعلقونها على أنفسهم ليدفعوا بها العين فإن هذا لا أصل له، سواء كانت هذه من القرآن الكريم ، أو من غير القرآن الكريم ، وقد رخص بعض السلف في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن الكريم ودعت الحاجة إليها.
(216) سئل الشيخ : عما يفعله بعض الناس عندما يرى من ينظر إليه وهو يأكل يرمي قطعة على الأرض خوفاً من العين فما حكم هذا العمل؟
فأجاب ـ حفظه الله تعالى ورعاه – بقوله : هذا اعتقاد فاسد ، ومخالف لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "إذا سقطت لقمة أحدكم فليمط ما بها من الأذى وليأكلها" .
الكفر والتكفير ؟


(1) سورة يوسف، الآية "41" .

(2) سورة غافر، الآية "20" .

(1) سورة الفرقان ، الآية "2" .

(1) سورة آل عمران ، الآية "5" .

(2) سورة الأنعام ، الآية "59" .

(3) سورة ق ، الآية "16" .

(4) سورة البقرة ، الآية "283" .

(5) سورة طه ، الآيتان "51-52" .

(1) سورة الحج ، الآية "70" .

(2) سورة الدخان ، الآيات "3-5" .

(3) سورة إبراهيم ، الآية "7" .

(4) سورة الأنعام ، الآية "149".

(1) سورة هود ، الآية "118".

(2) سورة فاطر ، الآية "16" .

(3) سورة البقرة ، الآية "253".

(4) سورة الصافات ، الآية "96" .

(1) سورة النساء ، الآية "165" .

(2) سورة الحجرات، الآية "17" .

(1) سورة الحديد، الآيتان "22-23" .

(1) سورة الحج، الآية "70" .

(2) سورة الأنعام ، الآية "112" .

(3) سورة الأنعام ، الآية "137".

(4) سورة البقرة ، الآية "253".
(5) سورةالليل الايات " 5 –10" .

(1) سورة النبأ، الآية "39" .

(2) سورة آل عمران ، الآية "152" .

(3) سورة الإسراء ، الآية "19" .

(4) سورة البقرة ، الآية "196" .

(5) سورة التكوير ، الآية "28-29" .

(1) سورة الإنسان ، الآية "3".

(1) سورة لقمان ، الآية "34" .

(1) سورة الملك، الآية "15" .

(2) سورة الطلاق ، الآيتان "2-3" .

(1) سورة الصف، الآية "5" .

(2) سورة الليل، الآيات "5-10" .

(1) سورة الكهف ، الآية "30" .

(1) سورة الأنعام ، الآية "125" .

(2) سورة الليل ، الآيات "5-10" .

(1) سورة التكوير ، الآيتان "29" .

(2) سورة الليل، الآيات "5-10" .

(3) سورة الصف ، الآية "5" .

(1) سورة الصافات ، الآيتان "95-96" .

(1) سورة النساء ، الآية "176" .

(2) سورة النساء ، الآية "26".

(3) سورة هود، الآيتان "118-119".

(1) سورة الأنعام ، الآية "124".

(2) سورة محمد ، الآية "17".

(3) سورة التوبة ، الآية "125".

(4) سورة الصف ، الآية "5" .

(5) سورة البقرة ، الآية "272".

(6) سورة القصص ، الآية "56".

(7) سورة آل عمران، الآية "164".

(1) سورة الكهف ، الآية "54" .

(2) سورة الروم الآية "41".
(3) سورة الروم الآية "41".

(1) سورة الإسراء، الآية "4" .

(2) سورة الروم ، الآية "41" .

(1) سورة الحج ، الآية "11".

(2) سورة الأنفال ، الآية "46".

(1) سورة الحجر ، الآيتان "49-50" .

(2) سورة المائدة ، الآية "98" .

(1) سورة البقرة ، الآية "195" .

(1) سورة القلم ، الآية "51" .

(1) سورة القلم ، الآية "51" .










قديم 2012-06-11, 21:43   رقم المشاركة : 15
معلومات العضو
miramer
عضو محترف
 
الصورة الرمزية miramer
 

 

 
إحصائية العضو










افتراضي

الكفر و التكفيــــــــــــــــــــر



(217) سئل فضيلة الشيخ : هل إنكار الخالق كفر؟
فأجاب بقوله : الظاهر أن هذا السؤال كمن يسأل هل الشمس شمس؟ وهل الليل ليل؟ وهل النهار نهار؟ فمن الذي يشكل عليه أن منكر الخالق لا يكون كافراً ، مع أن هذا ، أعني إنكار الخالق ما وجد فيما سلف من الإلحاد ، وإنما وجد أخيراً ، وكيف يمكن إنكار الخالق والأدلة على وجوده – جل وعلا – أجلى من الشمس .
وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل؟
وأدلة وجود الخالق والحمد لله موجودة في الفطر والعقول، والشاهد والمحسوس ، ولا ينكره إلامكابر بل حتى الذين أنكروه قلوبهم مطمئنة بوجوده، ، كما قال الله – تعالى – عن فرعون الذي أنكرالخالق وادعى الربوبية لنفسه قال:]وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً[(1) وقال – جل ذكره- عن موسى وهو يناظر فرعون : ]لقد علمت ما أنزل هؤلاء إلا رب السموات والأرض بصائر[ (2) ثم إن هؤلاء الذين ينكرون الخالق هم في الحقيقة منكرون لأنفسهم ، لأنهم هم الآن يعتقدون أنهم ما أوجدوا أنفسهم ويعلمون ذلك ، و يعتقدون أنه ما أوجدتهم أمهاتهم ، ولا أوجدهم آباؤهم، ولا أوجدهم أحد إلا رب العالمين –سبحانه وتعالى – كما قال تعالى : ]أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون[ (3) وتعجب جبير بن مطعم على أنه لم يؤمن بعد أن سمع هذه الآية يقرؤها النبي ، عليه الصلاة والسلام ، قال : "كدت أطير" من كونها دليلاً قاطعاً ظاهراً على وجود الخالق-سبحانه وتعالى-، وهؤلاء المنكرون للخالق إذا قيل : لهم من خلق السماوات والأرض؟ ما استطاعوا سبيلاً إلا أن يقولوا: الذي خلقها الله، لأنها قطعاً لم تخلق نفسها ، وكل موجود لا بد له من موجد واجب الوجود وهو الله . لو أن أحداً من الناس قال : إن هذا القصر المشيد المزين بأنواع الثريات الكهربائية وغيرها إنه بنى نفسه ،لقال : الناس إن هذا أمر جنوني . ولا يمكن أن يكون فكيف بهذه السموات والأرض ، والأفلاك والنجوم السائرة على هذا النظام البديع الذي لا يختلف منذ أن خلقه الله عز وجل إلى أن يأذن الله بفناء هذا العالم ، وأعتقد أن الأمر أو ضح من أن يقام عليه الدليل . وبناء على ذلك فإنه لا شك أن من أنكر الخالق فإنه مختل العقل كما أنه لا دين عنده وأنه كافر لا يرتاب أحد في كفره.
وهذا الحكم ينطبق على المقلدين لهذا المذهب الذين عاشوا في الإسلام ، لأن الإسلام ينكر هذا إنكاراً عظيماً ، ولا يخفى على أحد من المسلمين بطلان هذا الفكر وهذا المذهب ، وليسوا معذورين لأن
لديهم من يعلمهم ، بل هم لو رجعوا إلى فطرهم ما وجدوا لهذا أصلاً.
(218) سئل فضيلة الشيخ-حفظه الله- : هل يجوز أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر؟
فأجاب بقوله : نعم يجوز لنا أن نطلق على شخص بعينه أنه كافر ، إذا تحققت فيه أسباب الكفر ، فلو أننا رأينا رجلاً ينكر الرسالة، أو رجلاً يبيح التحاكم إلى الطاغوت ، أو رجلاً يبيح الحكم بغير ما أنزل الله ، ويقول : إنه خير من حكم الله بعد أن تقوم الحجة عليه ، فإننا نحكم عليه بأنه كافر فإذا وجدت أسباب الكفر وتحققت الشروط وانتفت الموانع فإننا نكفر الشخص بعينه ونلزمه بالرجوع إلى الإسلام أو القتل . والله أعلم.
(219) سئل فضيلة الشيخ : هل يجوز إطلاق الكفر على الشخص المعين إذا ارتكب مكفراً؟
فأجاب قائلاً : إذا تمت شروط التكفير في حقه جاز إطلاق الكفر عليه بعينه ولو لم نقل بذلك ما انطبق وصف الردة على أحد، فيعامل معاملة المرتد في الدنيا هذا باعتبار أحكام الدنيا أما أحكام الآخرة فتذكر على العموم لا على الخصوص ولهذا قال أهل السنة:
لا نشهد لأحد بجنة ولا نار إلا لمن شهد له النبي ، صلى الله عليه وسلم.
وكذا نقول : من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، ولكن لا نحكم بهذا لشخص معين ، إذ إن الحكم المعلق بالأوصاف لا ينطبق على الأشخاص إلا بتحقق شروط انطباقه وانتفاء موانعه.
(220) وسئل فضيلة الشيخ : عن شروط الحكم بتكفير المسلم؟ وحكم من عمل شيئاً مكفراً مازحاً؟
فأجاب ـ حفظه الله تعالي ـ بقوله : للحكم بتكفير المسلم شرطان : أحدهما : أن يقوم الدليل على أن هذا الشيء مما يكفر.
الثاني : انطباق الحكم على من فعل ذلك بحيث يكون عالماً بذلك قاصداً له، فإن كان جاهلاً لم يكفر. لقوله –تعالى- : ]ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً[ (1) . وقوله : ] وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون[(2)وقوله:]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً[(3).
لكن إن فرط بترك التعلم والتبين ، لم يعذر ، مثل أن يبلغه أن عمله هذا كفر فلا يتثبت ، ولا يبحث فإنه لا يكون معذوراً حينئذ.
وإن كان غير قاصد لعمل ما يكفر لم يكفر بذلك ، مثل أن يكره على الكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ، ومثل أن ينغلق فكره فلا يدري ما يقول لشدة فرح ونحوه ، كقول صاحب البعير الذي أضلها ، ثم اضطجع تحت شجرة ينتظر الموت فإذا بخطامها متعلقاً بالشجرة فأخذه ، وقال: "اللهم أنت عبدي وأنا ربك" أخطأ من شدة الفرح.
لكن من عمل شيئاً مكفراً مازحاً فإنه يكفر لأنه قصد ذلك ، كما نص عليه أهل العلم.
(221) وسئل فضيلته : عن حكم من يجهل أن صرف شيء من الدعاء لغير الله شرك؟
فأجاب بقوله : الجهل بالحكم فيما يكفر كالجهل بالحكم فيما يفسق، فكما أن الجاهل بما يفسق يعذر بجهله كذلك الجاهل بما يكفر يعذر بجهله ولا فرق لأن الله – عز وجل - - يقول: ]وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون[(1) . ويقول الله – تعالى -: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً[ (2) . وهذا يشمل كل ما يعذب عليه الإنسان ويقول الله –عز وجل -: ]وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون إن الله بكل شيء عليم[(3) .
لكن إذا كان هذا الجاهل مفرطاً في التعلم ولم يسأل ولم يبحث فهذا محل نظر . فالجهال بما يكفر وبما يفسق إما أن لا يكون منهم تفريط وليس على بالهم إلا أن هذا العمل مباح فهؤلاء يعذرون ، ولكن يدعون للحق فإن أصروا حكم عليهم بما يقتضيه هذا الإصرار ، وأما إذا كان الإنسان يسمع أن هذا محرم أو أن هذا مؤد للشرك ولكنه تهاون أو استكبر فهذا لا يعذر بجهله.
(222) وسئل- رعاه الله بمنه وكرمه-: هل يعذر الإنسان بالجهل فيما يتعلق بالتوحيد؟
فأجاب بقوله : العذر بالجهل ثابت في كل ما يدين به العبد ربه ، لأن الله –سبحانه وتعالى-قال: ] إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده[ حتى قال – عز وجل- : ]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل [ (1) ولقوله ـ تعالى ـ: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً [ (2) . ولقوله ـ تعالى ـ: ]وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون [ (3) . ولقول النبي، صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لا يسمع بي واحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بما جئت به إلا كان من أصحاب النار". والنصوص في هذا كثيرة، فمن كان جاهلاً فإنه لا يؤاخذ بجهله في أي شيء كان من أمور الدين، ولكن يجب أن نعلم أن من الجهلة من يكون عنده نوع من العناد، أي إنه يذكر له الحق ولكنه لا يبحث عنه، ولا يتبعه، بل يكون على ما كان عليه أشياخه، ومن يعظمهم ويتبعهم، وهذا في الحقيقة ليس بمعذور، لأنه قد بلغه من الحجة ما أدنى أحواله أن يكون شبهة يحتاج أن يبحث ليتبين له الحق، وهذا الذي يعظم من يعظم من متبوعيه شأنه شأن من قال الله عنهم: ]إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون[(4). وفي الآية الثانية: ]وإنا على آثارهم مقتدون[(5). فالمهم أن الجهل الذي يعذر به الإنسان بحيث لا يعلم عن الحق، ولا يذكر له، هو رافع للإثم، والحكم على صاحبه بما يقتضيه عمله، ثم إن كان ينتسب إلى المسلمين، ويشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإنه يعتبر منهم، وإن كان لا ينتسب إلى المسلمين فإن حكمه حكم أهل الدين، الذي ينتسب إليه في الدنيا. وأما في الآخرة فإن شأنه شأن أهل الفترة يكون أمره إلى الله ـ عز وجل ـ يوم القيامة، وأصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون بما شاء الله، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار، ولكن ليعلم أننا اليوم في عصر لا يكاد مكان في الأرض إلا وقد بلغته دعوة النبي، صلى الله عليه وسلم، بواسطة وسائل الإعلام المتنوعة، واختلاط الناس بعضهم ببعض، وغالباً ما يكون الكفر عن عناد.
(223) وسئل فضيلته –حفظه الله - : هل يعذر طلبة العلم الذين درسوا العقيدة على غير مذهب السلف الصالح –رضي الله عنهم –محتجين بأن العالم الفلاني أو الإمام الفلاني يعتقد هذه العقيدة؟
فأجاب بقوله : هذا لا يعذر به صاحبه حيث بلغه الحق ، لأن الواجب عليه أن يتبع الحق أينما كان ، وأن يبحث عنه حتى يتبين له.
والحق –ولله الحمد-ناصع ، بين لمن صلحت نيته ، وحسن منهاجه ، فإن الله –عز وجل – يقول في كتابه: ] ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر[ (1). ولكن بعض الناس- كما ذكر الأخ السائل –يكون لهم متبوعون معظمون لا يتزحزحون عن آرائهم ، مع أنه قد ينقدح في أذهانهم أن آراءهم ضعيفة أو باطلة ، لكن التعصب والهوى يحملهم على موافقتهم ، وإن كانوا قد تبين لهم الهدى.
(224) سئل فضيلة الشيخ: عن العذر بالجهل فيما يتعلق بالعقيدة؟
فأجاب بقوله : الاختلاف في مسألة العذر بالجهل كغيره من الاختلافات الفقهية الاجتهادية، وربما يكون اختلافاً لفظياً في بعض الأحيان من أجل تطبيق الحكم على الشخص المعين أي إن الجميع يتفقون على أن هذا القول كفر ، أو هذا الفعل كفر ، أو هذا الترك كفر، ولكن هل يصدق الحكم على هذا الشخص المعين لقيام المقتضي في حقه وانتفاء المانع أو لا ينطبق لفوات بعض المقتضيات ، أو وجود بعض الموانع .
وذلك أن الجهل بالمكفر على نوعين:
الأول : أن يكون من شخص يدين بغير الإسلام أو لا يدين بشيء ولم يكن يخطر بباله أن ديناً يخالف ما هو عليه فهذا تجري عليه أحكام الظاهر في الدنيا ، وأما في الآخرة فأمره إلى الله –تعالى-، والقول الراجح أنه يمتحن في الآخرة بما يشاء الله عز وجل – والله أعلم بما كانوا عاملين ، لكننا نعلم أنه لن يدخل النار إلا بذنب لقوله –تعالى- : ] ولا يظلم ربك أحداً[ (1)
وإنما قلنا : تجرى عليه أحكام الظاهر في الدنيا وهي أحكام الكفر؛ لأنه لا يدين بالإسلام فلا يمكن أن يعطي حكمه ، وإنما قلنا بأن الراجح أنه يمتحن في الآخرة لأنه جاء في ذلك آثار كثيرة ذكرها ابن القيم –رحمه الله تعالى –في كتابه-: "طريق الهجرتين" عند كلامه على المذهب الثامن في أطفال المشركين تحت الكلام على الطبقة الرابعة عشرة.
النوع الثاني: أن يكون من شخص يدين بالإسلام ولكنه عاش على هذا المكفر ولم يكن يخطر بباله أنه مخالف للإسلام ، ولا نبهه أحد على ذلك فهذا تجرى عليه أحكام الإسلام ظاهراً ، أما في الآخرة فأمره إلى الله-عز وجل-وقد دل على ذلك الكتاب ، والسنة ، وأقوال أهل العلم.
فمن أدلة الكتاب: قوله-تعالى-: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً[ ."2" وقوله: ]وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون[(1). وقوله : ]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[ (2) وقوله:] وما أرسلنا رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم فيضل الله من يشاء ويهدي من يشاء[ .(3) . وقوله : ]وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتى يبين لهم ما يتقون[ . (4) وقوله : ]وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون . أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين . أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة[(5)إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أن الحجة لا تقوم إلا بعد العلم والبيان.وأما السنة:ففي صحيح مسلم1/134 عن أبي هريرة –رضي الله عنه-أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال : "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة –يعني أمة الدعوة- يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار".
وأما كلام أهل العلم : فقال في المغني 8/ :131 "فإن كان ممن لا يعرف الوجوب كحديث الإسلام ، والناشئ بغير دار الإسلام ، أو بادية بعيدة عن الأمصار وأهل العلم لم يحكم بكفره". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى 3/ 229 مجموع ابن قاسم : "إني دائماً –ومن جالسني يعلم ذلك مني –من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير ، وتفسيق ، ومعصية إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله –تعالى –قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية ، والمسائل العملية ، وما زال السلف يتنازعون في كثير من المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ، ولا بفسق ، ولا بمعصية - إلى أن قال –وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا فهو أيضاً حق لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين – إلى أن قال : - والتكفير هو من الوعيد فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، لكن الرجل قد يكون حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً" أ . هـ . وقال شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب 1/56 من الدرر السنية: "وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ، ثم بعدما عرفه سبه ، ونهى الناس عنه ، وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفره" . وفي ص 66 " وأما الكذب والبهتان فقولهم : إنا نكفر بالعموم ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله ، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر ، والصنم الذي على أحمد البدوي وأمثالهما لأجل جهلهم وعدم من ينبههم ،فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل" ا . هـ .
وإذا كان هذا مقتضى نصوص الكتاب ، والسنة ، وكلام أهل العلم فهو مقتضى حكمة الله –تعالى -، ولطفه، ورأفته، فلن يعذب أحداً حتى يعذر إليه ، والعقول لا تستقل بمعرفة ما يجب لله –تعالى – من الحقوق ، ولو كانت تستقل بذلك لم تتوقف الحجة على إرسال الرسل.
فالأصل فيمن ينتسب للإسلام بقاء إسلامه حتى يتحقق زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي، ولا يجوز التساهل في تكفيره لأن في ذلك محذورين عظيمين:
أحدهما: افتراء الكذب على الله-تعالى – في الحكم ، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به.
أما الأول فواضح حيث حكم بالكفر على من لم يكفره الله –تعالي-فهو كمن حرم ما أحل الله؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدمه إلى الله وحده كالحكم بالتحريم أو عدمه.
وأما الثاني فلأنه وصف المسلم بوصف مضاد ، فقال: إنه كافر، مع أنه بريء من ذلك ، وحري به أن يعود وصف الكفر عليه لما ثبت في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، قال: "إذا كفر الرجل أخاه فقد باء بها أحدهما". وفي رواية: "إن كان كما قال وإلا رجعت عليه" . وله من حديث أبي ذر –رضي الله عنه- أن النبي، صلى الله عليه وسلم ، قال : "ومن دعا رجلاً بالكفر ، أو قال : عدو الله وليس كذلك إلا حار عليه" . يعني رجع عليه. وقوله في حديث ابن عمر : "إن كان كما قال" يعني في حكم الله-تعالى-. وكذلك قوله في حديث أبي ذر: "وليس كذلك" يعني في حكم الله تعالى.
وهذا هو المحذور الثاني أعني عود وصف الكفر عليه إن كان أخوه بريئاً منه ، وهو محذور عظيم يوشك أن يقع به ؛ لأن الغالب أن من تسرع بوصف المسلم بالكفر كان معجباً بعمله محتقراً لغيره فيكون جامعاً بين الإعجاب بعمله الذي قد يؤدي إلى حبوطه ، وبين الكبر الموجب لعذاب الله تعالى – في النار كما جاء في الحديث الذي أخرجه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة –رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : "قال الله عز وجل:الكبرياء ردائي ، والعظمة إزاري ، فمن نازعني واحداً منهما قذفته في النار" .
فالواجب قبل الحكم بالتكفير أن ينظر في أمرين:
الأمر الأول: دلالة الكتاب ، والسنة على أن هذا مكفر لئلا يفتري على الله الكذب.
الأمر الثاني: انطباق الحكم على الشخص المعين بحيث تتم شروط التكفير في حقه ، وتنتفي الموانع.
ومن أهم الشروط أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت كفره لقوله – تعالى- : ] ومن يشاقق الرسول من بعدما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً [ (1) . فاشترط للعقوبة بالنارأن تكون المشاقة للرسول من بعد أن يتبين الهدى له.
ولكن هل يشترط أن يكون عالماً بما يترتب على مخالفته من كفر أو غيره أو يكفي أن يكون عالماً بالمخالفة وإن كان جاهلاً بما يترتب عليها؟
الجواب: الظاهر الثاني ؛ أي إن مجرد علمه بالمخالفة كاف في الحكم بما تقتضيه لأن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أوجب الكفارة على المجامع في نهار رمضان لعلمه بالمخالفة مع جهله بالكفارة ؛ ولأن الزاني المحصن العالم بتحريم الزنى يرجم وإن كان جاهلاً بما يترتب على زناه ، وربما لو كان عالماً ما زنى .
ومن الموانع أن يكره على المكفر لقوله – تعالى- : ] من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم[(2) .
ومن الموانع أن يغلق عليه فكره وقصده بحيث لا يدري ما يقول لشدة فرح ، أو حزن ، أو غضب ، أو خوف ، ونحو ذلك . لقوله تعالى -: ]وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم وكان الله غفوراً رحيماً[ (3). . وفي صحيح مسلم 2104 عن أنس بن مالك –رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال: "لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة ،فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه ، فأيس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذا بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح" .
ومن الموانع أيضاً أن يكون له شبهة تأويل في المكفر بحيث يظن أنه على حق ؛ لأن هذا لم يتعمد الإثم والمخالفة فيكون داخلاً في قوله – تعالى -: ]وليس عليكم جناح فيما أخطأتم به ولكن ما تعمدت قلوبكم[ (1) . ولأن هذا غاية جهده فيكون داخلاً في قوله –تعالى-: ]لا يكلف الله نفساً إلا وسعها[ (2) قال في المغني 8/131 : "وإن استحل قتل المعصومين وأخذ أموالهم بغير شبهة ولا تأويل فكذلك –يعني يكون كافراً – وإن كان بتأويل كالخوارج فقد ذكرنا أن أكثر الفقهاء لم يحكموا بكفرهم مع استحلالهم دماء المسلمين ، وأموالهم ، وفعلهم ذلك متقربين به إلى الله – تعالى – إلى أن قال-: وقد عرف من مذهب الخوارج تكفير كثير من الصحابة ومن بعدهم واستحلال دمائهم ، وأموالهم ، واعتقادهم التقرب بقتلهم إلى ربهم ، ومع هذا لم يحكم الفقهاء بكفرهم لتأويلهم ، وكذلك يخرج في كل محرم استحل بتأويل مثل هذا" . وفي فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 13/30 مجموع ابن القاسم: "وبدعة الخوارج إنما هي من سوء فهمهم للقرآن ، لم يقصدوا معارضته ، لكن فهموا منه ما لم يدل عليه ، فظنوا أنه يوجب تكفير أرباب الذنوب" وفي ص 210 منه "فإن الخوارج خالفوا السنة التي أمر القرآن باتباعها وكفروا المؤمنين الذين أمر القرآن بموالاتهم . . وصاروا يتبعون المتشابه من القرآن فيتأولونه على غير تأويله من غير معرفة منهم بمعناه ولا رسوخ في العلم ، ولا اتباع للسنة ، ولا مراجعة لجماعة المسلمين الذين يفهمون القرآن".وقال أيضاً 28/518 من المجموع المذكور: "فإن الأئمة متفقون على ذم الخوارج وتضليلهم ، وإنما تنازعوا في تكفيرهم على قولين مشهورين" . لكنه ذكر في 7/217 "أنه لم يكن في الصحابة من يكفرهم لا علي بن أبي طالب ولا غيره ، بل حكموا فيهم بحكمهم في المسلمين الظالمين المعتدين كما ذكرت الآثار عنهم بذلك في غير هذا الموضع" . وفي 28/518 "أن هذا هو المنصوص عن الأئمة كأحمد وغيره" . وفي 3/282 قال: "والخوارج المارقون الذين أمر النبي ، صلى الله عليه وسلم ، بقتالهم قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين ، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين، ومن بعدهم ، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب ، وسعد بن أبي وقاص ، وغيرهما من الصحابة ، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم ، ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام ،وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم ، لا لأنهم كفار . ولهذا لم يسب حريمهم، ولم يغنم أموالهم ، وإذا كان هؤلاء الذي ثبت ضلالهم بالنص ، والإجماع ، لم يكفروا مع أمر الله ورسوله ، صلى الله عليه وسلم ، بقتالهم فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم ، فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن يكفر الأخرى ، ولا تستحل دمها ومالها، وإن كانت فيها بدعة محققة ، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضاً ، وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ ، والغالب أنهم جميعاً جهال بحقائق ما يختلفون فيه" . إلى أن قال:"وإذا كان المسلم متأولاً في القتال، أو التكفير لم يكفر بذلك" . إلى أن قال في ص 288 : "وقد اختلف العلماء في خطاب الله ورسوله هل يثبت حكمه في حق العبيد قبل البلاغ على ثلاثة أقوال في مذهب أحمد وغيره . . والصحيح ما دل عليه القرآن في قوله –تعالى -: ]وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً[(1) . وقوله : ]رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل[(2). وفي الصحيحين عن النبي، صلى الله عليه وسلم : "ما أحد أحب إليه العذر من الله ، من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين".
والحاصل أن الجاهل معذور بما يقوله أو يفعله مما يكون كفراً ، كما يكون معذوراً بما يقوله أو يفعله مما يكون فسقاً ، وذلك بالأدلة من الكتاب والسنة ، والاعتبار ، وأقوال أهل العلم.










 

الكلمات الدلالية (Tags)
متجدد, العقدية, فتاوى


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

الساعة الآن 07:06

المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية


2006-2024 © www.djelfa.info جميع الحقوق محفوظة - الجلفة إنفو (خ. ب. س)

Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc