من هي الجهة اللبنانية المفترضة التي كانت ستتسلم الاسلحة المهربة إلى سوريا؟
ينزلق لبنان بشكل سريع باتجاه مأزق تداعيات الأزمة السورية، كما ينحو بثبات صوب المزيد من الانقسامات العامودية الحادة على خلفية التعاطي مع الوضع السوري. فبعض الاكثرية التي تتشكل منها الحكومة ضاقت ذرعا بسياسات النأي عن النفس التي يتغنى بها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وتكاد تتسبب بأزمة اجتماعية حادة في ظل موجة نزوح غير مضبوطة تهدد الامن اليومي للمواطن اللبناني بعد أن بلغ عدد النازحين عشرات الآلاف بينهم المئات من المسلحين الذين خرجوا من مدينة حمص القريبة من الشمال اللبناني، وهم يصولون ويجولون من دون حسيب او رقيب، ما دفع بميقاتي إلى الدعوة للتوفيق بين حقوق الانسان والامن اليومي للمواطن، مع الاشارة إلى أنّ وزير الداخلية مروان شربل كان قد ألمح في وقت سابق إلى مسؤولية هؤلاء في الكثير من عمليات الاخلال بالامن، بينما يرى المعارضون، وخصوصا تيار المستقبل، أنّ سياسة النأي بالنفس تضر بالشعب السوري، وبالتالي لا بد من التخلي عنها ولو بالشكل.
لكنّ ما أعاد هذا السجال إلى الواجهة هو كشف الجيش اللبناني عن عملية تهريب ثلاثة مستوعبات محملة بالسلاح إلى سوريا عبر مرفأ سلعاتا في ظاهرة تحمل أكثر من علامة استفهام سلط عليها قيادي أكثري الضوء لجهة المفارقات التي حفل بها الملف، خصوصاً أنّ قيمة الشحنة بحسب التقديرات الاولية تفوق الستين مليون دولار اميركي، فضلا عن نوعية السلاح المضبوط وحداثته ومصدر صناعته. وبحسب القيادي المذكور، فإنّ قيمة الشحنة المالية تدحض مقولة التمويل الذاتي أو المدعوم من رجال اعمال سوريين، وهو يلفت في هذا السياق إلى صعوبة إبرام صفقة تهريب شحنة بهذا الحجم عبر تجار أسلحة، بل إن الوقائع تشير إلى مافيات تابعة لاجهزة مخابرات دولية قادرة على الوصول إلى منشأ السلاح، لاسيما بالنسبة للصواريخ المضادة للطائرات والاليات والقذائف الثقيلة من عيار 155 ملم التي تؤكد المصادر وجودها ضمن الصفقة، وهي تستخدم لمدافع أميركية الصنع، ما يعني أنّها ليست الشحنة الأولى باعتبار أنّ المدفعية الثقيلة باتت قيد الاستعمال، أو بأبعد تقدير، فانها في طريقها للجيش السوري الحر.
وبعيدا عن المواصفات التقنية للأسلحة المضبوطة، يركز القيادي على جملة أسئلة تتعلق بهوية الجهة الممولة، ولماذا اختارت تهريب السلاح عبر شمال لبنان، وكذلك هوية الجهة الدولية التي ابرمت صفقة بهذا الحجم، إضافة إلى الجهة التي كانت ستتسلم السلاح في لبنان وبالتالي ستتولى إعادة شحنه إلى سوريا، فضلاً عن الجهة السياسية المحلية التي أعطت ضمانات حول سلامة الشحنة ودورها المفترض حول تأمين الغطاء اللازم لتخليص المستوعبات الثلاث من مرفأ الوصول، وكذلك الأمر دور قوات الطوارئ الدولية التي تراقب المياه الاقليمية اللبنانية مراقبة شديدة عبر سفن المانية متخصصة لهذه الغاية. ومن الأسئلة التي يطرحها القيادي المذكور أيضاً ما إذا كان الجيش اللبناني يراقب مسار السفينة التي تولت عملية تهريب المستودعات من ليبيا إلى لبنان عبر مرفأ الاسكندرية من دولة المنشأ، ام ان القاء القبض عليها جاء بعد ورود معلومات بهذا الخصوص. واستطرادا من هي الجهة التي سربت معلومات بهذه الاهمية إلى الجيش اللبناني؟
ومهما كانت الاجوبة والدلائل، فان الثابت من التحقيقات الاولية ومن المشهد برمته، وفق القيادي نفسه، هو أنّ هناك من ينعى جديا مبادرة المبعوث العربي الدولي كوفي انان ببنودها كافة، فلو صدقت النوايا بالبحث عن حل سياسي للازمة السورية لما كانت الشحنة برمتها، وبالتالي فلو كان الحديث عن النأي بالساحة اللبنانية عن الازمة السورية صحيح لما كانت الجهات الداعمة للجيش السوري الحر اعتمدت الساحة اللبنانية ممرا آمنا لتهريب السلاح إلى سوريا في وقت تعلن تركيا جهارا عن دعمها للثورة السورية وتدعو علنا لتسليحها ونصرتها.