’’السعودية ’’
إسقاط الجهاد واغتصاب المقاومة
للسعودية، على المستويات العربية والإسلامية والدولية، سلطانان تستعملهما في تمرير سياساتها وتحقيق ما تشاء من الأهداف خاصة بعد إبعاد سلطان النفط عن أية استعمالات سياسية أو أيديولوجية: سلطة المال وسلطة الوصاية الدينية.
فبالمال تستطيع السعودية مواجهة أية قوة في العالم حتى لو كانت سلطة قضائية بحجم القضاء البريطاني. وعبر جيوش العلماء الشرعيين لديها تستطيع توظيف الدين في تغطية أية مواقف سياسية بقطع النظر إن كانت الفتاوى الصادرة متوافقة مع الحكم الشرعي أو متعارضة معه.
هذان السلطان أيضا مكنا السعودية، منذ وقت مبكر، من مد نفوذها إلى مختلف قضايا الأمة إلى أن صارت لها هيبة يحسب لها ألف حساب في الدول العربية والإسلامية على العموم وفي مجرى الصراع العربي الإسرائيلي على وجه الخصوص.
فإذا رأت أن الجهاد في أفغانستان واجب شرعي كان على العلماء والدعاة وطلبة العلم والناس أجمعين التهيؤ للنفير، وسخرت الإمكانيات المالية والدعم اللوجستي وفتحت الأبواب على مصاريعها لإنجاز المهمة. وإذا رأت أن الجهاد لم تعد له راية لا في أفغانستان ولا في العراق ولا في أية بقعة إسلامية صبت جام غضبها على من يعارض توجهاتها سواء داخل السعودية أو خارجها.
وبدا واضحا أن السعودية ظلت تبتعد عن قضايا الأمة، نظريا وعمليا، كلما اقتربت من الأطروحة الأمريكية، وزاد الأمر سوء مع توغل القوات الأجنبية في البلاد العربية والإسلامية بحيث بدت السعودية حليفا استراتيجيا لا مثيل له في المنطقة. فهل يمكن أن يكون ثمة جهاد أو مقاومة في ظل تحالف من هذا النوع؟
أولا: إسقاط الجهاد
بعد مضي قرابة العقد على إعلان الملك فهد الجهاد لتحرير المسجد الأقصى (1980)، وبضعة سنوات على الهزيمة السوفياتية في أفغانستان (1989) ونهاية مرحلة الجهاد الأفغاني الأول، وتحطيم العراق (1991)، لم يعد الجهاد خيارا عربيا أو إسلاميا. ولم تعد الدول العربية على الخصوص بحاجة إلى ركن الجهاد كي تعلنه، ولو نظريا، لأجل فلسطين أو غير فلسطين. وحتى لا يكون الأمر مجرد تحليلات نظرية فالثابت تاريخيا أن الدول العربية والإسلامية أسقطت بند الجهاد من جدول أعمال قمة منظمة المؤتمر الإسلامي التي انعقدت في العاصمة السنغالية داكار في 23/12/1991.
شعر الفلسطينيون حينها أن إسقاط الجهاد عن فلسطين كان قرارا عربيا اتخذته مصر والسعودية عقابا لهم على موقف عرفات الذي اعتبر مؤيدا للعراق على حساب الكويت ودول الخليج وخاصة السعودية.
والحقيقة أن المسألة كانت مقدمة لتصفية القضية الفلسطينية برمتها.
إذا أن العرب والمسلمون حين يسقطوا الجهاد كفريضة شرعية لدفع الصائل فهذا موقف يتعدى حتى إسقاط المقاومة الفلسطينية، ويخفي في ثناياه مخاطر عظيمة حتى على العقيدة التي لم تعد مرجعية في الحكم على النوازل كالقضية الفلسطينية التي باتت بيد الساسة كما يقول تركي الفيصل في تصريحاته للصحفيين (21/5/2008) خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت – الأردن.
إذن قرار مؤتمر داكار بإسقاط الجهاد يعني أن السعوديين ومن ورائهم حكام العرب والمسلمين:
· لن يعلنوه في يوم ما لأنه لم يعد موجودا على أجندتهم السياسية، ولأنهم لم يلتزموا به حتى نظريا وبالتالي فما من حاجة لِأن يلتزموا به عمليا.
· إذا كانوا قد تجرؤوا على الجهاد كفريضة دينية وغيبوا الحكم الشرعي عن القضية الفلسطينية رسميا فما من شيء سيمنعهم من التجرؤ على المقاومة كخيار شعبي لا يساوي شيء مقارنة بالخيار العقدي.
· سيسعون إلى إحلال ثقافة السلام في العقل السياسي العربي الرسمي ،على الطريقة الأمريكية، بشكل جذري بديلا عن ثقافة المقاومة ناهيك عن ثقافة الجهاد.
· لن يتقبلوا أية حركة جهادية، بقدر ما سيوظفون لها كل أسباب الإدانة والفشل إن لم تلحق بركب سياساتهم.
· سيحولون دون الاعتراف بأية راية جهادية أو مقاومة،
وعلى النقيض من ذلك سيكون أي تدخل أمريكي في المنطقة
ضد الجماعات الجهادية مرحب به بما أنها باتت جماعات إرهابية!
· سيتخذون أقسى الإجراءات ضد كل ثقافة عقدية ابتداء من منع الدعاء على اليهود والصليبيين مرورا بتنظيف المساجد من الخطباء والدعاة المحرضين والتضييق عليهم وحتى الزج في العلماء المعارضين في السجون أو تهميشهم والعبث في مناهج التربية والتعليم وانتهاء بترخيص حكومي يسمح بدعاء القنوت.
ثانيا: أول إدانة علنية للمقاومة
إذن التفاوض والانحياز إلى الاستعداد للمصالحة مع اليهود، بلا ثمن إلا من إلحاق الأذى، عبر ما عرف بالمبادرة السعودية، فضلا عن حوار الأديان، أمور تعني أيضا إلغاء خيار المقاومة المسلحة من أي واقع سياسي أو اجتماعي أو جهادي يمكن أن يعرقل المشروع الأمريكي والصهيوني في المنطقة أو يضع الخيارات السعودية في موقف الحرج. فالأطروحة الأمريكية، ما بعد هجمات 11 سبتمبر، واضحة لا لبس فيها: إما معنا أو ضدنا،
وخطاب الرئيس الأمريكي في الجمعية العامة للأمم المتحدة (نوفمبر 2001) واضحا هو الآخر بصورة جعلت من وفد السلطة الفلسطينية، وهو سليل أوسلو، يفقد أعصابه حين سماعه لها حتى كاد يغادر القاعة: لن يكون مسموحا لأولئك الذي يظنون أنهم مضطهدون ويبحثون عن تقرير مصيرهم أن يمارسوا العنف بعد الآن.
لم تكن ثمة مشكلة فيما يتعلق بالجهاد حيث صار مسموحا لأمريكا محاربته باعتباره : قتالا في سبيل الطاغوت، ذلك أن المشكلة الآن مع المقاومة. ولا شك أن البداية الساخنة كانت من لبنان في أعقاب خطف حزب الله لجنديين إسرائيليين في تموز/ يوليو 2006.
وهذه المرة بادرت السعودية إلى اعتبار العملية مغامرة سياسية غير محسوبة، وأنها لم تستشر بها! وعليه فليتحمل الفاعلون عواقب مغامراتهم، وميزت بين المقاومة الشرعية وما اعتبرته تصرفات غير مسؤولة، أما بيانها في الشأن فكان صريحا:
إن المملكة ترى أن الوقت قد حان لان تتحمل هذهالعناصر وحدها المسؤولية الكاملة عن هذه التصرفات غير المسؤولة وأن يقع عليها وحدهاعبء إنهاء الأزمة التي أوجدتها.
إذن بعد انتظار طويل رأت المملكة أن: أن الوقت قد حان، وكأن المملكة كانت تتحين الفرصة للانقضاض على حزب الله. والحقيقة أن حزب الله لم يكن هو المستهدف بحد ذاته أبدا بل هي المقاومة حيث تكون مثلما هو الجهاد حيث كان.
إذ أن عملية أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط أثارت حفيظة دعاة الحل السلمي، وبلغ الأمر أن ساوم البعض، خلال الشهور الأولى لبدء الحصار، على دفع رواتب موظفي السلطة لأربعة شهور ماضية إذا ما أطلقت حماس سراح الجندي متجاهلة عقود الزمن ومعاناته لآلاف الأسرى المنسيين عند اليهود!
لكن العملية لم تكن كافية كي تصب السعودية جام غضبها على المقاومة وأفعالها، فكانت عملية حزب الله فرصة ذهبية للمجاهرة والتعبير عن قمة الغضب والسخط، لأول مرة، بإدانة فعل مقاوم له وقعه الثقيل على آلاف الأسرى الفلسطينيين وعائلاتهم.
كان من السهل على السعوديين تمرير البيان وتثوير العلماء شرعيا وتغطيته على خلفية طائفية ذات محتوى عقدي بغيض فضلا عما تتطلبه جروح أهل السنة الغائرة في العراق وأفغانستان من تعطش للنصرة.
لكن الحقيقة أن بيان السعودية لم يكن له علاقة بأية مبررات عقدية بقدر ما كان تعبيرا عن أطروحة سياسية جذرها في واشنطن وتل أبيب وليس في العقيدة. ولم يكن تبريره عقديا ومنحه مشروعية إلا لتحقيق مصالح سياسية وليس لإدانة جرائم الشيعة أو فضح عقائدهم، ولو كان الأمر غير ذلك لاستحقت غزة النصرة بقدر ما استحق الشيعة الإدانة.
وإلا فما هي مبررات الموقف ذاته عند السعوديين والمصريين فيما أهل غزة من السنة؟ ولماذا تعالت الأصوات، على اختلاف مؤهلاتها ومشاربها، في نصرة أهل السنة ضد حزب الله بينما صمتت في نصرة أهل السنة في أفغانستان والعراق والصومال فضلا عن الشيشان المنسية؟
فما الذي فعلته غزة، إذن، حتى تحترق ويصمت السعوديون صمت القبور بينما تموج الجماهير في زقاق العالم غضبا ونقمة على إسرائيل وبشاعة جرائمها التي كاد الحجر والشجر أن ينطق مستنكرا لها؟
وهل كانت حماس معتدلة وطيبة لما وقعت اتفاق مكة وتهدئة مع الاحتلال في قلب الحصار ثم غدت شريرة لما شنت إسرائيل عليها حربا؟
أم أن المشكلة في وجود المقاومة وصمودها؟
الحقيقة أن الموقف السعودي تجاه الحرب على غزة يبدو منسجما أكثر من غيره مع اختياراته.
فهو موقف لا يريد جهادا ولا مقاومة، ولو كان الأمر بخلاف ذلك لسخّر كل طاقاته كما فعل في أفغانستان حيث كان القتال ضد الملحدين مشروعا لكنه ضد المؤمنين فهو أقرب إلى الكفر إن لم يكن الكفر بعينه. وليس اليهود والأمريكيين سوى مؤمنين يمكن التحاور معهم بدلا من قتالهم. للأسف هذه هي الحقيقة.
ثالثا: المصالحة مع اليهود
أشهر من يتصدر الموقف السعودي في المصالحة مع اليهود اثنين على الأقل أحدهما هو بندر بن سلطان السفير السابق في الولايات المتحدة والآخر هو الأمير تركي الفيصل صاحب الرؤية المدافعة عن الأطروحة الأمريكية.
ويكفي الضغط بزر الفأرة على الشبكة الدولية للاطلاع على التفاصيل المملة للموقف السعودي من مصادرها الأصلية وخاصة لبندر بن سلطان.
ولفهم حقيقة ما يدور في دهاليز السياسة السعودية تجاه الصراع مع اليهود يكفي التأمل في تصريحات تركي الفيصل بوصفه القيِّم السابق على أسرار بلاده وأمنها وسفيرا بارزا لها في واشنطن ولندن فضلا عن أنه يتولى الآن رئاسة مؤسسة الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية.
ففي أعقاب ندوة لمؤسسة بيرلتزمان في كرونبرج القريبة من مدينة فرانكفورت بألمانيا أدلى الفيصل بتصريحات لوكالتي الأنباء الألمانية د.ب.أ والبريطانية رويترز نقلتها صحيفة الخليج بتاريخ 21/1/2008 وقال فيها:
إن عرض المبادرة العربية للسلام الشامل مع إسرائيل لايزال قائماً،
وإن: العالم العربي تجاوز بمبادرة عام 2002 بشكل حاسم مرحلة العداء ومد يد السلام إلى إسرائيل.
وأضاف: نحن في انتظار أن تمد إسرائيل يدها بالسلام مشيرا إلى أن العرب وإسرائيل يمكن أن يتعاونا في جميع المجالات ابتداء من الاقتصاد إلى السياسة والزراعة والعلوم والتربية.
ولما سئل عن الرسالة التي يوجهها إلى الإسرائيليين قال:
إن العالم العربي من خلال المبادرة العربية للسلام، قطع نهر الروبيكون، من العداء لإسرائيل إلى السلام معها، ومد يد السلام إلى إسرائيل، وننتظر من إسرائيل أن تأخذ بيدنا والانضمام إلينا حيث سيكون السلام الحتمي لمصلحة إسرائيل والعالم العربي.
وشدد الفيصل على رغبة العرب في السلام قائلا:
كثير من العرب ينتظرون بشغف الفترة التي ستعقب توقيع اتفاقية السلام.
لكنه مضى أبعد من ذلك حين (1) قال:
لقد بدأنا في النظر إلى الإسرائيليين بوصفهم يهوداً عرباً بدلاً من اعتبارهم مجرد إسرائيليين.
وحين (2) طالب بضرورة وضع إسرائيل ضمن إطار جغرافي يمتد من الخليج إلى المحيط الأطلسي.
وحين (3) أبدى أسفه: لقد كنت أصاب بخيبة أمل في الماضي عندما تأتي الفرص وتضيع.
وحين (4) منّى نفسه بأن: تبادل الزيارات بين الشعب الإسرائيلي وشعوب الدول العربية سوف يتحقق.
ولأنه لم يأت على ذكر الفلسطينيين في تصريحاته لا سلبا ولا إيجابا فلأنه ادخرها لهم في مناسبة أخرى أكثر عالمية حيث سيجد هناك من يثني عليه أكثر.
ففي تصريحاته للصحفيين (21/5/2008) خلال انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت – الأردن قال صراحة ودون مواربة:
يجب علىأشقائنا الفلسطينيين أن يتوقفوا عن القتال،
ليس فقطمع بعضهم بعضاً،
أدعوهم أيضاً إلى وقف قتال إسرائيل بالوسائل العسكرية.
وأضاف: إنه أمر مخجل أن نوجه غضبنا إلى إخواننا العرب والمسلمينبطريقة قاتلة وبصورة أكبر مما نفعل مع أعدائنا، لكنه لم يشر على الفلسطينيين أبدا من هم الأعداء الذين يقصدهم.
هذه هي حقيقة المواقف السعودية تجاه الجهاد أو المقاومة.
وإنه لمن العجيب حقا أن يخوض الخائضون في جدالات عقيمة وهم يمنون أنفسهم باستفاقة عربية رسمية تنحاز إلى الشعوب.
ولا ندري عن أي استفاقة يتحدثون؟
أو في أي اتجاه ستكون؟
ويستمر سقوط الأوراق ...
د. أكرم حجازي
21/1/2009
تنبه الكلام موجه للاسعود واعوانيهم وليس للابناء الحرمين
ما رايكم اخواني الاحباب