الذاكرة 1هل الذاكرة حادثة بيولوجية فقط ؟ هل الذاكرة حادثة فردية؟
◘ مقدمة:
تتأثر أفعالنا اتجاه المشكلات التي تعترضنا بمكتسباتتجاربنا
السابقة وليس انقطاع الإدراك في الحاضر معناه زوال الصورة الذهنية المدركة،بل
إن الإنسان يتميز بقدرته على اختزان تلك الصورة مما يجعله يعيش الحاضر
والماضي معاوهذا ما يسمى بالذاكرة وهي القدرة على استعادة الماضي مع
معرفتنا أنه ماضي , وقد اختلفالفلاسفة في تفسير طبيعة الذاكرة وحفظ
الذكريات هل هي عضوية لها مكان معين فيالدماغ أم هي قدرة عقلية
نفسية ؟وهل يمكن تفسير الذاكرة بالاعتماد على النشاطالعصبي ؟ هل
تعتمد الذاكرة على الدماغ فقط أم تحتاج إلى غير ذلك ؟عرض
الأطروحة الأولىيحاول الماديون تفسير الذاكرة تفسيرا ماديا
وربطها بخلايا الدماغ;ويقول عنها ابن سينا (أنها قوة محلها
التجويف الأخير من الدماغ) إن ملاحظات ريبوعلى حالات معينة
مقترنة بضعف الذاكرة أو بفقدانها كحالة [ الفتاة التي أصيبتبرصاصة
في المنطقة اليسرى من الدماغ فوجد أنها فقدت قدرة التعرف عل المشط الذي
كانتتضعه في يدها اليمنى إلا أنها بقيت تستطيع الإحساس به فتأكد له
أن إتلاف بعضالخلايا في الجملة العصبية نتيجة حادث ما يؤدي مباشرة
إلى فقدان جزئي أوكلي للذاكرةوجعلته يستنتج أن الذاكرة هي وظيفة
عامة للجهاز العصبي.ولقدتأثرت النظرية المادية بالمقولة الديكارتية
القائلة بأن الذاكرة تكمن في ثنايا الجسموأن الذكريات تترك أثر في
المخ كما تترك الذبذبات الصوتية على أسطوانات التسجيل ،وكأن المخ
وعاء يستقبل ويختزن مختلف الذكريات ,وهي تثبت بطريقة آلية.اي شبيهة
بالعادة ولقد استطاع ريبو أن يحدد مناطق معينة لكل نوع من الذكريات بل ويعد
600مليون خلية متخصصة لتسجيل كل الانطباعات التي تأتينا منالخارج
مستفيدا مما أثبتته بعض تجارب بروكا من أن نزيفا دمويا في قاعدة التلفيف منناحية
الجهة الشمالية يولد مرض الحبسة وأن فساد التلفيف الثاني من يسار الناحيةالجدارية
يولد العمى اللفظي وغيرها ويقول ريبو (إن الذاكرة ظاهرة بيولوجية بالماهية
وظاهرة بسيكولوجيةبالعرض(ومن خلال كتابه أمراض
الذاكرة رأى( إن الذاكرة بطبيعتها عمل بيولوجي) مناقشة :لو
كانت الذكريات مخزونة في خلايا القشرة الدماغية فكيف نفسر زوال جميع
الذكريات أحيانا وضعف التذكر أحيانا أخرىعرض الأطروحة الثانيةيرى
برغسون أن الذاكرة نوعان ـ ذاكرة حركية تتمثل في صور عادات آلية مرتبطة
بالجسم وهيتشكل مختلف الأعمال الحركية التي تكتسب بالتكرار . ـ
وذاكرة نفسية محضة مستقلة عنالدماغ ولا تتأثر باضطراباته وهي
الذاكرة الحقة التي غاب على المادين إدراك طبيعتهالأنها غير مرتبطة
بالجسم وهي ليست موجودة فيه .... إنها ديمومة نفسية أي روح ويعرفلالاند
الذاكرة بأنها وظيفة نفسية تتمثل في بناء حالة شعورية ماضية ويرى برغسون
بان عملية التذكر تتحكم فيها مجموعة من العوامل النفسية كالرغبات والميول
والدوافع فمقدرة الشاعر على حفظ الشعر اكبر من قدرة الرياضي.ومقدرة الرياضي
في حفظ الأرقام والمسائل الرياضية اكبر من مقدرة الفيلسوف ...وهكذا,والفرد
في حالة القلق والتعب يكون اقل قدرة على الحفظ ,وهذا بالإضافة إلى السمات
الشخصية التي تؤثر إيجابا أو سلبا على القدرة على التعلم والتذكر كعامل
السن ومستوى الذكاء والخبرات السابقة...... ومنه وحسب برغسون أن وظيفة
الدماغلا تتجاوز المحافظة على الآليات الحركية أما الذكريات فتبقى
أحوال نفسية محضة.مناقشةإن برغسون
لا يقدم لنا أي حل للمشكل عندمااستبدل الآثار الفيزيولوجية المخزنة
في الدماغ بآثار نفسية أو صور عقلية مخزنة فياللاشعور وهو لم يفسر
لنا كيف تعود الذكريات إلى سطح اللاشعور عن طريق إثارتهاكمعطيات
ماضية ، كما ان الفصل المطلق بين هو جسمي وما هو نفسي أمر غير ممكن واقعياالتركيب
اذا كان ريبو أعاد الذاكرة إلى الدماغ ، وإذا كان برغسون أرجعهاإلى
النفس فإن هالفاكس في النظرية الاجتماعية يرجعها إلى المجتمع يقول : ( ليس
هناكما يدعو للبحث عن موضوع الذكريات وأين تحفظ إذ أنني أتذكرها من
الخارج....فالزمرةالاجتماعية التي انتسب إليها هي التي تقدم إلي
جميع الوسائل لإعادة بنائها) ويقولأيضا : ( إنني عندما أتذكر فإن
الغير هم الذين يدفعونني إلى التذكر ونحن عندمانتذكر ننطلق من
مفاهيم مشتركة بين الجماعة) إن ذكرياتنا ليست استعادة لحوادث الماضيبل
هي تجديد لبنائها وفقا لتجربة الجماعة واعتبر بيارجاني( أن الذاكرة
اجتماعية تتمثل فياللغة وأن العقل ينشئ الذكريات تحت تأثير الضغط
الاجتماعي ولا يوجد ماضي محفوظ فيالذاكرة الفردية كما هو والماضي
يعاد بناؤه على ضوء المنطق الاجتماعيالخاتمة
:وأخيرا نستنتج أن الذاكرة هي وظيفة تكاملية بين الجسم والنفس
والمجتمع ويقولدولاكروا إن التذكر (نشاط يقوم به الفكر ويمارسه
الشخص فيبث فيه ماضيه تبعا لاهتماماتهوأحوال)