![]() |
|
قسم أرشيف منتديات الجامعة القسم مغلق بحيث يحوي مواضيع الاستفسارات و الطلبات المجاب عنها ..... |
في حال وجود أي مواضيع أو ردود
مُخالفة من قبل الأعضاء، يُرجى الإبلاغ عنها فورًا باستخدام أيقونة
( تقرير عن مشاركة سيئة )، و الموجودة أسفل كل مشاركة .
آخر المواضيع |
|
النظام النقدي الدولي و مؤسساته المالية
|
أدوات الموضوع | انواع عرض الموضوع |
![]() |
رقم المشاركة : 1 | ||||
|
![]() مقدمـــــة المبحث الأول :النظام النقدي الدولي في ظل سيادة قاعدة الذهب المطلب الأول : سير قاعدة الذهب المطلب الثاني : قاعدة السبائك الذهبية وقاعدة الصرف بالذهب المطلب الثالث : انهيار و زوال قاعدة الذهب المبحث الثاني : النظام النقدي الدولي في ظل نظام بريتن وودز المطلب الأول : تبني نظام بروتون وودز المطلب الثاني : مراحل سير نظام بروتون وودز المطلب الثالث : انهيار و زوال نظام بروتن وودز المبحث الثالث : نظام التعويم المدار و معايير كفاءة النظام النقدي الدولي المطلبالأول: مفهوموظروفنشأةنظامالتعويمالمدارلأسعارالصرف المطلب الثاني: معايير الكفاءة لنظام النقد الدولي المبحث الرابع : المؤسسات المالية الدولية المطلب الأول : صندوق النقد الدولي وتعديله المطلب الثاني : البنك الدولي الخاتمة إن تمويل التجارة الدولية و البحث عن الاستقرار النقدي الدولي، كان و لا يزال الاهتمام السائد في مجال العلاقات الدولية. و من خلال المسح التاريخي للعلاقات الاقتصادية الدولية، يمكن أن نحدد ثلاثة نظم نقدية مختلفة شهدها العالم الحديث، كان أولها نظام قاعدة الذهب خلال نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين، ثم نظام بريتن وودز الذي إستمر من نهاية الحرب العالمية الثانية حتى بداية السبعينات، ثم نظام التعويم المدار الذي قام على أنقاض نظام "بريتن وودز". فمن خلال بحثنا هذا سنتطرق إلى دراسات المسار التاريخي للأنظمة النقدية - نظام قاعدة الذهب، نظام بريتن وودز و نظام التعويم المدار- كما سنشير إلى المعايير المساعدة في تحقيق كفاءة نظام النقد الدولي، فما هي هذه الأنظمة و كيف تعمل مؤسساتها ؟ . المبحث الأول:النظام النقدي الدولي في ظل سيادة قاعدة الذهب . تمهيـــــــــد: تكمن الظروف الاقتصادية و السياسية التي مر بها العالم منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر و حتى الآن، وراء التغييرات التي مر بها النظام النقدي الدولي، و سوف نستهل أهم التغييرات من خلال المطلب الأول، و ذلك بالتطرق إلى سير قاعدة الذهب، أما المطلب الثاني فنعرض من خلاله قاعدة السبائك الذهبية و قاعدة الصرف بالذهب، و في المطلب الثالث نخلص إلى الأسباب التي أدت إلى ضعف هذه القاعدة و هجرها. المطلب الأول: سير قاعدة الذهب. أولا: سيادة قاعدة الذهب. وفقا لهذه القاعدة كانت كل دولة تحدد قيمة الوحدة الواحدة من عملتها الوطنية بوزن معين من معدن الذهب. و في الوقت نفسه تكون الدولة مستعدة لشراء أو بيع كمية من الذهب لقاء سعر عملتها الذي أعلنته (1). و بالتالي فإن هذه القاعدة كانت تضمن حرية عملية التبديل بأشكال النقد المتداول بالذهب، كما تضمن أيضا على الصعيد الخارجي، حرية تصدير و استيراد الذهب من دون قيد أو شرط(2). و بالرغم من أن الذهب نفسه كان متداولا على شكل عملات معدنية، فإنه لم يمثل القسم الأعظم من كمية النقود المتداولة، حيث كوّنت الأوراق النقدية الحكومية و الأوراق المصرفية و الودائع تحت الطلب القسم الأعظم من العملات المتداولة، و كان قبول الأوراق المالية و الودائع يعتمد على الثقة في غطائها من الذهب. و قد أعطت الحكومات سعر صرف - ضمني - بين عملاتها، حيث كانت تضمن قيمة أوراقها النقدية من الذهب و ذلك عن طريق شرائها أو بيعها للأوراق المالية مقابل الذهب بالسعر المحدد، و تحدد كل دولة قيمة عملاتها المحلية مقابل الذهب، و سمي ذلك بالسعر الرسمي أو سعر التوازن. فقيمة الجنيه الإسترليني من الذهب كما حددته الحكومة البريطانية يساوي 4,86656 في قيمة الدولار من الذهب، كما حددته حكومة الولايات المتحدة الأمريكية، و كان السعر الرسمي أو سعر التوازن (1) مجدي محمود شهاب: الوحدة النقدية الأوروبية الإشكاليات و الآثار المحتملة على المنطقة العربية، دار الجامعة الجديدة للنشر، مصر1998، ص ص44-45. (2) حيدر هاشم: أزمة الدولار، المؤسسة العربية للدراسات و النشر، بيروت، الطبعة الأولى 1971، ص28. بين كل من الدولار و الجنيه الإسترليني 4,86656 دولار لكل جنيه إسترليني(1). و بالرغم من أن سعر التوازن بين الدولار و الجنيه الإسترليني قد حدد رسميا بما يعادل 4,86656 لكل جنيه، فإن هذا لا يعني أن الدولار و الجنيه الإسترليني يتم تبادلها دائما بذلك السعر في المعاملات الخاصة بسوق العملات الأجنبية، إذ أن سعر الصرف السوقي كان خاضعا في ظل قاعدة الذهب لآليات العرض و الطلب. ثانيا: الركائز الرئيسية التي تقوم عليها قاعدة الذهب. إن هذه الحقيقة التاريخية التي ترجع إلى منتصف القرن التاسع عشر تقوم على نقاط رئيسية، نذكرها فيما يلي: - لقد ظهرت هذه القاعدة كانعكاس لفكرة الحرية الاقتصادية، و من ثم فقد كان من حق أي شخص أن يحوّل ما في حوزته من نقود إلى أوزان نسبية من الذهب، بمعنى أنه كان له حرية الاختيار لتحويل النقود إلى ذهب و الذهب إلى نقود بدون أي قيد(2). و بفضل هذه العملية فإن البنك المركزي لا يستطيع أن يقوم بإصدار كميات من الأوراق النقدية في التداول و ذلك تجنبا لزيادة كمية النقود المتداولة عن حاجة النشاط الاقتصادي و بالتالي تنقص ثقة الجمهور في استعمال النقود الذي يسارع إلى تركه- النقود - و الحصول على الذهب مكانه. - كما ساد في ظل هذه القاعدة مبدأ حرية استيراد و تصدير الذهب بين الدول بدون قيد أو شرط(3)، فإذا كان النظام يعتمد على المسكوكات، فإن الشخص الذي يرغب في تصدير كمية من الذهب، يستطيع أن يحصل عليها من التداول، أما إذا كان النظام يعتمد على السبائك فإن هذا الشخص سوف يلجأ إلى البنك المركزي للحصول عليها بالسعر القانوني. و العكس، يمكن للفرد أن يستورد الكمية التي يرغب فيها من الذهب، فحرية استيراد و تصدير الذهب تضمن و تؤمن ثبات سعر الصرف(4). - هناك علاقة قانونية بين الوحدة النقدية و بين معدن الذهب الصافي، فعلى سبيل المثال، نجد أن القانون البريطاني ينص على أن وحدة النقد، أي الجنيه الإسترليني تساوي غرامين من الذهب، و الهدف من هذا هو التمييز بين مختلف الوسائل المعتمدة في التداول، فإذا كان التداول عن طريق المسكوكات الذهبية. فكل وحدة مسكوكة يجب أن تحتوي ماديا على كمية من الذهب التي ينص عليها القانون، أما في حالة اعتماد أشكال نقدية أخرى، ففي هذه الحالة فإن البنك المركزي يجد نفسه مجبرا بقوة القانون على منح الذهب لكل من يطلبه استنادا إلى السعر الرسمي. (1) جون هدرسون، مارك هردنر: العلاقات الاقتصادية الدولية، دار المريخ للنشر، الطبعة الرابعة، الرياض1987، ص752. (2) أحمد فريد مصطفى، سهير محمد السيد حسين: السياسات النقدية و البعد الدولي لليورو، مؤسسات شباب الجامعة 2000، ص07. (3) حيدر هاشم: مرجع سبق ذكره، ص28. (4) ساخي بوبكر: الأورو موقعه من العملات الدولية:رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة الجزائر 2001، ص07. - انعدام دوافع تسرب و تهريب الذهب عبر الدول و وجود علاقة وثيقة بين قيمة الذهب و قيمة النقود، و من ثم حرية الأفراد في صهر المسكوكات الذهبية التي كانت تمثل أساسا وحدة النقد المتداولة مع احتفاظ الدولة بحق إصدار هذه الوحدات و قد كانت هذه الحرية تضمن تحقيق الاستقرار، و تثبيت قيمة الوحدة النقدية على الصعيدين الخارجي و الداخلي على حد سواء. و في الأخير نود أن نشير إلى أن هذا النظام أوقف العمل به في إنجلترا عام 1914، ثم تبعتها باقي الدول، و أقرت الدول المتحاربة التداول الإلزامي للأوراق النقدية أو المصرفية و بالتالي قامت البنوك المركزية لهذه الحكومات إصدار كميات كبيرة من الأوراق النقدية، إلا أن الإفراط و المبالغة في عملية الإصدار للأوراق النقدية تسبب في ارتفاع مذهل لمعدلات التضخم. و بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، و أمام هذا الإشكال المطروح تم الاتفاق بين الدول في المؤتمر الذي أنعقد بمدينة "جنوة" عام 1922 على العودة إلى نظام قاعدة الذهب باعتباره النظام الأمثل الذي يؤمن استقرار الوحدة النقدية (سعر الصرف). إلا أن المشكلة التي واجهت المؤتمرين في تلك الفترة تمثلت في كون أن أرصدة الدول الأوروبية المتحاربة من الذهب كانت موجودة بحوزة الولايات المتحدة الأمريكية لتغطية الاستيراد و بالتالي لا يمكن تطبيق نظام القاعدة الذهبية لكونه يعتمد على قاعدة نقدية معتبرة، فاقترح المؤتمرون شكلا آخر و المتمثل في نظام السبائك الذهبية. المطلب الثاني: قاعدة السبائك الذهبية وقاعدة الصرف بالذهب. أولا: نظام السبائك الذهبية. و هو نظام القاعدة الذهبية التي يقوم فيها التداول النقدي على أوراق نقدية قابلة للتحويل إلى سبائك ذهبية فقط، و في ظل هذا النظام يختفي الذهب كنقد في التداول بهدف التوفير في الذهب كمعدن، و تتوقف البنوك المركزية عن إصدار نقود ذهبية ( كما كان الحال في ظل قاعدة الذهب)، و تقتصر على إصدار أوراق نقدية قابلة للتحويل إلى سبائك ذهبية تكون قيمة الواحدة منها مرتفعة إلى حد كبير بهدف الحفاظ على أكبر كمية من معدن الذهب كاحتياطي للصرف الأجنبي. و تعتبر إنجلترا و فرنسا من أول الدول التي تبنت قاعدة السبائك الذهبية عقب الحرب العالمية الأولى، ففي إنجلترا قصر القانون الصادر عام 1925، إمكانية تحويل الأوراق النقدية إلى سبائك على المبالغ التي تزيد عن 1500 جنيه إسترليني، أما في فرنسا لم يسمح قانون "بوانكاريه" الصادر عام 1928 بالتحويل إلا السبائك التي تبلغ قيمتها 225000 فرنكا فرنسيا.(1) و نظرا لارتفاع سعر السبيكة، لم يعد بمقدور الأفراد الحصول على الذهب، و يتضح من هذا أن مبدأ تحويل النقود الورقية إلى الذهب تم الحفاظ عليه و إنما بقيود كمية محددة، و أن تبني قاعدة السبائك الذهبية كان بمثابة الخطوة الأولى تجاه التخلي عن إمكانية تحويل الأوراق النقدية إلى ذهب و عن قاعدة الذهب في المعاملات الداخلية، الأمر الذي تمّ في إنجلترا عام 1931، و في فرنسا عام 1936، و بالتالي تم حصر مجال استعماله في قطاع التجارة الخارجية.(2) و أقترح شكلا آخر، يؤمن عملية التبديل بالذهب و يقلل من الحاجة في استعمال الذهب، هذا النظام هو نظام الصرف بالذهب. ثانيا: قاعدة الصرف بالذهب. يعتبر هذا النظام خروج غير مباشر من نظام قاعدة الذهب، حيث تكون وحدة النقد فيه غير قابلة للتحويل إلى ذهب، و لكن تكون قابلة للتحويل إلى عملة دولة أخرى مرتبطة ارتباطا مباشر بالذهب، أي قابلة للتحويل إلى ذهب، و بذلك نجد أن هناك وسيطا بين وحدة النقد المتداولة و بين الذهب كالآتي: تحويل وحدة النقد إلى عملة قابلة للتحويل إلى ذهب ثم تحويل هذه الأخيرة إلى وزن نسبي من الذهب(3). و على هذا الأساس، تصبح وحدة النقد مرتبطة بالذهب ارتباطا من الدرجة الثانية، حيث هناك وسيط لا بد أن تمر به حتى تتحول إلى ذهب، هذا الوسيط هو العملة الأجنبية القابلة للتحويل إلى ذهب، و في هذه الحالة لا تتحدد قيمة وحدة النقد طبقا لقاعدة الذهب، و لكن طبقا لقيمة العملة الأجنبية القابلة للتحويل، و قد سمي هذا النظام "نظام التحويل من الدرجة الثانية" بمعنى أنه طبقا لهذا النظام يوجد نوعين من العملات، عملات تلعب دورا عالميا بالغ الأهمية و تسمى بالنقود المركزية Monnaie convertibleو عملات تابعة Monnaie satellites، وتستند في إصدارها على عملة إرتكازية أي القابلة للتحويل لتكون غطاء لها بدلا من الذهب.(4) فمثلا نجد أن الدول التي كانت منطقة نفوذ اقتصادية لأمريكا كانت عملاتها قابلة للتحويل إلى الدولار القابل للتحويل للذهب، و نفس الشيء بالنسبة للدول التي كانت تابعة لكتلة الإسترليني، أصبحت هذه الدول تتمتع بمزايا الذهب عن طريق الاحتفاظ باحتياطاتها الذهبية و في صورة عملات. (1) مجدي محمود شهاب: مرجع سبق ذكره، ص45. (2) Y.Bernard et J.C.Colli : Dictionnaire économique et Financier ; 3éme ed ; Edition du Seuil ; 1984 ; p728. (3)رمزي زكي: التاريخ النقدي للتخلف، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة السابعة، بدون تاريخ، ص96. (4)أحمد فريد مصطفى، سهير محمد السيد حسين: مرجع سبق ذكره، ص ص 11-12. و هنا نجد أن هذا التقسيم للعملات هو أساس نظام الصرف بالذهب، ففي أول الأمر كانت العملة المحور أو الارتكاز هي الجنيه الإسترليني حيث كان هو الأساس الذي يستند عليه في سداد الالتزامات الدولية و كان يتمتع بغطاء إصدار كامل من الذهب، و بمرور الوقت أصبح الدولار يقف جنبا إلى جنب مع الجنيه الإسترليني، حيث أصبح نظام الصرف بالذهب يستند على هاتان العملتان "الدولار و الإسترليني" في الوقت الذي تدور فيه بقية العملات حول هذا المحور. إلا أنه بحلول الثلاثينات، بدأت الأهمية النسبية للجنيه الإسترليني في الزوال و ذلك بظهور مصادر جديدة للطاقة غير الفحم الذي كان يشكل معظم صادرات بريطانيا، إلى جانب تزايد الأهمية النسبية للاقتصاد الأمريكي، و من ثم أصبح الدولار يمثل الاحتياطي النقدي الذي يحل محل الذهب في إطار النظام النقدي القائم على أساس قاعدة الصرف بالذهب. ثالثا: شروط نجاح نظام الصرف بالذهب. حتى تعمل هذه القاعدة بشكل فعال، لا بد من توافر المقومات التالية: 1- تناسق سياسات البنوك المركزية للدول التي تتبع هذا النظام، تناسق قراراتها، وحدة نظمها، دون أن تكون هناك سيطرة لأحد البنوك على الأخرى، كما يجب أن تكون الدول المتبعة لهذا النظام في درجة واحدة من النمو و التقدم الاقتصادي؛ 2- يجب أن تتمتع الدول التي اختيرت كمحور لهذا النظام و اختيرت عملاتها كعملة إرتكازية بحالة اقتصادية جيّدة، بحيث إذا رغبت دول معينة في أن تصبح مركز للعالم النقدي فيجب أن تتمتع بحالة اقتصادية داخلية جيدة، بمعنى عدم وجود بطالة أو عجز في ميزان مدفوعاتها أو انخفاض معدلات النمو الاقتصادي؛(1) 3- تحديد سعر صرف ثابت للعملة الوطنية، مقابل العملة الأجنبية القابلة للصرف بالذهب؛ 4- التزام السلطات النقدية، ممثلة في بنكها المركزي، ببيع و شراء العملات الأجنبية القابلة للصرف بالذهب و بسعر ثابت؛ 5- عدم وجود أية قيود على تحويل العملة إلى الخارج أو استيرادها منه.(2) أما بالنسبة لدول المحور - الرئيسية في هذا النظام- فيجب أن يكون طلبها على الواردات من منتجات الدول الأخرى كبير، حتى يتسنى لهذه الدول المصدرة الحصول على العملات الأجنبية القوية، عن طريق معاملاتها التجارية مع الدولة المحور القوية صاحبة هذه العملات القوية و التي سوف تكوّن الاحتياطي النقدي لهذه الدولة و الذي يحل محل الذهب. (1) نفس المرجع السابق، ص16. (2) مدحت صادق: النقود الدولية و عمليات الصرف الأجنبي، دارغريب للطباعة و النشر و التوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1997، ص15 و قد نتساءل: كيف يمكن للدول التي ترتبط بنظام عملة مركزية قابلة للتحويل إلى الذهب الحصول على هذه العملة؟ هنا نقول: أن هذه الدولة تستطيع الحصول على هذه العملة عن طريق التجارة الخارجية أو عن طريق الشراء أو الاقتراض. المطلب الثالث: انهيار و زوال قاعدة الذهب. قبل التطرق إلى الأساليب و العوامل التي أدت إلى انهيار قاعدة الذهب، علينا أن نشير إلى أهم السياسات التي كانت الحكومات تتبعها في ظل هذا النظام.(1) أولا: السياسات المتبعة من قبل الحكومات في ظل هذا النظام. - يتعين على الحكومات الوقوف مستعدة لشراء و بيع عملتها مقابل الذهب بالسعر الرسمي و أن تسمح بتصدير و استيراد الذهب من أجل أن يعمل نظام الذهب الدولي بفعالية؛ - يشترط على كل حكومة أن تجعل أية مشكلة تخص الأوضاع الاقتصادية المحلية ثانوية بهدف الحفاظ على القيمة الخارجية لعملتها؛ - أن تسمح الحكومات لعرضها النقدي بالتوسع أو الانكماش حسب تدفق الذهب و أن تترك الأسعار الداخلية ترتفع و تنخفض بمقدار كاف للقضاء على خلل ميزان المدفوعات؛ - كذلك أن تسمح الحكومات بحرية تدفق رأس المال إلى و من مختلف الدول. ثانيا: أسباب و عوامل انهيار قاعدة الذهب. - يعتبر نشوب الحرب العالمية الأولى أول صدمة تلقاها النظام، حيث تخلت معظم الدول عن بيع و شراء الذهب و منعها بالقوة تصدير الذهب، هذا ما أدى إلى استحالة عمل آلية قاعدة الذهب الدولي في ظل تلك الأوضاع، فقد توقعت جميع الدول آنذاك أن التخلي عن هذا النظام هو ظرف مؤقت فقط، و بإمكانها العودة إلى قاعدة الذهب بعد الحرب، و بأن أسعار الصرف الرسمية التي سادت قبل الحرب يمكن إعادتها(2). إلا أنه لم يحدث ما كان متوقعا، فلقد أثرت الحرب العالمية الأولى على هيكل الاقتصاد العالمي، حيث فقدت لندن مكانتها باعتبارها المركز الوحيد للتجارة و التمويل الدوليين، كما خسرت لندن قدرتها على التحكم في الإختلالات التي تحدث في المدفوعات عن طريق تلاعبها بأسعار الخصم، كما تمت تصفية الأرصدة الإسترلينية لصالح المقيمين الأجانب و الحكومات. - لقد كانت بريطانيا المحور الرئيسي للتجارة و التمويل الدوليين قبل الحرب العالمية الأولى، حيث كان ميزان المدفوعات دولة ما مرتبط مع بريطانيا، و كذلك قيمة عملتها بالإسترليني من المهام (1) جون هدرسون، مارك هرندر: مرجع سبق ذكره، ص763. (2) زينب حسين عوض الله: الاقتصاد الدولي، ( نظرة عامة على بعض القضايا)، الدار الجامعية للطباعة و النشر، 1998، ص130. الأساسية للسلطات النقدية في أية دولة و كذلك لمجموعاتها التمويلية، أما الآن فقد ظهر مركز تجاري و تمويلي ثاني في العالم المتمثل في الولايات المتحدة الأمريكية التي تميّز اقتصادها بالنمو المستمر و إلى جانب ذلك بقاء الدولار مرتبط بالذهب مما مكنها من احتلال تلك المكانة، حيث أصبح ميزان المدفوعات أي دولة و قيمة عملتها مرتبطة بالولايات المتحدة و أكسبها أهمية متزايدة(1). - مما عرقل و صعب العمل بقاعدة الذهب هو ظهور التضخم الذي نتج عن تزايد عدد العملات الورقية، فأدى ذلك إلى انخفاض قدرتها الشرائية حيث نمت معدلات التضخم هذا يعني أن السعر الرسمي الذي كانت تحدد به العملات لم يعد يعكس القيمة الشرائية للعملات، فخلق ذلك اختلافا بين السعرين السوقي و الرسمي لكل من الدولار و الإسترليني، بحيث قامت بريطانيا في تلك الآونة بتقليص الأسعار المحلية إلى حد كبير دام ست سنوات (1919-1925) و هذا قصد المحافظة على السعر الرسمي القديم، في حين استغرقت دول أخرى فترات أطول للوصول إلى نفس الهدف، و البعض الآخر من الدول انتهج سياسة تغير عملاتها و ذلك بإصدار عملات جديدة تحمل قيّما أخرى غير القيمة السابقة، منها ألمانيا، النمسا، و روسيا. - باقتراب نهاية العشرينات عرفت اقتصاديات الدول الصناعية ركودا و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، التي تميز اقتصادها بسقوط حر في عام 1929، حيث انهارت بورصتهاStock Market الشيء الذي أثر على جميع أنحاء العالم، فبانخفاض مستوى الدخل الأمريكي انخفضت الواردات بطبيعة الحال، مما قلّص من صادرات الدول الأخرى إلى الولايات المتحدة و ولّد هذا تدهورا أكبر في اقتصاديات الدول المصدرة للولايات، كما أن موازين مدفوعات الدول الأجنبية كانت في حالة عجز بسبب انخفاض تدفق رأس المال الأمريكي للخارج. و قد تلقت قاعدة الذهب الضربة القاضية عام 1931 بعد أن قام المودعون بسحب أرصدتهممنالبنوك النمساوية ثم البنوك الألمانية التي قامت فيها الحكومات بفرض قيود على الصرف، تم تبعتها في ذلك دول أخرى، و في مقدمتهم بريطانيا، التي قامت بتعويم عملاتها فتبعتها في ذلك دول أخرى تربطها بها علاقات تجارية و مالية و أيضا عملاتها مرتبطة بالإسترليني، فظهر في عام 1932 ما سمي "منطقة الإسترليني"(*). (*): و من الجدير بالذكر أن المنطقة الإسترلينية التي شكلتها بريطانيا على إثر خروجها من قاعدة الذهب كانت تمثل أكبر منطقة نقدية تم تشكيلها قبل الحرب العالمية الثانية، فقد كانت تشمل الممتلكات البريطانية في مصر و الهند و العراق و البرتغال و السويد و النرويج و فنلندا و الدانمارك و فرنسا و إيران و إتحاد جنوب إفريقيا و استراليا و نيوزلندا و اليابان. و تشكلت في خلال هذه الحقبة أيضا منطقة صغيرة في الشرق الأقصى كانت تعرف باسم كتلة "الين الياباني" حيث كانت تتألف من اليابان و ممتلكاتها، إلا أنه بعد أن انضمت اليابان إلى منطقة الإسترليني في جانفي 1993، أصبحت كتلة الين منتسبة بالتبعية إلى منطقة الإسترليني. (1) كبور رشيدة: من النظام النقدي الأوروبي إلى العملة الأوروبية الموحدة، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية العلوم الاقتصادية و علوم التسيير، جامعة الجزائر، 2000، ص58. و هناك دول على العكس مما سبق حافظت على العمل بقاعدة الذهب و هذه الدول شكلت ما سمي "كتلة الذهب" و كانت تضم هولندا، فرنسا، بلجيكا، سويسرا، و الولايات المتحدة الأمريكية، و قد لوحظ أن عملات هذه الدول مقدرة أكثر من قيمتها الحقيقية، مما أدى إلى حدوث صعوبات كبيرة في صادراتها، لهذا اضطرت أن تتخلى عن نظام قاعدة الذهب، حيث أدى إلى إشاعة جو عام من عدم الثقة في الدولار، و توقع الكثيرون أن تخرج هي أيضا من هذه القاعدة، فلجأ الأفراد إلى سحب أرصدتهم من البنوك و استبدالها بالذهب، و ظل الذهب يخرج من الولايات المتحدة الأمريكية و بشكل مستمر، إلى أن اضطرت الحكومة الأمريكية الخروج من قاعدة الذهب في14 أفريل1933(1)، فألقت بذلك حرية تصدير الذهب، و ظل الذهب ممنوعا من التداول، و تم تخفيض قيمة الدولار بنسبة 40,9% و هكذا انهارت قاعدة الذهب و انتهى العمل بها كنظام نقدي دولي مما أدى إلى البحث عن نظام نقدي بديل، و ذلك باقتراب الحرب العالمية الثانية، و قد تم بالفعل التوجه نحو تشكيل نظام نقدي دولي و تم تبنيه بنهاية الحرب العالمية الثانية و عرف بنظام "بريتون وودز". (1) ضياء مجيد الموسوي: الاقتصاد النقدي، المؤسسات النقدية، البنوك التجارية، البنوك المركزية، الإسكندرية، مؤسسة شباب الجامعة للنشر، 1998، ص45. المبحث الثاني: النظام النقدي الدولي في ظل نظام بريتن وودز.(*) تمهيــــــد: شهد العالم خلال الثلاثينات ظروف عدم استقرار غير عادية حيث اتجهت أسعار صرف العملات الدولية للتقلب الشديد فضلا عن اتجاه الدول إلى تخفيض قيمة عملتها و تقييد التجارة الدولية مما أدى إلى تقلص حجم التجارة الخارجية إلى النصف. و لكي لا يبقى العالم في مثل هذه الظروف و قبل انتهاء الحرب العالمية الثانية بدأت كثير من الدول في البحث عن نظام نقدي جديد يكون أساسا للعلاقات الاقتصادية الدولية لما بعد الحرب. المطلب الأول: تبني نظام بريتون وودز. أولا: مخططات إصلاح و تنظيم السيولة الدولية. يرجع أهم ما قدم من اقتراحات إلى كل من المخطط البريطاني عن طريق ممثل الخزانة البريطانية "جون مينار كينز" و المخطط الأمريكي الذي اقترح على لسان موظف الخزينة الأمريكية "هاري دكستر وايت". كانت منطلقات كينز تتمثل في أن النظام النقدي الجديد يجب أن يكفل عدم التدخل في السياسات الداخلية للدول، إلا ما كان له أثر هام في العلاقات الاقتصادية الدولية و بشرط أن تكون تلك العلاقات متساوية في المزايا بين الدول و أن يحقق النظام المصلحة العامة لكل الدول المشاركة.(1) و قد ذهب كينز في مشروعه إلى أن إدارة و ضبط النظام الجديد يتطلبان تكوين مؤسسة دولية ذات طابع مركزي عالمي، و يكون لكل دولة مشتركة حصة تحدد مسؤولياتها في إدارة شؤون هذه المؤسسة، و قد قصد كينز بتلك المؤسسة تكوين "إتحاد المقاصة الدولية" تكون مهمته كمهمة البنك المركزي في النظام النقدي المحلي.(2) و ما يميز مشروع كينز هو موقفه من الدور الذي سيلعبه الذهب في النظام الجديد، فهو يرى أن عالم ما بعد الحرب في حاجة إلى تلك الكميات من النقود و الاحتياطات الدولية التي لن تتناسب مع كمية الذهب في العالم، و يجب أن تتحدد كمية النقد الدولي العالمي لا على أساس إنتاج الذهب و تكاليفه و لا على الاحتياطي الموجود منه، و إنما على أساس حجم التجارة الدولية، و في ضوء هذه الحاجة يمكن للعالم أن يزيد أو ينقص من كمية النقود الدولية لمواجهة أحوال التضخم أو الانكماش في العالم، و قد اقترح أن يكون النظام الجديد مرتكزا على عملة دولية لا تخضع لسيادة أي بلد و أطلق على هذه العملة مصطلح "البانكورBancor" و هي عبارة عن وحدة حسابية قياسية )*(:و الواقع أن هذه التسمية أطلقها الأنجلوساكسون و جرى عليها العمل رغم ما يشير إليه البعض بحق أن تسمية هذا النظام باسم قاعدة العملة و الذهب Etalon devise or بدلا من قاعدة الصرف بالذهب. (1) زينب حسين عوض الله: مرجع سبق ذكره، ص152. (2) Michel Bialés ; Remi Leunion ; et les autres : Notion Fondamentales d’économie, Edition Foucher, Paris, 1998. P254. نقدية تستخدم في تسوية المدفوعات الدولية بعد أن توافق الدول على استخدامها و تكون قيمتها مرتبطة بالذهب و لكنها قابلة للتغير حسب الأحوال و على أن يكون كمية المصدر منها متناسبة مع حاجة التجارة الدولية بطريقة منتظمة. و هنا يتعين على الدول المشتركة في النظام أن تحدد سعر الصرف عملتها "بالبانكور"Bancor و هو ما يعني أن تكون قيمة عملتها مربوطة بوزن معين من الذهب، و لا يجوز تغيير هذا السعر إلا بموافقة إتحاد المقاصة الدولي، فالهدف يجب أن يكون هو ثبات أسعار الصرف، و قد اقترح كينز أن يقوم إتحاد المقاصة الدولي بفتح حسابات دائنة و مدينة للدول المشتركة و يجري عمليات المقاصة بينها، بحيث تتساوى في النهاية الأرصدة الدائنة و المدينة، و لكن إذا أسفر الحساب لدولة ما عن رصيد دائن فإنه يبقى داخل الإتحاد كعرض مقدم من الدولة صاحبة الدائنية.(1) و الواقع أن هذا المشروع كان يحاول إلغاء دائنية و مديونية الدول اتجاه بعضها البعض، حيث تصبح مع اتحاد المقاصة الدولي، و هو في هذا كان يدافع عن مصلحة بريطانيا المدينة، و يحاول أن يعيد مركز الاقتصاد البريطاني. أما مشروع "هاري وايت" فم يكن يهدف إيجاد سلطة نقدية دولية تحل مكان السلطة النقدية المحلية، بل تصوّر إمكان التعاون بين هذه السلطات، وكان جوهر اقتراحه يتلخص في أن النظام النقدي الدولي الجديد يجب أن يستهدف العمل على استقرار أسعار الصرف و محاربة مختلف أشكال القيود على المدفوعات الخارجية التي تحد من حرية التجارة و حرية انتقال رؤوس الأموال و قد اقترح لذلك تكوين صندوق دولي لتثبيت قيمة العملات للدول الأعضاء المشتركة فيه، كما اقترح أن تكون وحدة التعامل الدولي هي " اليونيتاس" Unitas التي ترتبط قيمتها بوزن معين من الذهب، و على الدول الأعضاء أن تحدد قيمة عملتها بالذهب أو باليونيتاس، و ليس لها الحق في تغيير هذه القيمة إلا بعد موافقة أربعة أخماس أصوات الدول الأعضاء في الصندوق(2)، و سوف يفتح في الصندوق حسابات دائنة و مدينة تقيّد فيها الأرصدة باليونيتاس و يمكن سحب العملة بالذهب أو بالعملات الأخرى، و يقتصر دور الذهب في عمليات التسوية على دفع الفائض في الحساب الجاري للدول الأعضاء، و في حالة حدوث اختلال جوهري في ميزان المدفوعات تكون مهمة الصندوق هي السعي لتثبيت قيمة العملات من خلال الائتمانات المتبادلة بين الأعضاء، كما اقترح "هاري وايت" أن يكون حجم الحصة لأي دولة على أساس حجم ما في حوزة الدولة من ذهب و نقد أجنبي و حجم دخلها القومي، و هو بهذا الشكل كان يعبّر عن مصلحة الولايات المتحدة الأمريكيةالتي كانت تملك آنذاك أكبر كمية من الذهب العالمي و تحقق أعلى دخل في العالم. (1)زينب حسين عوض الله: مرجع سبق ذكره، ص154. (2)Michel Bialés ; Remi Leunion ; et les autres; Op.Cit .P 255. و في آخر المطاف اتفق المؤتمرون على تبني المشروع الأمريكي نظرا لقوة الدولار من جهة و قوة الولايات المتحدة اقتصاديا و عسكريا من جهة أخرى، فضلا عن مساندة دول أمريكا اللاتينية للمشروع(1) كما تمّ تعيين "هاري وايت" على رأس صندوق النقد الدولي باقتراح من الرئيس "روزفلت". ثانيا: محتوى اتفاقية "بريتون وودز" في 20 جويلية 1944، تم التوقيع على جملة الاتفاقيات في بريتون وودز و بالضبط في الضفة الشرقية للولايات المتحدة الأمريكية في "نيو هامبشير New hanpshire"(2) حيثاجتمع ممثلو الولايات المتحدة الأمريكية و انجلترا بالإضافة إلى ممثلي اثني و أربعين دولة أخرى، و توصلوا إلى نظام مصرف بالذهب حيث أصبح للدولار دورا أساسيا في الحفاظ عليه و ذلك من خلال تعهد الولايات المتحدة الأمريكية بتلبية أي طلب لتحويل الدولار إلى الذهب عند سعر ثابت 35 دولار للأوقية بدون حدود أو قيود، أما باقي عملات دول العالم فيتم تثبيت قيمتها بمقابل الدولار و بالتبعية تصبح مثبتة في مواجهة الذهب أيضا.(3) شكل رقم ( 1-1):نظام النقد الدولي بعد 1944. نظام الصرف بالذهب الدولار الذهب المارك الجنيه الفرنك و يمكن تلخيص خصائص هذا النظام في النقاط التالية: 1- ربط أسعار عملات الدول إلى الدولار و بالتبعية إلى الذهب؛ 2- أن تلتزم كل دولة بالتدخل في سوق الصرف الأجنبي للحفاظ على سعر الصرف في حدود 1%. و ارتفاعا و انخفاضا عند سعر التعادل في مواجهة الدولار (1) ضياء مجيد الموسوي: مرجع سبق ذكره، ص304. (2) Patrik Lenain : Le FMI, Casbah édition, janvier1999.P09 (3)محمد سيد عابد: التجارة الدولية، قسم علوم الاقتصاد، كلية التجارة، جامعة الإسكندرية، مكتبة و مطبعة الإشعاع الفنية، 2001، ص 430. 3- يمكن للدول أن تموّل عجزها المؤقت في موازين مدفوعاتها باستخدام احتياطاتها الدولية و بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، أما في حالة وجود اختلال هيكلي، أي وجود عجز أو فائض بشكل كبير و مستمر في ميزان المدفوعات، فإنه يسمح للدولة بأن تغير السعر الاسمي لعملتها في حدود 10% دون اشتراط الموافقة المسبقة للصندوق؛(1) 4- استخدام الدول لما لديها من أرصدة دولارية لشراء عملتها المحلية عندما تميل قيمتها للتدهور بأكثر من 1% من سعر التعادل أو التدخل ببيع عملتها و شراء الدولار عندما تتحسن قيمتها بما يفوق 1% من سعر التعادل؛ 5- فرض القيود على تحركات رؤوس الأموال قصيرة الأجل و ذلك لتفادي تأثيرها على نظام أسعار الصرف الثابتة. و تعتبر هذه الأفكار بمثابة الأهداف الأساسية التي خرج بها مؤتمر "بريتون وودز" و التي أوكلت مهمة الإشراف على تطبيقها لصندوق النقد الدولي الذي انبثق عن المؤتمر المذكور و كذلك البنك الدولي للإنشاء و التعمير، الذي أصبح يعرف باسم البنك الدولي. ثالثا: مؤسسات السيولة الدولية. سوف نشير إلى المؤسسات الدولية المنبثقة عن مؤتمر "بريتون وودز" لكن بكثير من التركيز على صندوق النقد الدولي، لاعتباره المشرف على تنفيذ قواعد النظام النقدي الدولي من جهة و لاتصاله بموضوع بحثنا من جهة أخرى. فلقد كان الغرض من إنشاء الصندوق هو مواجهة المشكلات المالية و النقدية التي تسببت في خلق الأزمة العالمية في الثلاثينات، و عليه تضمنت اتفاقية الصندوق التي تم التوقيع عليها من قبل كل الأعضاء، بتعهد كل عضو بالامتناع عن أي ممارسات يكون من شأنها تدهور رفاهية الدول الأخرى، كما كان يهدف الصندوق إلى تحقيق ما يلي: (2) - العمل بنظام دولي لأسعار الصرف ثابتة حيث تتبادل في ظله عملات الدول الأعضاء و ذلك وفقا لنسب مبادلة يتم الاتفاق عليها مسبقا؛ - إقامة نظام متعدد الأطراف للمدفوعات التجارية الجارية بين الدول الأعضاء في الصندوق و إلغاء القيود على الصرف التي تعيق نمو التجارة العالمية. (1)مجدي محمود شهاب: مرجع سبق ذكره، ص50. (2) الهادي خالدي: المرآة الكاشفة لصندوق النقد الدولي، دار هومة، أفريل 1996، ص50. و حتى يتم تسهيل التوسع و النمو المتناسقين للتجارة الدولية، يقوم الصندوق بمد الدول الأعضاء ائتمانا خاصا يطلق عليه حقوق السحب العادية(*) لمواجهة العجز المؤقت في موازين مدفوعاتها (1)، و يتم ذلك عن طريق شراء الدولة العضو لعملات الدول التي تحتاج إليها مقابل الذهب أو مقابل مقدار عملتها الوطنية، غير أن هذا الحق ليس حقا محققا، بل إنه محدود و مقيّد بكثير من الشروط و التي تحد إلى حد كبير من حق الدولة في الالتجاء إلى موارد الصندوق. فهو أولا محدود، لأن شراء العملات الأجنبية من الصندوق يجب ألا يؤدي إلى زيادة رصيد الصندوق من عملة الدولة المشترية بأكثر من 25%من حصتها خلال الإثني عشر شهرا، و ألا يؤدي إلى زيادة رصيد الصندوق من عملة العضو المقترض بأكثر من 200 % من حصته. و هو ثانيا مقيّد بشروط لأن شراء الدولة العضو لعملات الدول الأجنبية يخضع للقيود التالية: - أن يكون الغرض من الحصول على تلك العملات هو مواجهة عجز مؤقت في ميزان المدفوعات الجارية أو لمواجهة التوسع في زيادة الصادرات أو الانسياب العادي للتجارة الخارجية، و على ذلك فلا يجوز استخدام موارد الصندوق لمواجهة تصدير واسع و مستمر لرؤوس الأموال؛ - لا يجوز استخدام موارد الصندوق لمواجهة أعباء الدولة الناشئة عن أعمال الإغاثة و التعمير أو تصفية ديون الحرب؛ - ألا تكون العملة المطلوبة من قبل العضو قد أعلنت نادرة، ذلك أنه لا يمكن للعملة المعلنة نادرة أن تكون محلا لمعاملات بين الصندوق و الدول الأعضاء فيه؛ - التزام الدولة بإعادة شراء عملتها من الصندوق، إذ تقوم الدولة التي سحبت مبلغ ما من عملات الدول الأخرى من الصندوق في مقابل عملاتها بأن تعيد شراء هذه العملة ذاتها في مقابل دفع عملات الدول الأخرى في وقت ما في المستقبل، مما يعني سدادها للمبلغ الذي سحبته من الصندوق. و يشترط ألا يؤدي السداد في شكل عملة ما إلى أن تزيد موجودات الصندوق منها عن 85% من حصة الدولة صاحبة هذه العملة في الصندوق. و مقابل التزام العضو بهذا السلوك، يقدم الصندوق التمويل اللازم لمساعدة البلد العضو عندما يتعرض لمشاكل نقدية، على أننا يجب أن نؤكد أن صندوق النقد الدولي لا يعتبر مؤسسة إقراض كما هو الحال بالنسبة للبنك الدولي، و إنما يعد مشرفا و مراقبا للسياسات النقدية و أسعار الصرف بما )*(نود أن نشير إلى ضرورة التفريق بين حقوق السحب العادية و حقوق السحب الخاصة، فالأولى تقدم في صورة ائتمان أما الثانية تعتبر احتياطات نقدية، تضاف إلى الذهب و الدولار، و منه يمكن القول أنها عبارة عن عملة نقدية دولية تستخدم فقط بين البنوك المركزية مباشرة أو فيما بين البنوك المركزية و صندوق النقد الدولي. (1) مدحت صادق: مرجع سبق ذكره، ص31. يضمن الاستقرار النقدي الدولي و النمو المستمر للاقتصاد العالمي(1). المطلب الثاني: مراحل سير نظام بريتون وودز. أولا: مرحلة الازدهار "القوة". لقد تركت الحرب العالمية الثانية أوروبا و اليابان في حالة دمار اقتصادي، و لم تستطيع أوروبا تزويد نفسها بالسلع الاستهلاكية بالإضافة إلى السلع الرأسمالية الضرورية لإعادة البناء. و في ضوء هذه الظروف، كان من الضروري استيراد العديد من السلع لأوروبا و كانت المشكلة تكمن في الحاجة إلى العملة الصعبة و خاصة الدولار الأمريكي للدفع مقابل الواردات، إذ لم تكن لأوروبا طاقة تصديرية تستطيع من خلالها الحصول على العملة الصعبة، كما احتياطاتها الدولية غير كافية. و نظرا لكون الولايات المتحدة الأمريكية المصدر الأساسي للسلع الإنتاجية، فقد كان نقص السلع في أوروبا يمثل نقصا في الواردات. و للمساعدة في تخفيف وطأة نقص الدولارات، قامت الولايات المتحدة الأمريكية و كندا و عدد من المنظمات الدولية بمنح عدد من القروض و المنح لأوروبا، شملت برنامج الانتعاش الأوروبي، و المعروف بمخطط "مارشال" حيث قامت الولايات المتحدة الأمريكية بمنح 13 مليار دولار11,6 مليار دولار في شكل منح و الباقي في شكل قروض، و في مقابل ذلك طلبت من الدول المستفيدة إعطاء الأولوية لإعادة التعمير و التقدم الاقتصادي في سياستها الاقتصادية و النقدية و تشجيع تصدير منتجاتها إلى منطقة الدولار. و من هنا ظهرت فكرة "الفترة الانتقالية" التي أتاحت لدول أوروبا تشجيع صادراتها عن طريق تخفيض أسعار الصرف عملاتها، بالرغم من الآثار التي يمكن أن يحدثها هذا الإجراء، و الذي يؤثر سلبا على صادرات الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه أوروبا. و مما سبق، نستطيع القول أن معظم دول العالم كانت في حاجة ماسة للاقتصاد الأمريكي، و هذا يعني أنها في حاجة للدولار الأمريكي، مما جعل الدول تجري وراءه، و بالتالي أصبح بمثابة النقد الذي يستعمل في تسوية المدفوعات الدولية. فخلال الفترة الممتدة من 1946إلى 1949 حققت الولايات المتحدة الأمريكية فائضا ضخما في ميزان مدفوعاتها مع أوروبا. (1) محمد سيّد عابد: مرجع سبق ذكره، ص420. إلا أنه منذ عام 1950 بدأت أوروبا تستعيد مستواها الاقتصادي و هذا ما ساعد كل من أوروبا و اليابان في تكوين أرصدة دولارية مما تسبب في ندرة الدولار، كما تحول فائض ميزان المدفوعات الإجمالي الأمريكي -المحقق سابقا- إلى عجز منذ 1950. و كان هذا الوضع بمثابة مؤشر لبداية العجز الدائم في ميزان المدفوعات الأمريكي، و الذي كان محورا دارت حوله الأحداث الدولية النقدية و الأزمات. ثانيا: مرحلة الضعف. إن الإجراء المعتمد من طرف الدول الأوروبية و المتمثل في تخفيض أسعار صرف عملاتها، شجع على زيادة الصادرات لهذه الدول، و رفع من القدرة الإنتاجية للقطاع الصناعي من الفترة الممتدة من 1950إلى 1960 بحوالي 60%. فالتحسن الذي طرأ على موازين المدفوعات الأوروبية في عام 1958، سمح لها بتكوين احتياطات نقدية كبيرة، مما جعلها تعلن إعادة عملاتها للتحويل، الأمر الذي نتج عنه دخول رؤوس الأموال الأمريكية إلى الدول الأوروبية.(1) و في مقابل ذلك و في نفس السنة 1958 زاد العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي بشدة بمتوسط 3 مليار دولار سنويا، و لعل هذا العجز كان راجعا إلى تدفق الاستثمارات الأمريكية في أوروبا و التضخم الأمريكي الناتج عن تمويل حرب الفيتنام من خلال زيادة العرض النقدي و إصدار مزيد من الدولارات. فأصبح ما يحتفظ به الأجانب من دولارات هو 40 مليار دولار بينما كان 13 مليار فقط في عام 1949، و في نفس الوقت فإن القطاع الخاص كان يحتفظ بقدر أكبر من ذلك و هو ما يمثل في جملته دين على الحكومة الأمريكية أو التزام على ما لديها من ذهب الذي انخفض مستواه من 25 مليار دولار في عام 1949 إلى 11 مليار دولار فقط في عام 1970 معنى ذلك أن الولايات المتحدة كانت تواجه التزامات بالذهب أكبر من رصيدها الفعلي منه. و لقد امتنعت الولايات المتحدة الأمريكية خلال هذه الفترة عن تخفيض قيمة الدولار لمواجهة العجز في ميزان المدفوعات و لجأت إلى بعض السياسات الأخرى لمنع خروج رؤوس الأموال مثل زيادة أسعار الفائدة المحلية قصيرة الأجل و الحفاظ على سعر الفائدة طويلة الأجل منخفض نسبيا لتشجيع النمو الاقتصادي المحلي. (1) ساخي بوبكر:مرجع سبق ذكره، ص24. و مع فشل كل هذه الإجراءات لوقف العجز المستمر في ميزان المدفوعات الأمريكي فإن رصيدها قد تضاءل بحيث أصبح غير كافي لسد العجز الأمريكي، و في محاولة أخيرة لامتصاص فائض السيولة الدولارية على المستوى الدولي و وقف محاولات الدول مبادلة ما لديهم من دولارات مقابل الذهب، أصدرت الحكومة الأمريكية سندات حكومية مضمونة و متوسطة الأجل تصدر بالدولار و بسعر صرف مضمون(1) إلا أن هذه السياسة لم تفلح في وقف تدهور الأرصدة الذهبية حتى وصل الرصيد الذهبي الأمريكي إلى ¼ العجز الحكومي فقط ( أي أن العجز الحكومي أصبح أربع أمثال الأرصدة الذهبية). و في هذه الحالة كان ضروريا أن يتغير سعر التعادل أو تكافؤ العملات، حيث في 05 ماي 1971، توقفت ألمانيا، هولندا و سويسرا عن التدخل في سوق الصرف الأجنبي و في 09 ماي 1971 رفعت كل من سويسرا و النسا قيمة عملتيهما بنسبة 7,1% و 6,1% على التوالي، بينما قررت ألمانيا و هولندا تعويم عملتيهما.(2) و بات مؤكدا أن أمريكا سوف تخفض قيمة الدولار، و في ظل تكامل أسواق رأس المال، فإنّ هذا التوقع قد تسبب في اندفاع حاد للتخلص من الدولار قبل أن تنخفض قيمته و الاتجاه إلى العملات الأخرى القوية مثل المارك و الفرنك السويسري و الين. ثالثا: إيقاف التحويل بين الذهب و الدولار. كل تلك الأوضاع السالفة الذكر نجمت عنها زعزعة الثقة في الدولار، إذ تأكد بذلك عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الالتزام بتحويل الدولار إلى الذهب، مما أدى إلى زيادة الطلب على الذهب و ما نتج من مضاربات على الدولار. و في يوم الأحد 15 أوت 1971 أعلنت الحكومة الأمريكية على لسان رئيسها "ريتشارد نيكسون" عن إيقاف التحويل بين الذهب و الدولار، و هكذا أغلقت نافذة التحويل إلى الذهب و معها انهارت دعامة نظام بريتون وودز، كما صاحب هذا القرار مجموعة من الإجراءات الانكماشية الداخلية: - فرض رسم إضافي قدره %10 على السلع المستوردة و الهدف منه هو استعماله كوسيلة ضغط على الدول الأخرى لإجبارها على المساهمة في علاج العجز المتزايد في ميزان المدفوعات للولايات المتحدة؛ - تجميد الأجور و الأسعار لمدة 10 أيام، القصد من هذا هو مواجهة التضخم في الداخل؛ - إعفاء الاستثمارات الخاصة بإنتاج المعدات الوطنية من الضرائب بنسبة 10%لمدة سنة لتشجيع الاستثمار في الداخل؛ - إلغاء ضريبة الإنتاج المقدرة بـ7% على صناعة السيارات الأمريكية و الهدف من هذا الإلغاء هو إنعاش هذه الصناعة و جعلها أكثر تنافسية؛ (1) Michel Dupuy : Le Dollar, Dunod, Paris1999.P23. (2) مدحت صادق: مرجع سبق ذكره، ص37. - تخفيض الإنفاق الحكومي و المساعدات الاقتصادية الخارجية بنسبة 10%. المطلب الثالث: انهيار و زوال نظام بريتن وودز. أولا: أسباب انهيار نظام بريتن وودز. كان نظام بريتن وودز يقوم - كما أسلفنا القول- على ركيزة رئيسية هي التزام الخزانة الأمريكية ببيع الذهب بسعر الأوقية 35 دولارا إلى البنوك المركزية و المؤسسات النقدية في العالم، و من ثم فقد كان من الضروري الربط بين مقدار ما هو متوفر من مخزون ذهبي لدى الولايات الأمريكية و بين الالتزامات قصيرة الأجل المترتبة عليها. فإذا ما زادت هذه الالتزامات دون زيادة في كمية الذهب كان ذلك تعبيرا عن حقيقة معينة هي عجز ميزان المدفوعات الأمريكي.(1) فمنذ الخمسينات بدأ ميزان المدفوعات الأمريكي يحقق عجزا كبيرا و مستمرا الأمر الذي قلّص بشدة من احتياطات الذهب في الخزانة الأمريكية، و ساد اليقين بضرورة تعديل أسعار تعادل العملات، و إزاء فشل الولايات المتحدة الأمريكية في إقناع الدول التي حققت موازين مدفوعاتها فوائض ضخمة، و بصفة خاصة ألمانيا و اليابان، برفع سعر صرف عملاتها، أصبح من المسلم به ضرورة لجوء الولايات المتحدة الأمريكية إلى تخفيض قيمة الدولار.في ذلك الوقت أصبحت الأسواق الدولية لرأس المال مرتبطة ببعضها بشكل كبير من خلال أسواق العملات الأوروبية، و بدأت كميات ضخمة من رؤوس الأموال الأمريكية في الهروب للخارج، و بدأت التحويلات الكثيفة من الدولار الأمريكي إلى العملات القوية الأخرى، و بصفة خاصة المارك الألماني و الين الياباني و الفرنك السويسري، الأمر الذي أدى إلى حدوث مزيد من الإختلالات في ميزان المدفوعات الأمريكي. و هنا اضطر رئيس الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك "ريتشارد نيكسون" تعليق قابلية تحويل الدولار الأمريكي إلى ذهب، معلنا بذلك عن نهاية نظام برين وودز. بالإضافة إلى هذا، هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية و المتمثلة فيما يلي: - توقعات انخفاض قيمة الدولار التي أدت إلى تدفق رؤوس الأموال قصيرة الأجل إلى خارج الولايات المتحدة؛ - تخلي الدول الأوروبية و اليابان عن التزامها بالتدخل في سوق الصرف الأجنبي لتدعيم الدولار؛ (1) مجدي محمود شهاب: مرجع سبق ذكره، ص51. - عدم كفاية السيولة الدولية، و قد تم إنشاء وحدات السحب الخاصة (*)للتغلب على هذه المشكلة و لكنها لم تكن كافية نظرا لأن إصدارها و توزيعها لم يكن وفقا لاحتياج الدول الأعضاء و إنما وفقا لحجم كل دولة و أهميتها النسبية في التجارة الدولية، فمن المعروف أن السيولة الدولية هامة لكي تساعد في تمويل العجز المؤقت في موازين المدفوعات دون اللجوء إلى إجراءات تقييدية أو انكماشية مما يسمح لآلية التصحيح بأن تأخذ وقتها الكافي لاستعادة التوازن، فالنقص في السيولة الدولية يقلل من أو يعوّق التجارة الدولية، في نفس الوقت زيادة السيولة الدولية تؤدي إلى ظهور الضغوط التضخمية العالمية (1). ولقد عبر الاقتصادي R.Triffinعن أزمة خلق السيولة في نظام بريتن وودز قائلا أن زيادة السيولة قد أتت في ظل هذا النظام من خلال العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي و ليس من آلية مرتبطة باحتياجات الدول الفعلية للسيولة. معنى ذلك أنه كلما زاد حجم السيولة كلما قلت الثقة في الدولار و قيمته لأن السيولة أتت من خلال العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي. و كما ذكرنا من قبل فإن صندوق النقد الدولي قد حاول أن يواجه مشكلة السيولة الدولية من خلال إصدار حقوق السحب الخاصة، و هي نقود اعتبارية يتم تبادلها بين الدول الأعضاء في الصندوق و ليس بين الأفراد، حيث تم إصدار ما قيمته 9,5 مليار دولار من حقوق السحب الخاصة في عام 1969 (2). و من الغريب أيضا أن إصدارات حقوق السحب الخاصة خلال الفترة 1970-1972 قد واكبت فترة تزايد المعروض من الدولار كنتيجة للعجز في ميزان المدفوعات الأمريكي. (*):سنعود إلى شرح وحدات حقوق السحب الخاصة بكثير من التفصيل لاحقا. (1) محمد سيد عابد:مرجع سبق ذكره، ص438. (2) Michel Dupuy : Op.Cit.P24. ثانيا: اتفاقية سيميثونيان. في ديسمبر من عام 1971 اجتمع ممثلو عشر دول (*) في معهد "السيميثونيان" بواشنطن في مقاطعة كولومبيا، لدراسة الوضع الجديد بعد انهيار بريتن وودز و وافقوا على رفع سعر أوقية الذهب من 35 دولار إلى 38 دولار أمريكي للأوقية، هذا ما يعني تخفيض قيمة الدولار الأمريكي بنسبة 7,89%(**) كما ارتفعت قيمة بعض العملات، مثل الين الياباني بنسبة 14%و المارك الألماني بنسبة 17%. كما تضمنت هذه الاتفاقية توسيع هوامش تقلبات أسعار الصرف إلى 2,25%ارتفاعا و انخفاضا عن سعر التعادل، بدلا من1%، و هذا يعني أنه يمكن لسعر صرف أي عملة بخلاف الدولار أن يتقلب في حدود 4.5 %ارتفاعا و انخفاضا، بالمقارنة مع سعر صرف أي عملة أخرى، و ذلك في حالة زيادة قيمة إحداها بنسبة 2.25 %عن سعر تعادلها بالدولار، و انخفاض قيمة العملة الأخرى بنسبة 2.25%عن سعر تعادلها بالدولار. كما وافقت الولايات المتحدة الأمريكية في المقابل بإلغاء الرسوم الجمركية و المقدرة بـ 10 %التي فرضتها على الواردات. ثالثا: التطورات النقدية بعد اتفاقية سميثونيان. بالرغم من الأمل الذي كان معلقا على اتفاقية "سميثونيان" لكي تلغي حواجز المضاربة في المستقبل، إلا أنها لم تحقق النتائج المرجوة و المنتظرة في مجال السيولة الدولية. فبنهاية سنة 1971 دخل العالم في فوضى نقدية، حيث واجه النظام خلالها مشكلة الدولار المتبقي، الذي حصلت عليه البنوك المركزية الأجنبية محاولة منها لدعم الدولار خلال أزمات عام 1971. فارتفع مجموع احتياطات البنوك المركزية الأجنبية من الدولارات إلى 62 بليون دولار، و لن تستبدل هذه الأخيرة بالذهب أبدا. فبالرغم من ذلك - عدم قابلية الدولار للتحويل إلى ذهب - فإنها تشكل خطرا على استقرار نظام النقد الدولي، إذا ما ألقت البنوك المركزية بتلك الدولارات في سوق العملات الأجنبية. و لقد كان من الأجدر بهم دفع المضاربين الأفراد إلى شراء الدولارات بكميات كبيرة كي تعطي للبنوك المركزية الفرصة للتخلص من الدولارات الزائدة، إلاّ أنه في حقيقة الأمر لم يحدث شيء من هذا القبيل، حيث زاد مجموع الاحتياطات من الدولارات في عام 1972 إلى 81 بليون دولار (2). و خلال هذه الفترة، شجعت فوارق أسعار الفائدة على ترك أرصدة خارج البلاد و أكثر من هذا، فقد اقتنع السوق إلى حد بعيد بأن تخفيض الدولار أصبح أمرا واردا. (*): هذه الدول هي: الولايات المتحدة الأمريكية، فرنسا، بريطانيا، بلجيكا، هولندا، إيطاليا، السويد، كندا و اليابان. (**): لقد كان هذا التخفيض الثالث منذ سنة 1792. (2) جون هدرسون: مرجع سبق ذكره، ص ص 801-802. فلقد أحدث عجز الولايات المتحدة الأمريكية مضاربة عنيفة ضد الدولار و ذلك في جانفي 1973، و أدى هذا إلى تخفيض آخر في قيمة الدولار بنسبة 10%و منه ارتفعت قيمة الأوقية الواحدة من الذهب إلى 42.2%دولار. و لما احتدمت المضاربة ضد الدولار مرة ثانية في مارس 1973 ، قرر وزراء المالية للبلدان الأوروبية ترك أسعار الصرف حرة لتعوّم باستثناء التدخل الرسمي، و هو ما يطلق عليه بمصطلح التعويم القذر. في الواقع هذا التخفيض أفقد الدولار الأمريكي مكانته الأساسية كنقطة ارتكاز في ظل النظام النقدي الدولي الذي أقرته و أقامته "بريتن وودز". المبحث الثالث: نظام التعويم المدار و معايير كفاءة النظام النقدي الدولي. تمهيـــــــد: إن نظام التعويم المدار الذي عرفه العالم بعد انهيار نظام بريتن وودز، لا يعني نشأة نظام جديد بشكل جديد، و إنما هو تغيير في منهج تسيير النظام الأول، حيث أن المؤسسات المالية و النقدية أصبحت تسيّر على أساس عائم- تبني صرف عائم - فهو عبارة عن نظام قائم على أساس مؤسسات موجودة من قبل إذ لم يكن هدفه إزالتها و إنما إدخال عليها بعض التعديلات. و عليه سوف نتطرق في المطلب الأول إلى مفهوم و ظروف نشأة نظام تعويم أسعار صرف العملات، و في المطلب الثاني نحاول إبراز أهم التعديلات التي مست المؤسسات المالية و النقدية، و في المطلب الثالث و الأخير نذكر و لو بصورة موجزة معايير كفاءة النظام النقدي الدولي. المطلب الأول: مفهوم و ظروف نشأة نظام التعويم المدار لأسعار الصرف. يقوم النظام النقدي الدولي منذ عام 1973 على قاعدة التعويم المدار لأسعار الصرف. و وفقا لهذه القاعدة تضطلع السلطات النقدية في كل دولة بمسؤولية التدخل في أسواق الصرف الأجنبي للحد من آثار التقلبات قصيرة الأجل لأسعار الصرف، دون محاولة التأثير على اتجاهات أسعار الصرف في المدى الطويل، و لكل سلطة نقدية حرية اختيار أية سياسة للتدخل و حرية تغيير تلك السياسة في أي وقت تشاء دون موافقة خارجية. و في حالة ما إذا لم تتدخل السلطات النقدية على الإطلاق في سوق الصرف الأجنبي، فإنها تكون قد تركت أسعار صرف حرة، و ذلك باعتقادها أن التوازن في ميزان المدفوعات يتحقق بصورة تلقائية، و ذلك بترك عملاتها تتحدد بحرية وفقا لقوى السوق من خلال العرض و الطلب عليها، شأنها شأن بقية السلع الموجودة في السوق، حيث ينخفض سعرها إذا ما انخفض الطلب على العرض، و يرتفع سعرها إذا ما زاد الطلب على العرض. إلا أنه نوّد أن نشير أن معظم الدول لم تكن مستعدة لترك أسعار الصرف حرة تتحدد في سوق الصرف الأجنبي عن طريق قوى العرض و الطلب، بل اعتمدت سياسة التعويم المدار، من خلال تدخل سلطاتها النقدية في سوق الصرف الأجنبي. و الواقع أن نظام تعويم العملات لم يقصد أحد اختياره، بل فرض نفسه عقب انهيار نظام "بريتن وودز" أي انهيار نظام أسعار الصرف الثابتة، و من ثم كانت الرؤى لنظام تعويم أسعار الصرف بمثابة علاج مؤقت لأزمة عارضة، و بالتالي ترك الحرية لكل دولة في الاختيار بين نظم أسعار الصرف التي ترى أنها تخدمها. و مع بداية 1998 أصبح ثلثي أعضاء الصندوق البالغ عددهم 181 دولة يطبق نظام أسعار الصرف المرنة، و هذا العدد يتضمن كل الدول الصناعية الكبرى و العديد من الدول النامية، و يمثل هذا العدد 5/3 حجم التجارة العالمية التي تتم الآن في ظل أسعار الصرف المرنة سواء كان هذا التعويم تعويما مستقلا أو تعويما متسقا كما هو الحال في ظل نظام الإتحاد الأوروبي. أما بقية الدول و التي تمثل ثلث الأعضاء فإنهم يربطون عملاتهم إما للدولار أو الفرنك أو حقوق السحب الخاصة أو إلى سلة عملات، و الجدول التالي يبيّن ترتيبات نظام الصرف الأجنبي لأعضاء الصندوق في عام 1997. جدول رقم(1-1): ترتيبات نظام الصرف لأعضاء الصندوق في عام1997. 1 - العملات التي تربط إلى: - الدولار - الفرنك - عملات أخرى - حقوق السحب الخاصة - سلة أخرى عدد العملات التي تربط 2 - العملات التي تعوّم: - ترتيبات التعويم المتسق - التعويم المدار وفقا لبعض المؤشرات - التعويم المدار - التعويم الحر - التعويم المحدود في مواجهة الدولار عدد العملات التي تعوّم 20 14 09 02 20 65 10 02 46 54 04 116 المصـدر: مجلة صندوق النقد الدولي، الإحصاءات المالية الدولية، جانفي عام 1998، ص 08. المطلب الثاني: تعديل اتفاقية صندوق النقد الدولي. لم يكن قرار الولايات المتحدة الأمريكية يوم 15 أوت 1971 بإنهاء قابلية الدولار للتحويل إلى ذهب هو نقطة البداية في أزمة النظام النقدي الدولي في السبعينات من هذا القرن فحسب، بل كان هو أيضا نقطة البداية في تحرك الصندوق في اتجاه إدخال تعديلات على اتفاق إنشائه بهدف مراعاة الواقع الجديد في العلاقات النقدية الدولية بعد أن أخذ هذا الواقع يبعد شيئا فشيئا و بسرعة متزايدة عن أحكام هذا الاتفاق. و بالفعل فقد انتهى الأمر في الفاتح من أفريل 1978 بإقرار عدد من التعديلات التي أدخلت على اتفاق الصندوق مكوّنة التعديل الثاني لأحكامه، و كان التعديل الأول قد تم في 28 جويلية 1969 عندما أنشئت حقوق السحب الخاصة. أولا: حقوق السحب الخاصة. رأينا أن نظام السحب العادي كان محدودا بالنسبة للدول الفقيرة تبعا لحجم حصتها الضئيلة في رأس مال الصندوق و القيود العديدة الموضوعة في هذا الشأن، و هذا عكس ما كانت تتمتع به الدول الغنية المتقدمة التي استأثرت بالنصيب الأكبر من حقوق السحب العادية نظرا لكبر حصصها بالصندوق. و من هنا توفرت للصندوق موارد، حال دون استخدامها الاتفاقية المنشئة له، حتى و لو كانت إمكانياته تسمح به، لذلك جاء نظام استحدث حقوق السحب الخاصة، كمصدر جديد من مصادر السيولة الدولية، و إن كان هذا المصدر يختلف اختلافا جوهريا عن نظام حقوق السحب العادية، رغم وحدة الأسس التي يقوم عليها كل منها. و تعتبر حقوق السحب الخاصة نوعا جديدا من الأصول الدولية التي يمكن للدولة أن تستخدمها في تسوية مدفوعاتها الدولية. فهي وحدات نقدية و حسابية و دفترية، تتمتع بقوة شرائية و تقبل من كل الأعضاء و المشاركين في الصندوق، كعملة قابلة للتحويل، و ذلك في حدود مقدار معين لا يتجاوز ثلاثة أضعاف الحصة التي تقررت للعضو في حقوق السحب الخاصة (1). و تستمد هذه الحقوق قيمتها القانونية من مجرد التزام الدول الأعضاء في الصندوق بأن تقبلها في أي وقت، و من أية دولة، في حدود قيمة إجمالية محددة، و يتم توزيع وحدات حقوق السحب الخاصة على الدول الأعضاء بنسب حصصهم، و تستخدم هذه الحقوق، مثلها مثل حقوق السحب العادية في تسوية العجز المؤقت في ميزان المدفوعات، و لا يتجوز استخدامها لتمويل أغراض أخرى. (1) الهادي خالدي: مرجع سبق ذكره، ص ص 110-111. و قد قدرت قيمة الوحدة من حقوق السحب الخاصة في شكل وزن محدد من الذهب النقي 0,888671 غرام أي ما يعادل القيمة الرسمية للدولار الأمريكي وقت خلق هذه الحقوق و قبل تخفيض عام 1971. و اعتبارا من أول جويلية 1974 أصبحت قيمة الوحدة من حقوق السحب الخاصة تعلن يوميا على أساس محصلة التغير في أسعار صرف عملات بعض الدول في مقابل الدولار، و بالتالي فقد حلّت تلك العملات في مجموعها محل الذهب في تحديد قيمة الوحدة من حقوق السحب الخاصة معبرا عنها بالدولار الأمريكي. و لكل عضو في حقوق السحب الخاصة حق غير مشروط في أن يستخدم المقدار المخصص له منها، و ذلك دون حاجة إلى أخذ موافقة مسبقة من الصندوق أو من باقي المشتركين في الحساب على هذا الاستخدام. و يتمثل استخدام المشترك لحقوق السحب الخاصة المقررة له في طلب تحويلها، كلها أو بعضها، إلى قيمة مساوية لها من العملات القابلة للتحويل في الواقع، و هي عملات يلتزم بدفعها المشتركون الذين يعيّنهم الصندوق لهذا الغرض. و بهذا تعد حقوق السحب الخاصة، إلى جانب الاحتياطات النقدية التقليدية، أداة حقيقية من أدوات السيولة الدولية. و على ذلك فإن الصندوق لا يقوم بتقديم أية عملات من موارده في مقابل حقوق السحب الخاصة التي يرغب المشترك مالكها في التخلي عنها في مقابل عملات قابلة للتحويل و إنما يتولى باقي المشتركين تقديم هذه العملات، و يقتصر دور الصندوق على تعيين هؤلاء المشتركين و رقابة حركة العملية كلها. و الجدير بالذكر أنه إذا كان تقرير حصة في حقوق السحب الخاصة إنما يقتصر على الدول الأعضاء في صندوق النقد الدولي الذين يقبلون الاشتراك في نظام هذه الحقوق فإنه يمكن، على العكس، أن يتسع مجال المستخدمين لهذه الحقوق و أن يشمل غيرهم. و في مقابل استفادة الدول المشتركة بنظام حقوق السحب الخاصة فهناك عدة التزامات يجب مراعاتها و هي: - أن يقوم العضو المشترك في هذه الحقوق بتقديم عملات قابلة للتحويل، في حالة تعيينه من قبل الصندوق لهذا الغرض، إلى مشترك آخر في مقابل تلقيه لقيمة مماثلة من حقوق السحب الخاصة التي يتخلى عنها هذا الأخير. و هناك حد أقصى لما يلتزم المشترك بتقديمه من عملات قابلة للتحويل، هي مثل حصته المقررة من حقوق السحب الخاصة، و يخضع تعيين الصندوق المشترك الذي يلتزم بتقديم عملات قابلة للتحويل في مقابل تلقيه لحقوق سحب خاصة مساوية لها في قيمتها لقواعد معقدة للغاية؛ و بصفة عامة، فإن المشتركين الذين يتمتعون بموازين مدفوعات و احتياطات قوية بما فيه الكفاية هم الذين يعيّنون لتقديم تلك العملات القابلة للتحويل إلى مشتركين آخرين في مقابل حقوق السحب الخاصة. - أن يقوم العضو المشترك بإعادة تكوين حيازته من حقوق السحب الخاصة بحيث تتماشى مع قواعد إعادة التكوين التي ينتهجها الصندوق وفقا للقانون الأساسي له؛ - أن تقوم الدولة المستفيدة بتسديد أو رد ما سبق استخدامه من حقوق السحب الخاصة المملوكة لها و ذلك بتحويلها إلى عملات قابلة للتحويل، بمعنى أن تقدم عملات قابلة للتحويل في الواقع في مقابل حقوق سحب خاصة تتلقاها مرة أخرى، بما يحقق توازن بين حيازتها من حقوق السحب الخاصة و غيرها من الأصول التي تستخدم كاحتياطات. غير أن هذا الالتزام لا ينصرف إلا ما يزيد عن 80 %من قيمة حقوق السحب الخاصة المملوكة للدولة المستفيدة و في خلال الفترة الأساسية و قدرها خمس سنوات، و بمعنى آخر فإن التزام العضو بالسداد أو الرد لا يتجاوز 30 %من قيمة هذه الحقوق، كما يتعين على الدولة المستفيدة أن تدفع فائدة مقابل استخدامها لحقوق السحب الخاصة عادة ما تقل عن سعر الفائدة العالمي على الأصول الاحتياطية الأخرى، و إن كانت قد اتجهت نحو التزايد ابتداء من عام 1974 و يتم تعديلها وفقا لأسعار الفائدة السائدة في الأسواق العالمية؛ - لا يجوز للعضو المشترك أن يستخدم حقوقه إلا في حالة الضرورة، و ذلك بغرض مواجهة عجز ميزان مدفوعاته أو لتطور الوضع الخاص باحتياطاته النقدية، و على هذا لا يجوز للمشترك أن يستخدم حقوقه بغرض تغيير التكوين الداخلي لاحتياطاته؛ - يمكن للصندوق أن يوقف كل استخدام لاحق للمشترك في نظام حقوق السحب الخاصة لحقوقه المقررة له و ذلك في حالة عدم تنفيذه لالتزاماته التي يتحمل بها وفقا لهذا النظام، غير أن هذا الوقف لا يعفي المشترك من الالتزام بتقديم العملات القابلة للتحويل إلى مشترك آخر في حالة تعيينه لهذا الغرض من قبل الصندوق. و ليس لوقف استخدام العضو لحقوقه في نظام حقوق السحب الخاصة أي تأثير على حقه في الالتجاء إلى موارد الصندوق، وفقا لأحكام اتفاق إنشائه، أي على حقه في استخدام الحساب العام الذي يحتفظ به الصندوق. و العكس صحيح، فإنه في حالة حرمان العضو من حقه في الالتجاء إلى موارد الصندوق، فإنه يستطيع أن يستخدم بكل حرية حقوق السحب الخاصة المملوكة له، أي حقوقه في حساب السحب الخاص الذي يحتفظ به الصندوق. و في الأخير، يمكن القول أن حقوق السحب الخاصة، أصبحت تلعب دور فعال في مجال التعاون النقدي بالرغم من حداثة وجودها مقارنة بالأصول الاحتياطية الأخرى. و قد أعتبر خلق و إنشاء حقوق السحب الخاصة من الأحداث البارزة في تاريخ العلاقات النقدية الدولية، و التي أطلق على تسميتها البعض من الكتاب اسم " الذهب الورقي"(1). ثانيا: اتفاقية جامايكا. لكي تصبح اتفاقيات صندوق النقد الدولي تساير الأوضاع النقدية الجديدة المتمثلة في تعويم العملات الرئيسية، و رغبة في تدعيم حقوق السحب الخاصة لتصبح الأصل الاحتياطي في النظام، كان لا بد من إدخال بعض التعديلات على أحكام الصندوق و طبيعة الوظائف التي يتعيّن عليه القيام بها، و لقد تجسد ذلك بتشكيل لجنة مؤقتة بقرار من مجلس محافظي صندوق النقد الدولي و ذلك في عام 1972، و تتكون هذه الأخيرة من عشرين عضوا يمثلون الدول التي يحق لها أن تعيّن عضوا، و الذي هو بمثابة مدير تنفيذي في الصندوق. و لقد عقدت هذه اللجنة عدة اجتماعات، آخرها في مدينة "كينجستون" بجمايكا في 07 و 08 فيفري من عام 1976. فنتيجة لما أدى إليه مؤتمر جمايكا من تعديل ثان لاتفاق صندوق النقد الدولي، أدخل تعديل جوهري على النظام النقدي الدولي، ألا و هو تحديد أسعار صرف عملات الدول وفقا لنظام استقرار سعر الصرف أو لنظام أسعار التعادل،أما النظام الجديد لتحديد أسعار الصرف فقد كان على العكس من النظام السابق تماما، إذ سمح الصندوق بنظام حرية سعر الصرف، أو نظام تعويم المدار سواء كان فرديا أم مشتركا.و الواقع أن ذلك لم يكن من قبل الصندوق إلا قرارا لأمر واقع أخذت به الدول الأعضاء، و جدير بالذكر أنه على الرغم من حق الدول الأعضاء في اختيار نظام الصرف الملائم لها، بما في ذلك التعويم، فإن هذا التعديل يحظر على الدول الأعضاء محاولة الحصول على أي مزايا تنافسية غير عادلة في مواجهة الأعضاء الآخرين عن طريق التخفيض المتتالي في سعر الصرف. و يظل لصندوق النقد الدولي الإشراف الدقيق على سياسات الدول الأعضاء بالنسبة لسعر الصرف، مع التزامه بمبادئ محددة في مجال إرشاد هذه الدول إزاء هذه السياسات، و إذا كان استقرار أسعار صرف العملات الذي يهدف إليه اتفاق بريتن وودز قبل التعديل، يعتمد بصفة أساسية على تدخل البنك المركزي للدولة في سوق العملات الأجنبية، فإن التعديل الثاني ينصرف إلى قيام الدولة بإحداث نفس الأثر عن طريق كفاءة أداء اقتصادها المحلي أكثر منه عن طريق التدخل الحكومي المباشر أو اللجوء إلى فرض القيود على التجارة الخارجية و المدفوعات. و من ناحية ثانية تضمن هذا التعديل الثاني إجراء تخفيض تدريجي في دور الذهب بالنسبة للنظام النقدي الدولي، كإلغاء السعر الرسمي للذهب و تقرير حرية الدول الأعضاء في التعامل به في السوق ما بين بعضها البعض دون الاستناد إلى أي سعر رسمي له، و إنهاء وظيفة الذهب كوحدة لتقويم (1) مدحت صادق: مرجع سبق ذكره، ص66. حقوق السحب الخاصة، و عدم إمكان اتخاذه كأساس لتقويم مختلف العملات للدول الأعضاء في الصندوق (1). و من ناحية ثالثة، أتاح التعديل الثاني للمشتركين في حقوق السحب الخاصة التحرر من كثير من الالتزامات تجاه الصندوق بالنسبة لتلك الحقوق، كما أتاح الصندوق سلطة السماح للمشتركين باستخدام حقوق السحب في عمليات غير تلك التي تنص عليها رسميا مواد اتفاقية الصندوق. و من ناحية رابعة، أتاح التعديل الثاني لصندوق النقد الدولي إمكانية توسيع قاعدة العملات المستخدمة في عملياته، كما ألقى على عاتق الأعضاء ضرورة القيام بمبادلات لعملاتهم، في ظروف معينة، حتى يكون الصندوق هو الذي باعها بموجب هذه السياسة. هذا مع التزام الأعضاء بضرورة توفير عملاتهم للأعضاء الآخرين بغرض قيامهم بإعادة الشراء.و يقبل الصندوق حاليا جميع العملات من حيث المبدأ مما أدى إلى توسيع نطاق العملات التي يمكن استعمالها في الأنشطة التي تتم من خلال حساب الأرصدة العامة و تحسين السيولة لدى الصندوق و لقد استحدث هذا التعديل الثاني مفهوما جديدا هو مفهوم عملات الاستعمال الحر بدلا من تعبير العملة القابلة للتحويل الذي بدأ يتلاشى. و قد جاء تعريف عملة الاستعمال الحر بأنها عملة عضو من الأعضاء التي يقر الصندوق بأنها تستخدم على نطاق واسع في أسواق الصرف الرئيسية، و تقوم هذه العملات بدور خاص في كل من حساب الموارد العامة للصندوق، و كذلك حساب حقوق السحب الخاصة. المطلب الثالث: معايير الكفاءة لنظام النقد الدولي. في الحقيقة هناك صعوبات عديدة تواجه الاقتصاديين و خبراء الشؤون النقدية الدولية عند الحكم على مدى كفاءة نظام النقد الدولي السائد في فترة معينة، و مهما يكن من أمر، فإن البعض يعتقد أن كفاءة نظام النقد الدولي يمكن أن تقاس بعدد من المعايير العامة، التي تعد في كثير من الأحيان موضع اتفاق تام، و أهم هذه المعايير ما يلي: أولا: معيار نمو التجارة الدولية. كلما أسهم نظام النقد الدولي السائد في نمو التجارة الدولية، أي في نمو حركة انتقال السلع و الخدمات و رؤوس الأموال بين الدول و المناطق المختلفة، دل ذلك على كفاءة النظام في تأدية وظيفة (1)زينب حسين عوض الله: مرجع سبق ذكره، ص174. هامة تلزم لنمو الرأسمالية و استمرار نموها، و هي اتساع حجم السوق (1). و لقد سعى نظام النقد الدولي عبر تطوره إلى تحقيق هذا المعيار، سواء في ظل قاعدة الصرف بالذهب، كونها ساعدت على تسهيل عمليات التبادل الدولي، كما عملت على تشجيع التطور السريع للتجارة الدولية، نفس الشيء يقال في ظل نظام بريتن وودز، فقد اتسعت التجارة الدولية بسرعة منذ الحرب العالمية الثانية، و يرجع ذلك جزئيا إلى التحرر التدريجي للنظم التجارية و ترتيبات التجارة الخارجية (2). ثانيا:معيار تحقيق الاستقرار في الأسعار. و المقصود بذلك مدى مقدرة النظام السائد في كبح أو منع قوى التضخم أو قوى الانكماش في الدول الرأسمالية الكبرى التي ينعكس أثرها على مستوى الأسعار العالمية. فإذا استطاع نظام النقد الدولي بما يرسمه من قواعد متفق عليها من حصر نطاق مفعول هذه القوى في أقل الفترات الزمنية الممكنة، عن طريق إجراءات التصحيح التي يكفلها، فإنه يسهم بذلك في التلطيف من حدة الأزمات النقدية التي كثيرا ما يتعرض لها النظام الرأسمالي في أية دولة. ثالثا: معيار التنسيق بين الاختلال الداخلي و الخارجي. و المقصود بذلك ضرورة أن يكون للنظام السائد مساهمته الإيجابية الملموسة في علاج الاختلال الداخلي الذي كثيرا ما ينشأ في اقتصاديات الدول الرأسمالية، و ذلك عن طريق إحداث التناسق أو الصلة بين إجراءات تصحيح الاختلال الداخلي و إجراءات التعامل الخارجي و حصر تبديد الموارد على التنسيق في أضيق الحدود الممكنة. فكلما كان للنظام النقدي الدولي فاعلية في المساهمة في علاج الاختلال الداخلي(مثل حالات التضخم و الانكماش) بأقل تكلفة ممكنة، كلما عظمت فوائده للدول الرأسمالية. و الواقع أن هذه الوظيفة كانت من أهم الوظائف التي يؤديها نظام النقد الدولي القائم على قاعدة الذهب التي سادت في الماضي، حيث كان الاختلال الداخلي (التضخم أو الانكماش) يعالج عن طريق التغير في حركات الذهب و ما يجره ذلك من تغيرات في الأسعار النسبية، كما أن الاختلال الخارجي (العجز أو الفائض) كان يعالج عن طريق التغيرات الداخلية. إلا أن خبراء الشؤون النقدية الدولية يدركون تماما أنه من الخطأ التسليم بأن النجاح في المجالات الثلاثة السابقة يعود فقط إلى حسن كفاءة نظام النقد الدولي السائد، حيث أن السياسات الاقتصادية (المالية و النقدية) الأخرى التي تطبقها حكومات الدول المختلفة كثيرا ما تكون عاملا من عوامل النجاح أو الفشل في هذه المجالات، إلا أنهم يعتقدون أن الاضطرابات النقدية التي تنشأ في المعاملات (1) رمزي زكي: الاحتياطات الدولية و الأزمة الاقتصادية في الدول النامية مع الإشارة خاصة عن الاقتصاد المصري، دار المستقبل العربي، الطبعة الأولى1994، ص75. (2) زينب حسين عوض الله: العلاقات الاقتصادية الدولية، الدار الجامعية لبنان، بدون تاريخ، ص125-131. الدولية كثيرا ما يكون لها تأثير سيّء و ملموس على إمكانية تحقيق الأهداف السابقة. و مهما يكن من أمر فإنهم يعتقدون أن نظام النقد الدولي يمكن له أن يقوم بوظائف فنية معينة، تسهم في تحقيق الأهداف السالفة الذكر، و هذه الوظائف هي: (1) أولا: قابلية تحويل العملات لبعضها البعض. ما يخفى أن قابلية تحويل العملات المختلفة لبعضها البعض، في ظل إطار واضح و مستقر من أسعار الصرف، تعد أحد الشروط الأساسية لنمو العلاقات الاقتصادية الخارجية، و من هنا يجب أن يسهم نظام النقد الدولي السائد في تحقيق هذه القابلية، و هذا يتطلب أن تمتنع الدول المشتركة في النظام عن فرض القيود على المدفوعات الناشئة عن المعاملات الجارية أو ممارسة الترتيبات النقدية المنطوية على التمييز في المعاملة بين الدول.كما أن ذلك يقتضى من السلطات النقدية أن تحدد أسعار الصرف عند مستوى يسمح باستقرار هذه الأسعار. و مؤدى هذا، أن حرية التحويل إنما تضمن نظاما متعدد الأطراف في تسوية المعاملات الدولية، بحيث يتسنى عن طريق ذلك أن تستطيع الدول المتعاملة في السوق الدولي أن تستخدم الفائض الذي تحقق عن معاملاتها الجارية مع فريق من الدول في تسوية العجز الذي يتولد عن هذا النوع من العمليات مع فريق آخر. ثانيا: استقرار أسعار الصرف. لا يجب أن يفهم من استقرار أسعار الصرف ضرورة تجميدها و عدم جواز تغييرها إطلاقا. فقد تقتضي ظروف تصحيح الاختلال الداخلي أو إعادة التوازن لميزان المدفوعات ضرورة إجراء تغيير محسوس في سعر الصرف طبقا لمقتضيات الظروف الاقتصادية في الدولة. و مع ذلك ينبه بعض الاقتصاديين إلى أن ترك الدول الأعضاء في النظام لكي تكون حرة تماما في تغيير أسعار صرفها حسبما تشاء، يؤدي إلى حدوث الفوضى و الارتباك في المعاملات النقدية و يعبث بأحوال الاقتصاد الرأسمالي العالمي. و من هنا يصبح من الضروري أن يتضمن نظام النقد الدولي قواعد متفق عليها لمنع التلاعب في أسعار الصرف و يمنع المضاربة عليها صعودا و هبوطا، و أن يوفر - في نفس الوقت - المرونة اللازمة حتى تتكيّف أسعار الصرف مع مقتضيات التوازن الداخلي و التوازن الخارجي كلما اقتضيت الضرورة ذلك. ثالثا:توفير حد أدنى من التعاون الدولي. إن الدول الرأسمالية لا تنمو على نحو متكافئ و تحكمها أساسا علاقات الصراع و التنافس على الأسواق. و من ثم فإنه إذا تركت كل دولة لكي تتصرف بحرية طبقا لمصالحها الخاصة الضيّقة في مجال العلاقات النقدية الدولية فإن ذلك سوف يجر معه فوضى لا حد لها. (1) رمزي زكي:الاحتياطات الدولية و الأزمة الاقتصادية في الدول النامية مع إشارة خاصة للاقتصاد المصري، مرجع سبق ذكره، ص77.
و لهذا لا بد لنظام النقد الدولي السائد أن يرسي بعض قواعد التعاون و التفاهم بين الدول حتى يحد من مخاطر السلوك الفردي في مجال العلاقات النقدية الدولية. وفي ظل النظام النقدي الدولي الذي ساد على أساس قاعدة الذهب في الماضي لم يكن هناك أي معنى للاتفاق على هذه القواعد، أما في ظل النظم النقدية الدولية التي جاءت بعد انهيار قاعدة الذهب، فإن الضرورة اقتضت إنشاء بعض المنظمات الدولية كصندوق النقد الدولي للاتفاق على هذه القواعد و صياغتها. رابعا: توفير السيولة الدولية. تدل التجارب التاريخية على أن عدم توفير السيولة الدولية بالقدر الملائم لحاجة المعاملات الدولية كان أحد الأسباب الرئيسية في انهيار النظام النقدية الدولية الماضية. فعدم نمو كمية الذهب المخصصة للأغراض النقدية بالقدر المتناسب مع نمو التجارة الدولية كان سببا مباشرا في انهيار قاعدة الذهب، كما أن النقص في الاحتياطات و وسائل الدفع الدولية و عدم تناسب توزيعها بين الدول و المناطق المختلفة تعد سببا هاما في أزمات النظام النقدي الدولي.
آخر تعديل asserem 2010-12-03 في 14:25.
|
||||
![]() |
رقم المشاركة : 2 | |||
|
![]() بارك الله فيك وجازاك الله خيرا |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 3 | |||
|
![]() ألف شكر أخي |
|||
![]() |
رقم المشاركة : 4 | |||
|
![]() شكرا على الافادة |
|||
الكلمات الدلالية (Tags) |
مؤسساته, المالية, الدولي, النظام, النقدي |
|
|
المشاركات المنشورة تعبر عن وجهة نظر صاحبها فقط، ولا تُعبّر بأي شكل من الأشكال عن وجهة نظر إدارة المنتدى
المنتدى غير مسؤول عن أي إتفاق تجاري بين الأعضاء... فعلى الجميع تحمّل المسؤولية
Powered by vBulletin .Copyright آ© 2018 vBulletin Solutions, Inc