كنا نشاهد أنا وزوجتي فيلم دعاء الكروان رائعة عميد الأدب العربي طه حسين وحين وصل الفيلم الى المشهد الذي يقوم فيه الخال بقتل ابنة أخيه انتقاما لشرفه
فجأة قفز إلى ذهني سؤال وجهته لزوجتي هل تعرفين دولت فهمي ؟
أجابت الإجابة المتوقعة لا معرفهاش مين دي كمان ؟
دعونا نبدأ الحكاية من البداية واعزروني لو أطلت فبطلتنا تستحق أن نطيل في ذكرها فقد عانت من التجاهل والتهميش بالرغم من دورها الوطني لا يقل ( من وجهة نظري ) عن الدور الذي قامت به جميلة بوحريد وفاطمة نسومر وجميلة بو عزة وغيرهن من اللاتي سُلط الضوء على بطولتهن وكفاحهن
الفارق أن بطلتنا ظهرت كومضة تلاشت سريعا واقتصر دورها الوطني على موقف واحد لم يتجاوز بضع دقائق دفعت بسببه حياتها
نعود إلى الوراء قليلاً بداية القرن الماضي وتحديداً عام 1919 وقتها كانت مصر بكل ربوعها تجتاحها ثورة شعبية عارمة مطالبة بالحرية والاستقلال عن الاحتلال البريطاني
وللقضاء على الثورة أقدمت بريطانيا على اعتقال سعد زغلول زعيم الثورة ونفيه مع رفاقه إلى خارج البلاد
وعلى عكس ما تمنت بريطانيا خرجت مصر كلها وازدادت الثورة اشتعالاً وجن جنون الشعب باعتقال سعد ونفيه ونتذكر الشعارات الشهيرة لثورة 1919
سعد سعد يحيا سعد
يا بلح زغلول يا حليوة يا بلح
الاستقلال التام أو الموت الزؤام
نموت نموت وتحيا مصر
وحين حاولت بريطانيا الوقيعة بين عنصري الأمة تحول الهتاف إلى
يحيا الهلال مع الصليب
وأمام إرادة الشعب رضخت بريطانيا وأفرجت عن سعد ورفاقه
وحققت الثورة 1919 ( المنسية ) معظم أهدافها وتحقق الاستقلال وانضمت مصر إلى عصبة الأمم واعترفت بريطانيا باستقلال مصر وانحسر الوجود البريطاني في منطقة القناة
ورغم أن الثورة كانت سلمية تماما إلا أنها كان لها تنظيم سري قام بدور كبير في نجاح أهدافها
وكان يتلقى أوامره من سعد زغلول شخصياً وكان على رأسه عبد الرحمن فهمي واحمد ماهر
وكان التنظيم من الحيطة والحذر بحيث لا يعرف أعضاءه بعضهم البعض خوفاً من اكتشاف أمره ومعرفة صلة سعد زغلول به
وقد جاء وقت قرر فيه الجهاز إرهاب كل من يقبل الوزارة فى ظل الاحتلال البريطاني ودفعه إلى رفض ذلك، وصدر تكليف بإرهاب وزير يدعى محمد شفيق باشا قبل ثلاثة وزارات في ظل الاحتلال ونفى زعماء الوفد، وقد تطوع طالب يدعى عبدا لقادر شحاتة لتنفيذ المهمة، وبالفعل ألقى على الوزير قنبلة لإرهابه ونجا الوزير وقبض على الطالب ذي الواحد وعشرين عاماً واعترف، وحاول المحققون معرفة مكان وجوده قبل الحادث بيوم وضغطوا بقوة وخشي قادة الجهاز السري أن يعترف تحت وطأة التعذيب لأنه كان يبيت فى ذلك اليوم عند أحمد ماهر فى بيته ولو علم البوليس ذلك لانهار الجهاز السري تماما وربما فشلت الثورة .
وتلقى الطالب الفدائي رسالة من الجهاز السري تدعوه للقول بأنه كان يبيت فى اليوم المذكور عند ناظرة مدرسة الهلال السيدة دولت فهمى، وفوجئ عبد القادر شحاتة بسيدة جميلة تزوره وتقبله وتشهد أنه كان لديها قبل ارتكاب الجريمة وأنه يمتنع عن الكلام خوفاً على سمعتها، تختفي السيدة الجميلة ويعيش الفدائي الشاب في السجن على أمل اللقاء بتلك السيدة الفدائية التي ضحت بسمعتها من أجل الثورة ويبقى إلى أن يشاء الله ثم يخرج خلال وزارة سعد باشا زغلول عام 1924 ويبحث عن جميلة الثورة الفدائية، ويسأل كثيرين عنها ولا يجيبه أحد حتى يخبره أعضاء الجهاز السري أن أهلها علموا بشهادتها في القضية واصطحبوها معهم إلى المنيا في صعيد مصر وهناك ذبحوها ليستردوا شرفهم الضائع ويغسلوا عار العائلة، ولم يعلم أشقاء دولت فهمي أنهم قتلوا واحدة من أعظم فدائيات ثورة 1919.
ورغم ان الكاتب عبد العظيم رمضان أرخ لثورة 1919 وتعرض الى تنظيمها السري الا انه لم يذكر الدور العظيم الذي قامت به دولت فهمي
ويرجع ذلك أن دور التنظيم السري في أحداث الثورة ما زال غامضاً حتى الآن وربما هناك كثيرات غير دولت فهمي قاما بدور ربما أكثر مما قامت به دولت فهمي ولم تصل إلينا اخبارهن
ولولا كتابات مصطفى امين مؤسس أخبار اليوم والذي عاش في بيت الأمة بجوار سعد زغلول ( خال والدته )ما سمعنا عن دولت فهمي ولا عرفنا دورها العظيم في احداث ثورة 1919
لقد ذكرها مصطفى أمين فى ثلاثة كتب هى: شخصيات لا تنسى، الكتاب الممنوع والذى حوى أسرار ثورة 1919 وكتاب الـ200 فكرة.