السلامُ عليكمْ
سئل المتنبي عن نفسه وأبا تمام وعن البحتري فقال : " أبو تمام وأنآ حكيمآن أمآ الشاعر فالبحتري "
فيا ترى أي الادلة استنطق ، وبأيهآ استدل ؟
أبو تمام ذاع صيته في ظرف اقتحمه مدّ حركة الترجمة لعلوم الأوائل من هند وفرس ويونان ، فتشبع منها حتى حصف عقله واتسعّ قدرُ خياله
وذهب في تجويد المعاني فأكثر من الحكمِ اللاذعة في شعرة ، واستدل على الأمور بشآرات عقلية ومنطقية حتى أدى ذلك غالبا الى تعقيد بوحه ، فتحصرني مساجلة تولدتْ بين أبا تمام والعيثل الناقد المتمسك بالقديم إذ قال له : " يا أبا تمام لما تقول مالا يفهم ؟ " فرد عليه الآخرُ : " ولما لاتفهمُ مايقالُ ؟ "
فشعرُ ابي تمام لن يُفهم إلا بكد الذهن ، وجهد الفكر وهنا كلمة لابن الاعرابي اذ قال بعد ان استمع لقليل فيض أبي تمام : " إن كان هذا شعرآ فما قالته العربُ باطلٌ "
وقد لا يختلف اثنين ، أن المتنبي بلغ على المراتب في الشعر وشغل الناس لقول ابن رشيق : " ثم جاء المتنبي فملأ الدنيا وشغل الناس " وقد يستشف قارئ المتنبي معاني الطموع والتعالي ، أفليس هو مادح سيف الدولة في قوله :
على قدر أهل العزم تأتي العزائم ... وتأتي على قدر الكرام المكارمُ
وأمآ البحتري فقال عنه القدمآء : " لم يأت بعد أبي نوآس من هو أشعر من البحتري ولا بعد البحتري من هو أطبع منه في الشعر ولا أبعد منه في الخيال " . نشأ أمير الشعرآء في البادية ، فذهب بشعره عن مذاهب الحضريين ، فكان بوحه حسن الديباجة ، صقيل اللفظ ، سلس الاسلوب ، كسيلٍ ينحدر الى الاسماع ..
فنقف موقف شاعرية أمام ذاك الذي يقد المعنى من صخرة صمآء ، ويصوغ اللفظ من سلالة الماء .. إذ قال :
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكآ .... من الحسنِ حتى كاد أن يتكلما
ولهذا يقولُ ابن الاثير : " أمآ أبو تمام فإنه ربّ معان ـ وصلُ ألباب وأذهآن ، وقد شهد له بكل معنى مبتكر ولم يمش فيه على أثر "
وأمآ أبو عبادة البحتري فإنه أحسن في سبك اللفظ على المعنى ، أراد أن يشعر فغنى ، ولقد حاز طرفي الجزالة والرقة على الاطلاق "
فهنيئا لنا حكيمين وشآعر .. وغيرهمُ لا يعدّ ولا يحصى
أرجو أن تفيدكَ هذه ، وهي نفسهآ تعبيري "